أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-01-2015
3119
التاريخ: 10-02-2015
4000
التاريخ: 30-01-2015
3425
التاريخ: 23-01-2015
8722
|
كانت معركة بدر الكبرى تحمل دلالات عظيمة في المواجهة المتفاقمة بين الايمان والشرك. فقد كانت تلك المعركة تحمل مفاتيح الانتصار او الهزيمة لكلا الطرفين المتصارعين. وحتى ان الرعب الذي دبّ في صفوف المشركين من سيف رسول الله (صلى الله عليه واله) وسيف علي (عليه السلام) وسيوف بقية المسلمين، والملائكة التي ساهمت في تكثير عدد المسلمين، كانت له ظروفه النفسية والقانونية التي تفصح عن قوة الايمان الخارقة واستحالة التعايش السلمي بين الشرك والايمان.
1- علي (عليه السلام): قتل النصف ممن قُتل ببدر:
لقد افرغ الامام (عليه السلام) طاقته البطولية في اول معركة يخوضها ضد الشرك. فقد بثّ في ساحة المعركة رعباً نفسياً حقيقياً في قلوب المشركين. وكان (عليه السلام) اداة السماء في القاء الرعب في قلوبهم. فغيّرت تلك البطولة سلوك المشركين وبدلته من هجوم وشيك ضد المسلمين الى فرار اكيد وهزيمة نكراء وتحطيم لادارة الشرك والوثنية.
أ- المغزى العسكري:
ان التوازن التسليحي بين جيشي المشركين والمسلمين _ على قلة عدد المسلمين _ يدعونا الى التأمل في اهمية الشجاعة الفردية ودورها الحاسم في نتيجة المعركة. فقد كان الفرَس والسيف والرمح والدرع ادوات المعركة واسلحتها. وتلك الاسلحة كانت تعطي المعركة نوعاً من الثبات الاستراتيجي، وتكشف عن شجاعة المقاتلين وبراعتهم في خوض القتال ببسالة. وهنا كان دور علي (عليه السلام) في المعركة حاسماً، لان بطولته الفريدة كانت ركناً اساسياً في انتصار المسلمين.
فلا شك ان قتله ذلك العدد الكبير من ابطال المشركين، كان لابد ان يقلب التوازن العسكري المتعارف بين الفريقين. ذلك لان تلك البطولة الفريدة ادخلت عاملاً جديداً على ساحة المعركة، وهو العامل النفسي. فالرعب النفسي الذي اصاب المشركين يوم بدر جعلهم يفرون من ساحة المعركة مذعورين.
وقد اشار القرآن الكريم في مواطن متعددة _ في بدر وغيرها _ عن انزال الرعب في قلوب المشركين من قبل الله سبحانه وتعالى. ولا شك ان لله جنوده في بثّ الرعب فيهم. فكان (عليه السلام) احد هؤلاء الجنود المكلّفين بتلك المهمة الشاقة. فقال سبحانه وتعالى في خصوص غزوة اُحد عندما حثهم على طاعته ونبههم على ان هزيمة المسلمين كانت من قبل انفسهم، لا منه عزّ وجلّ{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} [آل عمران: 151] وفي خصوص غزوة بدر: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} [الأنفال: 12]. وفي خصوص واقعة الخندق وما اعقبها من امر بني قريظة من اليهود: {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا} [الأحزاب: 26] ، وفي خصوص اجلاء بني النضير من اليهود لما نقضوا العهد بينهم وبين المسلمين، ومقاتلة المسلمين لهم: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} [الحشر: 2]، فكان وعداً جميلاً من الله سبحانه بان المؤمنين سينصروَن بالرعب، وقد كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يذكر ذلك فيما حباه الله تعالى وخصه به من بين الانبياء (عليه السلام).
فغيّر ذلك العامل النفسي ميزان المعركة، مع ان جيش المسلمين لم يتجاوز ثلث جيش المشركين مع قلة العدة وشحّة الحديد. ولا شك ان تلك الشجاعة _ مضافاً الى عوامل اُخرى كالوعد الالهي بالنصر، ونزول الملائكة لتكثير عدد المسلمين في عيون الاعداء _ ولّدت عند المقاتلين حماساً واندفاعاً نحو الاستمرار في القتال حتى النصر النهائي على الشرك في الارض. وقلّة عدد المقاتلين في الطرف الاسلامي، والامداد الالهي عبر نزول الملائكة، لم يلغِ اهمية الحرب واحقيتها.
بل ان معركة بدر الكبرى كانت حرباً حتمية ضد المشركين كان لابد لها ان تقع. ذلك لانها كانت حالة دفاعية ضد هجوم وشيك من قبل قريش، وكانت عقوبة على جرائمهم في عبادة الاوثان، وكانت تعويضاً للمسلمين عما خسروه في مكة من مال ونفس وعرض. ولا شك ان انتصار المسلمين في معركة بدر الكبرى فتح البوابة لتثبيت دين التوحيد على الارض، واقامة العدالة في العالم.
وكانت اخلاقية رسول الله (صلى الله عليه واله) المستمَدة من الدين كفيلة بتحقيق ذلك، خصوصاً اذا ما علمنا بان رحمة الاسلام وتعاليمه واخلاقيته في القتال كان قد سجلها التأريخ بكثير من الاكبار والاجلال.
فالتأريخ عندما يتحدث عن المعارك فانه يمرّ على عللها واسبابها وبداياتها ونهاياتها بشكل سريع عابر، ولكنه يتوقف عند اخلاقية الاطراف المتحاربة. فيدرس سلوك المتحاربين واخلاقيتهم على ساحة المعركة. فالعظمة في شخصية المقاتل تتبلور عندما يتصرف ذلك المقاتل بوحي عقيدته، تحت ظل السيوف. بمعنى ان السيف اذا كان مرفوعاً على اساس الحق، فانه يكون سيفاً عادلاً لا يظلم ولا يجحف ولا ينتهك حرمات الناس. وقد كان علي (عليه السلام) قمة في ذلك. فقد كان يرفع السيف عن مدبِرهم، ولا يجهز على جريحهم، ولا يقاتل الا طغاتهم واعاظم مجرميهم.
ولذلك فان قتله (عليه السلام) للنصف ممن قُتل في بدر قد احدث ضجة نفسية عظيمة في صفوف المشركين وقلوبهم لم يخمد صداها ابداً. فقد كان ظهوره (عليه السلام) بتلك القوة الخارقة وهو في فورة الشباب، قد خلق صورة حقيقية من الرعب والقلق في نفوس المقاتلين عند عبدة الاوثان والاصنام. وبقيت تلك الصورة المرعبة شاخصة في كل المعارك التي خاضها فيما بعد. فمن الذي يواجه علياً (عليه السلام) فيفري جلده ويدخله جحيم الدنيا قبل الآخرة؟
ب- المغزى النفسي:
ان الحرب النفسية ضد العدو في ساحة القتال او حولها لا تقتصر على الدعاية الاعلامية. فالهدف من الحرب النفسية هو التأثير على رأي العدو وسلوكه في المعركة دون استخدام الموارد العسكرية والسياسية والاقتصادية. وبتعبير آخر، ان هدف الحرب النفسية هو اشعار العدو بان الجيش المقابل يمتلك اسلحة مادية وغير مادية تستطيع ان تحقق نصراً حاسماً في تلك المعركة. فكيف يستطيع المسلمون في تلك اللحظات الحاسمة اشعار العدو بانهم يمتلكون سلاحاً خارقاً يستطيع ان يحقق نصراً حاسماً عليهم؟ لا شك ان ذلك يتطلب امرين:
الاول: سلاح غير منظور قادر على محاربة العدو حرباً نفسية شرسة، وذلك بتكثير عدد المقاتلين في اعين العدو. فكانت ملائكة الرحمن التي ارسلها الله سبحانه، واشار لها الذكر الحكيم بالقول: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9].
الثاني: سلاح منظور يراه العدو ويلمسه ويحسّ بعمق آثاره ومقتضياته، وهو علي بن ابي طالب (عليه السلام) البطل الذي ليس له مثيل.
فقد كانت البطولة الخارقة للامام (عليه السلام) احدى الوسائل المهمة لتلك الحرب النفسية. فقد قلبت بطولة الامام (عليه السلام) سلوك ابطال المشركين وجعلتهم ينهزمون امامه كالنمور المجروحة الكسيرة.
فالبطولة تحت هذا العنوان، كانت عملاً رمزياً خارقاً قام به علي (عليه السلام) من اجل اقناع الطرف المقابل بالفرار من ساحة المعركة. وقد وقع ذلك فعلاً، فبدأت فرسان العرب من المشركين تسابق الريح حتى لا يمسها حسام علي بن ابي طالب (عليه السلام).
وهذه الحرب النفسية افضل من الدعاية المنظّمة التي تستخدمها الجيوش بأمل تغيير سلوك العدو. ذلك لان الخطة التي استخدمها الامام (عليه السلام) لم تحتج الى عيون وجواسيس تنظر للعدو، ولم تحتج الى عمليات انتقام وحشية من اجل ارعابه، ولم تحتج الى عمليات لتنظيف دماغه او غسله. بل كانت شجاعة فائقة لبطل واحد، وضعت المعركة النفسية في الاطار الصحيح. فتلك المعركة النفسية كانت بحاجة الى سيف واحد وهو سيف ذو الفقار، والى فتى شجاع واحد وهو علي (عليه السلام) وعندها كانت المعركة النفسية في بدر الكبرى تحاول افساد علل المشركين الذين خرجوا الى تلك الآبار وفي قناعاتهم انهم سيهزمون المسلمين هزيمة قاسية سوف تتحدث عنها العرب مئات السنين.
ولكن سيف الامام (عليه السلام) قلب المعركة النفسية ضدهم لانه (عليه السلام) بقتل النصف ممن قُتل ببدر قد حطم اراداتهم ودمر نظامهم العسكري عبر قتله النخبة من ابطالهم.
وبطبيعة الحال، فان للحرب النفسية دوراً مؤثراً وفعالاً في تغيير موازين المعركة وقلبها ضد العدو. وفي ضوء هذا الاصل نستطيع ترتيب النقاط التالية:
1- ان الحرب النفسية تعدّ اليوم السلاح الرابع بعد سلاح الجو والبحر والبر، لانها اثبتت فعاليتها في تغيير سلوك العدو ونفسيته بما يخدم مصالح الطرف المحارِب.
2- كانت البطولة الشخصية في ذلك الزمان اهم الاسلحة والادوات في الحرب النفسية الناجحة. اما اليوم، فبسبب تقدم وسائل الاتصالات، فان الحرب النفسية اصبحت تتخذ أشكالاً اُخرى وانماطاً مختلفة. الا ان الهدف في كليهما ينحصر في دائرة واحدة وهي تغيير سلوك العدو. وهذا هو ما حققه سيف علي (عليه السلام) في بدر.
3- يمكن قياس فعالية الحرب النفسية ضد العدو عن طريق احصاء حناجر الفارين من المشركين وصيحاتهم في ساحة المعركة في بدر. كما يمكن قياس فعالية الحرب النفسية الحديثة عن طريق تغير الرأي العام واحساسه بالاحباط والهزيمة النفسية.
وكانت الخصائص البطولية للامام (عليه السلام) في عموم الحرب النفسية ضد المشركين تتضافر في ثلاثة وجوه:
الاول: معرفته الدقيقة بأفراد العدو من النخبة، وضبطهم في ساحة المعركة لمصارعتهم. ولنطلق عليه اصطلاح «تحديد الهدف»، كمبارزته الوليد بن عتبة، والعاص بن سعيد بن العاص، وحنظلة بن ابي سفيان وطعيمة بن عدي، ونوفل بن خويلد.
الثانية: الخب والمواعظ والاشعار التي كان يستخدمها (عليه السلام) في زعزعة ثقة العدو بنفسه، في مواطن اُخرى بالاضافة الى بدر. مثل قوله لعمرو بن عبد ود في وقعة الاحزاب:
لا تعجلنّ فقد اتا ك مجيب صوتك غير عاجزِ
ذو نبهة وبصيرة والصدق منجا كل فائزِ
اني لارجو ان اقيم عليك نائحة الجنائزِ
من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزائزِ
وقوله (عليه السلام) عند مبارزة مرحباً:
انا الذي سمّتني امّي حيدرة كليث غابات كريه المنظرة
أوفيهم بالصاع كيل السندرة
وقوله (عليه السلام) عند مبارزة ابي جرول يوم حُنين:
قد علم القوم لدى الصياح اني لدى الهيجاء ذو نصاح
ولنطلق عليه اصطلاح «زعزعة الهدف».
الثالث: الهجوم على العدو بكل بسالة، بدل الانتظار من اجل الدفاع. فالهجوم هو الذي يحقق الوصول الى الهدف وتحقيق المطلب بقتل العدو.
ففي «الارشاد» للشيخ المفيد (ت 413 هـ) ان امير المؤمنين (عليه السلام): «بارز العاص بن سعيد بن العاص بعد ان احجم عنه من سواه فلم يلبث ان قتله، وبرز اليه حنظلة بن ابي سفيان فقتله، وبرز اليه بعده طعيمة بن عديّ فقتله. وقتل بعده نوفل بن خويلد وكان من شياطين قريش، ولم يزل يقتل واحداً منهم بعد واحد حتى أتى على شطر المقتولين منهم وكانوا سبعين رجلاً، تولّى كافة من حضر بدراً من المسلمين مع ثلاثة آلاف من الملائكة المسوّمين قتل الشطر منهم، وتولّى امير المؤمنين (عليه السلام) قتل الشطر الآخر وحده.
وفي «الارشاد» ايضاً: قد اثبتت رواة العامة والخاصة معاً اسماء الذين تولّى امير المؤمنين (عليه السلام) قتلهم ببدر من المشركين على اتفاق فيما نقلوه من ذلك واصطلاح. فكان ممن سمّوه: الوليد بن عتبة كما قدمنا وكان شجاعاً جريّاً وقاحاً فتاكاً تهابه الرجال. والعاص بن سعيد وكان هولاً عظيماً تهابه الابطال، وهو الذي حاد عنه عمر بن الخطاب. وطعيمة بن عديّ بن نوفل وكان من رؤوس اهل الضلال. ونوفل بن خويلد وكان من اشد المشركين عداوة لرسول الله (صلى الله عليه واله)، وكانت قريش تقدمه وتعظمه وتطيعه، وهو الذي قرن ابا بكر وطلحة قبل الهجرة بمكة وأوثقهما بحبل وعذبهما يوماً الى الليل حتى سُئل امرهما. ولما عرف رسول الله (صلى الله عليه واله) حضوره بدراً سأل الله ان يكفيه امره فقال: اللهم اكفني نوفل بن خويلد، فقتله امير المؤمنين (عليه السلام).
وقتل (عليه السلام) ايضاً: زمعة بن الاسود، والحارث بن زمعة، والنظر بن الحارث بن عبد الدار، وعمير بن عثمان بن كعب بن تيم عم طلحة بن عبد الله، وعثمان ومالك ابني عبيد الله اخوي طلحة بن عبيد الله، ومسعود بن ابي امية بن المغيرة، وقيس بن الفاكه بن المغيرة، وحذيفة بن ابي حذيفة بن المغيرة، وأبا قيس بن الوليد بن المغيرة، وحنظلة بن ابي سفيان، وعمرو بن مخزوم، وابا منذر بن ابي رفاعة، ومنبّه بن الحجاج السهمي، والعاص بن منبه، وعلقمة بنكلدة، وابا العاص بن قيس بن عديّ، ومعاوية بن المغيرة بن ابي العاص، ولوذان بن ربيعة، وعبد الله بن المنذر بن ابي رفاعة، ومسعود بن امية بن المغيرة، وحاجب بن السائب بن عويمر، وأوس بن المغيرة بن لوذان، وزيد بن مليص،وعاصم بن ابي عوف، وسعيد بن وهب حليف بني عامر، ومعاوية بن [عامر بن] عبد القيس، وعبد الله بن جميل بن زهير بن الحارث بن اسد، والسائب بن مالك، وابا الحكم بن الاخنس، وهشام بن ابي امية بن المغيرة.
فذلك خمسة وثلاثون رجلاً سوى من اختلف فيه او شرك امير المؤمنين (عليه السلام) فيه غيره.
وليس غريباً ان يقول اسيد بن ابي اياس شعراً يحرّض مشركي قريش على علي (عليه السلام) كما ذكره صاحب «الارشاد» و«المناقب»:
في كلّ مجمع غاية أخزاكم جزعٌ أبرّ على المذاكي القرّح
لله درّكُم ألّما تنكروا قد ينكر الحرّ الكريم ويستحي
هذا ابن فاطمة الذي أفناكم ذبحاً وقتلة قعصة لم تذبح
أعطوه خرجاً واتقوا تضريبه فعل الذليل وبيعة لم تربح
أين الكهول وأين كل دعامة في المعضلات وأين زين الابطح
أفناهم قعصاً وضرباً يفترى في السيف يعمل حدّه لم يصفح
ج- آثار قتل النصف: الرعب!!
قال سبحانه وتعالى وهو يتوعد الكافرين: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 151] وهو وعدٌ جميل للمؤمنين بأنهم سينصروَن بالرعب.
وحالة الرعب تعدُّ سلوكاً دفاعياً من قبل الانسان اذا واجه موقفاً هائلاً، وعندها يتحفز فيه جهازه العصبي ويتزلزل. فالرعب هو حالة نفسية يختبرها الانسان الخائف لاجتناب الموت عبر الفرار او انهيار الاعصاب او الخلط على اقلّ التقادير. فالرعب في ساحة المعركة مرتبط بالاحساس بالخوف من المصير المجهول الذي سيواجه ذلك المرعوب.
وعندما يدبّ الرعب في طرف منكسر حربياً، فانّ الدافع نحو القتال سينكسر ويتشتت الجمع وتنحل فلوله. وأول ما يفكر به الجندي عند شعوره بالهزيمة النفسية، هو الفرار من ساحة المعركة. والفرار من الساحة يعني التخلي عن كل مستلزمات المقاتلة، وعندها تنفتح ابواب الانتصار للطرف المقابل. وما حصل في معركة بدر هو صورة حقيقية لهذا المنظر الذي لا يتكرر غالباً في المعارك. فبعد مقتل سادة قريش وأبطالهم من قبل الامام (عليه السلام) وبقية المسلمين ومشاركة الملائكة في الحرب النفسية، تشتت جمع المشركين وانكسرت شوكتهم.
والقاعدة ان الرعب حالة نفسية مشروطة تترك آثارها على الانسان الخائف او المرعوب على مستويين:
الاول: ان الرعب او الخوف الشديد يغيّر الدوافع الثانوية الباطنية عند الانسان، فيتغيّر عندها سلوكه على المدى البعيد. فعندما يكون الخوف دافعاً من دوافع السلوك، فان الخائف يكون اقرب الى سماع صوت الحق من الانسان الذي لا يعرف الا التحدي والطغيان والغطرسة.
الثاني: ان الخوف المشروط بشروط الظرف الخارجي، يغيّر سلوك الانسان الخائف وطبيعته عندما يكون الشرط قائماً. فاذا كان خوف المشركين هو احد آثار بطولة علي (عليه السلام) الخارقة، فان رعبهم لا يزول الا بزوال ذلك الظرف الخارجي. ووجود هذا الشرط الخارجي _ أي بطولة علي (عليه السلام) _ على ساحة الحرب يدفع بالمقاتل المرعوب الى الهرب من ساحة المعركة. فان الرعب الذي اصاب المشركين من سيف علي (عليه السلام) وهو الذي دخل المعركة الكبرى لاول مرة، كان رعباً حقيقياً دفعهم تحت قساوة الظرف الخارجي، الى الهزيمة والفرار من ساحة المعركة. وهي اول معركة رئيسية ضد الدين الجديد.
ذلك ان الرعب في المعركة يجعل المرعوب يعيش حالة نفسية واحدة وهي الضعف التام والعقم والعجز عن انجاز أي مكسب. وعندها يكون الفرار من القتال، الاسلوب الامثل بالخروج من ذلك المأزق الذي وُضع فيه. وكان ذلك في بدر يعني انتصاراً للدين الجديد ضد قوى الشرك المتمرسة في القتال والنهب والسلب وتسفيه عقيدة المستضعفين.
واذا ساور الرعبُ الانسانَ مرةً، فانه يبقى معه يتجدد كلما تجددت الظروف الخارجية التي أنشأته. بمعنى ان الذي خاف سيف علي (عليه السلام) وبطولته الخارقة في معركة بدر، فانه سيخافه في كل معركة لاحقة يلتحم فيها الطرفان. والرعب الذي اصاب المشركين المقاتلين في بدر، ترك آثاره على معركة اُحد أيضاً. فما ان بدأت الحرب ورأى المشركون سيف ذي الفقار يلمع ساطعاً تحت وهج شمس المعركة حتى انكسرت جفون سيوفهم وأداروا مسار خيولهم، وفرّوا مسرعين يولون الدبر. ولكن ما حصل في اُحد في المرحلة الثانية من المعركة من خسائر، كان بسبب عصيان الرماة لاوامر رسول الله (صلى الله عليه واله) كما سنرى في الفصل القادم بإذنه تعالى.
والذي حصل في الخندق لاحقاً، عندما برز علي (عليه السلام) لعمرو بن عبد ود وصرعه على مرأى من الجيشين يحكي نفس القصة، فانهزم عندها ابو سفيان وجنوده تحت جنح الليل بزعم انهم لا يستطيعون مقاتلة السماء التي تمثّلت بـ: سيف علي (عليه السلام)، والريح العاتية، ودعاء رسول الله (صلى الله عليه واله).
وبالاجمال، فان قتل ذلك العدد من المشركين في معركة بدر من قبل بطل واحد ترك رواسب الخوف والرعب في قلوب المشركين: {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12]، وجعل المعركة بالنسبة لهم قضية لا يمكن ادارتها لصالحهم. فكان هروب المشركين وتوليهم عن الزحف وهزيمتهم القاسية، اهم آثار بطولة الامام (عليه السلام).
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|