المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4870 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
اقليم الغابات المعتدلة الدافئة
2024-11-05
ماشية اللحم في كازاخستان (النوع كازاك ذو الرأس البيضاء)
2024-11-05
الانفاق من طيبات الكسب
2024-11-05
امين صادق واخر خائن منحط
2024-11-05
اماني اليهود بدخول الجنة
2024-11-05
امامة إبراهيم اقترنت بكلمات
2024-11-05

الوصف النباتي للشوفان (الهرطمان)
14-3-2016
دقة
20-7-2019
أبـعاد التنافـس والعلاقـة بينهـا
13-3-2019
الإيمان بالأنبياء (عليهم السلام)
25-09-2014
الوصف النباتي للبرسيم المصري
11/11/2022
آثار تطبيق مبدأ الشرعية الجزائية
2024-09-12


تأثّر محمّد باليهوديّة والنصرانيّة والجاهليّة واستقاؤه منها في صياغة قرآنه ودينه الجديد  
  
2148   07:35 صباحاً   التاريخ: 14-1-2019
المؤلف : الشيخ فؤاد كاظم المقدادي
الكتاب أو المصدر : الإسلام و شبهات المستشرقين
الجزء والصفحة : 262- 295
القسم : العقائد الاسلامية / شبهات و ردود / الاسلام والمسلمين /

[نص الشبهة] : [اخذ محمد دينه الجديد من اليهود والنصارى وعادات الجاهلية  وأضاف عليها ولنا على ذلك عدة امثلة منها]:

ما جاء تحت مادّة ( جبريل ) حيثُ يقول ( كارادي فو Carrade Vaux ) : ( وقد اصطنع النبيّ القصّة التي تقول بأَنّ هذا الرسول السماوي يتحدّث إلى الأنبياء واعتقد أنّه تلقّى رسالته ووحيه منه...

والظاهر أنّ النبيّ عرف جبريل من خبر البشارة الوارد في الإنجيل ولكنّه لم يكن في مقدوره أنْ يعرف الإنجيل من غير وساطة ، ولعلّه سمع ذلك الخبر من أفواه بعض الفلاسفة أو الباحثين في الأديان ، أو من أحد الحنفيّة وقد وصلهم الخبر مشوّهاً. وفي رأي النبيّ أنّ الله بعث بروحه إلى مريم فتمثّل لها بشراً سويّاً (سورة مريم الآية 19)(1) .

وتحت مادّة ( سحر ) يقول ( هيك T. W. Haig ) : (... إنّ أصول الإسلام نفسها قد تأثرت تأثراً عميقاً بمعتقدات أناس غرباء عن الإسلام كليّة)(2) .

وتحت مادّة ( أُمّة ) يقول ( ر. پاريه R. Paret ) : ( هي الكلمة التي وردت في القرآن للدلالة على شعب أو جماعة ، وهي ليست مشتقة من الكلمة العربيّة ( أمّ ) ، بل هي كلمة دخيلة مأخوذة من العبريّة ( أُمَّا ) أو من الآرامية ( أُمِّثا ) ،.. وقد تكون الكلمة الأجنبيّة دخلت لغة العرب في زمن متقدّم بعض الشيء . ومهما يكن من شيء فإنّ محمّداً أخذ هذه الكلمة واستعملها وصارت منذ ذلك الحين لفظاً إسلاميّاً أصيلاً )(3).

وتحت مادّة ( السامرة ) يقول ( كاستر M. Gaster ) : (... على إنّني لا أتردّد في القول بأنّ مقارنة أُصول العقيدة السامريّة بأُصول العقيدة الإسلاميّة ، سيُبيّن أنّ السامرة قد أثّروا أثراً عميقاً في تكييف الدين الذي جاء به محمّد وإظهاره في الصورة التي تجلّى بها . وكان السامرة أبعد من أنْ يتأثّروا بمحمّد ، ولكن السامرة أنفسهم هُم الذين أثّروا فيه )(4) .

وتحت مادّة ( السامرة ) أيضاً يقول ( كاستر ) : (... زد على ذلك أنّ أوّل عبارة في القرآن هي باسم الله ، ولهذه العبارة شأنٌ خاص ، فقد جرى المسلمون على استعمالها في كلّ أمرٍ من أُمور دينهم ، والحقّ أنّ كلّ شعيرة من شعائر الإسلام تبدأ بها ، وليست هذه العبارة ابتهالاً مباشراً إلى الله ، ولكنها دعوة باسمه القويّ القدير ، وهي جزءٌ من الصوفيّة اليهوديّة والسامريّة ، وهي أيضاً الأصل في معظم التكهّنات السحريّة عند القدماء .

وما كانت هذه المعرفة لتتيسّر للنبيّ إلاّ عن طريق اليهود أو النصارى عامّة ، والسامرة خاصّة ، ثُمّ استُعمل هذه العبارة على النحو الذي عرفنا ، وافتتح بها أوّل آية من آيات القرآن... على أنّها تصبح مفهومة إذا ما قارنّاها بالدعاء السامري الذي يناظرها : ( بسم الله نبدأ ونختم ) أو في رواية أُخرى : ( باسم الله نبدأ أو نُقبل ) وهذه الصيغة هي التي يستعملها السامرة دائماً، وهي ترد في مستهلّ الـ ( كينوش ) الذي يجمع بين دفّتيه أقدم الصلوات والتراتيل ، وفي مستهلّ الحجاب القديم لليهود ، كما ترد في بداية كلّ شيء .

واختصرت هذه العبارة بتمامها بمرور الزمن من كثرة الاستعمال ، وبلغت محمّداً بهذه الصيغة التي حُذِفَ منها جزؤها الثاني، لأنّه أصبح معروفاً ومفهوماً حقّ الفهم ، ولكنّها كانت في الحقّ بداية صيغة ليس لها معنى إذا لم تتم ، ومع ذلك فإنّها تعتمد على نظريّةٍ كانت جديدة على العالم الإسلامي ، ونعني بها الطبيعة الصوفيّة لاسم الله )(5) .

وتحت نفس المادّة يقول كاستر : (... قال أبو الفتح : إنّ ثلاثةَ حكماء من أهل التنجيم تنبّأوا بظهور محمّد ونجاح رسالته ، وكان أحدهم يهوديّاً ، والثاني مسيحيّاً ، والثالث سامريّاً ، وقد ذهبوا جميعاً إلى محمّد لينبّئوه بما سيكون له من شأنٍ عظيم ، وتأثّر النبيّ بمقالهم وقَبِل نبوءاتهم شاكراً ، واستطاع أنْ يهدي اليهود والنصارى إلى دينه .

أمّا اليهودي فكان ( كعب الأحبار ) المشهور ، وأمّا النصراني فكان ( آب سَمْلِيَهْ ) ، على أنّ السامري أبى أنْ يدخل في الدين الجديد ، وإنْ كان قد استطاع أنْ يؤثّر في النبيّ أكثر من صاحبيه...

وهؤلاء الحكماء الثلاثة يمثّلون ، خير تمثيل ، الأديان الثلاثة التي كان لها شأنٌ في تكييف الإسلام )(6) ، ويستمرّ كاستر فيقول : ( إنّا لنتساءل إلى أيّ حدٍّ أثّر السامرة في الإسلام ؟ الواقع إنّ هذه الدعوى التي نطرحها الآن بالنسبة للسامرة دعوى جديدة ، وحسبنا أنْ نختار وجوهاً قليلة منها ، وهي الوجوه التي تستطيع أنْ تجد الدليل على وجودِ أصلٍ سامريٍّ لها...)(7) .

ويستطرد كاستر في اختيار الوجوه تلك ، منها قوله : (... وإنّي لأبدأ بالشهادة المعروفة في الإسلام : ( لا اله إلاّ الله ) ، وهذه الشهادة تنطبق بقدر ما تحتمل العقائد الدينيّة على العبارة التي كان يردّدها مراراً وتكراراً ( مَرْقح ) ومعاصروه ( عَمْرام درا) و( نانا ) : ( ليت اله إلا إماد )... ومعناها ليس إله إلاّ أحد ، وكانت وحدانيّة في نظر السامري كما كانت في نظر اليهودي وفي نظر محمّد أيضاً ركن دينه الركين )(8) .

وفي مادّة ( تميم الداري ) يقول ( ليفي دلافيدا G. Levi Dellvida ) : (... وكان تميم نصرانيّاً كغالبِ عرب الشام ، فاستطاع أنْ يُخبر النبيّ بتفاصيل العبادات التي استعارها من النصارى... ويُقال : إنَّ تميماً كان أوّل من رَوى القصص الديني... وقد أخبر بها تميم النبيّ فأخذ بروايته وأذاعها في الناس )(9) .

وعن استقاء محمد من التوراة يقول ( هورفتز J. Horovitz ) تحت مادّة ( التوراة ) : ( وفي القرآن إلى جانب مثل هذه الإشارات البيّنة إلى التوراة ، قصص وأحكام استقاها منها وردّدها في مواضع كثيرة ، دون أنْ يذكر المصدر الذي نقل عنه ، وقد ساق أغلب هذا القصص في صيغته الهجاديّة (10) وحوّر بعضه بحيث يُلائم أغراض محمّد الخاصّة )(11) .

وتحت مادّة ( جهنّم ) يقول ( كارادي فو B. Carrade Vaux ) : ( جهنّم : وهي كلمة مشتقّة من اللفظ العِبري ( جيحنّون ) أو ( وادي هنوم ) ، ( انظر سِفر يوشع ، الإصحاح الخامس عشر ، الفقرة -8- وكان وادياً بالقرب من بيت المقدّس ، تُقدّم فيه القرابين إلى مولك في أيّام العقوق ، وكلمة ( جهنّام ) بألفٍ بعد النون معناها البئر العميق . وقد تردّد ذكر جهنّم وفكرة جهنّم كثيراً في القرآن إمّا لأنّ محمّداً نفسه قد بدهته هذه الفكرة وإمّا لأنّه رأى أنّه من المفيد أنْ يلحّ في ذكرها لتفعل فعلها في مشاعر السامعين )(12) .

وتحت مادّة ( دنيا ) يقول ( كارادي فو ) : (... وأُسلوب محمّد في استعمال هذه الكلمة يذكّرنا تماماً بأُسلوب وعّاظ النصارى : {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ} (سورة البقرة ـ الآية80) (13) ، وجاء في القرآن أيضاً (سورة الأعلى ، الآيات من 16 ـ 19) : {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا *وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى *إِنّ هذَا لَفِي الصّحُفِ الأُولَى *صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} ، ونحن نستدلّ من هذه الآيات أنّ محمّداً لم يدّعِ أنّه أتى بجديد وهو يلقي بمواعظ من هذا القبيل ، على أنّ الشيء الذي يُنسب لليهوديّة يجب أنْ يُنسب إلى المسيحيّة )(14) .

وتحت مادّة ( السكينة ) يقول ( جويل B. Joel ): ( السكينة : كلمةٌ مستعارةٌ من العبريّة ( شكينا ) ، وهي تدلّ في هذه اللغة على حضرة الله بالمعنى الروحي الخالص ، وتتجلّى هذه الحضرة أحياناً بعلامة كنار أو سحابة أو نور ممّا يستطاع إدراكه بالحواس .

ومن الواضح أنّ النبيّ لم يتبيّن بجلاء المعنى الحق لهذه الكلمة ، إذ يقول : إنّ السكينة هي وبعض الآثار كانت مودعة في تابوت بني إسرائيل المقدّس ، ولعلّه قرن هذه الكلمة العبريّة المستعارة بتصوّرات استقاها من العقائد الوثنيّة في الجن )(15) .

وتحت مادّة ( السحر ) يقول ( هيك ): ( وهكذا نجد أنّ عالم الأرواح في جزيرة العرب ، مهد الإسلام ، على أيّام محمّد ، كان يتألّف ـ بصرف النظر عن الآثار المسيحيّة واليهوديّة التي في هذا الدين ـ مِن الله ومن الآلهة القبليّة والجن ، وكان الكهّان والسحرة والعرّافون والشعراء والمجذوبون ، صلة الوصل بين الناس وبين هذا العالم )(16) .

وتحت مادّة ( داود ) ومن خلال بحثه عن مصدر معلومات محمّد عن النبيّ داود يقول ( كارادي فو ): ( وقد ورد ذكره [داود] في التوراة . وفي القرآن عدّة آيات تشير إلى قصّة الملك النبيّ داود ، خليفة الله ( سورة ص ـ الآية 25 ) ، وقد حُرّفت هذه القصّة شأن غيرها من قصص الأنبياء بعض التحريف ، ويظهر فيها أثر من مذهب الربانيّين ، أو قُل : إنّه يبدو فيها أثر السعي إلى تفسير بعض آيات مِن التوراة لم تعرف على وجهها الصحيح ، فقد كان محمّد يعلم أنّ داود قتل جالوت ( القرآن ، سورة البقرة ـ الآية 250 وما بعدها ) وأنّ الله آتاه الزبور ، والزبور سِفر من الأسفار الأربعة التي عرفها محمّد من التوراة )(17) .

وتحت مادّة ( الجنّة ) يقول ( كارادي فو ) : ( ولا بدَّ من أنّ يكون محمّد أو معلّموه المجهولون قد رأوا بعض التصاوير أو بعض قطع الفسيفساء المسيحيّة التي تُصوّر حدائق الفردوس ، وأوّلوا صورَ الملائكة كما لو كانت صورَ  الوِلدان والحُور )(18) .

ويقول ( كاستر ) تحت مادّة ( الأدب السامري ) : ( والتشابه بين أصل الحديث وبين السنّة السامريّة الشفويّة ، أوثق من التشابه بين الحديث وبين السنّة اليهوديّة أو المسيحيّة )(19) .

ويقول( جوينبل Th. W. Juynboll ) تحت مادّة ( إقامة ) : ( إنّ المسلمين استعاروا عبارات الإقامة من البركات التي تُتلى في صلاة اليهود ، في حين يقول ( بيكر Zur: C. H. Becker, Geschichtedes ص3، ص389 Islamischen Kultuse Der Islam ) : إنّها نشأت مِن الأذان الذي نُسِج على منوال القدّاس عند النصارى )(20) .

وفي مادّة ( الجمعة ) يقول ( جوينبل ) : ( ويصحّ أنْ نذهب إلى أنّ النبيّ نفسه جرى على إقامةِ صلاةٍ عامّة ، وإلقاء خطبة على طريقة اليهود في فناء داره بالمدينة في أيّام الجمعة ، ولعلّه قد جرى على إقامة الصلاة تتبعها الخطبة كما كانت عليه الحال لدى الجماعات المُماثلة في الأزمنة السابقة له ، إذ كانت الصلاة العامّة تسبق أداء الأعمال الأُخرى )(21) .

وتحت مادّة ( الخطبة )يقول ( فنسنك A. J. Wensinck ) : ( ومهما يكن من أمر الشكّ في هذه الأحاديث ، فلسنا نبتعد عن القصد إذا ذهبنا إلى أنّ النظام المحدّد للصلاة يوم الجمعة والعيدين ، إنّما نشأ بعد وفاة النبيّ . وهذا النظام يعتمد على ثلاثة عناصر : الخطبة الجاهليّة والسنّة ، والمُثل المستقاة من اليهود والنصارى .

وقال ( بيكر G. H. Becker ) في دراسته لتاريخ العبادات الإسلاميّة بوجود صلةً وثيقةً بين صلاة الجمعة والعيدَين من ناحية ، والقدّاس من ناحية أُخرى والخصائص الأساسيّة لرأيه هي : أنّ الخطبة الأُولى تُطابق الجزء الأوّل من القدّاس ( Vormesse ) والأذان والخطبة صدى للعبادات التي تدور بين الشماس والقسيس الذي يتلو القداس . والتلاوة الواجبة لآيات القرآن تُطابق القراءة من الكتاب المقدّس ، وهو يقول عن الخطبتين : إنّ هذه الثنائيّة محل لاختلاف الفقهاء ، انتقلت إلى صلاة العيدين عن طريق صلاة الجمعة .

أمّا الخطبة الثانية فتُطابق العِظة والصلاة الجامعة عند النصارى . وقد عارض هذا الرأي ( متفوخ Mittwoch ) الذي وجد في القدّاس اليهودي سِمات تُماثل الأذان والإقامة ، وتُماثل ( الحمدلة ) و( التلاوة ) من التوراة ( الخطبة الأولى ) و( التلاوة ) من سِفر الأنبياء ( الخطبة الثانية ) . وربّما كان من المستحيل أنْ نأتي بالقول الفصل في هذا الموضوع ، ولعلّ المثل المستقى من الشعائر اليهوديّة والمسيحيّة كان ذا تأثير في الهيكل الذي استقرّت عليه الصلاة عند المسلمين )(22) .

وفي مادّة ( صوم ) يقول ( بيرك G. G. Berg ): ( أمّا ( الصوم ) [بمعنى الإمساك عن الطعام والشراب] فيجوز أنْ يكون مأخوذاً عن الاستعمال اللغوي اليهودي ـ الآرامي ـ لِما عَرَف محمّد وهو في المدينة شعيرة الصوم عن كثب )(23) .

ويستمرّ في هذه الدعوى فيقول في موضعٍ آخر من نفس المادّة : ( ويدلّ على ظهور الصيام باعتباره رياضةً اختياريّة ، غايتها قهر الشهوات بين المسلمين الأوّلين في مكّة ما يغلب على الظن مِن أنّ محمّداً ، وهو في أسفاره الكثيرة ، لاحظ هذه العبادة عند اليهود والنصارى )(24).

ويقول أيضا في نفس المادّة : (... لكنّ محمّداً لم يكن على كلّ حال عارفاً بالتفصيلات ؛ لأنه لم يأمر بصوم يوم عاشوراء ، إلاّ بعد الهجرة لمّا رأى اليهود يصومونه )(25) .

ويذهب ( بيرك ) إلى أكثر من ذلك فيقول : ( وفيما يتعلّق بمسألة السبب الذي من أجله اختار محمّد شهر رمضان بالذات والمصدر الذي أُخذت عنه شعيرة الصوم الإسلاميّة ، قيلت آراء عديدة ، ويقول الإسلام : إنّه هو الصوم الذي فرضه الله على اليهود والنصارى لكنّهم أفسدوه ، فأعاده محمّد إلى صورته الصحيحة ، ويذهب ( سپرنكر Sprenger ) إلى أنّه تقليد لصوم الأربعين عند النصارى ، و( نولدكه وشفالي Noldeke - Schwally ) يُشيران إلى مشابهة الصوم الإسلامي لنوع الصوم عند المانويّة )(26) .

أمّا ( فير T. H. Weir ) فيقول تحت مادّة ( الجاهليّة ) : (... ولكنّه [محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلّم] وجد الحجّ إلى الأماكن المقدّسة متأصّلاً في نفوس العرب لا يستطيع له دفعاً. وكان قصاراه أَلاّ يُبقي من بيوت العبادة إلاّ على بيتٍ واحد ، جعله بيت الله الواحد )(27) .

ويفصّل ( فنسنك ) أكثر فيقول تحت نفس المادّة : ( إنّ الوقوف في سهل عرفات من أهمّ مناسك الحجّ ، فالحجّ بدون الوقوف باطل في الإسلام ، وإنّما يُفسّر هذا الأمر بأنّه أثر لفكرة جاهليّة ، وقد وازن ( هوتسما Houtsma ) بين الوقوف وبين إقامة بني إسرائيل على جبل سينا ، فهؤلاء يعدّون أنفسهم لهذه الإقامة بالامتناع عن النساء وبغسل ثيابهم ، وبذلك يقفون أمام الرب ، وعلى هذا النحو لا يقرب المسلمون النساء ويرتدون ثياب الإحرام ويقفون أمام الخالق في سفْح جبلٍ مقدّس )(28) .

ويقول ( فنسنك ) تحت مادّة ( إحرام ) : ( ونلاحظ أنّ ثوب الإحرام ربّما كان الثوب المقدّس عند قدماء الساميّين ، إذْ إنَّ الجزء الأعلى من الثوب الذي كان يرتديه الكاهن الأعظم في (العهد القديم) كان غير مخيط .. ويرتدي كهنة اليهود الأفود ( الصُّدرة ) حول الحرقفتين والمَيل حول الكتفين .ونجد لهذا نظيراً في الإسلام عند الصلاة وفي تكفين الميّت ، وكان العرب في جاهليّتهم عند الكهانة يلبسون رداءً ومِئزراً ، كما كان الزهّاد المتأخّرون يرتدون مثل هذا الثوب . يُضاف إلى ذلك أنّ اللون الأبيض يُعدُّ مقدّساً في كثير من الأديان... فلباس الإحرام والحالة هذه قديم جدّاً ولا يرجع أصله للإسلام . زد على ذلك أنّ لبس الحِذاء محرمٌ كذلك... وهذه عادة ساميّة قديمة كذلك... ويجب كذلك على المُحرِم أنْ لا يُغطّي رأسه ، وربما كانت هذه عادة من عادات الحزن قبل الإسلام )(29) .

وينقل ( فنسنك ) رأي ( سنوك هجروينيه ) في هذا الموضوع فيقول في مادّة ( إحرام ) : ( إنّ محرّمات الإحرام قد غدت قاسيةً في نظر النبيّ ، لذلك نجده أثناء مكثه في مكّة قبل الحجّ يتحلّل من هذه المحرّمات ،... وعلى ذلك فإنّ ما تراءى للنبيّ ومعاصريه أنّه إهمال يستوجب التكفير قد غدا في نظر الأجيال اللاحقة أمراً مُباحاً... وقد منع الشرع المُحْرِم من جملة أُمور : النكاح والتطيّب وإراقة الدم والصيد ، كما حرّم اقتلاع النبات .  ونلاحظ بهذه المناسبة أنّ بعض الأديان الساميّة يُحرّم النكاح في حالات أُخرى ، ونخصّ بالذكر من هذه الأديان ما يقول بالتوحيد . وكان إهمال العناية بالبدن ظاهرةً معروفة بين الشعوب الساميّة في الأحوال الدينيّة ، وتُصوّر لنا الروايات أنّ النادبات في الجاهليّة كنّ قذِرات ذوات شعرٍ أشعث ، ويمتنع اليهود مدّة حدادهم عن الاستحمام وتقليم الأظافر . ويذكرون أنّ الحجّاج في الجاهليّة وفي عصر النبيّ كانوا يضمّخون شعورهم وقت الإحرام تخفيفاً لوطأة القذارة )(30) .

كما يقول ( بول Fr. Buhl ) تحت مادّة ( الجمرة ) : ( ورمي الجمرات شعيرة أخذها الإسلام عن الوثنية فلم ينصّ عليها صراحة في القرآن ، ولكنّها ذكرت في سير النبيّ وفي الحديث )(31) .

ويسلك ( شاخت Josephj Schacht ) نفس نهج أضرابه فيقول تحت مادّة ( زكاة ) : ( إنّ النبيّ استعملها بمعنىً أوسع من ذلك بكثير ، أخذاً عن استعمالها عند اليهود ( في اليهوديّة ـ الآراميّة : زاكوت )... ولمّا كان محمّد قد عرّف التقوى من هذا الوجه ، على أنّها من مميّزات الأديان المنزَّلة ، فإنّه من أوّل الأمر قد اعتبر البرّ من الفضائل الكبرى التي يتحلّى بها المؤمن الحقّ ( انظر سورة الرعد ، آية 22، سورة فاطر، آية 29)(32) .

ويضيف ( شاخت ) قائلاً : ( وترد كلمة صدَقة مرادفة لكلمة زكاة تقريباً ، ولا ريب أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد عرَف ذلك من يهود المدينة معرفةً أدق . ولم يلبث معنى الزكاة أنْ تأثّر في المدينة أيضاً بتغيّر الأحوال )(33) .

وينقل شاخت حديثه إلى مادّة ( زنى ) فيقول : ( أمّا في القرآن فقد جاء النهي عن الزنا ، وأنّ العفّة من صفات المؤمنين ، ويظهر أنّ ذلك كان تحت تأثير اليهوديّة أو النصرانيّة )(34) .

أمّا ( هفننج Heffening ) فيقول : ( لكن محمّداً قد رفع في الوقت نفسه صوته محذّراً من الشرور التي بدأت تقترن بالتجارة، فقال : إنّ التجارة ينبغي أنْ تكون على مقتضى الشرع والعدل . وقد جاء في سورة المُطَفِّفِينَ : {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ } [المطففين: 1 - 3] ، ( انظر سورة الرحمن ، الآيات 7 إلى 9 ، ومن العهد المكّي الثالث سورة الأنعام ، الآية 15 ، سورة الأعراف الآية 84 ) .

وقد تغيّرت نظرة النبيّ بعد ذلك تغيّراً معيّناً يجب أنْ نردّه إلى العهد المكّي ، ولو أنّه ليس في القرآن شواهد على ذلك إلاّ في سور العهد المدني ، إذ تحوّلت نظرته إلى التجارة بفعلِ آراء الزهّاد من النصارى . وهو لم يحرّمها ، وإنّما رأى فيها ما قد يعوق المؤمنين عن عبادة الله ، ويصرفهم عن الصلاة ، ويظهر هذا بأجلى بيان في وصف الأديار الذي ورد في سورة النور المدنيّة الآية -37- : ( رِجَالٌ لاّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللّهِ...) ، ومهما يكن من شيء فإنّ المحصّل مِن هذه الآية أنّ النبيّ كان يدرك إدراكاً تامّاً للتجارة من آثار سيّئة في الحياة الدينيّة . وكان من نتيجة تسلسل هذه الأفكار أنّ التجارة حرّمت في السور المدنيّة تحريماً باتّاً إذا نُوديَ للصلاة من يوم الجمعة . وشاهد ذلك سورة الجمعة ، الآيات من 9 إلى 11 . ومن جهةٍ أُخرى أحلّ الرسول في أواخر العهد المدني البيع إبان الحج ( سورة البقرة ، آية 397 )(35)(36) .

ويقول (هـ. هـ. بروى H. H. pau ) تحت مادّة ( أُميّة بن أبي الصلت ) : ( والآراء الدينيّة في كلام أُميّة مطابقة لما جاء في القرآن إلى حدٍّ كبير ، ويكاد الاتّفاق يقع كلمةً كلمة في كثير من الأقوال ، ولهذا أُثيرت بالطبع مسألة اعتماد أحد القولين على الآخر . فيذهب ( هيوار ) إلى أنّ أشعار أُميّة بن أبي الصلت ـ التي تتضمّن قصصاً من قصص التوراة مذكورة عند المقدسي في ( كتاب البدء ) ، وهو الكتاب الذي نُسبَ خطأ إلى البلخي ـ هي من المصادر الصحيحة التي استمدَّ منها القرآن رأساً)(37).

ويضيف أيضاً في نفس المادّة : (... ويُمكن أنْ نعلّل مشابهة قصائد أُميّة لما جاء في القرآن بحقيقة لا تَحتمل شكّاً هي : أنّه في أيّام البعثة المحمّديّة ، وقبلها بقليل من الزمان ، انتشرت نزعات فكريّة شبيهةً بآراء الحنيفيّة ، واستهوت الكثيرين من أهل الحضر ، وخصوصاً في مكّة والطائف ، وكانت تُغذّيها وتنشّطها تفاسير اليهود للتوراة ، وأساطير المسيحيّين ، ممّا كان معروفاً ومتداولاً في تلك البقاع وجنوبي الجزيرة في جهات متفرّقة منعزلة... ومحمّد وأُميّة وغيرهما من الرجال المتديّنين ، كزيد بن عمرو وورقة ومسلمة ، اقتبسوا جميعاً من مصادر واحدة ، سَواء أكانت مدوّنة كما يرى ( Schulthess ) أم مرويّة كما يذهب إليه ( Noldeke )(38) .

[جواب الشبهة] : هذه خلاصة لأهمّ موارد الدسّ والتشويه الاستشراقي ، تستهدف تكوين الشبهة المدّعاة ، بأنّ محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، تأثّر واستقى من اليهوديّة والنصرانيّة أو الجاهليّة ، في صياغة آيات قرآنه ومفردات وأحكام دينه الجديد ، وهي في مُجملها تحاول اختلاق وصياغة شبهة أساسيّة طالما بذلوا جهدهم لدعمها وتأكيدها ، وهي أنكار الوحي الإلهي للنبيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وأنّ ما جاء به لا يعدو أنْ يكون تلفيقاً بين ما اقتبسه من اليهود والنصارى ، ومن مفردات ومؤثّرات بيئته الجاهليّة آنذاك .

ونكتفي في هذه الفقرة ببيان الردّ والعلاج للمفردات التفصيليّة لموارد الدسّ والتشويه هذه ، مُحيلين أمر الرد على أصل شبهة إنكار الوحي الإلهي للنبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى بحثٍ مستقلٍّ إنْ شاء الله :

1 ـ قول (كارادي فو) تحت مادّة ( جبريل ) : فيه انسياقٌ واضح مع إنكار الوحي الإلهي للرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويشهد لذلك أيضاً تعبيره عن الآية 19 من سورة مريم في آخر قوله المذكور أعلاه ، بأنّها رأي النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وليس قول الله في قرآنه الكريم .

وجوابه نحيله إلى محلّه ، على أنّه لم يأتِ لنا بدليلٍ أو حتّى شاهدٍ أو قرينةٍ على استظهاره أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم) عرف جبريل من خَبر البشارة الوارد في الإنجيل ، ولا على احتماله سماعه ذلك الخبر من أفواه بعض الفلاسفة أو الباحثين في الأديان ، وغير ذلك من الاحتمالات ، فأيّ قيمةٍ لهذا الاستظهار وتلك الاحتمالات ؟

2 ـ قول ( هيك ) تحت مادّة ( سحر ) : وأمر هذين القولين كسابقهما ، وهنا لم يسُق إلينا القائل دليلاً واحداً ولا شاهداً على مدّعاه . إلاّ أنّه لا يعدم وجود تقارب والتقاء في بعض المفاهيم والعقائد والأحكام والإسلاميّة مع الأديان السابقة كالمسيحيّة واليهوديّة ؛ لأنّ الإسلام لا ينكر تلك الأديان ، ولا ينكر الرسُل الذين أرسلهم الله سبحانه بها ، ولا الكتب المنزّلة من لدنه تعالى عليهم ، كالتوراة والإنجيل ، بل يصرّح بأنّه خاتم الأديان وأكملها ، وأنّ القرآن المجيد خاتم الكتب ، والرسول الكريم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) خاتم الأنبياء وأكملهم ، إلاّ أنّه يعتقد بأنّ يد التحريف قد طالت هذه الأديان والكتب ، كما يعتقد أنّ النسخ حصل للعديد من الأحكام التشريعيّة (39) الواردة فيها ، وما تبقّى من الصحيح وغير المنسوخ منها يُقارب ويلتقى عادة مع ما جاء به الإسلام ؛ لأنّه من سراجٍ ومصدرٍ واحد .

3 ـ قول ( ر. پاريه ) تحت مادّة ( أمّة ) ، وقول ( كارادي فو ) تحت مادّة ( جهنّم ) وتحت مادّة ( دنيا ) ، وقول ( جويل ) تحت مادّة ( السكينة ) : فيه أنّ طريقة الاستدلال على كون كلمة ( أُمّة ) وأمثالها من الكلمات المذكورة في أقوال الآخرين دخيلةٌ ومأخوذةٌ من العبريّة ، مثلاً لمجرد وجود شبَه لفظي في حرف أو حرفين بين الكلمة العربيّة وكلمة بمعناها في العبريّة متكلّفة لا تخلو من تمحّل ومغالطة ، إذ بهذه الطريقة سوف نهدم الكثير من صِيغ الوضع اللفظي للّغات ، إلاّ إذا ساق المدّعي دليلاً أو قرينةً معتبرةً على مدّعاه .

ويُمكن ردّ هذا الادّعاء أيضاً بقولنا : إنّ كلمة ( أُمّة ) لها معانٍ متعدّدة في اللغة العربيّة ، منها :

الشِّرعة والدين ، القَرْن من الناس ، الرجل لا نظير له ، الحين ، وقد وردت هذه الكلمة في هذه المعاني في الشعر العربي الجاهلي ، منه قول النابغة الذبياني :

حلفتُ فلم أترك لنفسك ريبة وهل يأثمن ذو أُمّة وهو طائع

ويريد بها هنا أهل الدين والشرعة .

ومنها أيضاً قول الشاعر :

وهل يستوي ذو أُمّة وكفور

أي ذو دين وذو نحلة (40) .

كما أنّه لو كانت هذه الكلمة دخيلة من العبريّة لاستقلّت بمعناها المدّعى في العبريّة ، وهو شعبٌ أو جماعة ، على أنّ هناك قولاً بأنّ اللغة العربيّة أسبق وجوداً في الجزيرة العربيّة من العبريّة . ولو سلّمنا وصحّ هذا الادّعاء فلا يثبت منه قول ( پاريه): ( فإنّ محمّداً أخذ هذه الكلمة واستعملها ، وصارت منذ ذلك الحين لفظاً إسلاميّاً أصيلاً )إذ إنّها ـ حسب الدعوى ـ قد أصبحت جزءاً من اللغة العربيّة واستعمالها في المراد المعنوي لها سواء في القرآن الكريم أو في السنّة الشريفة استعمال مألوف وليس قائماً على قصد الاستقاء من العبريّة ، هذا مضافاً إلى أنّ القرآن الكريم كلام الله عزّ وجل وليس كلام الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلاّ إذا أنكر ( پاريه ) ذلك ، فعندها يأتي كلامنا الآنف إنْ شاء الله في صدق الوحي الإلهي للرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .

4 ـ قول ( كاستر ) تحت مادّة ( السامرة ) عليه نفس ما أوردناه على قول ( هيك ) السالف تحت مادّة ( سحر ) ، ونضيف إليه ردّاً على قوله : ( قال أبو الفتح...) أنّ اليهودي ( كعب الأحبار ) المشهور لم يرَ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قط ، ولم يأتِ المدينة إلاّ بعد وفاته ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وأنّه أسلم وقدِم إلى المدينة في عهدِ أبي بكرٍ أو عُمر ، كما هو ثابت في تاريخنا الإسلامي(41) .

وأمّا النصراني الذي يُسمّيه ( آب سمليه ) فلا نعرف من هو، ولم تذكر لنا كتب التاريخ شخصاً بهذا الاسم، على أن الثالث وهو السامري مُنكرٌ تماماً ، إذ لم يذكر لنا اسمه ولا علامة عليه ، رغم ادّعائه أنّه استطاع أنْ يؤثّر في النبيّ أكثر من صاحبيه.

5 ـ قول ( ليفي دلافيدا ) تحت مادّة ( تميم الداري ) فيه إضافة إلى ما سبق منّا أنْ تميماً الداري هذا لم ينقل لنا التاريخ أنّه التقى برسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قبل بعثته وبعدها حتّى إسلامه ، ولهذا تجد عبارة ( ليفي دلافيدا ) مجملة بأنّ تميماً كان نصرانيّاً كغالِب عرَب الشام ، ثمّ يفرّع عليه إخباره للرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) . ثمّ إنّه كان قد أسلم في السنة التاسعة بعد الهجرة ، أي بعد أنْ نزلت أغلب آيات القرآن الكريم ، وعلّم النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) المسلمين أغلَب أحكام الشريعة الإسلاميّة ، سواء في العبادات أو المعاملات ، بحيث استوثقت معالم الدين وبانت ملامحه التفصيليّة ، خصوصاً في الجانب العبادي منه الذي كان بيان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لأغلب مفرداته أسبق من بيانه لمفردات جانب المعاملات ، فما الذي بقيَ منها ليقوم تميم الداري بإخبار النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) به ، لتتم الاستعارة المدّعاة لتفاصيل العبادات من النصارى ؟ على أنّنا كما قلنا سلفاً لا يعدم وجود نوع من التشابه في بعضها من التي لم تُحرّف من الديانات السماويّة السالفة ، ولم يطلْها النسخ الذي سِيق منّا بيانٌ مختصرٌ عن حقيقته .

6 ـ قول ( هورفتر ) تحت مادّة ( التوراة ) وقول ( كارادي فو ) تحت مادّة ( داود ) وتحت مادّة ( الجنّة ) فيه نفس ما أوردناه على قول ( هيك ) السالف تحت مادّة ( سحر ) فراجع ، مضافاً إلى أنّ عبارتيهما تشيران إلى أنّ الأصل ـ في عقيدتهما ـ هو ما ورد في التوراة ، وهو الصحيح الذي لا تحريف فيه ، وأنّ محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) هو الذي حرّف بعضه ليُلائم أغراضه الخاصّة ، ويقصد من ذلك أنّ القرآن من صُنع محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأنّه حرّف ما في التوراة ليُميّز دعوته ويُظهرها بثوبٍ جديد .

والكلام نفسه يرد على قوله تحت مادّة ( الجنّة ) : ( ولابدّ من أنْ يكون محمّد ومعلّموه المجهولون...) على أنّه لم يسُق أدنى دليل أو قرينة على أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كان قد رأى كنائس ليُشاهد فيها مثل هذه الصور ، أو أنّ له معلّمين مجهولين ، إذ ليس في مثل هذه الأقوال إلاّ التمحّل والتعبير عن الخلفيّة المتعصّبة بهذه الافتراءات .

وهكذا يرد على قول ( كاستر ) تحت مادّة ( الأدب السامري ) : ( التشابه بين أصل الحديث وبين السنّة السامريّة الشفوية...) إلى آخره ، فكلّها دعاوى جزافيّة لا وزن لها في معايير البحث العلمي .

7 ـ قول ( جوينبل ) تحت مادّة ( إقامة ) : ( إنّ المسلمين استعاروا عبارات الإقامة من البركات التي تُتلى في صلاة اليهود ) وكذلك وجه الشبهة بين الأذان والقدّاس عند النصارى ، لتترتب عليهما دعوى الاستعارة والنسج الواحد ، فيه أنّ الثابت فيما ورد عن أهل البيت ( عليهم السلام ) أنّ الإقامة والأذان وحيٌ إلهي لرسوله الكريم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .

فقد روى محمّد بن يعقوب ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عُمير ، عن عُمر بن أُذينة ، عن زرارة أو الفضيل، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال :

( لمّا أُسريَ برسولِ الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى السماء فبلغ البيت المعمور ، وحضرت الصلاة فأذّن جبرئيل وأقام ، فتقدّم رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وصَفَّ الملائكة والنبيّون خلف محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ))(42) .

وعنه عن أبيه ، عن ابن أبي عُمير ، عن حمّاد ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال :

( لمّا هبط جبرئيل (عليه السلام ) بالأذان على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، كان رأسه في حِجْر عليّ ( عليه السلام ) فأذّن جبرئيل وأقام ، فلمّا انتبه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قال : يا عليّ ، سمعت ؟ قال : نعم ، قال : حفظت ؟ قال : نعم ، قال : ادعُ لي بِلالاً فعلّمه ، فدعا عليّ ( عليه السلام ) بلالاً فعلّمه ) .

ورواه الصدوق بإسناده عن منصور بن حازم ، ورواه الشيخ بإسناده عن عليّ بن إبراهيم مثله (43) .

وفي معرض استنكار الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، ولعنه لمن يدّعي أنّه أخذ الأذان عن غير طريق الوحي الإلهي ، نقل محمّد بن مكّي الشهيد في ( الذكرى ) عن ابن أبي عقيل عن الصادق (عليه السلام ) : أنّه لعن قوماً زعموا أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أخذ الأذان من عبد الله بن زيد ، فقال ( ينزل الوحي على نبيّكم فتزعمون أنّه أخذ الأذان من عبد الله بن زيد ؟!) (44) . على أنّ لازم كلامهما السالف هو إنكار الوحي الإلهي لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وردّنا عليه في محلّه إنْ شاء الله .

أمّا قوله تحت مادّة ( الجمعة ) : ( ويصحّ أنْ نذهب إلى أنّ النبيّ نفسه جرى على إقامة صلاة عامّة ، وإلقاء خطبة على طريقة اليهود..) إلى آخره ، فإضافةً إلى ما فيه من إيحاء بإنكار الوحي لرسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فيه أيضاً أنّ افتراض وجود تشابهٍ ما ، في كلّيّات عبادة معيّنة في مفرداتها الكثير من الاختلافات التفصيليّة ، شكلاً ومضموناً لا تنهض دليلاً ، بل ولا حتّى قرينةً على وحدة الطريقة في تلك العبادة ، فكيف يُفرّع عليها تبعيّة إحداهما للأخرى ؟

ثُمّ إنّ رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كان يُقيم صلاة الجمعة في المسجد لا في فناء داره ، لعدم وجود مثل هذا الفناء أساساً ، كما هو ثابت تاريخيّاً ، ولعلّ ( جوينبل ) هذا توهّم أنّ المسجد هو فناء دار رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ؛ لأنّ بيوت الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأهل بيته الطاهرين ( عليهم السلام ) كانت متّصلة ومُلحقة بالمسجد ، ولها أبواب خاصّة توصلها به .

أمّا قوله : (... ولعلّه [الرسول] قد جرى على إقامة الصلاة تتبعها الخطبة...) إلى آخره ، فهو قول لا صحّة له ؛ لأنّ الروايات بلغت شهرةً عظيمة عن الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأهل بيته الطاهرين ( عليهم السلام ) ، وما عليه سيرة المتشرّعة من عهد رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إلى يومنا هذا ، في أنّ صلاة الجمعة تبدأ بخطبتين يجلس بينهما الخطيب جلسةً خفيفةً ثُمّ يصلّي ركعتَي صلاة الجمعة ، ولم يُروَ قط أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بدأ بصلاة الجمعة قبل الخطبة ، وعلى هذا انعقد إجماع فقهاء المسلمين على اختلاف مذاهبهم .

وممّا روي في ذلك ما عن محمّد بن الحسين بإسناده عن عليّ بن مهزيار ، عن عثمان بن عيسى عن أبي مريَم عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : سألته عن خطبة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أَقَبْلَ الصلاة أو بعدها ؟

قال : ( قَبْل الصلاة ثمّ يُصلّي ) .

وروى الكليني عن الحسين بن محمّد ، عن عبد الله بن عامر ، عن عليّ بن مهزيار مثله ، إلاّ أنّه قال :

( يَخطب ثُمّ يصلّي )(45) .

وقال صاحب جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام في وقت الخطبة من صلاة الجمعة ما نصّه:

والمشهور نقلاً وتحصيلاً أنّه يجب أنْ تكون الخطبة مقدّمة على الصلاة شهرةً عظيمةً لا بأس بدعوى الإجماع معها ، بل في كشف اللثام استظهار دعواه ، كما في المحكي عن المنتهى نفي العلم بالمخالف فيه ، بل عن مجمع البرهان نفي الخلاف للسيرة القطعيّة ، والتأسّي بفعل الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) المعلوم بالنصوص ، والسيرة القطعيّة على وجهٍ يقتضي الوجوب... إلى آخر قوله(46) .

أمّا قول ( فنسنك ) تحت مادّة ( خطبة ) : ( إنّ النظام المحدّد للصلاة يوم الجمعة والعيدين إنّما نشأ بعد وفاة النبيّ )، ( وهذا النظام يعتمد على ثلاثة عناصر : الخطبة الجاهليّة ، والسنّة ، والمُثُل المستقاة من اليهود والنصارى ) ، وما نقله عن ( بيكر ) و( متفوخ ) تحت نفس المادّة ، يرد عليه ما أوردناه أعلاه على قول ( جوينبل ) تحت مادّتَي ( إقامة ) و( الجمعة ) .

ويضاف إليه أنّ ادّعاء ( فنسنك ) الصلة الوثيقة بين صلاة الجمعة والعيدين من ناحية ، والقدّاس من ناحية أُخرى غريب ، إذ لا وجه للتشابه بينهما لا شكلاً ولا مضموناً ، فكيف تدّعى الصلة الوثيقة ؟ فالقدّاس عند النصارى هو ذبيحة جسد ودم السيّد المسيح ، يُقدَّمان على الهيكل تحت شكلَي الخبز والخمر للمصلّين بواسطة القسّيس ، ويُعاونه الشماس ضِمن طقوس وتلاوات تدور بين القسّيس والشماس من الكتاب المقدّس(47) ، فأين هذا من خطبَتَي صلاة الجمعة والعيدين اللتين يجلس بينهما الخطيب جلسةً خفيفة ، ثمّ يُصلّي ركعتَي صلاة الجمعة أو العيدين بالمأمومين ؟

8 ـ قول ( بيرك ) تحت مادّة ( صوم ) : ( أمّا الصوم ، بمعنى الإمساك عن الطعام والشراب ، فيجوز أنْ يكون مأخوذاً عن الاستعمال اللغوي اليهودي...) إلى آخره ، يرد عليه ما أوردناه على قول ( ر. پاريه ) تحت مادّة ( أُمّة ) . وما أوردناه على قول ( هيك ) تحت مادّة ( سحر ).

أمّا قوله تحت نفس المادّة : (... لكنّ محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لم يكن على كلّ حال عارفاً بالتفصيلات ؛ لأنّه لم يأمر بصوم يوم عاشوراء ، إلاّ بعد الهجرة ، لمّا رأى اليهود يصومونه ) ففيه :

أ ـ إنّ عاشوراء على وزن فاعولاء ، مختومة بالألف الممدودة ، وتصحّ بالألف المقصورة بلا همزة : عاشورا(48)، فهي صفةٌ مؤنّثة لليلة العاشر من الشهر القمري العربي ، وغلب إطلاقها على الليلة العاشرة من أوّل تلك الشهور وهو محرّم الحرام ، ولا يُوصف بها اليوم ، فلا يُقال : اليوم العاشوراء .

وقد اشتهر استعمال هذه الكلمة في ليلة العاشر من محرّم الحرام ، ذكرى شهادة الإمام الثالث من أئمّة أهل بيت النبوّة الطاهرة ( عليهم السلام ) الحسين بن عليّ ( عليهما السلام ) . مع العلم أن اللغويين قد نصّوا على أنّ هذه الكلمة ( اسم إسلامي )(49) ( لم يُعرف في الجاهليّة )(50) . وعلى هذا فمن أين جاءت دعوى وجود يوم باسم يوم عاشوراء لدى اليهود وأنّهم كانوا يصومونه ؟

ب ـ لعلّ دعوى ( بيرك ) بوجود مثل هذا اليوم لدى اليهود ، وأنّهم كانوا يصومونه ، قد استندت على بعض الروايات الضعيفة سنداً ، والمتناقضة دلالةً والتي وردت في بعض كتب الحديث ، وأدناه نستعرض مجموعتين منها مع الإشارة الكلّيّة إلى ظروف وملابَسات اختلاف هذه الأحاديث ونسبتها كذِباً إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) :

المجموعة الأولى :

1 ـ عن عائشة قالت : كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهليّة ، وكان رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) يصومه في الجاهليّة ، فلمّا قدِم المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلمّا فُرِض رمضان ترك يوم عاشوراء فمَن شاء صامه ومَن شاء تركه(51) .

2 ـ عنها قالت : كان يوم عاشوراء فكان مَن شاء صامه ومَن شاء لم يَصمه(52) .

3 ـ عنها قالت : كانوا يصومون عاشوراء قبل أنْ يُفرَض رمضان ، وكان يوماً تسترّ فيه الكعبة ، فلمّا فرض الله رمضان قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( مَن شاء أنْ يَصومه فليَصُمه ، ومَن شاء أنْ يَتركه فليتركه )(53) .

فكيف التوفيق بين هذا وبين ما مرّ من نصوص اللغويّين ، على أنّ اسم عاشوراء اسم إسلامي لم يُعرف في الجاهليّة ؟ وإذا كانوا يصومونه ؛ لأنّه كان يوماً تُسترّ فيه الكعبة ، فلماذا أُضيف إلى وصف الليلة ( عاشوراء ) كما مرّ ؟ ولم تكن الكعبة تُسترّ في الليل طبعاً قطعاً . وهل وصفوا اليوم المُذكّر بصفة التأنيث ؟ فالعجب من العرب كيف غاب عنهم هذا ؟!

وهنا نتساءل :

بما أنّ الجاهليّة هي عهد ما قبل الإسلام ، فإذا كان النبيّ يصوم يوم عاشوراء في الجاهليّة فلماذا تركه بعد الإسلام ؟ فلو كان تركه لمخالفة المشركينّ فلماذا رجع إليه بعد الهجرة ؟

المجموعة الثانية :

1 ـ عن ابن عبّاس قال : قدِم النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء ، فقال : ( ما هذا ؟) قالوا : هذا يوم صالح ، يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم فصامه موسى . قال : ( أنا أحقُّ بموسى منكم ) فصامه وأمر بصيامه(54) .

2 ـ عنه قال : إنّ النبيّ لما قدِم المدينة وجدهم يصومون يوماً ( يعني يوم عاشوراء ) فقالوا : هذا يومٌ عظيم ، وهو يوم نجّى الله فيه موسى وأغرق آل فرعون ، فصام موسى شاكراً لله . فقال : ( أنا أولى بِموسى مِنهُم ) . فصامه وأمر بصيامه .(55)

3 ـ عنه قال : لمّا قدم النبيّ المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء فسُئلوا عن ذلك فقالوا : هذا هو اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون ، ونحن نصومه تعظيماً له . فقال رسول الله : ونحن أولى بموسى منكم . فأمر بصومه(56) .

4 ـ عنه قال : قدِم النبيّ المدينة واليهود تصوم عاشوراء فقالوا : هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون . فقال النبيّ لأصحابه : ( أنتم أحقّ بموسى منهم ، فصوموا )(57) .

5 ـ عنه قال : لمّا قدِم رسول الله المدينة واليهود تصوم عاشوراء ، فسألهم ، فقالوا : هذا اليوم الذي ظهر فيه موسى على فرعون . فقال النبيّ : ( نحن أولى بموسى منهم )(58) .

6 ـ عن أبي موسى الأشعري قال : دخل النبيّ المدينة وإذا أُناسٌ من اليهود يعظّمون عاشوراء ويصومونه فقال النبيّ : ( نحن أحقّ بصومه ) ، فأمر بصومه (59) .

7 ـ عنه قال : كان يوم عاشوراء تعدّه اليهود عيداً ، فقال النبيّ : فصوموه أنتم(60) .

وهذه المرويّات عن ابن عبّاس وأبي موسى الأشعري لا نجد فيها أن اليهود كانوا يسمونه عاشوراء ، أمّا ما هي حقيقته عند اليهود ؟ فهذا ما تبينه لنا دائرة المعارف البريطانيّة بالانجليزيّة والفرنسيّة والألمانيّة حيثُ جاء فيها :

إنّ احتفال اليهود بنجاة موسى وبني إسرائيل يمتدّ سبعة أيّام لا يوماً واحداً فقط .

أمّا صوم اليهود فهو في اليوم العاشر ، ولكنّه ليس العاشر من المحرّم ، بل من شهرهم الأوّل : تشري ، ويسمّونه يوم ( كيپور) ، أي يوم ( الكفّارة ) ، وهو اليوم الذي تلقّى فيه الإسرائيليّون اللوح الثاني مِن ألواح الشريعة العشرة ، ولم يكن ذلك يوم نجاتهم من فرعون ، بل بعد نجاتهم من فرعون ، وميقات موسى ( عليه السلام ) وابتلائهم بعبادة العجل إلهاً لهم ، ورجوع موسى من الميقات إليهم ، وإعلان اشتراط قبول توبتهم بقتل بعضهم لبعض ، وبحصولهم على العفو من رفقائهم ، ولذلك فقد خُصّص اليوم قبل ( كيپور ) بتبادل العفو فيما بينهم ، وخُصّص يوم ( كيپور ) للصيام والصلاة والتأمّل كأقدس أيّام اليهود .

والتقويم اليهودي المستعمل اليوم عندهم شهوره قمريّة ، ولذلك فعدد أيّام السنة في السنوات العاديّة 355 أو 354 أو 353 ، ولكنّهم جعلوا سنواتهم شمسيّة بشهور قمريّة ، ولذلك فلهم سنوات كبيسة ، ففي كلّ سنةٍ كبيسة يُضاف شهر بعد آذار الشهر السادس باسم آذار الثاني فيكون الشهر السابع ، ويكون نيسان الشهر الثامن ، وعليه تكون أيّام السنة الكبيسة 385 أو 384 أو 383 .

مناقشة ما ورد في روايات المجموعتين :

أ ـ يلاحظ بخصوص خبرَي أبي موسى الأشعري :

أنّه في الأوّل يقول : ( وإذا أُناس من اليهود يعظّمون عاشوراء ويصومونه ، فقال النبيّ : ( نحن أحقّ بصومه ) . فأمر بصومه ) بلا ذكر لوجه تعظيمهم ليوم عاشوراء وصومه ، ولا ذكر لوجه أحقيّة المسلمين بصومه .

وفي الثاني يقول : ( كان يوم عاشوراء تعدّه اليهود عيداً . قال النبيّ : فصوموه أنتم ) بلا ذكر لوجه كون يوم عاشوراء عيداً عندهم ، ولا ذكر لوجه أمره ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بصومه ، وكأنّه يُقابل بين الأمرين : بين صوم المسلمين فيه وعدّه اليهود عيداً ، دون الأولويّة .

ب ـ يلاحظ في الخبَرَين أيضاً :

أنّه قال في الأوّل : ( وإذا أُناسٌ من اليهود يعظّمون عاشوراء ) وقال في الثاني : ( كان يوم عاشوراء تعدّه عيداً ) فعلّق وصف العيد وتعظيم اليهود على يوم عاشوراء ، ولا وجه لذلك . وقد مرّ نص اللغويّين على أنّه اسم إسلامي لم يُعرف في الجاهليّة أي قبل الإسلام ، وعليه فكيف عرف اليهود عاشوراء قبل الإسلام ؟!

وقال في الثاني : ( قال النبيّ : فصوموه أنتم ) وقال في الأوّل : ( فقال النبيّ : نحن أحقّ بصومه . فأمر بصومه ) وجوباً أم استحباباً ؟ وظاهر الأمر الوجوب كما قالوا ، وعليه فيخلو الخبر عن ذكر مدى هذا الأمر إلى متى كان أو يكون ؟ وكذلك تخلو منه أخبار ابن عبّاس .

ج ـ وذكرت المدى أخبار عائشة : ( فلمّا فرض الله رمضان قال رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( من شاء أنْ يصومه فليصمه ، ومن شاء أنْ يتركه فليتركه ) .

وقد ذكروا بلا خلاف أنّ فرْض الله صيام شهر رمضان كان بنزول القرآن به لمنتصف السنة الثانية للهجرة ، أي أنّه لم يكن بين هجرته وبين نزول القرآن بفرض رمضان غير عاشوراء واحد ، وإذا كان قد أمر بصيامه مواساة لموسى ( عليه السلام ) شكراً لنجاته على قول يهود المدينة له بعد هجرته جواباً عن سؤاله عن صومهم يوم عاشوراء ، إذن فعاشوراء الأُولى قد مضت ولم تأتِ الثانية ليصوموا يومها ، حتّى نزل القرآن بفرض رمضان فما معنى : ( كانوا يصومون عاشوراء قبل أنْ يُفرض رمضان ؟ وكذلك ما عن عائشة أيضاً قالت : كان عاشوراء يُصام قبل رمضان ، فلمّا نزل رمضان مَن شاء صام ومَن شاء أفطر(61) .

8 ـ وعنها قالت : كان رسول الله أمر بصيام عاشوراء ، فلما فرض رمضان كان من شاء صام ومن شاء أفطر(62) . وكأنّه أمر بالصيام فقط ولم يصوموه .

د ـ وهناك خبر آخر عن حميد بن عبد الرحمان ، أنّه سمِع معاوية بن أبي سفيان على منبر يوم عاشوراء عام حجّ يقول : يا أهل المدينة ، أين علماؤكم ؟ سمِعت رسول الله يقول : ( هذا يوم عاشوراء ، ولم يكتب الله عليكم صيامه ، وأنا صائم ، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر )(63).

فهذا يتضمّن تنكّراً لصيام قريش في الجاهليّة ، ولصيام اليهود كذلك ، وينصّ من أوّل يوم على الندب والاستحباب دون الوجوب . ولكن يُلاحظ عليه أمران :

الأول : إنّه يتضمّن اعترافاً بعدم علم علماء أهل المدينة بالحديث عن رسول الله .

الثاني : أفكان هذا قبل الهجرة ؟ أم بعدها ؟ أم بعد فتح مكّة ؟ فمتى سمعه معاوية ؟ وإذا كان لليهود تقويم عِبري يخصّهم يختلف تمام الاختلاف عن التاريخ العربي القمَري ، وإذا لم يكن يوم عاشوراء يوم نجاة موسى ( عليه السلام ) وبني إسرائيل من فرعون ، فلا يصحّ ما جاء في بعض كتب الحديث ممّا نُسِب إلى رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من أخبار في عاشوراء تتضمّن أنّه يوم نجاة موسى وبني إسرائيل من الفراعنة فهو يوم عيد الخلاص .

وإلى جانبه ذكريات أُخرى منها : أنّه يوم خلْق الأرض والجنّة وآدم ( عليه السلام ) فهو عيد الخلق ، وهو يوم نجاة نوح من الغرق ، ونجاة إبراهيم من الحرْق(64) .

أمّا علّة وضع هذه الأحاديث فقد روى الشيخ الفقيه أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي ، مسنداً عن جبلة المكّيّة قالت : سمعت ميثم التّمار يقول : ( والله لتقتلنّ هذه الأُمّة ابن نبيّها في المحرّم لعشرٍ مضين منه ، وليتخذنّ أعداء الله ذلك اليوم يوم بركة ، وأنّ ذلك لكائن قد سبق في علم الله تعالى ذكره ، أعلم بذلك بعهدٍ عهِده إليّ مولاي أمير المؤمنين ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .

قالت جبلة : فقلت : يا ميثم ، وكيف يتّخذ الناس ذلك اليوم الذي يُقتل فيه الحسين بن عليّ ( عليهما السلام ) يوم بركة ؟!

فبكى ميثم ، ثمّ قال : سيزعمون ـ بحديث يضعونه ـ أنّه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم ( عليه السلام ) وإنّما تاب الله على آدم في ذي الحجّة . ويزعمون أنّه اليوم الذي استوت فيه سفينة نوحٍ على الجودي، وإنما استوت على الجودي يوم الثامن عشر من ذي الحجّة .

ويزعمون أنّه اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل . وإنّما كان ذلك في شهر ربيع الأوّل(65).

ويزعمون أنّه اليوم الذي قَبل الله فيه توبة داود ، وإنّما قبل الله توبته في ذي الحجّة . ويزعمون أنّه اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت ، وإنّما أخرجه الله من بطن الحوت في ذي القعدة .

ثمّ قال ميثم : يا جبلة ، إذا نظرت إلى الشمس حمراء كأنّها دمٌ عبيط ، فاعلمي أنّ سيّدك الحسين ( عليه السلام ) قد قُتِل )(66) .

أمّا قول ( بيرك ) تحت نفس المادّة وكذلك قول ( سبرنجر ) وقول ( نولدكه وشفالي ) فهي مجرّد فرضيّات وادّعاءات احتماليّة لم يسوقوا أيّ دليلٍ أو قرينةٍ عليها ، ويرد عليها ما أوردناه على قول ( هيك ) تحت مادّة ( سحر ) فراجع . على أنّ قول ( بيرك ) : ـ ( وفيما يتعلّق بمسألة السبب الذي من أجله اختار محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) شهر رمضان بالذات... قيلت آراءٌ عديدة ) ـ لا مورد له ؛ لأنّ الله سبحانه قد أظهر سرّ عظمة هذا الشهر في قوله تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185] فجعل أداء هذه الفريضة العظيمة في الشهر العظيم فقال سبحانه : {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] .

9 ـ قول ( فير ) تحت مادّة ( الجاهليّة ) وقول ( فنسنك ) تحت مادّة ( أصل الحجّ في الإسلام ) ، وقوله أيضاً تحت مادّة ( إحرام ) ، وما نقله عن ( سنوك هجروينيه ) تحت نفس المادّة ، وقول ( بول ) تحت مادّة ( الجمرة ) ، وقول ( شاخت ) تحت مادّة ( زكاة ) وقوله أيضاً تحت مادّة ( زنى ) ، وقول ( هفننج ) تحت مادّة ( التجارة ) ، يرد عليها جميعاً ما أوردناه سابقاً على قول ( هيك ) تحت مادّة ( سحر ) .

يُضاف إلى ذلك أن هذه الأقوال فيها روح الإنكار للوحي الإلهي للرسول محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وخصوصاً ما هو تحت مادّة ( الجاهليّة ) ومادّة ( أصل الحجّ في الإسلام ) ومادّة ( إحرام ) ، إذ يكفيها جواباً أنّ القرآن الكريم يُصرّح في أكثر من آيةٍ كريمة ، أنّ بيت الله الحرام هو واحد ، وقد أقام قواعده نبيّ الله إبراهيم ( عليه السلام ) وولده نبي الله إسماعيل ( عليه السلام ) وذلك في قوله تعالى : {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127] ، ثمّ أمر الله سبحانه نبيّه إبراهيم ( عليه السلام ) أنْ يُطهّر هذا البيت لأداء عبادة الحجّ الإلهي ، حيثُ جاء في القرآن الكريم عن ذلك : {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } [الحج: 26، 27] ، وقوله تعالى أيضاً : {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: 125].

واستمرّ الحال زمناً طويلاً حتّى أفسد أهل الجاهليّة هذا الحجّ الإبراهيمي ، وحرّفوه عن شرعته الإلهيّة باتّخاذهم الأصنام في بيت الله وشعائر الحجّ الأخرى شركاء لله سبحانه يتقربون إليها دونه تعالى ، ومحقوا صورته الأولى التي شرّعها الله لنبيّه إبراهيم ( عليه السلام ) ، واستبدلوها بالدجل والهراء ، حتّى وصفهم القرآن الكريم بقوله : {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} [الأنفال: 35] ، فأمر الله تعالى نبيّه الكريم محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، بإعادة عبادة الحجّ الإلهي إلى صورته الأُولى ، إمضاءً لشريعة إبراهيم ( عليه السلام ) فيها ، حيثُ قال في قرآنه المجيد : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } [آل عمران: 96، 97].

كما أنّ قول ( بول ) تحت مادّة ( الجمرة ) : جهلٌ منه أو تجاهل ، فإنّ كثيراً من مفردات الشريعة الإسلاميّة جاءت كليّات في القرآن الكريم ، ثمّ فصّلها الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في حديثه وسيرته الشريفة ، بوحيٍ وإلهامٍ من الله سبحانه وتعالى .

10 ـ قول ( هـ. هـ. بروى ) تحت مادّة ( أُميّة بن أبي الصلت ) صارخ في إنكار الوحي الإلهي للرسول محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وهو يردّد بذلك دعوى أسلافه من اليهود والنصارى من الذين ابتدعوا هذه الأشعار ، ونسبوها إلى أميّة كيداً للإسلام ونبيّه الكريم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .

وقد ذكرت لنا كتب التاريخ أنّ أُميّة بن الصلت هذا كان من أعدى أعداء الإسلام ونبيّه الكريم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من ذلك ما جاء في تاريخ الأدب العربي في ترجمة أُميّة بن الصلت ما نصّه : ( كان أُميّة تاجراً من أهل الطائف ينتقل بتجارته بين الشام واليمن . ومال أُميّة من أول أمره إلى التحنّف ، هجر عبادة الأوثان وترك شرب الخمر واعتقد بوجود الله من غير أنْ يكون له فروض معينة في العبادة . وكاد أُميّة أنْ يسلِم لمّا جاء الإسلام ، ولكن موقف قومه ثقيفٍ من الإسلام أملى عليه العداء للرسول وللمسلمين ، فكان يُحرّض على قتال الرسول ، ولمّا انتصر المسلمون على مشركي مكّة في غزوة بدرٍ ، في رمضان من سنة 2 للهجرة ، رثى أُميّة الذين قُتلوا من المشركين في تلك الغزوة...ضاع القسم الأوفر من شعر أُميّة ، ولم يثبت له على القطع سوى قصيدته في رثاء قتلى بدر من المشركين .

وكان أُميّة يحكي في شعره قصص الأنبياء على ما جاء في التوراة ويذكر الله والحشر ، ويأتي بالألفاظ والتعابير على غير مألوف العرب ، ولذلك كان اللغويّون لا يحتجون بشعره . وشعره كثير التكلّف ضعيف البناء قليل الرونق قلق الألفاظ . أمّا أغراضه في شعره الباقي بين أيدينا ـ صحيحاً ومنحولاً ـ فهي المدح والهجاء والرثاء وشيء من الحكمة وكثير من الزهد والتزهيد ، ومن الكلام في الله والآخرة )(67) .

ومن ذلك نستنتج ما يلي :

1 ـ إنّه كان عدوّاً للإسلام ولرسوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) حتّى نُقل أنّه : لمّا ظهَر النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قيل له : هذا الذي كنت تستريب وتقول فيه . فحسده عدوّ الله وقال : إنّما كنت أرجو أنْ أكونَه ، فأنزل الله تعالى فيه : ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا ) [الأعراف: 175] .

وكان يحرّض قريشاً بعد وقعة بدر )(68) ، وهذه قرينة على وجود تنافر بينه وبين رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ممّا يبعد مقولة وجود صلة واستقاء منه خصوصاً بعد البعثة النبويّة.

2 ـ إنّه كان يحكي في شعره بعض ما جاء في التوراة من قصص الأنبياء وذكر الله والحشر ويأتي بالألفاظ والتعابير على غير مألوف العرب . وعليه فلو أراد الرسول أنْ يستقي هذه الأمور لاستقاها من التوراة مباشرة دون الحاجة إلى أشعار أُميّة خصوصاً وإنّ شعره متكلّف ضعيف البناء قليل الرونق قلق الألفاظ لا يؤدّي إلى المراد بالدقّة المطلوبة ، ويؤيّد ذلك ما ذكره المؤرخون بقولهم : ( ولذلك كان اللغويّون لا يحتجّون بشعره ) .

3 ـ إنّ البيان والبلاغة الإعجازيّة لآيات القرآن الكريم تأبى وتتنافى ودعوى الأخذ من أشعار أُميّة المتكلّفة الضعيفة القلقة القليلة الرونق .

وقد أشار القرآن إلى هذه الافتراءات وما فيها من مفارقات صارخة ، وأفحمهم بالبرهان الساطع الذي يثبت به ـ بما لا يقبل الشكّ والترديد ـ البَون المُطلق بين ما يُدّعى مصدراً لضعفه وهبوط بيانه ، وبين البيان الإعجازي للقرآن الكريم وهو قوله تعالى : {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل: 103] ، ثُمّ أشار إلى حقيقة أُخرى تدفع هذه الدعوى أيضاً إذ قال : {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49] ، وبذلك أثبت أنّ المشركين آنذاك لا يعلمون ممّا جاء في القرآن شيئاً ، ولو كانت أشعار أُميّة مطابقة أو مشابهة لِما ورد في القرآن الكريم ، إذن لكانت خير دليلٍ عندهم على دحض نبوّة محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإنكار الوحي والتنزيل الإلهي له ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .

ونضيف إلى ذلك ردّنا السابق على قول ( هيك ) تحت مادّة ( سحر ) ، في أنّنا لا نعدم وجود مشتركات وتشابه بين بعض المفردات في الإسلام والقرآن الكريم ، ومفردات في اليهوديّة والنصرانيّة وكتابيهما التوراة والإنجيل ، في الموارد التي لم يطِلْها التحريف خصوصاً في كلّيّات الاعتقادات وقصص الأنبياء لِعَدم شمول النسخ لها .  

ــــــــــــــــــــــ

(1) راجع : دائرة المعارف الإسلاميّة 6: 276 ـ 278 .

(2) المصدر 11 : 305 .

(3) المصدر 2 : 630 ـ 631 .

(4) راجع المصدر 11 : 91 ـ 96 .

(5) المصدر 11 : 91 ـ 92 .

(6) المصدر 11 : 90 .

(7) المصدر نفسه .

(8) المصدر نفسه .

(9) المصدر 5 : 481 .

(10) هكذا وردت في الأصل ، وليس لهذه الكلمة معنى في معاجم اللغة ، إلاّ أنْ تكون مشتقّة خطأً من كلمة ( تهجّد ) ولا صحّة لهذا الاشتقاق لا لفظاً ولا معنىً يلائم الجملة .

(11) المصدر 6 : 1 ـ 2 .

(12) المصدر 7 : 195 ـ 196 .

(13) في المصحف العثماني رقم الآية 86 .

(14) المصدر 9 : 301 .

(15) المصدر 12 : 18 ـ 19 .

(16) المصدر 11: 304 .

(17) المصدر 9: 121 .

(18) المصدر 7 : 142 .

(19) المصدر 11 : 107 .

(20) المصدر 2 : 455 .

(21) المصدر 7: 105 .

(22) المصدر 8 : 375 ـ 376 .

(23) المصدر 14 : 393 ـ 394 .

(24) المصدر 14 : 395 ـ 396 .

(25) المصدر 14 : 397 .

(26) المصدر 14 : 398 ـ 399 .

(27) المصدر 6 : 267.

(28) المصدر 7 : 301 .

(29) المصدر 1 : 444 ـ 445 .

(30) راجع : المصدر 1 : 444 ـ 445 .

(31) المصدر 7 : 103 .

(32) المصدر 10: 356 .

(33) المصدر 10 : 357 .

(34) المصدر 10 : 411 .

(35) وقد ورد رقم الآية في دائرة المعارف الإسلاميّة خطأً ، والصحيح 198 .

(36) المصدر 4 : 582 .

(37) المصدر 2 : 660 ـ 662.

(38) المصدر 2 : 661 ـ 662.

(39) لأنّ النسخ ينحصر أمره بالأحكام التشريعيّة دون العقائد والوقائع ، إنّما الذي يحصل في الأخيرين هو الإجمال أو التفصيل ، والبيان لمفرداتها بما يتناسب وتطوّر الإدراك والفكر البشري والمناسبات الموضوعيّة لها.

(40) راجع ترتيب كتاب العين للخليل ، ومعه الدليل إلى المستعملات في اللغة العربيّة: أُمم ، ولسان العرب 12: أُمم .

(41) راجع تاريخ الطبري 5 : 67 والغدير للأميني 8 : 365 ومعالم المدرستين للعسكري 2 : 51 .

(42) وسائل الشيعة 4 : ( أبواب الأذان والإقامة ) ح6814 .

(43) وسائل الشيعة 4 : ( أبواب الأذان والإقامة ) ح 6815.

(44) وسائل الشيعة 4 : ( أبواب الأذان والإقامة ) ح6816 .

(45) وسائل الشيعة 5 : باب وجوب تقديم الخطبتين على صلاة الجمعة ، ح9510 .

(46) جواهر الكلام 11 : كتاب الصلاة : 228 .

(47) المنجد في اللغة ، مادّة ( قدس ) .

(48) مجمع البحرين ، مادّة ( عشر ) .

(49) النهاية في غريب الحديث والأثر 3 : 240.

(50) الجمهرة في لغة العرب 4 : 212 .

(51) صحيح البخاري ، كتاب الصوم .

(52) صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن ، سورة البقرة .

(53) صحيح البخاري ، كتاب الحج ، الباب 47 .

(54) صحيح البخاري ، كتاب الصوم : 30 .

(55) صحيح البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء : 60.

(56) صحيح البخاري ، كتاب مناقب الأنصار ، الباب 52 .

(57) صحيح البخاري ، كتاب تفسير القرآن ، سورة يونس .

(58) صحيح البخاري ، كتاب تفسير القرآن ، سورة يونس .

(59) صحيح البخاري ، كتاب مناقب الأنصار ، الباب 52 .

(60) صحيح البخاري ، كتاب الصوم : 30 .

(61) صحيح البخاري ، كتاب تفسير القرآن ، سورة البقرة .

(62) صحيح البخاري ، كتاب الصوم : 30 .

(63) المصدر السابق .

(64) تفصيل الرد تجده في مجلّة رسالة الثقلين العدد الثاني ـ يوم عاشوراء في اللغة والتاريخ والحديث .

(65) وهذا يتّفق مع ظاهر أخبار ابن عبّاس وأبي موسى الأشعري في أنّه ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لمّا قدم المدينة ـ وقدِمها في ربيع الأوّل بلا خلاف ـ رأى اليهود يصومون اليوم ويقولون أنّه يوم نجاة موسى وبني إسرائيل من فرعون والغرق، لا يوم عاشوراء .

(66) أمالي الشيخ الصدوق : 110ط . بيروت .

(67) تاريخ الأدب العربي للدكتور عمر فروخ 1 : 216 ـ 217 .

(68) كتاب الوافي بالوفيّات لصلاح الدين خليل أيبك الصفدي 9 : 395 ـ 396 ، والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني 4 : 127.




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.