أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-4-2017
1024
التاريخ: 2-08-2015
1111
التاريخ: 2-08-2015
2268
التاريخ: 2-08-2015
1262
|
[الوحي النفسي يعني] أنّ الوحي القرآني لا علاقة له بالسماء، إنّما هو وحي نفسي نابع من ذات محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .
إنّ مراجعة نقديةّ لهذه الدعوى ( نظريّة الوحي النفسي ) نجدها تتهافت في أدلّتها وتتداعى قوائمها ، ولا تصمد أمام المناقشة العلميّة. ويمكننا الإجهاز عليها من جوانبٍ ثلاثة :
الجانب الأوّل : الأدلّة والوقائع التاريخيّة تناقض نظريّة الوحي النفسي .
وخلاصة هذا الجانب يُمكننا حصرها في ما يلي :
أ ـ إنّ أغلب الأدلّة التاريخيّة التي اتخذت مقدّمات للقول بالوحي النفسي وأُسّست النظريّة على أساسها ، ليس لها واقع في التاريخ الصحيح المنقول إلينا ، إنّما جاءت وفق منهجٍ معكوس ، حيثُ افترضوا رؤيةً مسبقة تقول : إنّ الوحي القرآني ليس وحياً منفصلاً عن ذات محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ثمّ ساقوا حوادثَ وأخباراً نسجتها خيالاتهم الخصبة أو اختلقتها ذهنيّات جهلهم المركّب في تأويل بعض الوقائع التاريخيّة ، وتشويه حقيقتها بالدسّ والتحميل بما لا تتحمّل لتكتمل لديهم حلقات وأجزاء الصورة المفترضة .
ومن أمثلة ذلك : ادّعاؤهم أنّ خبر غلب الفرس وانتصارهم على الروم ، وأنّ الروم سيغلبون الفرس بعد ذلك ، الوارد في سورة مريم ، قد سمِعه محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) من نصارى الشام . وهذا ممّا تكذّبه الوقائع التاريخيّة المنقولة الينا ، حيثُ إنّ غلَبَة الفرس على الروم كانت في سنة ( 610م ) ، أي بعد رحلة محمّد الأخيرة الى الشام بأربع عشرة سنة وقبل بدء الوحي الإلهي بسنة ، ثمّ إنّ التاريخ يحدّثنا أنّ إمبراطوريّة الروم آنذاك كانت مُتداعية الأركان خائرة القُوى ، فطبيعة الأشياء ومنطق الظواهر يحكي لنا عدم قدرتهم على الظهور والانتصار على الفرس ، حتّى إنّ أهل مكّة عندما سمعوا ما قرأه عليهم الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، من الخبر في القرآن الكريم هزئوا به .
ومن الأمثلة أيضاً افتراضهم أحاديثَ دينيّة معضلة وفلسفيّة معقّدة فيما زعموه من لقاء الراهب بُحيرى مع محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وهو بصحبة عمّه أبي طالب ، ولم ينقل لنا التاريخ مثل هذه الأحاديث ، ممّا يؤكّد لنا أنّهم نسجوا واختلقوا ذلك لدعم رؤيتهم المسبقة في الوحي النفسي .
ويدّعون أيضاً في مسألة إحاطة الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بأخبار عادٍ وثمود وتفاصيلها ، أنّه حصل عليها وعرفها عند مروره بأرض الأحقاف ، على أنّ التاريخ لم ينبئنا أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كان قد مرَّ بتلك الأرض ، خصوصاً وأنّ هذه الأرض لا تقع على الطريق المتعارف لمرور القوافل التجاريّة .
ب ـ لو كان زعمهم أنّ النبيّ محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قد تعلّم من نصارى الشام ومن غيرهم صحيحاً ، لاحتجّ به المشركون وأعلنوه ، ولَما وقعوا في الحيرة والتردّد مِن أمر الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ودعوته ، خصوصاً وأنّهم كانوا يتتبّعون أخباره ويرصدون تحركّاته ومواقفه ، ولم يتركوا شيئاً من سفراته ورحلاته وغيرها من شؤون حياته العامّة إلاّ وأحاطوا بها ، فكيف تفوتهم مثل هذه اللقاءات والعلاقات المهمّة لو كانت واقعاً ؟
رغم أنّهم بذلوا الكثير في سبيل اختلاق التهم وإطلاق الأباطيل والأراجيف حول الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ودعوته ، كما في اتّهامهم إيّاه أنّه تعلّم وتلقّى ما يدّعيه وحياً مِن أشخاص تعرّف عليهم ، كالحدّاد الرومي صانع السيوف في مكّة . هذه التهمة التي نزل في ردّها وتكذيبها قوله تعالى : {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ } [النحل: 103].
ج ـ لم ينقل لنا التاريخ أيّ شاهد على أن الرسول محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كان يأمل أنْ يكون النبيّ المنتظر ويترقّب الوحي في أيّة لحظة... لينمو هذا الأمل ـ وفق زعمهم ـ ويتكامل في نفسه ، ويشتدّ ترقّبه للوحي ويستحكم ليخلق ذلك الواقع النفسي المفترض . ونحن نعلم أنّ كتب السيرة النبويّة الشريفة قد نقلت لنا أدقّ الأحداث والوقائع واستقصّت تفصيلات الحياة الشخصيّة للرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، ولم تشر لنا من قريب أو بعيد الى مثل هذا الزعم .
د ـ إنّ من مفروضات هذه النظريّة أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، تدرّج في تكامله العقلي والنفسي ضمن مراحل طويلة مليئة بالمعاناة من واقع قومه الفاسد ، والتفكير المتواصل بعقائدهم الباطلة في الشرك بالله وعبادة الأصنام ، والتأمّل في طريقة إنقاذهم من ذلك ومن الظلم الاجتماعي الذي رزحوا فيه ، وأنّه لم يعلن نبوّته إلاّ في مرحلة عُليا مِن هذا التكامل وتلك المعاناة وذلك التفكير..
فهو إذن في أعلى درجات الفهم والإدراك ، لما يجب أنْ يطرحه من مفاهيم وأفكار ومناهج عن الكون وجميع جوانب الحياة والإنسان ، وهذا يعني أنّ أُطروحة دعوته في خطواتها الأُولى ولحظاتها الأوليّة يجب أنْ تشتمل على تلك المفاهيم والأفكار والمناهج.. في حين أنّ التاريخ يؤكّد لنا خلاف ذلك . فالبداية تخلّلها اضطراب وخوف ثمّ جاءه الوحي بآيات التوحيد متدرّجاً في بيان أدلّته ، واستئصال جذور الشرك وتسخيف عبادة الأوثان ، والردّ على أباطيل المنحرفين والضالّين من أهل الأديان السابقة ، مذكّراً بالعِبَر وضارباً الأمثال بسُنن الله في الماضين من الأنبياء والرسُل . ثمّ انقطع الوحي ثلاث سنين لم يحدّثنا التاريخ أنّ الرسول ادّعى شيئاً جديداً من الوحي فيها ، ليعود بعد ذلك الانقطاع فيوحي للنبيّ الكريم آيات ربّه الأخرى.. ومن الواضح أن هذا يناقض القول بتكامل مفاهيم النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) وأفكاره واستعداده العقلي والنفسي لطرحها في أولى مراحل إعلان نبوّته .
الجانب الثاني : نظريّة الوحي النفسي تناقض محتوى الوحي القرآني :
وفي هذا الجانب يقف الناقد الموضوعي إزاء نظرية الوحي النفسي موقف التشكيك بل الرد والرفض، لأنه لا يستطيع التوفيق إطلاقا بين ما تفترضه هذه النظرية من مصادر في طبيعتها ومحدوديتها وبين السعة والشمولية التي اتسم بها المحتوى الداخلي للوحي القرآني.
ويمكننا توضيح ذلك من خلال ملاحظة الأُمور التالية :
أ ـ إنّ موقف الوحي القرآني من الأديان السماويّة السابقة ، وخصوصاً الديانتَين اليهوديّة والمسيحيّة ، له صورتان : الصورة الأُولى ، هي التصديق بأصل هاتَين الديانتين ، والإقرار بأنّ الله تعالى قد بعث رُسُلاً بهما مُبشّرين ومنذرين . والصورة الثانية ، هي اتّخاذه موقع المهيمن عليهما جملةً وتفصيلاً ، فهو حاكم على تشريعاتها نَسخاً وإمضاءً ، ورقيباً على ما طرأ عليها من انحرافات ، وما دُسَّ فيها من ضَلالات ليظهر الحقّ ويدحض الباطل .
وذلك في قوله تعالى : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48] ، وقوله تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ * ... مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ } [النساء: 44-45] وقوله أيضاً : {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ * ... وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ } [المائدة: 13-14].
واتّصفت هذه الرقابة بالشموليّة والدقّة التامّة ، فقد استوعبت كلّ المفاهيم والأحكام والوقائع التاريخيّة ، وجعلت للصحيح منها مقياساً أظهرت فيه الحقّ وردّت الباطل . وهو مفاد قوله تعالى : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [المائدة: 15، 16] .
فمع هذه الرقابة الشاملة والدقيقة ، والتصريح القاطع بكلّ يقينٍ ورسوخٍ بجهل أهل الكتاب ونسيانهم وتحريفهم الكلِم وتبديله ، كيف يُمكننا القبول بدعوى أخذ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عن أهل الكتاب ؟ وبماذا نفسّر هذا التتبّع الدقيق والشامل لتفاصيل ما اختلفوا فيه ، أو خالفوا ما نزل عليهم من الدين الصحيح ، والبيان المُحكم لِما هو الحقّ والصواب منه بلا تناقض ولا تخلّف ولا اختلافٍ فيه ؟ وليس للمنطق جواب إلاّ التصديق بأنّ كلّ ذلك قد تلقّاه الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحياً إلهيّاً ، مصدّقا لما بين يديه من الكتب ومهيمناً عليه .
ب ـ لو كان ما يزعمون من الوحي النفسي صحيحاً وأنّ مصادره التي استقى منها الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هما التوراة والإنجيل ، لكان الأَولى أنْ يُجمل في كثير من الموارد أو يغض الطرف عنها أو عن بعضها ، لئلاّ يقع مثل هذا التعارض والاصطدام بهما ، إلاّ أنّنا نجد العكس من ذلك ، فقد جاء محتوى الوحي القرآني بلسان التأكيد والإصرار على بيان الحقائق بكلّ قوّة ، وإظهار مخالفته للتوراة والإنجيل في بعض الوقائع التاريخيّة بكلّ وضوح ودون أي تردّد أو إجمال .
ومن نماذج ذلك ما في قصّة موسى ، حيث يُخالف القرآن الكريم ما جاء في سِفر الخروج من أنّ التي كفلت موسى هي ابنة فرعون ، في حين يؤكّد القرآن أنّها كانت امرأته في قوله تعالى : {قَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [القصص: 9] ، وفي نموذج آخر نجد التوراة تذكر غرَق فرعون بإجمال وإبهام ، في حين نجد القرآن الكريم يشير الى غرق فرعون ، وكيّفيّته بشكلٍ دقيقٍ وواضح ، بما في ذلك بيان مسألة نجاة بدَن فرعون من الغرق رغم موته وهلاكه ، وكذلك بيان الحكمة من ذلك ، وهو قوله تعالى : {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس: 92] .
ومثال آخر هو عزو التوراة صنع العجل الذي عبده بنو إسرائيل الى هارون ( عليه السلام ) ، في حين يصرّح القرآن خلاف ذلك ويعزوه الى السامري ، ويثبت إنكار هارون ( عليه السلام ) عليهم في ذلك ، ونفس الأمر يرد في قصّة ولادة مريم للمسيح ( عليهما السلام ) ، وغيرها من القضايا .
وعليه فلا نتصوّر في محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، الذي يعترفون بحقّه أنّه الصادق الأمين الفطِن أنْ يأتي بمثل هذه التفاصيل ويُعارض بها التوراة والإنجيل ، دون أنّ يكون ذلك قد تلقّاه من لَدُن العليم الخبير عن طريق وحيه الأمين ، ويتحمّل الكثير من أذى أهل الكتاب في الثبات عليها وعدم مخالفتها .
ج ـ إنّ استيعاب الوحي القرآني في جانب كبير من محتواه الداخلي لتفاصيل التشريع الإسلامي بكلّ دقّةٍ وعمق ، وبشموليّة وسِعَتْ كافّة مجالات الحياة المختلفة وجوانب الإنسان ووجوده ، لا تجد فيما بينها إلاّ الانسجام التام والتناسق الفريد، ليس إلاّ برهاناً ساطعاً على تلقيه كل ذلك عن طريق الوحي الإلهي ، ولا يُمكننا أنْ نتصوّر معه أنّ إنساناً كمحمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وهو الأُمّي الذي كان يعيش ذلك العصر المُظلم بالجهل والخرافات ، والذي قضى أغلب أدوار حياته الرساليّة في خوضِ صراعٍ اجتماعيٍّ مرير ، أنْ يقع له ما يزعمونه من الوحي النفسي ، ويحقّق عن طريقه ذلك الكمال الإعجازي في مسائل التشريع الإسلامي .
الجانب الثالث : سُلوك النبيّ تجاه الوحي القرآني يأبى نظريّة الوحي النفسي :
قبل أنْ ندخل في تفاصيل طبيعة سُلوك النبيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، تجاه الوحي القرآني الذي يكشف عن إدراكه الواضح للانفصام التام ، بين ذاته المُتلقّية والذات الإلهيّة المُلقية مِن عليائها بواسطة الوحي ، نُشير باختصار الى أنحاء هذا الوحي الرسالي الذي تلقّاه النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، والذي يثبت حقيقته وإدراكه الكامل له ، وهي في قوله تعالى : {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا} [الشورى: 51] ، أي إلهاماً وإلقاماً وإلقاءً في روعه يدركه المُوحَى إليه ويحسّه وكأنّما قد كُتِب في صفحة ضميره بوضوحٍ وجلاء ، أو رؤيا في منام , وهذا هو النحو الأوّل للوحي الرسالي .
والنحو الآخر في قوله تعالى : {أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } [الشورى: 51] ، أي يكلّمه تكليماً يسمع صوته وهو محتجبٌ عنه لعلوّه تعالى شأنه وكماله ، وتدنّي المُوحَى إليه ونقصِه ، وذلك بخلق الصوت المتضمّن للكلام في الفضاء المُحيط بالمخاطب فيخرق مسامعه ، ويأتيه من كلّ مكان حوله ، كما كلّم موسى ( عليه السلام ) وكلّم نبيّنا محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ليلة المعراج .
أمّا النحو الثالث فهو في قوله تعالى : { أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} [الشورى: 51] ، أي ملكاً مِن الملائكة يتمثّل على شكل رجل : {فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ * وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [الشورى: 51-52] وقد بيّن الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ذلك للمسلمين تكراراً وفي مناسبات عديدة ، منها قوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) إشارةً الى الوحي القرآني : ( أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرَس وهو أشدّه علي فينفصم عني وقد وعيت ما قال. وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول )(2) .
أمّا طبيعة سُلوك النبيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، الذي يأبى مقولة وحيه النفسي ، ويعكس وعيه الكامل وإدراكه التام بالانفصال في الوحي القرآني بين الذات العُليا المُلقِية للخطاب وذاته الخاضعة المُتلقّية ، فله حالات عديدة نشير الى ثلاث صور منها هي :
الصورة الأُولى : وهي التي يتمثّل سُلوك النبيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) فيها تجاه الوحي القرآني كعبدٍ ضعيف مفتقر الى الله تعالى ، يتخضّع بين يَدَي ربّه ، ويبتهل إليه ، ويخشى أنْ يحول بينه وبين قلبه ، فيستمدّ منه العون والهداية ، ويطلب منه المغفرة والرحمة ، ويتمثِل أوامره ونواهيه ويصدع بها ، ويتلقّى منه بكلّ خشوع مختلف درجات العتاب وأنواعه .
ولقد طفحت آياتٌ قرآنيّة عديدة بوصف النبيّ الكريم ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، إنّه ذلك العبد المطيع الذي لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً إلاّ بإذن ربّه ، يخافه إنْ هو عصاه ، ويرجو رحمته ، ولا يخرج عن حدوده التي رسمها له ، فهو لله وهو إليه يرجع ، ولا حول ولا قوّة له إلاّ به سبحانه ، فهو مُقِرٌّ بالعجز المطلق أمام أمر الله وإرادته ، وليس بقادرٍ على أنْ يُبدّل حرفاً واحداً مِن القرآن الكريم .
ومِن أمثلة تلك الآيات الكريمة قوله تعالى : {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [يونس: 15، 16].
وقوله تعالى : {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ } [الأعراف: 188] .
ثُمّ تُؤكّد وتكرّر آيات قرآنيّة أُخرى الفارق بين صفات الذات الإلهيّة الملقيّة وصِفات الذات المحمّديّة المتلقّية من أنّه بشرٌ مثل سائر البشر ، ليس عليه إلاّ البلاغ ، ولا يملك خزائن الله ولا يعلم الغيب ، ولا يزعم أنّه مَلَك ، بل هو مخلوقٌ يتّبع ما يُوحى إليه من ربّه .
ومِن تلك الآيات قوله تعالى : {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: 110] .
وقوله تعالى : {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأنعام: 50] .
ومن المعاني اللطيفة في البلاغة القرآنيّة هو مدلول عبارة ( قل ) ، التي تُؤكّد على معنى المغايرة بين المُلقي والمتلقّي ، وأنّ الخطاب الإلهي كان يُلقى على الرسول إلقاءً ، وأنّه كان يُعلَّم ما ينبغي له أنْ يقوله ، تصديقاً لامتثال ما يوحى إليه وعدم نطقه عن هواه ، لهذا نجد أنّ عبارة ( قل ) قد تكرّرت في القرآن الكريم أكثر مِن ثلاثمِئة مرّة ليدرك مَنْ يقرأ القرآن أنّ محمّداً ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) مُخاطَب يُلقى إليه الخطاب إلقاءً ، وليس متكلّماً ينطق به عن هواه وما يجول في نفسه .
كما نجد أنّ الفرق يتجلّى أكثر ويزداد وضوحاً بين ذات الله وصفاته ، كونه المُتكلّم والمنزِّل للوحي وبين ذات نبيّه وصفاته كونه المخاطَب والمتلقّي للوحي ، وذلك في آيات العتاب الإلهي لرسوله وإنذاره وتهديده ، وتختلف درجات هذا العتاب والإنذار ، فمنه ما يكون خفيفاً مشوباً بالعفو والغفران على تفويته الأَوْلى ، كما في قوله تعالى لرسوله في شأن مَن أذِن لهم بالعفو عن القتال في غزوة تبوك : {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ } [التوبة: 43].
وكذلك قوله تعالى : {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [الفتح: 1، 2] .
ومنه الشديد الذي يكون بلسان التوجيه لرسوله مقترناً بالإنذار والتهديد وبمستويات تختلف في الشدّة ، فمن درجاته الأولية قوله تعالى :
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67] ، ويشتدّ أكثر في قوله تعالى : {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا * وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا * إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا } [الإسراء: 73 - 75] .
ويبلغ الإنذار أعلى درجاته لتتضاءل أمامه كلّ صوَر التهديد والوعيد الأُخرى ، وذلك في قوله تعالى : {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 44 - 47].
وهكذا نجد أنّ آيات التأديب والعتاب وآيات الوعيد والإنذار تكشف لنا أنّ الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، كان يتمثّل صفة المخلوق الضعيف الخاضع لربّه الخالق القادر القاهر ذي القوّة المتين ، الذي لا معقّب لحكمه وإرادته ، وفي نفس الوقت تكشف لنا الآيات الكريمة عن كامل وعي الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وإدراكه للفرق بين ذاته المأمورة وذات الله الآمرة ، والذي يجعله مستحضراً بوضوح الفرق بين الوحي القرآني الذي ينزل عليه ، وبين الإلهام الإلهي في حديثه النبويّ الخاص .
وهذا هو الذي جعله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ينهى في أوّل عهد نزول الوحي القرآني عن تدوين شيء عنه سوى القرآن الكريم ، حفظاً لصفته الربّانيّة الخالصة من أنْ تختلط بشيءٍ غيره، لهذا كان يدعو كتّاب الوحي فور نزول شيء من القرآن الكريم لتدوينه ، حتّى لو كان آيةً أو بعضَ آية .
الصورة الثانية : وهي التي تُبدي لنا موقف النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) تجاه الوحي القرآني ، وهو مستسلم لأمر الله فيه لا يملك أيّ اختيار وإرادة في نزوله عليه أو انقطاعه عنه ، فهو يدرك تماماً أنّ التنزيل القرآني منسلخٌ عن الطبيعة البشريّة وإرادتها انسلاخاً تامّاً . فتارة يتتابع الوحي القرآني ويحمى حتّى يشعر أنّه يكثر عليه ، وتارةً وبدون سابق إنذار يفتر عنه وهو في أشدّ الحاجة إليه .
وممّا يؤكّد ذلك أيضاً هو أنّ الوحي القرآني ينزل على رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في أحوال مختلفة ، منها : ما يكون في منامه ، فما يكاد يغفو إغفاءةً حتّى ينهض ويرفع رأسه مُبتسماً وقد أوحيَت إليه سورة الكوثر . ومنها ما يكون وهو وادع في بيته وقد بقي من الليل ثلثه ، فتنزل عليه آية التوبة في الثلاثة الذين خافوا ، وهي قوله تعالى : {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [التوبة: 118] .
وهكذا نجد أنّ الوحي القرآني ينزل على قلب النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في ليلٍ دامس أو ضُحى النهار ، وفي البرد القارس أو حرّ الهجير ، وفي استجمام الحضر أو وعثاء السَفَر ، وفي هدأة السوق أو وطيس الحرب... وهو تعبيرٌ واضح عن تمام الانسلاخ وفقدان اختيار النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في نزول الوحي أو انقطاعه .
ونجد أنّ ذلك يتجسّد أكثر في انقطاع الوحي القرآني تماماً عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الوقت الذي كان في أشدّ الشوق والطلب له ، بعد أنْ نزل عليه الروح الأمين بأوائل سورة العلق : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبّكَ الّذِي خَلَقَ ) ، ثمّ فتر ثلاث سنوات فحزن فيها النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، بعدها حمي الوحي وتوالى عليه فاستبشر النبيّ به وغمرته فرحة الوصال .
ويتجسّد ذلك أيضاً حين أبطأ الوحي بعد حديث الإفك الذي رمى به المنافقون زوج النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وشهّروا به إمعاناً في فضحها ، حتّى عصف هذا الأمر بقلب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وثَقُل عليه عدم نزول الوحي . وقد تصرّمت على الحادثة مدّة من الزمن كانت عليه أثقل من سنين متمادية بعد أنْ خاض المنافقون في زوجه خوضاً باطلاً .
فما بال النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) لا يستنجد بالوحي النفسي المزعوم ، أو يسرع الى استنزال الأمر الإلهي على طريقة الرهبان وأهل التعاويذ والأسجاع فيبرّئ زوجه من قذف المنافقين ؟
كما ونجد أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قد حزَّ في نفسه غمز اليهود له ، فظلّ يقلب وجهه في السماء ستّة عشر شهراً أو أكثر تحرّقاً وشوقاً إلى تحويل القبلة مِن المسجد الأقصى إلى الكعبة المشرّفة ، يترقّب الوحي علّه ينزل عليه بهذا التحويل ، فلِم لم يُعالج النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) هذا الأمر بالوحي النفسي المزعوم أو باستنزالٍ عاجل للوحي يزيل عنه همّه ويحقّق له ما يتمنّاه ؟ إلاّ أنّه ظلّ خاضعاً مترقّباً قرابة العام ونصف العام حتّى نزل عليه الوحي بالآية القرآنيّة الكريمة : { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } [البقرة: 144] .
ممّا سبق نعلم أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) كان على يقينٍ تام ، أنّه لا يملك حولاً ولا قوّةً أمام الوحي القرآني ، فهو مستقلٌ عن ذاته وقلبه ، فقد يستعصي عليه رغم شوقه وحاجته إليه ، وقد يحمى ويتتابع حتّى ليكثر عليه ، ففؤاده مطمئن ، وضميره واعٍ ، وقلبه منطوٍ على اعتقادٍ راسخ بأنّ منشأ هذا الوحي ومصدره هو الله علاّم الغيوب .
الصورة الثالثة : وفيها يُظهر النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) حرصه الشديد على القرآن الكريم وخشيته مِن نسيان بعض آيات التنزيل القرآني وضياعها ، فيعمد إلى التعجيل في قراءة القرآن قبل أنْ يُقضى إليه وحيه ، فيجتهد في ترديده ويبذل من نفسه وفكره الجهد الكبير لئلاّ يفوته شيءٌ منه . إلاّ أنّ الله تعالى ينهاه عن ذلك في قوله تعالى : {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] .
ويرشده الله إلى عدم حاجته إلى تمرين ذاكرته لحفظ آيات القرآن النازلة ، ويؤكّد له أنّ عليه سُبحانه جمعه وقرآنه ، وذلك في قوله تعالى : {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 16 - 19].
ويضمن له عدم نسيانه في قوله تعالى : {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} [الأعلى: 6] .
كلّ ذلك يؤكّد لنا أنّ الإرادة والاختيار النبويّ ليس دخيلاً ، بأيّ شكلٍ من الأشكال ، في الوحي القرآني لا في مضمونه ولا في طريقة وزمان ومكان نزوله ، وحتّى في حفظه وجمعه وقرآنه وبيانه . أو لا يشكّل ذلك نقضاً تامّاً لمقولة الوحي النفسي ، ودليلاً حاسماً وبرهاناً ساطعاً على ثبوت الوحي الإلهي للنبيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وأنّه كان يعي تمام الوعي الفرق الكامل بين ذاته الخاضعة لأمر الله في تنزيله القرآني ، وبين ذات الله القاهرة بأمرها وتنزيلها ، وهو لا يملك إزاء ذلك مِن أمر نفسه شيئاً ؟(1) .
وبضمّ هذه الصوَر الثلاث بلحاظاتها المختلفة إلى الجانبين الأوّلين لا نجد لنظريّة الوحي النفسي أيّ أساس تقوم عليه ، بل ونحكم ببطلانها وبطلان ما هو في سياقها مِن شُبهات حول الوحي الإلهي للنبيّ محمّد ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وتثبت حقيقته ثبوتاً قطعيّاً لا مجال للتردّد فيه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لمزيد مِن التفصيل في مسألة الوحي ومناقشة الشُبهات الواردة حولها راجع : رضا ، محمّد رشيد ـ الوحي المحمّدي ، والدكتور الصالح ، صبحي ـ مباحث علوم القرآن ، والحكيم ، محمّد باقر ـ علوم القرآن . ومعرفة ، محمّد هادي ـ التمهيد في علوم القرآن ج1 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|