أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-7-2019
1201
التاريخ: 4-08-2015
1078
التاريخ: 22-3-2018
607
التاريخ: 4-08-2015
1097
|
إذا كانت معرفة اللّه تعالى واجبة و هي لا تتمّ إلّا بالنّظر، فيكون النّظر واجبا، لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب، فثبت وجوب النّظر عقلا على كلّ مكلّف.
وأمّا كيفيّة النّظر و الاستدلال به؛ فيقول المكلّف: هذا العالم موجود، و كلّ موجود [فهو] إمّا قديم أو محدث ، لانحصار الموجود فيهما؛ فالعالم لا يخلو: إمّا أن يكون قديما أو محدثا، لا جائز أن يكون قديما، فتعيّن أن يكون محدثا، و إذا كان محدثا فهو مصنوع، و كلّ مصنوع لا بدّ له من صانع بالضّرورة.
وإنّما قلنا: انّ العالم لا يجوز له أن يكون قديما، لأنّ العالم: إمّا أجسام، أو أعراض حالّة في الأجسام، فلو كانت الأجسام قديمة، لكانت في القدم حاصلة في مكان، لأنّ ذلك لازم لها، لأنّ وجود جسم لا في مكان محال، و إذا كانت الأجسام في القدم في مكان؛ فإمّا أن تكون ثابتة فيه أولا؛ فإن كانت ثابتة فيه فهي السّاكنة، وإن لم تكن ثابتة فيه فهي المتحرّكة، فثبت أنّ كلّ جسم لا يخلو من الحركة والسّكون، [فلو كان الجسم قديما لكان في القدم: إمّا ساكنا أو متحرّكا]، والقسمان وهما: [كون الجسم] في القدم متحرّكا أو ساكنا، باطلان.
أمّا بطلان الحركة؛ فلأنّ ماهيّتها [أي: حقيقتها] تستدعي [أي: تقتضي] المسبوقيّة بالحصول الأوّل بالغير، لأنّ الحركة عبارة عن الحصول الأوّل في المكان الثّاني، فيكون مسبوقا بالحصول الأوّل [في المكان الأوّل] الّذي هو غيره، و المسبوق بغيره لا يكون قديما، لأنّ القديم هو: الّذي لا يسبقه غيره، فلا يعقل قدم الحركة، فثبت حدوث الحركة.
وأمّا السّكون؛ فلأنّه عبارة عن الحصول الثّاني في المكان الأوّل، و الحصول الثّاني مسبوق بالحصول الأوّل الّذي هو غيره، والمسبوق بغيره لا يكون قديما، فثبت حدوث السّكون أيضا، و ثبت أنّ كلّ جسم لا يخلو من الحوادث، [و كلّ ما لا يخلو من الحوادث] فهو حادث بالضّرورة، فثبت حدوث الأجسام.
وأمّا حدوث الأعراض؛ فلأنّها مفتقرة في وجودها إلى الأجسام المحدثة، و المحتاج الى المحدث أولى بالحدوث، فثبت حدوث العالم.
فيجب أن يكون له محدث بالضّرورة، و هو المطلوب. و لا يجوز أن يكون ذلك المحدث محدثا، و إلّا لافتقر إلى محدث آخر؛ فإمّا أن يتسلسل، أو يدور، أو يثبت المطلوب و هو إثبات مؤثّر غير محدث، و الدّور و التّسلسل باطلان [1] ، فثبت المطلوب.
أقول: لمّا ثبت حدوث العالم وجب احتياجه إلى صانع ضرورة احتياج كلّ صنعة إلى صانع، وهو المطلوب.
فنقول: إذا ثبت أنّ للعالم صانعا، فلا يجوز أن يكون [محدثا] مثله، لأنّه لو كان محدثا افتقر إلى محدث آخر بالضّرورة؛ فإن كان هو الأوّل لزم الدّور، و إن كان محدثا ثانيا أو ثالثا أو رابعا إلى غير النّهاية لزم التّسلسل، و هما باطلان- لما يأتي- فبطل أن يكون صانع العالم محدثا، فتعيّن أن يكون قديما، و هو المطلوب.
أمّا بطلان الدّور؛ فلأنّه عبارة عن توقّف كلّ شيء من الشّيئين على الآخر [فيما] توقّف عليه فيه، فإذا كان كلّ واحد من الشّيئين موجدا للآخر، فاذا فرض أحدهما مؤثّرا في الآخر: كان الّذي هو أثّر موقوفا على مؤثّره، ضرورة توقّف الأثر على المؤثر، فلو فرض أنّ الآخر مؤثّر فيه: كان موقوفا عليه أيضا، فيكون موقوفا على علّته و على ما تتوقّف عليه علّته و هو نفسه، فيلزم أن يكون كلّ واحد منهما متوقّفا على نفسه، و توقّف الشّيء على نفسه محال، لأنّ المتوقّف متأخّر، و المتوقّف عليه متقدّم، فيلزم أن يكون كلّ واحد منهما متقدّما على نفسه متأخّرا عنها، و المتقدّم من حيث هو متقدّم موجود، و المتأخّر من حيث هو مؤخّر معدوم، فيلزم أن يكون الشّيء الواحد في [زمان واحد] موجودا، معدوما، و هو باطل بالضّرورة.
و أمّا بطلان التّسلسل؛ فلأنّه يلزم منه وجود امور غير متناهية مترتّبة من العلل و المعلولات في الوجود، و هو محال.
و أيضا: فإنّا إذا فرضنا سلسلة غير متناهية من المحدثات، و كلّ محدث ممكن؛ فمجموعها ممكن، و الممكن لا وجود له من نفسه، فيحتاج إلى مؤثّر، فالمؤثّر فيه: إمّا نفسه، أو جزؤه، أو الخارج منه . لا جائز أن يكون المؤثّر فيه نفسه، لاستحالة تأثير الشّيء في نفسه، لأنّ المؤثّر متقدّم على أثره، و الشّيء لا يتقدّم على نفسه، و لا جائز أن يكون المؤثّر فيه جزؤه، و إلّا لزم أن يكون ذلك الجزء مؤثّرا في [الجميع لأنّ المؤثّر في الجملة مؤثّر في] كلّ واحد من أجزائها، و من جملة الأجزاء نفسه و علله، فيلزم أن يكون مؤثّرا في نفسه و في علله، و هو محال. فبقي أن يكون المؤثّر فيها خارجا عنها، و هو الواجب، فثبت بطلان التّسلسل، و إذا بطل الدّور و التّسلسل، ثبت أنّ صانع العالم قديم، و هو المطلوب.
_________________
[1] معنى الدّور أن يوجد شيئان، كلّ واحد منهما علّة للآخر، و بطلانه واضح، لأنّه يستلزم توقّف الشّيء على نفسه، مثال قول الشّاعر:
مسألة الدّور جرت بيني و بين من أحب
لو لا مشيبي ما جفا لو لا جفاه لم أشب
يقول الشّاعر: إن حبيبه جفاه لشيبه، و انّ الشّيب حصل أوّلا، ثمّ أعقبه الجفاء، ثمّ ناقض نفسه، و قال: انّ الشّيب كان من جفاء الحبيب، أي: انّ الجفاء حصل أوّلا ثمّ أعقبه المشيب، فيكون كلّ من الجفاء و الشّيب متقدّما و متأخّرا في آن واحد، و بالتّالي يكون الشّيء متقدّما على نفسه و كذا لو قلت: لا يوجد المساء إلّا بعد الصّباح، و لا يوجد الصّباح إلّا بعد المساء.
ومعنى التّسلسل أن يفرض وجود حوادث أو أفراد من جنس واحد لا تتناهى في جانب الماضي، و كلّ فرد مسبوق بغيره على أن يكون السّابق علّة للّاحق، و هو جائز في جانب المستقبل و الأبد، كالأعداد، فإنّها تقبل الزّيادة، و لا يمنع العقل من عدم تناهيها، أمّا التّسلسل في جانب الماضي و الأزل بحيث لا يكون لها أوّل فمحال، لأنّ الأفراد إذا لم تنته إلى موجود بالذّات يلزم أن لا يوجد شيء أبدا، فلو افترضنا أنّ كلّ فرد من أفراد الإنسان لا بدّ أن يولد من إنسان مثله، كانت النّتيجة المنطقيّة أنّه لم يوجد إنسان أبدا، تماما كما لو قلت: لا يدخل أحد إلى هذه الغرفة حتّى يدخلها إنسان قبله، فتكون النّتيجة- و الحال هذه- أن لا يدخل الغرفة أحد، حيث يصبح المعنى: أنّ دخول الإنسان الغرفة شرط في دخوله إليها، و بديهة أنّ الشّيء الواحد لا يكون شرطا لنفسه بنفسه، و لا علّة و معلولا لها في آن واحد لشيء واحد. معالم الفلسفة الإسلاميّة: 53.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|