أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-5-2016
3178
التاريخ: 27-10-2015
6804
التاريخ: 2023-11-11
2204
التاريخ: 17-10-2015
3835
|
وقعت غزوة تبوك في شهر رجب من السنة التاسعة للهجرة. وقصتها ان «رسول الله (صلى الله عليه واله) امر اصحابه بالتهيؤ لغزو الروم، وذلك في زمان عُسرة الناس، وشدة من الحر، وجدبٍ من البلاد. وحين طابت الثمار، والناس يُحبّون المقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون الشخوص على الحال من الزمان الذي هم عليه. وكان رسول الله (صلى الله عليه واله) قلّما يخرج في غزوة الا كَنَى عنها، وأخبر انه يريد غير الوجه الذي يصمد له (أي الذي يقصده)، الا ما كان من غزوة تبوك، فانه يبّنها للناس لبعد الشُّقة (أي بُعد المسير)، وشدة الزمان، وكثرة العدو الذي يصمد له، ليتأهب الناس لذلك اُهبَته، فأمر الناس بالجهاز، واخبرهم انه يريد الروم.
يروى ان رسول الله (صلى الله عليه واله) قال ذات يوم، وهو في جهازه ذلك، للجَدّ بن قيس: يا جَدّ، هل لك العام في جِلاد بني الاصفر (يعني اهل الروم)؟ فقال: يا رسول الله، أو تأذن لي ولا تفتنّي؟ فوالله لقد عرف قومي انه ما من رجل بأشدّ عُجباً بالنساء مني، واني اخشى ان رأيت نساء بني الاصفر ان لا اصبر، فأعرض عنه رسول الله (صلى الله عليه واله) وقال: أذنت لك. ففي الجَدّ بن قيس نزلت هذه الآية: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: 49].
أي ان كان انما خشى الفتنة من نساء بني الاصفر، وليس ذلك به، فما سقط فيه من الفتنة اكبر، بتخلفه عن رسول الله (صلى الله عليه واله)، والرغبة بنفسه عن نفسه.
وقال قوم من المنافقين بعضهم لبعض: لا تنفروا في الحرِّ، زهادة في الجهاد، وشكّاً في الحق، وإرجافاً برسول الله (صلى الله عليه واله)، فأنزل الله تبارك وتعالى: {وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ * فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة: 81، 82].
وسار جيش رسول الله (صلى الله عليه واله) قاصداً تبوك في تلك السفرة الشاقة، وعندما انتهى (صلى الله عليه واله) اليها اتاه «يُحنَّةَ بن رأبة» صاحب أثِلة، فصالح رسول الله (صلى الله عليه واله) واعطاه الجزية. واتاه اهل جرباء وأذرُح، فاعطوه الجزية. فكتب رسول الله (صلى الله عليه واله) لهم كتاباً هذا نصه: «بسم الله الرحمن الرحيم: هذه أمَنَةٌ من الله ومحمد النبي رسول الله لِيُحَنَّةَ ابن رؤبة واهل ايلة، سفنهم وسيارتهم في البر والبحر: لهم ذمة الله، وذمة محمد النبي، ومن كان معهم من اهل الشام، واهل اليمن، واهل البحر. فمن احدث منهم حدثاً، فانه لا يحول ماله دون نفسه، وانه طيبٌ لمن اخذه من الناس، وانه لا يحل ان يمنعوا ماءً يرونه، ولا طريقاً يريدونه، من بر او بحر».
وانتهت غزوة تبوك بالجزية دون قتال. وكأن رسول الله (صلى الله عليه واله) كان يعلم ان الامر سينتهي الى الجزية دون قتال، ولذلك فقد ابقى علياً (عليه السلام) في المدينة خليفةً عليها.
فكانت تلك الغزوة تقتضي اما ان يبقى رسول الله (صلى الله عليه واله) واما علي (عليه السلام) في المدينة ويذهب الآخر مع الجيش لقتال المشركين، بسبب بُعد المسافة، وضرورة وجود مدير يدير عاصمة الاسلام ويدافع عنها وقت الحاجة. فاختار رسول الله (صلى الله عليه واله) ان يُبقي علياً (عليه السلام) في المدينة. فاستغل المنافقون ذلك وهوّلوا له. فقد روى الهيثمي: «ان رسول الله (صلى الله عليه واله) قال لعلي حين اراد ان يغزو: انه لابد من ان اقيم او تقيم. فخلّفه. فقال ناس: ما خلّفه الا شيء كرهه، فبلغ ذلك علياً، فأتى رسول الله (صلى الله عليه واله) فأخبره، فتضاحك ثم قال: يا علي، اما ترضى ان تكون مني بمنـزلة هارون من موسى؟ ألا انه ليس نبي بعدي»، وكان التضاحك من قبل رسول الله (صلى الله عليه واله) _ لو صدقت الرواية _ دالاً على تفاهة الشبهة التي اثارها المنافقون. فامضى (صلى الله عليه واله) دور علي (عليه السلام) وجعله بقية النبوة في غيابه (صلى الله عليه واله).
وفي رواية اخرى رواها النسائي: «لما غزا رسول الله (صلى الله عليه واله) غزوة تبوك خلّف علياً (كرم الله وجهه) في المدينة، قالوا فيه: ملّه وكره صحبته، فتبع علي (رضي الله عنه) النبي (صلى الله عليه واله) حتى لحقه في الطريق، قال: يا رسول الله، خلفتني بالمدينة مع الذراري والنساء حتى قالوا: ملّه وكره صحبته؟ فقال النبي (صلى الله عليه واله): يا علي انما خلّفتك على اهلي، اما ترضى ان تكون مني بمنـزلة هارون من موسى غير انه لا نبي بعدي».
وبكلمة، فان النبي (صلى الله عليه واله) عندما خرج الى تبوك اناب علياً (عليه السلام) عنه في اهله. فانتهز الاعداء ذلك فقالوا: ان رسول الله (صلى الله عليه واله) تركه كرهاً واستثقالاً. فقال (صلى الله عليه واله): لقد كذبوا، انما خلّفتك لمن تركتهم ورائي فارجع واخلفني في اهلي واهلك. وقد تأوّل قوله تعالى: {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 142]، ثم اردف (صلى الله عليه واله) قائلاً موجهاً كلامه الى علي (عليه السلام): اما ترضى يا علي ان تكون مني بمنـزلة هارون من موسى؟ فعلي من النبي (صلى الله عليه واله) في المرتبة في امور الدين كهارون من موسى. والى ذلك اشار ابن ابي الحديد: «... فقد كان معاوية حاضراً يوم الغدير، لانه حج معهم حجة الوداع، وقد كان ايضاً حاضراً يوم تبوك حين قال له بمحضر من الناس كافة: انت مني بمنـزلة هارون من موسى»
صور من غزوة تبوك:
هذه صور مختلفة عن الغزوة تحكي قصص التضحية والايثار والاخلاص التي كان يصوغها المؤمنون الاوائل، وتحكي ايضاً قصة الندم على تباطؤ بعض المؤمنين في اداء تكليفهم الشرعي.
1 - «... ثم مضى رسول الله (صلى الله عليه واله) سائراً، فجعل يتخلَّف عنه الرجل، فيقولون: يا رسول الله، تخلّف فلان، فيقول: دعوه، فان يك فيه خيرٌ فسيلحقه الله تعالى بكم، وان يك غيرذلك فقد اراحكم الله منه. حتى قيل: يا رسول الله، قد تخلّف ابو ذر، وأبطأ به بعيره. فقال: دعوه، فان يك فيه خير فسيلحقه الله بكم، وان يك غير ذلك فقد اراحكم الله منه ؛ وتلوَّم ابو ذر على بعيره، فلما ابطأ عليه، أخذ متاعه فحمله على ظهره. ثم خرج يتبع اثر رسول الله (صلى الله عليه واله) ماشياً. ونزل رسول الله (صلى الله عليه واله) في بعض منازله، فنظر ناظر من المسلمين، فقال: يا رسول الله، ان هذا الرجل يمشي على الطريق وحده. فقال رسول الله (صلى الله عليه واله): (كُن ابا ذر) فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله، هو والله ابو ذر. فقال رسول الله (صلى الله عليه واله): (رحم الله ابا ذر يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده). [وبعد ان دارت الايام] ونفى عثمان ابا ذر الى الرَّبَذة واصابه بها قدره، لم يكن معه احد الا امرأته وغلامه، فأوصاهما ان اغسلاني وكفناني، ثم ضعاني على قارعة الطريق، فاول ركب يمر بكم فقولوا: هذا ابو ذر صاحب رسول الله (صلى الله عليه واله) فأعينونا على دفنه. فلما مات فعلا ذلك به، ثم وضعاه على قارعة الطريق ؛ واقبل عبد الله بن مسعود في رَهطٍ من اهل العراق عُمّار، فلم يَرُعْهم الا بالجنازة على ظهر الطريق، قد كادت الابل تطؤها. وقام اليهم الغلام. فقال: هذا ابو ذر صاحب رسول الله (صلى الله عليه واله)، فأعينونا على دفنه. قال: فاستهلّ عبد الله بن مسعود يبكي ويقول: صدق رسول الله (صلى الله عليه واله)، تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتُبعث وحدك. ثم نزل هو واصحابه فواروه، ثم حدثهم عبد الله بن مسعود حديثه، وما قال له رسول الله (صلى الله عليه واله) في مسيره الى تبوك.
2 - ان ابا خيثمة رجع - بعد ان سار رسول الله (صلى الله عليه واله) اياماً - الى اهله في يوم حار، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطِه (أي بستانه) ، قد رشت كل واحدة منهما عريشها، وبرَّدت له فيه ماءً، وهيأت له فيه طعاما. فلما دخل قام على باب العريش، فنظر الى امرأتيه وما صنعتا له. فقال: رسول الله (صلى الله عليه واله) في الضِّحّ (أي الشمس) والريح والحر، وابو خيثمة في ظلٍّ بارد، وطعام مهيأ، وامرأةٍ حسناء، في ماله مقيم، ما هذا بالنَّصَف! ثم قال: والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله (صلى الله عليه واله)، فهيِّئا لي زاداً، ففعلتا. ثم قدم ناضحه فارتحله، ثم خرج في طلب رسول الله (صلى الله عليه واله) حتى ادركه حين نزل تبوك ... حتى اذا دنا من رسول الله (صلى الله عليه واله) وهو نازل بتبوك. قال الناس: هذا راكب على الطريق مُقبل. فقال رسول الله (صلى الله عليه واله): كن أبا خثيمة. فقالوا : يا رسول الله ، هو والله أبو خثيمة. فلما أناخ اقبل فسلّم على رسول الله (صلى الله عليه واله)، فقال له رسول الله (صلى الله عليه واله): اولى لكَ يا ابا خثيمة. ثم أخبرَ رسول الله (صلى الله عليه واله) الخبر، فقال له رسول الله (صلى الله عليه واله) خيراً، ودعا له بخير.
3 - ... وقدم رسول الله (صلى الله عليه واله) المدينة، وقد كان تخلّف عنه رهطٌ من المنافقين، وتخلّف اولئك الرهط الثلاثة من المسلمين من غير شك ولا نفاق [ولكن تباطأً وفتور همّة، وهم:] كعب بن مالك، ومُرارة بن الربيع، وهلال بن أمية. فقال رسول الله (صلى الله عليه واله) لاصحابه: لا تكلمنَّ أحدا من هؤلاء الثلاثة. وأتاه من تخلف عنه من المنافقين، فجعلوا يحلفون له ويعتذرون، فصفح عنهم رسول الله (صلى الله عليه واله) ولم يعذرهم الله ولا رسوله. واعتزل المسلمون كلام اولئك النفر الثلاثة خمسين يوماً بلياليها. حتى انزل الله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [التوبة: 117-118].
قال كعب: فوالله ما أنعم الله عليّ نعمة قط بعد ان هداني للاسلام كانت أعظم في نفسي من صدقي رسول الله (صلى الله عليه واله) يومئذٍ، ان لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوا [من المنافقين]، فان الله تبارك وتعالى قال في الذين كذبوه حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد، قال: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 95، 96].
قال: وكنا خلّفنا [نحن] الثلاثة عن أمر هؤلاء الذين قبِلَ منهم رسول الله (صلى الله عليه واله)، حين حَلفوا له فعذرهم، واستغفر لهم، وارجأ رسول الله (صلى الله عليه واله) أمرنا، حتى قضى الله فيه ما قضى، فبذلك قال الله تعالى: {وعلى الثلاثة الذين خُلّفوا... }.
وليس الذي ذكر الله من تخليفنا لتخلّفنا عن الغزوة، ولكن لتخليفه ايانا، وارجائه أمرنا عمن حلَف له، واعتذر اليه، فقبل منه.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|