أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-1-2017
1549
التاريخ: 11-12-2018
2833
التاريخ: 8-1-2017
1340
التاريخ: 27-5-2017
1522
|
أ. مأساة كربلاء:
واجهت يزيد خلال مدة حكمه ثلاث قضايا على جانب كبير من الخطورة. تمثلت الأولى بخروج الحسين بن علي [عليه السلام] إلى الكوفة تلبية لدعوة أهلها ليقودهم ضد الحكم الأموي، في حين تمثلت الثانية بخروج أهل المدينة على حكمه، وتمثلت الثالثة بقيام ابن الزبير في مكة.
كيف واجه يزيد هذه القضايا؟
الواقع أن استلام يزيد بن معاوية للخلافة شكل صدمة عنيفة لأهل العراق الذين عانوا من وطأة الشدة في أيام معاوية، ثم بلغهم رفض الحسين [عليه السلام] بيعة يزيد، والتجاؤه إلى مكة، وشجعهم تغاضي الوالي الأموي في الكوفة، وهو النعمان بن بشير، فتنادوا إلى تشكيل جبهة معارضة.
واجتمعت الفئات المؤيدة للاتجاه العلوي في منزل سليمان بن صرد الخزاعي، في وقت بدت فيه الكوفة وكأنها بدون سلطة، واتفقوا على أن يكتبوا للحسين [عليه السلام] يستقدمونه ليبايعوه، وقد حددوا موقفهم السياسي وهو خلع يزيد ورفض الاعتراف بالنظام الوراثي الضي أضحى أمراً واقعا بعد إعلان خلافته.
ولتحقيق هذه الغاية ورد عليه أول كتاب من قبل سليمان بن صرد وجماعة من شيعة الكوفة، فيه شرح لما آلت إليه الأوضاع السياسية داخل المدينة، وأبدى سليمان استعداده للاستيلاء على السلطة في حال قبوله بالقدوم إليهم. واستخدم في كتابه مصطلحات مثل الإمامة والخلافة والمهدية، وهذا يدل على أن تطوراً عقديا مهما طرأ على المجتمع الكوفي، وبالتالي على حركة الشيعة كمذهب.
وورد عليه، في اليوم التالي، رسولان يحملان خمسين كتابا من أشراف أهل الكوفة، ثم تتابعت الرسل بالوفود إلى مكة تدعوه للمضي إلى الكوفة، وتولى القيادة في العراق، وقد تضمنت الاقتراح عليه الخروج على حكم يزيد.
استمرت الرسائل في الوصول إليه من الكوفة تحثه على وجوب التحرك السريع، وتعده بالمؤازرة العسكرية، حتى منحها أخيراً كثيراً من عنايته.
واعتكف الحسين في منزله، وانكب على دراسة القرار الصعب الذي لابد من اتخاذه. فالبقاء في مكة لم يكن غير تدبير مؤقت لأن الأمويين لن يدعوه في مأمن حتى يبايع يزيد، وإذا كان الاختيار أضحى أمراً لا مجال للبحث فيه، فإن استكمال دراسة الموقف في العراق كان ضروريا قبل الموافقة النهائية.
انطلاقا من هذا الشعور مالت نفس الحسين إلى تلبية هذه الدعوة، لكنه آثر أن يستقصي أمر هؤلاء الناس. فأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة ليتحقق بنفسه من صدق مشاعرهم، وليقف على حقيقة الأمر، فإن آنس منهم نية صادقة وعزيمة على الخروج وإخلاصا لآل علي، أخذ منهم البيعة سرا، حتى إذا رأى أن قد بايعه منهم من يستطيع أن ينهض بهم إلى ما يريد من خلع يزيد، كتب إليه بذلك ليرحل إلى الكوفة، ثم رد على أهل الكوفة بكتاب واحد دفعه إلى رسولين منهم يخبرهم فيه بنيته.
توجه مسلم بن عقيل إلى الكوفة، واستقبل حين وصوله إليها، في (الخامس من شهر شوال عام 60ه/ شهر تموز عام 680م) استقبالا حماسيا من شيعة بني هاشم، وأقسم بين يديه منهم اثنا عشر ألف وقيل ثمانية عشر ألفا إخلاصا للحسين، وشجعه على المضي في مهمته تغافل وإلى الكوفة النعمان بن بشير عنه، وعد بالتعرض له، حتى إذا استوثق من أهل الكوفة، جعل يأخذ البيعة عليهم للحسين، فكون صورة إيجابية عن الوضع العام ما لبث أن أرسل بتقرير عنها إلى مكة يحث فيه الحسين على المجيء فوراً.
في هذه الأثناء، تحرك أنصار الأمويين بعد ما أبدي بشير بن النعمان اعتدالا، ورفض التجاوب معهم للقضاء على الحركة المعارضة مما دفعهم إلى رفع تقرير إلى الخلافة بدمشق يبين خطورة الوضع.
وسارع يزيد إلى عزل النعمان، وعبن عبيد الله بن زياد واليا
على الكوفة بالإضافة إلى البصرة، وهو أحد الولاة المتصفين بالقسوة، وأمره بالقضاء على مسلم.
نهض عبيد الله بالأمر في حزم لا يعرف اللين ولا التردد واستطاع أن يضبط الأمور في الكوفة بسرعة عن طريق إثارة النعرات القبلية ثم راح يتعقب مسلما سرا وعلانية. فخاف مسلم على نفسه واحتمي بدار هانئ بن عروة المرادي المذحجي، وهو من أشراف الكوفة وأخذ الشيعة يترددون إليه في داره، فكان مسلم يبايع من أتاه منهم، ويأخذ عليهم العهود والمواثيق المؤكدة بالوفاء.
وعلم عبيد الله، عن طريق جواسيسه، أن مسلما يقيم بدار هانئ، فاستدعاه وطلبت منه تسليمه إياه، فامتنع عن ذلك، عندئذ قبض عليه وسجنه. وأقام، في الوقت نفسه، الحراس حول الكوفة ليراقب حركة الدخول إليها والخروج منها، وهذا يعني أن الإدارة الأموية علمت بأمر الحركة وكانت على بينة بمغادرة الحسين للحجاز في طريقة إلى الكوفة.
وعندما علم مسلم بسجن هانئ، دعا من بايعه من الشيعة، حتى إذا تجمعوا لديه تقدم بهم إلى قصر الإمارة وحاصره. فأرسل إليهم عبيد الله يخوفهم المعصية ويهددهم بالعذاب، فتفرقوا عنه. فلما ألفى نفسه وحيداً اختفى في أحد دور بني جبلة من كندة، لكن وشى به لدى الوالي الذي ألقى القبض عليه وقتله، كما قتل هانئ أبن عروة.
وافق يزيد على هذا التصرف، وكتب إلى واليه رسالة يقول فيها: "بلغني أن الحسين بن علي قد توجه نحو العراق، فضع المناظر والمسالح، واحترس على الظن، وخذ على التهمة، غير ألا تقتل إلا من قاتلك". تثبت هذه الرسالة، بشكل واضح، أمر الخليفة لعبيد الله بن زياد في ألا يقاتل الحسين وأصحابه إلا إذا قاتلوه.
ويبدو أن مسلما راح ضحية تسرعه وعدم تثبته من ولاء أهل الكوفة، كما أن النعمان بن بشير يتحمل نصيبا مما حدث، وذلك بتغاضيه عن تحركاته، ولو صده عن الاتصال بالكوفيين لكان قد فكر بالأمر، ولم يبادر إلى طلب قدوم الحسين.
وعندما وصلت رسالة مسلم إلى الحسين، قرر الرحيل إلى الكوفة بالرغم من نصيحة عبد الله بن عباس وغيره من المحبين له، الحريصين على سلامته بعدم تلبية الدعوة لأن السلطة فيها ما زالت أموية مع الأخذ بعين الاعتبار قضية التوازن القبلي فيها، وكون الذين راسلوه كانوا يمانيين، بالإضافة إلى أن أهلها قوم غدر، ولهم سوابق في ذلك. واقترح عليه ابن عباس إن هو أصر على الخروج إلى الكوفة ألا يذهب إليها حتى يثور أهلها على أميرهم ويطردوه. وبذلك يصبحون ملتزمين بالعمل إلى جانبه، كما نصحه بأن يذهب إلى اليمن فيتحصن بقلاعها وشعابها، ويحتمي بشيعة والده فيها.
لكن الحسين تجاهل كافة النصائح، فخرج في أهله وقلة من أصحابه في (التاسع من ذي الحجة عام 60ه/ شهر أيلول عام 680 م) متوجها إلى الكوفة. وكان ابن الزبير هو الوحيد الذي دفعته مصلحته إلى تشجيعه على الذهاب.
وهكذا، في الوقت الذي تحرك فيه الحسين باتجاه العراق، كان عبيد الله يضرب شيعته ويطاردهم. وشهدت الكوفة انقلابا مضاداً للحركة، وإذا بالظروف تتحول لمصلحة الحكم الأموي، وفقد الحزب الشيعي تضامنه خاصة بعد إعدام اثنين من كبار زعمائه.
ويبدو أن مسلما استطاع أن يقنع معتقله محمد بن الأشعث بأن يرسل رسولا يخبر الحسين بالتطورات السلبية وينصحه بالعودة إلى مكة. وفعلا تلقي الحسين الرسالة في زبالة إلا أنه آثر متابعة طريقة، كما تلقي نصيحة أخرى في شراف من قبل أحد قادة عبيد الله وهو الحر بن يزيد الرياحي.
استأنف الركب رحلته باتجاه الشمال تحت مراقبة فرسان عبيد الله بن زياد. حتى إذا وصل إلى كربلاء قابله عمر بن سعد بن أبي وقاص موفداً من قبل الوالي ومعه أوامر مشددة بحسم الوضع. وتلقي الحسين تعليمات الوالي القاضية بأن عليه أن يبايع يزيد، فأدرك عندئذ صعوبة الموقف، وعرض على عمر أحد الاقتراحات التالية:
- إما أن يرجع إلى المكان الذي أقبل منه.
- وإما أن يضع يده في يد يزيد ويعرض عليه قضيته، فيرى فيه رأيه.
- وإما السماح له بالذهاب إلى أحد الثغور النائية للجهاد.
إلا أن شروط الوالي كانت تقضي باستسلام الحسين دون قيد أو شرط، أو قتاله، ولا مجال لحل آخر.
وفي (العاشر من محرم عام 61ه/ تشرين الأول عام 680م) حدث ما كان متوقعا دون مفاجآت تذكر. وبعد معركة غير متكافئة قتل الحسين على صوت شمر بن ذي الجوشن وهو يحمس الجنود ويهيب بهم لخوض المعركة، وقتل مع الحسين اثنان وسبعون من أتباعه.
واحتز رأس الحسين وحمل إلى عبيد الله الذي أرسله إلى يزيد في دمشق مع نساء الحسين وابنه الصغير على الذي نجا من المعركة.
تعقيب على مأساة كربلاء:
قد تبدو هذه المأساة بحد ذاتها، وبهذا العرض البسيط لها، حادثة عادية ليس من شأنها أن تذكر في مجال الكلام على الحركات التاريخية ذات التأثير في مجرى التطور السياسي. لكن هذا التبسيط بعيد جداً عن الواقع التاريخي، ذلك أن حادثة كربلاء بكل عمقها وحركيتها وطابعها المأساوي، لا تحدد نتائجها تاريخيا بتلك المعركة السريعة وبنتائجها المباشرة، إنما الذي يحددها هو مصرع قائدها، وامتدادها الزمني بعد المعركة. إذ لم يسجل التاريخ هزيمة كان لها من الأثر العميق لصالح المهزومين كما كان لهذه القضية، كما لم تعرف حركة ندم فيها المنتصرون كالذين انتصروا في كربلاء.
لقد استغل مقتله بعض الزعماء المسلمين مثل ابن الزبير، كما أثار بعضهم الآخر، مثل المختار بن أبي عبيد الثقفي. ومازالت الحركات المناهضة تتوالى على حكم هذه الأسرة الأموية، بعد أن أضحت ثارات الحسين الصرخة المدوية، والشعار الذي يحتمي وراءه كل طامع في الحكم، حتى سقطت (الدولة الأموية).
والواقع أن الحسين لم يفصح عن دوافع خروجه حين غادر مكة إلى الكوفة على الرغم من نصيحة كبار أهل الحجاز له بعدم الخروج، كما تجاهل نصيحة عبد الله بن عباس بالخروج إلى اليمن، وأصر على الذهاب إلى الكوفة مصطحبا أهله وذويه فقط، لكن هذه الدوافع توضحت بعد أن تمت المأساة.
لقد حمل الحسين عبء القضية الإسلامية المطروحة آنذاك بكل أبعادها بوصفه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقد فرضت عليه الأحداث السياسية واجباً، وموقفا حرجاً يختلف عن موقف عامة المسلمين، كما جعلت له على الناس حقا. وقد خرج مدفوعاً، كبعض فئات من الرأي العام الإسلامي، بما أحدثه معاوية من تغيير في منهج الحكم، ثم باعتباره نفسه صاحب حق بعد وفاة هذا الأخير. ذلك أن النظام الوراثي الجديد قد خلق معارضة واسعة في صفوف عدد من الصحابة وأبنائهم وتابعيهم. وإذا كان معاوية قد نجح في امتصاص هذه المعارضة بفضل براعته السياسية، إلا أن جذور المسألة بقيت تحز في نفوس المعارضين حزا عميقا، وهم ينتظرون فرصة مؤاتية لتحريكها ودفعها إلى سطح الأحداث.
وقد شاءت الظروف أن يكون يزيد أول وريث لمعاوية وفقا للنظام الجديد. وقد أدت دورا بارزا في تعميق النقمة وانفجارها بعد ذلك. وقد شاركت فئة من أهل السنة، الشيعة، وفي تكوين رأي عام معارض، رغم الاختلاف العقدي بينهما لمفهوم الخلافة، وأن اختيار يزيد قد أعطى الناقمين حجة لمحاربة مبدأ التغيير نفسه، ذلك أن هذا الرجل قد حمل في شخصيته وسلوكه ظاهرة نموذجية لما كان عليه بعض فتيان الأسرة الحاكمة من غطرسة وبعد عن كل ما يشغل عامة المسلمين من هموم الحياة الواقعية ومشكلاتها، مما دفع بعض المسلمين، بعد مقتل الحسين، إلى شيء من المقارنة السلبية بين الرجلين، مع الفارق الواضح بينهما من حيث الانتماء العائلي والتصرف السلوكي مما أعطى المعارضة الشيعية طريقها إلى الامتداد في الزمن على شكل انتفاضات وثورات دموية.
لقد عز على الحسين أن يذعن للتحدي الأموي بما أحدثه من تغييرات في هيكلية النظام السياسي، فخرج بأهله وذويه ذلك الخروج الذي يبلغ به النصر الآجل بعد موته، وينشط به قضية آخذة في الضعف والتراجع، لا تستعيد عافيتها إلا بموته، فكأنه قد اختار منيته التي تدين أهل العراق الذين خذلوا أباه، وغدر بأخيه، وتخلوا عنه بعدما استدعوه إلى مصرهم على عجل، ثم تركوه يواجه جيش السلطة في ظروف غير مؤاتية من عدم التكافؤ. فاستيقظ لديهم الشعور بالإثم، وتبلور على نحو لم يستشعره من قبل في عهد علي والحسن [عليهما السلام]. وقد ألهب مشاعرهم بشكل لم يعرفه دين ومذهب، وأشعل في نفوسهم حزنا لا تزال آثاره ظاهرة إلى اليوم، وهم مصرون على أن تبقى الجذوة مشتعلة، ويفرضون على أنفسهم أقسى أنواع العذاب الجسدي تكفيراً عن خطيئة الأجداد.
كما ركز بموته حملة من السخط على يزيد بشكل خاص وعلى الأمويين بشكل عام بعد أن نجحوا في إضفاء الصفة الشرعية على خلافتهم بعد عام الجماعة، تمثلت نتائجها السريعة بخروج أهل الحجاز على حكم يزيد ثم خروج المختار بن أبي عبيد الثقفي. وأضحى الحسين على مر الأيام إمام كل حركة قامت ضد الخلفاء من غير الشيعة، الذين تسلموا الحكم باسم الخلافة.
لقد أراد الحسين تحقيق أهداف بني هاشم السياسية، ولو تم ذلك على إراقة دمه، ويبدو أنه أدرك بأن عهده لمعاوية انتهى بموت الأخير، وأن وفاة الحسن أتاحت له الفرصة ليكون صاحب الحق مباشرة. ولما رأى نفسه يواجه جيش السلطة وحيداً، مجرداً من أية قوة مادية لم يقم بأي عمل يؤدي بنفسه إلى التهلكة، فقد قطع على مناوئيه كل عذر، ولم يدع لهم حجة تبرر سفك دمه، حين عرض عليهم شروطه، وتحمل العطش هو ومن معه، وحين لم يبدأهم بقتال، وحين قام يخطبهم قبل نشوب القتال، فيسألهم فيم يقتلونه وليس لديهم ثأر عنده، ولم يغتصب من أحد مالا، ثم هل يشكون أنه ابن بنت نبيهم؟ وهو إن خرج فهذه كتب أهل العراق إليه تدعوه للقدوم.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
المجمع العلمي يواصل إقامة دوراته القرآنية لطلبة العلوم الدينية في النجف الأشرف
|
|
|