أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-1-2017
4889
التاريخ: 2023-12-23
1049
التاريخ: 26-8-2018
8007
التاريخ: 10-2-2021
1864
|
من المخلفات الأثرية:
سأعرض في هذه السطور إلى المخلفات والنقوش التي تتصل بشبه الجزيرة العربية، لا على سبيل الحصر، فهذا يتجاوز طاقة الباحث كما يخرج عن نطاق هذه الدراسة التقديمية، ولكن عن طريق تقديم نماذج من كل نوع من هذه الآثار والنقوش يمكن أن تعطي صورة عامة متكاملة في حدود المستطاع تصلح مدخلًا للتعرف على أحوال المجتمع العربي في عصور ما قبل الإسلام.
أ- الآثار المعمارية:
ولتكن بداية الحديث عن الآثار المعمارية. ومن بين المعالم البارزة في هذا الصدد معبد العوَّام الذي اكتشفت آثاره باليمن على مسافة 4 كيلومترات جنوبي صرواح "غربي مأرب، عاصمة الدولة البيئة القديمة". إن هذا العبد على قدر ظاهر من الفخامة، سواء في مساحته أو في تفاصيل بنائه، فالقسم الأساسي منه بيضاوي الشكل يصل محيطه إلى ألف قدم "وتره الطويل 370 قدمًا ووتره الصغير 250 قدمًا"، ويفضي إليه فناء مربع "حوالي 72 × 57 قدمًا" تمتد بإزاء جدرانه من الداخل مجموعة من 32 عمودا مربعا، وفي وسط هذا الفناء المربع عثر على تمثال لرأس ثور من المرمر على هيئة ثور وهو أحد الأوصاف التي عرف بها إله القمر إلمقه، بينما تفضي نهايته إلى ثمانية أعمدة طويلة كل منها عبارة عن كتلة واحدة منحوتة من الحجر المصقول، ما عدا اثنين يتكون كل منهما من قطعتين، الواحدة فوق الأخرى. وهذا بينما يظهر على الجدران قدر كبير من الزخرفة الدقيقة على هيئة نوافذ وهمية.
أما القسم الأساسي البيضاوي من المعبد فإن جدرانه تصل في سمكها إلى 13 قدما ونصف قدم. ورغم أن هذه الجدران قد تهدمت أجزاء منها بحيث لا نستطيع أن نتعرف على ارتفاعها الأصلي إلا أن ما تبقى منها يصل في بعض المواضع إلى ارتفاع 27 قدما، وتدل بقايا من معدن البرونز في المعبد على أن أبوابه والدرج المفضي إليه كانت مغطاة بهذا المعدن. هذا وقد عثر في المعبد على عدد من النقوش سواء على الحجر أو على صفائح من البرونز بها ابتهالات مقدمة إلى الإله إلمقه. أما تاريخ البناء فإن الأساليب المعمارية المتعددة التي تظهر في جدران المعبد تدل على أنه بني على مراحل تمتد من القرن الثامن إلى القرن الخامس ق. م.
وأول ما يسجله دارس التاريخ في صدد هذا الموقع الأثري هو أن منطقة سبأ كانت لا تشذ عن بقية مناطق العربية الجنوبية في عبادة القمر الذي كانت عبادته شائعة في هذه المناطق تحت أسماء مختلفة كجزء من عبادة الكواكب التي كان يجمعها ثالوث: الزهرة والقمر والشمس. كذلك تدلنا العناية الفائقة ببناء هذا المعبد، سواء من حيث بناؤه "أو بناؤه وترميمه" على مدى ثلاثة قرون أو من حيث تفاصيل البناء ذاته على مدى الاهتمام بالحياة الدينية في العربية الجنوبية، وهي ظاهرة استرعت أنظار عدد من الكتاب الكلاسيكيين من بينهم، على سبيل المثال، الكاتب الروماني بلينيوس PLINIUS الذي يحدثنا "في أواسط القرن الأول الميلادي" عن بعض مناطق الجنوبية العربية فيذكر أن القتبانيين Gebanitae كانت إحدى مدنهم وهي ثمنه Thomna تضم 65 معبدا، وأن سابوته "شبوه" Sabota عاصمة الحضرميين Artamitae كان بها 60 معبدا. وهذه الظاهرة في حد ذاتها من ظواهر حياة الاستقرار التي تسود المناطق ذات الاقتصاد الزراعي المنتظم، ونحن نلاحظها على سبيل المثال في مصر وفي وادي الرافدين، وقد كانا من الحضارات القائمة على الاقتصاد الزراعي المستقر.
كذلك تدلنا ضخامة البناء وفخامته على مدى البذخ والثروة التي كانت تتمتع بها منطقة سبأ. وفي هذا نعود مرة أخرى إلى شهادة الكاتب الروماني بلينيوس الذي يذكر لنا أن أغنى أقوام العربية الجنوبية هم السبئيون "بسبب خصوبة غاباتهم في إنتاج الطيوب، وبسبب مناجم الذهب -التي توجد لديهم- وأراضيهم الزراعية التي تعتمد على الري -المنظم- وإنتاجهم للعسل والشمع" كما يدل الطراز المعماري للمعبد، بما يظهر فيه من إتقان في مبانيه وأعمدته وزخرفته، على مدى ما وصل إليه اليمنيون من تقدمٍ فنيٍّ في الفترة التي مر بها بناء هذا المعبد على الأقل، وهي تمتد، كما رأينا، عبر ثلاثة قرون، من القرن الثامن إلى القرن الخامس ق. م. وهو تقدم يدل على قدر من الرخاء كان لا يزال سائدا، حسبما تشير شهادة بلينيوس، في القرن الأول الميلادي (1)
وأخيرا، وليس آخرا، فإن الباحث في التاريخ قد يستنتج من الشكل البيضاوي للمعبد عدة أشياء، ربما كان أحدها أن هذا الشكل يساعد في حراسة المعبد، بما فيه من ثروة "تشير إليها بعض الأوعية الذهبية التي عثر عليها المنقبون الأثريون بداخله"، ضد غارات البدو الذين كانوا يقطنون الأماكن الصحراوية في اليمن، إذ في حالة الشكل البيضاوي لا تكون هناك زوايا في البناء تحجب الرؤية عمن يقومون بحراسة المعبد، وهو استنتاج يمكن أن يتمشى مع ظاهرة أخرى عرفها الطراز المعماري في اليمن في حالة بناء المنازل، قد كانت هذه تبنى على ارتفاع يتكون من عدة طوابق حتى يكون عنصر الارتفاع عاملا يساعد على السيطرة على البدو المغيرين.
مثال آخر من الآثار المعمارية نأخذه من الموقع الأثري الذي تم الكشف عنه تحت التل الكبير في منطقة الفاو "جنوبي بلدة السليل" في وسط شبه الجزيرة العربية، بالقرب من ملتقى سلسلة جبال طويق مع وادي الدواسر "على بعد 700 كيلومتر تقريبا إلى الجنوب الغربي من مدينة الرياض"، ومن أبرز المعالم الأثرية التي أظهرها معول المنقب الأثري في هذا الموقع سوق تجارية كبيرة تشكل مركزا تجاريا متكاملا يرجع إلى أكثر من ألفي عام، أي إلى القرن الأول ق. م. على أقل تقدير، وهنا يؤكد لنا الموقع الأثري بشكل محدد ما كنا نعرفه بشكل عام من الكتاب الكلاسيكيين "اليونان والرومان" عن وجود طريق للقوافل التجارية بين اليمن في جنوبي غربي شبه الجزيرة ومدينة جرهاء Gerrha "التي يعتقد أنها كانت تقوم حول ميناء العقير الحالي إلى الشمال الشرقي من الهفوف حسبما تشير البحوث الأثرية التي تمت في الفترة الأخيرة" في شمالي شبه الجزيرة. وربما يكون من المعلومات ذات المغزى في هذا الصدد أن الجغرافي اليوناني الذي عرفنا لأول مرة عن وجود هذا الخط التجاري، وهو سترابون Strabo، كان يكتب في الشطر الأخير من القرن الأول ق. م. والشطر الأول من القرن الأول الميلادي، أي حوالي الفترة التي يرجع إليها تأسيس هذا المركز التجاري في منطقة الفاو (2).
وفيما يخص عمارة الأسوار التي تحيط بالمدن أقدم مثالين: أحدهما السور القديم الذي توجد آثاره عند مدينة تاج الحالية في المنطقة الشرقية لشبه الجزيرة على مقربة من شاطئ الخليج، والسور الذي يبلغ عرضه ثمانية أمتار وطوله 3000 متر يرجع إلى فترة الحكم السلوقي الذي بدأ في أول القرن الثالث ق. م. ويمثل السور دون شك اهتماما كبيرا بتحصين هذا الموقع وهو أمر نستطيع أن نفهمه إذا عرفنا أن هذه الفترة شهدت قيام حكم البيت السلوقي "نسبة إلى سلوقس seleukos أحد قواد الإسكندر وأحد خلفائه" في وادي الرافدين والمنطقة المطلة على الخليج وسط صراعات عنيفة كان أحد أسلحتها، إلى جانب المواجهة العسكرية، هو السلاح الاقتصادي الذي دفع السلوقيين إلى تأمين تجارة الخليج. أما المثال الآخر الذي أقدمه لهذه الأسوار فهو السور القديم الذي لا تزال آثاره باقية إلى ارتفاع أربعة أمتار في بعض الأماكن حول مدينة تيماء في القسم الشمالي الغربي من شبه جزيرة العرب. وهذا السور يفسر لنا أهمية الموقع الذي كانت تشغله هذه المدينة في العصور القديمة، فالمدينة كانت تقع في الطريق بين وادي الرافدين وسورية، أي: في المنطقة التي شهدت اجتياح القوات العسكرية الآشورية لسورية، ومؤامرات ملك دمشق وأحلافه ضد الآشوريين، وهو صراع نعرفه من عدد من النصوص الآشورية، وظل مستمرا بشكل أو بآخر في عهد الدولة البابلية الحديثة التي اتخذ آخر ملوكها "وهو نابونائيد، نابونيدوس Nabonidos عند الكتاب الكلاسيكيين" من تيماء مقرا له حين اضطربت الأمور في بابل (3).
أما عن الآثار المعمارية التي تتصل ببناء السدود، فلعل أبرزها بقايا سد مأرب في اليمن الذي كانت تحجز مياه الأمطار وراءه بحيث يمكن التحكم فيها من خلال عيون تفتح وتغلق حسب الحاجة، ومن هذه السدود كذلك سد السملّقي الموجود بأعلى وادي ليّه من ضواحي مدينة الطائف على مسافة 35 كيلومترًا جنوبي المدينة المنورة بمنطقة الحجاز في شرقي شبه الجزيرة، وقد استمر وجوده في العصر الإسلامي ولا تزال معظم جوانبه قائمة، وسد الحصين الواقع إلى جنوبي خيبر في المنطقة الشمالية الغربية لشبه الجزيرة، ويمتاز هذان السدان الأخيران بطراز واحد هو طراز البناء المتدرج أي الذي يظهر فيه جسم السد على هيئة مدرجات. وعمارة السدود في المجتمع العربي قبل الإسلام تدلنا على أحد الشواغل الأساسية التي كانت تشغل سكان هذا المجتمع الذي كان "ولا يزال" يخلو من الأنهار بشكل تام، ومن هنا تصبح موارده المائية الوحيدة هي العيون أو الينابيع المبعثرة بشكل غير كافٍ في أغلب الأحوال في أرجاء شبه الجزيرة أو الأمطار التي تسقط بشكل موسمي؛ ومن ثم يصبح تجميعها والتحكم فيها في بقية مواسم السنة أمرا واردا في المناطق التي يسقط فيها قدر معقول من الأمطار يبرر الإقدام على بناء هذه السدود (4).
ثم نلاحظ في نهاية الحديث عن الآثار المعمارية، نوعا من الأبنية ظهر بوجه خاص في القسم الشمالي الغربي من شبه الجزيرة العربية "التي يقع قسم منها الآن في المملكة العربية السعودية وقسم في جنوبي الأردن" التي تكثر التكوينات الصخرية في عديد من مناطقها، وهو نوع من العمارة لا يتم عن طريق البناء، وإنما عن طريق النحت في هذه التكوينات الصخرية بحيث ينتهي هذا النحت في شكل غرف وأبواب وواجهات كبيرة وأعمدة وزخارف. ونحن نجد أمثلة كثيرة لمعابد وأضرحة نحتت في الصخر في مدينة البتراء "في جنوبي الأردن" التي كانت عاصمة لدولة الأنباط، وفي شمالي غربي المملكة العربية السعودية في واحة البدع "التي تعرف باسم مغاير شعيب، في نهاية وادي الأبيض المسمى: عفل، على الجانب الشرقي لخليج العقبة ويبعد عن تبوك 170 كيلومترا إلى الغرب" وفي مدائن صالح "15 كيلومترا شمالي العلا" وهي التي عرفها الكتاب الكلاسيكيون باسم "إجرا" egra وجاءت في القرآن الكريم باسم "الحجر" كحاضرة ثمود، وقوم نبي الله صالح.
ونحن نستطيع أن نستنتج من هذا النوع من العمارة الذي ظهر في هذه المنطقة عددًا من الحقائق: من بينها امتداد المنطقة التي شملها حكم الأنباط الذين تميزوا بهذا النوع من العمارة. ومن بينها التأثر بالطراز اليوناني - الروماني في العمارة بشكل ظاهر، فواجهات هذه القطع المعمارية واجهات pedaments يونانية، رومانية وكذلك الإفريز Freeze المستطيل الذي يلي الواجهة إلى أسفل وكذلك الأعمدة التي تلي الإفريز نزولا لتحيط بباب المعبد أو الضريح. كذلك نلمس في هذا النوع من المعمار ظهورا جانبيا ولكنه ملموس للشخصية العربية المعمارية "وبخاصة في مدائن صالح في القسم الجنوبي من هذه المنطقة" وهي الشخصية التي بلغت أوجها في الطراز المعماري في العصر الإسلامي. فمن جهة نجد أن الواجهة التي تتخذ في الطراز اليوناني شكلا مثلثا ذا جانبين لهما زوايا حادة، ورأس له زاوية منفرجة، تظهر في بعض الأحيان القليلة في هذه المنطقة وقد اختفى التدبيب من زاوية الرأس فصار لها شكل قوس بيضاوي، ثم نجدها في أحيان قليلة أخرى في عدد من الطاقات NICHES وقد اتخذت قوسا نصف دائري هو القوس الذي يظهر في العمارة العربية بعد ذلك، كذلك نجد أقسام الإفريز التي كانت تتخذ في الإفريز اليوناني شكل مساحات مربعة أو مستطيلة metops تملؤها صور من النحت البارز تمثل قصصا من الأساطير اليونانية، وتفصل بين كل قسم والآخر ثلاثة خطوط رأسية متجاورة triglyphs تبقى كما هي في الإفريز العربي "النبطي" ولكن يظهر فيها تغيير جزئي، فبدلا من النحت البارز الذي يمثل القصص اليونانية ينحت شكل زهرة ذات ست أو ثماني وريقات في أغلب الأحيان "لعلها مقدمة النجمة المثمنة في الزخرفة الإسلامية فيما بعد" (5).
ب- النحت والمخربشات:
وأنتقل الآن إلى الحديث عن النوع الثاني من الآثار وهو النحت الذي يتخذ شكل تماثيل، والنحت البارز الذي يتخذ شكل صور أو زخارف بارزة على واجهات أو جدران المباني أو المسلات. ومن أمثلة هذه الآثار في شبه الجزيرة العربية تمثال حجري عثر عليه قرب القلعة الموجودة في جزيرة تاروت التي تكاد تلاصق الشاطئ الغربي للخليج عند القطيف. والتمثال له دلالة حضارية كبيرة بالنسبة لتاريخ هذه المنطقة، فهو يشبه التماثيل السومرية التي وجدت في جنوبي العراق والتي يرجع تاريخها إلى نحو ثلاثة آلاف سنة ق. م. وهذا يدل على اتصال وثيق بين هذا القسم من شبه جزيرة العرب وبين حضارة وادي الرافدين في هذه الفترة المبكرة (6)، وهو اتصال له ما يؤيده من البقايا الفخارية المتشابهة التي عثر عليها في المنطقتين كما سنرى بعد قليل، بما يحمله هذا من معانٍ وما قد يلقيه من أضواء على بعض الجوانب الخاصة بأصل الحضارة السومرية أو بتأثيراتها. كذلك عثر في المعبد اللحياني في الخريبة "مدينة العلا القديمة قرب مدائن صالح في القسم الشمالي الغربي من شبه الجزيرة" على تمثال صغير "طوله متر واحد" يبدو نسخة مصغرة من التماثيل المصرية القديمة سواء في وقفته المتصلبة أو في الذراعين الملتصقين بجانبي الجسم أو في اليدين المقبوضتين. ولم تظهر دراسة مفصلة عن هذا التمثال حتى الآن، ولكنه يشير بشكل واضح إلى تسرب التأثير الفني المصري بشكل أو بآخر إلى المنطقة (7) .
أما المثال الثالث الذي أقدمه في هذا الصدد فهو تمثال برونزي عثر عليه ضمن مجموعة من التماثيل في مدينة "تمنع" في قتبان وهي من الأقسام السياسية التي قامت في جنوبي شبه جزيرة العرب وهو تمثال لطفل يمتطي أسدا، والطفل يمسك في يده اليمنى بلجام وفي يده اليسرى بشيء يشبه القفل بينما يرفع الأسد رجله اليمنى وكأنه يهم بالحركة. وفي هذا التمثال نجد أثر الفن اليوناني بارزًا إلى حد كبير سواء في عري الطفل، والعري ظاهرة شائعة في التماثيل اليونانية، أو في ملامح وجهه أو في ليونة الحركة الخارجية "التي تميز الفن اليوناني عن فنون الشرق الأدنى القديم مثل الفن المصري أو الفن الآشوري". ونحن نستطيع أن نستنتج من هذا التمثال، الذي يرجع صنعه إلى القرن الأول ق. م. أو القرن الأول الميلادي، تأثيرا يونانيا على المثال العربي في هذه المنطقة من شبه الجزيرة، جاء نتيجة احتكاك اتخذ صورة أو أخرى بين اليونان وجنوبي شبه الجزيرة، وبخاصة إذا عرفنا أن اليونان كانوا قد بدءوا يزاولون الملاحة في البحر الأحمر منذ العصر المتأغرق "القرون الثلاثة الأولى ق. م" بتشجيع من ملوك البيت الحاكم البطلمي في مصر، ثم استمر نشاطهم البحري بعد ذلك في عصر الإمبراطورية الرومانية "ابتداء من 27 ق. م" بعد أن عمل الأباطرة الرومان منذ بداية قيام الإمبراطورية الرومانية على فرض نفوذهم بطريق أو بأخرى على مدخل البحر الأحمر عند مضيق باب المندب "أقصى الطرف الجنوبي لهذا البحر" كمنطقة تتحكم في الطريق التجارية بين موانئ البحر المتوسط "ثم برا إلى البحر الأحمر ثم اختراقا لهذا البحر حتى جنوبيه" والمحيط الهندي. وفي خلال هذا النشاط البحري التجاري بما فيه من مبادلات كان المجال مفتوحا لوصول بعض الدمى اليونانية التي قلدها الفنان العربي الجنوبي (8).
وأنهي الحديث عن الآثار المنحوتة في شبه الجزيرة العربية بمثال من النحت البارز يمثله شاهد مقبرة من تيماء "القسم الشمالي الغربي من شبه الجزيرة" "يرجع إلى أواسط الألف الأولى ق. م" وقد نحتت على هذا الشاهد صورة الإله "هلال" إله القمر التمودي وقد ظهر في النحت شخص يقدم قرابين إلى الإله (9)، ونستطيع بشكل بسيط ومباشر أن نستنتج من النحت الموجود على هذا الشاهد حقيقتين: إحداهما أن الثموديين، أو الفرع الشمالي منهم، كانوا يقيمون بشكل مستقر، وليس بشكل عابر لتجارة أو غيرها، في هذه المنطقة. أما الحقيقة الثانية فهي نوع العبادة التي كان يمارسها هؤلاء الثموديون في هذه المنطقة، وما يمكن أن يكون لها من صلة بعبادات الأقوام الذين وجدوا في المناطق المجاورة أو الذين احتكوا بهم في صورة أو في أخرى.
وإذا كان النحت بنوعيه، النحت المستدير "التماثيل" والنحت البارز يقدم لنا الشيء الكثير عن حياة العرب في شبه الجزيرة في العصر السابق للإسلام، فإن المخربشات التي تركها السكان على صخور الجبال، وإن كانت أقل منها شأنًا من الناحية الفنية، إلا أنها لا تقل عنها في قيمتها كمصدر نستقي منه أحوال المجتمع العربي في ذلك العصر. وهناك في الواقع أمثلة عديدة لهذه المخربشات التي نقشها السكان بشكل غير متقن أو بشكل عفوي وبسيط وسريع في أغلب الأحيان. وسأختار عددًا منها من المنطقة الوسطى في شبه الجزيرة، يعطينا فكرة عن بعض جوانب المجتمع الذي كان يوجد في هذه المنطقة.
وأول مجموعة من هذه المخربشات نجد منظرين منها على جبل برمة في القسم الشمالي الشرقي من هذه المنطقة، وهي تضم منظرا لعنزة في حركة قافزة ومنظرا آخر يظهر فيه جمل وما يشبه النعامة. بينما نجد منظرا ثالثا في وادي ماسل يضم عددا من النعام. والمنظر الأول الذي تظهر فيه العنزة يعبر عن حياة الرعي التي سادت هذه المنطقة، بينما يعبر المنظر الثاني الذي يظهر فيه الجمل عن وسيلة المواصلات الأساسية لسكان المنطقة. أما النعامة فيبدو رغم انقراضها الآن بشكل كلي أو يكاد يكون كليا، أنها كانت من الحيوانات أو الطيور الشائعة في عصر ما قبل الإسلام شيوعًا جعلها أو جعل التشبيه بها يظهر بشكل متواتر في أشعار الجاهليين من أمثال امرئ القيس ولبيد بن ربيعة والحارث بن حلزة اليشكري وعنترة بن شداد والنابغة الذبياني وعامر بن الطفيل وعبيد بن الأبرص (10).
والمجموعة الثانية من هذه المخربشات منحوتة على صخور جبل برَّاقة "حوالي 30 كيلومترًا شمالي موقع الدوادمي" وفي أحد مناظرها نجد صورة لجمل تحيط به من جميع الجهات صورة مكررة أربع مرات هي عبارة عن دائرة وإلى جانبها خط مقوَّس بعض الشيء (11). إن هذه هي صورة "الوسْم" أو العلامة التي كانت تتخذها كل قبيلة تمييزًا لها عن القبائل الأخرى، وربما كان للشكل الذي يتخذه هذا الوسم سبب أسطوري وربما كان مجرد اتفاق تعبيري بين أفراد القبيلة، ولكنه يبرز للباحث حرص كل قبيلة على الترابط فيما بينها، وعلى ألا تذوب شخصيتها في المحيط الواسع الذي تتجاور فيه القبائل في منطقة أو أخرى من مناطق شبه الجزيرة العربية. ومنه تستطيع أن تدرك مدى تغلغل النزعة الانفصالية التي عبرت عن نفسها في شكل العصبية القبلية والتي سادت المنطقة "وفي الواقع أغلب مناطق شبه الجزيرة العربية" بشكل حاد في الفترة السابقة لظهور الإسلام.
أما المجموعة الثالثة من المخربشات فنجدها على بعض الصخور الموجودة في وادي ماسل "70 كيلومترا جنوبي الدوادمي". وفي أحد مناظرها تظهر صورة متجاورة لعدد من الأشخاص يقومون بحركات إيقاعية تمثل مشهدا راقصا. وقد يشير هذا المشهد إلى جانب من الحياة الترفيهية التي كان يعمد إليها سكان المنطقة من حين إلى حين، ولكن يبدو كذلك وربما كان هذا هو الأرجح إذا قارناه ببعض المظاهر الأخرى ذات الطابع الديني، أنه يعبر عن رقصة تتصل ببعض الشعائر الدينية، ربما كانت جزءا من ابتهالات يقدمها أبناء القبيلة لإلههم حتى ينزل المطر في هذه المنطقة التي ربما مرت بها بعض السنوات المتعاقبة دون مطر (12).
ج- الفخار والعملة:
والبقايا الفخارية هي الأخرى تشكل مصدرًا على جانب كبير من الأهمية في تصوير حضارة المجتمع الذي كان يوجد في شبه الجزيرة في الفترة السابقة للإسلام. ولعل الفخار يصور هذه الحضارة أكثر من غيره من أنواع الآثار الأخرى. فالفخار في العصور القديمة كان السلعة أو الأداة التي تستخدم أكثر من أي شيء آخر في الحياة اليومية. فمذ كانت تصنع أواني الطعام، والأوعية اللازمة لحفظ أو تخزين بعض أنواع المؤن مثل الزيت والنبيذ، كما كانت تصنع المزهريات وأوعية البخور التي تستخدم في الطقوس الدينية سواء في المعابد أو في أماكن الاجتماعات، ومنه كذلك كانت تصنع بعض الدمى الصغيرة لأغراض دينية أو في الحياة اليومية. وعلى هذا فوجود كميات من الفخار في أحد المواقع يشير إلى أن هذا الموقع كانت توجد فيه حياة مستقرة وأنه لم يكن مجرد معبر أو محط تجاري، وبخاصة إذا وجد في المنطقة بقايا أثرية أخرى تدل على وجود مستوطنات أو قرى أو مناطق سكنية على قدر ظاهر من الاتساع. وسأختار في هذا الصدد مجموعتين من الفخار كُشف عنهما في منطقة ساحل الخليج في القسم الشرقي من شبه الجزيرة، وإحدى هاتين المجموعتين وجدت في موقع الدوسرية "على شاطئ الخليج جنوبي الجبيل" وفي بعض المواقع القريبة منها. وفي هذه المواقع عثر على بقايا فخار ينتمي من حيث طرازه وطريقة حرقه وألوانه وزخرفته إلى المرحلة الحضارية التي عرفت باسم ثقافة "العُبَيْد" "نسبةً إلى موقع العبيد قرب الطرف الجنوبي للعراق" التي عرفتها منطقة وادي الرافدين حوالي 4000-3500ق. م (13). وهذه المجموعة، بوصفها هذا، تعتبر مؤشرا آخر "إلى جانب ما رأيناه في مجال النحت" إلى الصلة الحضارية الوثيقة، تأثرا أو تأثيرا، مع هذه المرحلة الحضارية المبكرة في وادي الرافدين. وهذا بدوره معناه صلة من نوع ما قد تكون صلة تجارية أو هجرة بشرية مثلا. أما الثانية فقد وجدت في موقع "تاج" "غربي الجبيل نحو الداخل" وفي جزيرة تاروت وهي أوعية فخارية يونانية الطراز ترجع إلى العصر السلوقي "فترة ما بعد الإسكندر، القرون الثلاثة الأخيرة ق. م" وتشير إلى ما تركته الفترة التي سيطر فيها السلوقيون على هذه المنطقة من تأثير حضاري يوناني (14).
وأعرض الآن بشكل سريع إلى نوع آخر من الآثار كثيرًا ما ألقى الضوء على عدد من جوانب الحياة في مجتمع "أو مجتمعات" شبه الجزيرة العربية في الفترة السابقة للإسلام، وهو العملة. وسأتعرض هنا لثلاث قطع من العملة على سبيل التوضيح؛ والقطعة الأولى عملة سبئية من الفضة ترجع إلى القرن الثالث أو القرن الثاني ق. م. ونحن نجد على وجه هذه القطعة من العملة رأس الآلهة أثينة اليونانية وقد تدلى من أذنها قرط بينما ظهر على خدها حرف النون بالخط السبئي. أما ظهر العملة فقد ظهرت عليه صورة بومة وصورة هلال وغصن زيتون به ورقتان في وسطهما حبة زيتون، ثم الحرفان الأولان من أثينا "الألف والثاء" مكتوبان بالخط اليوناني.
ونحن نستطيع أن نبدأ استنتاجنا للحقائق التي تقدمها هذه القطعة من العملة من مجرد وجود عملة سبئية في تلك الفترة، إذ معنى ذلك أن العلاقات التجارية للمنطقة مع الخارج كانت قد بلغت مرحلة متطورة من النشاط والكثافة أصبح معها استخدام العملة بدلا من المقايضة أمرا واردا إن لم يكن في الواقع أمرا محتوما. كذلك نجد المواصفات العامة لهذه القطعة من العملة تحاكي مواصفات العملة الأثينية التي كانت قد بلغت ذروتها مع ذروة النشاط التجاري لمدينة أو دولة أثينا ابتداء من فترة التوسع الإمبراطوري لهذه الدويلة في غضون النصف الأول من القرن الخامس ق. م. بحيث أصبحت في القرن التالي "الرابع" ق. م. عملة دولية تحتذى في عدد من مواصفاتها. والطراز الأساسي للعملة الأثينية تظهر فيه صورة الآلهة أثينة على وجه العملة بينما يوجد على ظهر العملة رسم البومة "التي تبرز في بعض الأساطير اليونانية المتصلة بهذه الآلهة". والهلال وغصن الزيتون ذو الورقتين وفي وسطهما حبة الزيتون "إشارة إلى اعتبار شجرة الزيتون شجرة مباركة في الفولكلور الأثيني" والحروف الأولى من اسم الآلهة (15). والمحاكاة السبئية للعملة الأثينية تصل في تفصيلها إلى إظهار القرط متدليا من أذن الآلهة وإلى إبراز أوراق الزيتون فوق الشريط أو العصابة التي يتحلى بها شعرها. ومعنى هذه المحاكاة من جانب السبئيين للعملة الأثينية أن المعاملات بين منطقة اليمن وبين الأثينيين كانت قد خطت شوطا ملموسا عند ظهور هذه العملة السبئية "القرن الثالث أو القرن الثاني ق. م" إما بالطريق البرية من اليمن إلى الموانئ السورية حيث كان النشاط التجاري الأثيني على أكثفه في القسم الشرقي للبحر المتوسط قبل القرن الثالث ق. م. وإما عن طريق البحر الأحمر ابتداء من هذا القرن حيث بدأ التجار اليونان "ومن بينهم الأثينيون" يصلون إلى الموانئ اليمنية.
أما ظهور حرف النون بالخط السبئي على خد الآلهة أثينة فأفترض أنه الحرف الأول من اسم الملك الحاكم في سبأ وقت سك هذه القطعة من العملة. ونحن نجد في الواقع ملكينِ سبئيينِ يبدأ اسم كل منهما بهذا الحرف، أحدهما هو نشاكرب "يهنعم بن ذمر علي ذرح" الذي حكم حوالي عام 250 ق. م "أي في أواسط القرن الثالث ق. م" والثاني هو نصرم "يهنعم" الذي حكم في حدود عام 200 ق. م. "أي في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الثاني ق. م." وأود أن أزيد هنا إلى أن ظهور حرف النون السبئية على خد الآلهة الأثينية يشير إلى نوع من التطور النقدي عند السبئيين، فالعملة الأثينية "بعد أن أصبحت عملة دولية في القرن الرابع ق. م. على نحو ما أسلفت" كانت تستخدم أو تسك كما هي في عدد من البلاد دون إضافة أو تغيير في محتوى النقوش الموجودة على وجهيها، ومن هنا فإن زيادة حرف النون السبئية يشكل تطورا لهذا الوضع، وأفترض في هذا الصدد أن تكون العملة السبئية قد ابتدأت بمحاكاة كاملة للعملة الأثينية في القرن الرابع ق. م. ثم وصلت إلى الرسوخ الذي يعكس ازدهارا اقتصاديا واضحا مكَّن سبأ من أن تزيد في عملتها هذا الملمح الذي يعبر عن تطور محلي (16).
أما المثال الثاني الذي أعرض له في مجال الحديث عن العملة كمصدر من مصادر تاريخ شبه الجزيرة العربية في العصور السابقة للإسلام فهو قطعة برونزية سبئية كذلك، تظهر على وجهها صورة لرأس رجل وخلفه شكل صغير يبدو كأنه قرص شمس ثم علامة شخصية، أما ظهرها فتظهر عليه صورة رأس رجل "يبدو من ملامحه ومن طريقة تصفيف الشعر أنها للرجل نفسه" وإلى جانبها نقش بالخط السبئي يقرأ: كرب إلى وتر. ونحن نجد في هذه القطعة من العملة تطورا عن العملة السابقة، فالوجه المرسوم لم يعد مجرد تقليد لوجه مرسوم على عملة أجنبية، وإنما أصبح الآن وجها للحاكم ذاته، والنقش الموجود لم يعد محاكاة لخط أجنبي ليس له معنى بالنسبة لسكان أو حتى لتجار المنطقة، وإنما أصبح اسمًا لملك المنطقة متكوبًا بلغة المنطقة وخطها؛ ومن ثم فإن هذه القطعة من العملة لا بد أن يكون تاريخها لاحقا للعملة السابقة. وهذه الحقيقة في حد ذاتها تساعدنا إلى حد ما في التعرف على شخصية الملك الذي تحمل العملة صورته. فنحن نعرف من النقوش التي وصلت إلينا اسم ملكين سبئيين يحملان نفس الاسم: أحدهما كرب إل وتر "بن ذمر علي بين"، وقد حكم في أوائل القرن الرابع ق. م. "حوالي 390 ق. م" والآخر كرب إل وتر "يهنعم بن وهب آل يحز" الذي حكم في أواسط القرن الثاني ق. م. "حوالي 160 ق. م" (17). وطالما أن قطعة العملة التي نحن بصدد الحديث عنها لا بد، كما رأينا، أن تكون لاحقة في تاريخها لقطعة العملة السابقة التي يرجع تاريخها إلى القرن الثالث أو الثاني ق. م. فيترتب على ذلك أن الملك المقصود هو صاحب الاسم الثاني. وأخيرا فإن قرص الشمس يشير بشكل مرجح إلى عبادة الشمس التي كانت إحدى عبادات ثلاثة منتشرة في المنطقة وهي عبادة الكواكب: الزهرة عشتار والشمس "ذات حمم" والقمر "إلمقه".
ثم أنتقل إلى المثال الثالث، وهو قطعة عملة برونزية من بترا "البتراء" عاصمة الأنباط في القسم الشمالي الغربي من شبه الجزيرة العربية، ونجد على وجه هذه العملة صورة نصفية لأحد الأباطرة الرومان، وهذا يظهر بالاستنتاج من مظهره وملبسه كما يظهر بالتأكيد من النقش اليوناني الذي يحيط بالجزء الأكبر من الصورة وهو: الحاكم المطلق قيصر ترايانوس. أما الوجه الآخر فنجد على محيطه نقشًا كتب باليونانية كذلك وهو: مدينة بترا، بينما تظهر في وسطه صورة إلهة لا بد أنها اللات - مناتو، إلهة هذه المدينة. ونحن نعرف من هذه العملة أنها ترجع إلى وقت حدوده هي 98-117م، وهي فترة حكم الإمبراطور الروماني ترايانوس "تراجان"، ومن ثم فإن إمارة أو مملكة الأنباط التي كان لها كيانها المستقل، قد أصبحت ولاية رومانية إما في خلال حكم هذا الإمبراطور أو قبله. وهنا نجد بالمقارنة مع كتابات الجغرافي اليوناني سترابون، الذي كتب في أواخر القرن الأول ق. م. وأوائل القرن الأول الميلادي، أن إمارة الأنباط كانت قد فقدت استقلالها قبل الفترة التي كتب فيها أو على الأقل في أثنائها، فهو يشير في حديثه إلى تبعية بلاد الأنباط لروما في "الوقت الحالي" مشيرا إلى الوقت الذي كان يكتب فيه. ولكنا نعرف من الكاتب الروماني بلينيوس plinius "الذي عاش وكتب بعد سترابون" أن هذه البلاد كانت لا تزال مستقلة في وقته "24/23-79م".
وفي الواقع فإن إمارة الأنباط لم تصبح ولاية رومانية إلا منذ عام 105م حين ضمها تراجان إلى الإمبراطورية الرومانية، وبعد ذلك التاريخ أصبحت تعرف باسم "ولاية العربية الصخرية" arabia Petraea(18) ، وفي هذه الحال يصبح حديث سترابون معناه في الحقيقة أن إمارة الأنباط قبل 105م كانت داخلة في دائرة النفوذ الروماني ولكن دون أن تتحول بشكل رسمي إلى ولاية رومانية. وما دام النقش والصورة الموجودان على قطعة العملة يؤكدان تبعية المنطقة "رسميا" للإمبراطور الروماني، فيكون تاريخ ضرب هذه العملة يقع بين عام 105م وعام 117م "وهو آخر عهد تراجان" على وجه التحديد، ونستطيع عندئذٍ أن نقول: إن أية صفقة أو معاملة تتصل بها هذه القطعة من العملة تقع ضمن هذه الاثني عشر عامًا الممتدة بين 105م و117م.
كذلك نستطيع أن نستنتج من هذه العملة شيئا آخر، فاللغة التي كتب بها النقشان الموجودان على وجهيها هي اللغة اليونانية، ومع ذلك فاللغة الرسمية للإمبراطورية الرومانية هي اللغة اللاتينية. وإذن فلا بد من سبب لهذا التناقض الظاهر. ونحن في الواقع لسنا بحاجة إلى أن نذهب بعيدا في البحث عن هذا السبب فالثقافة اليونانية هي التي كانت تسيطر على هذه المنطقة طوال العصر المتأغرق "الهللنستي" الذي بدأ مع خلفاء الإسكندر في بداية القرن الثالث ق. م، وفي هذا العصر كانت اللغة اليونانية هي لغة المعاملات بشكل أساسي سواء في الثقافة أو الإدارة أو التجارة. وقد استمرت هذه اللغة لغةً للمعاملات حتى بعد أن دخلت المنطقة في دائرة السيطرة الرومانية. ولما كان الرومان واقعيين وعمليين في سياستهم فقد أبقوا على هذه اللغة بشكل رسمي في الولايات الرومانية، وهكذا سكت هذه العملة وقد ظهرت النقوش التي عليها باليونانية وليست باللاتينية.
___________
(1) عن تفاصيل القسم الأساسي من المعبد راجع:
"cairo 1952" Ahmed fakhry. an archaological journey to yemen ج1، صفحات 29-56 ويسميه الكاتب أحيانا "محرم بلقيس".
عن تفاصيل الفناء الأمامي الذي يفضي إلى المعبد راجع:
"london، 1955" wendell phillips: qataband sheba
صفحات 256-268. عن وفرة المعابد في العربية الجنوبية في القرن الأول الميلادي راجع فيما يخص مدينة ثمنه thomna في منطقة الجبانيين: plinius: H N،VI،153 وفيما يخص مدينة شبوه Sabota عند الحضارمة: الكاتب ذاته، الكتاب ذاته، Vt'155 وعن ثروة السبئيين ومواردها: ذاته، VI،61.
(2) قام عدد من المهتمين بدراسات شبه الجزيرة العربية وهم: فيلبي، فيليب لينز، ج. ركمانز، غ. ركمانز philby، philippe lippens، j phllippe lippene، j في بداية الخمسينات من القرن الحالي باستطلاع عابر لمنطقة الفاو ضمن استطلاع عام لمنطقة أوسع. ثم قام قسم التاريخ بجامعة الرياض تحت إشراف د. عبد الرحمن الأنصاري في مطلع السبعينات بعمليات تنقيب متعددة في التل الكبير بالمنطقة، وكشفت الحفريات عن أن الموقع سوق للقرية تحتوي على عدد من المحال التجارية في صفين متقابلين من الجنوب والشمال، تفصل بينهما ساحة تتوسطها إلى الشرق بئر واسعة، كما عثر خلف المحال التجارية على غرف لخزن البضائع ولإقامة أصحاب القوافل. وقد وجدت نقوش على جدران بعض الغرف تكررت فيها كلمة "كهل" في أشكال مختلفة بتواتر يدل على أن هذا الإله كان يعبد في هذه القرية، وهي حقيقة يدعمها ورود اسم "كهل" على مقبرة لعجل بن هفعم كمعبود أساسي، كما عثر على مقبرة ثانية لملك عاش في هذه المنطقة وهو معاوية بن ربيعة الذي أعطي لقب ملك قحطان ومذحج كما يظهر من نص من ثلاثة سطور على شاهد القبر. راجع:
عبد الرحمن الطيب الأنصاري: أضواء جديدة على دولة كندة من خلال آثار ونقوش قرية الفاو "بحث ألقي في الندوة العالمية الأولى لدراسات تاريخ الجزيرة العربية - مصادر تاريخ الجزيرة، الرياض، 1977". عن ذكر سترابون للطريق التجارية بين المنطقة الجنوبية الغربية من شبه الجزيرة إلى جرها gerrha في شرقي شبه الجزيرة "وهي الطريق التي يشير موقع قرية الفاو إلى أنها تمر بها" راجع: Strabo: XVI، 3:3. عن تحديد موقع جرها على أنها ميناء العقير الواقعة إلى الشمال الشرقي من الهفوف، تشير إلى ذلك بحوث البعثة الدانماركية التي قامت بمسح أثري للمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية في 1968. راجع في ذلك: عبد الله حسن مصري: مقدمة عن آثار المملكة العربية السعودية، إدارة الآثار والمتاحف، وزارة المعارف، المملكة العربية السعودية، 1975، ص15. عن تفاصيل آثار موقع الفاو راجع: ملحق اللوحات: لوحة 2.
(3) عن قيام الحكم السلوقي وظروف الصراع في منطقة الشرق الأدنى آنذاك راجع: لطفي عبد الوهاب يحيى، دراسات في العصر الهلسنتي، بيروت، 1978 صفحات 88-94، 104-106. نشاط السلوقيين الاقتصادي في المنطقة يدل عليه إقامة السلوقيين مجموعة من المستوطنات من نهر الفرات إلى مدينة جرها، وعقدهم اتفاقية مع هذه المدينة لتزويدهم بالتوابل والبخور، راجع: j.G.C Anderson: Cah المجلد العاشر، صفحات 247 وما بعدها، راجع كذلك: w.w.torn: arabia "oxford classical dictionary" ocd كذلك يشير الجغرافي اليوناني سترابون إلى تجارة جرها مع الفرات عن طريق البحر.strabo: XVI،3:3 عن بقايا سور تاج راجع: ملحق اللوحات في نهاية هذه الدراسة، لوحة 3 أ. عن تيماء راجع النصوص الآشورية والبابلية الحديثة في anet صفحات 283، 284، 306، 313. عن بقايا سور تيماء راجع: ملحق اللوحات، لوحة 3ب.
(4) راجع: ملحق اللوحات، لوحات 4 أ، 4 ب، 4 ج.
(5) راجع: ملحق اللوحات، لوحات 5أ-ح.
(6) راجع: ملحق اللوحات: لوحتي 7أ-ب.
(7) راجع: ملحق اللوحات: لوحتي 8 أ - ب. التأثير المصري في مجال الفن وارد عن طريق الاحتكاك التجاري، وفي هذا المجال فإن بترا "البتراء" PETRA عاصمة الأقباط كانت تتفرع من عندها طريقان تجاريتان إحداهما تؤدي إلى تدمر palmyra وسورية، والأخرى تؤدي إلى غزة راجع: plinius: H.N،144، كذلك فإن طريقا كانت تؤدي إلى بلوزيون peluseon "الفرما" في مصر ومنها يوجد طريق مختصر إلى هيرويس heroes "السويس" في مصر، راجع: strabo: XVI،2:30 حيث تستمر الطريق البرية بعدها إلى داخل مصر. كذلك راجع العلاقات الوثيقة بين التجار المعنيين من العلا وبين مصر، وبخاصة نص زيد إيل التاجر المعيني الذي أصبح كاهنا في المعابد المصرية في الوقت ذاته، في آخر هذا الباب وحاشية 26.
(8) راجع ملحق اللوحات: لوحتي 9 أ - ب، عن النشاط البحري اليوناني في البحر الأحمر والمحيط الهندي "مرورا بشواطئ المنطقة الجنوبية الغربية لشبه الجزيرة العربية" في القرنين الأول ق. م. الأول م. وما حولهما راجع: rostovtzeff: social and economic history of the hellenistic world "sehh" ج2 "1941 oxford" صفحات 929-932 وحواشي 203-207، كذلك: w.w.tarn: the greeks in bactria and india "1938 cambridge"، صفحات 366-373 و m.cary: geographic background to greek and roman history صفحات 204-205.
(9) راجع: لوحة 10.
(10) راجع: اللوحات: 11 أ "العنزة القافزة"، 11ب "جمل وما يشبه النعامة"، 11ج "عدد النعام". عن ذكر النعام في شعر امرئ القيس راجع الأبيات في شيخو- البستاني: المجاني ص35، بيت58، وص41، بيت24؛ عند لبيد بن ربيعة، المرجع ذاته، ص103، بيت6، وص110، بيت67؛ عند الحارث بن حلزة اليشكري، ذاته: ص150، قصيدة صيد وفخر، بيت9؛ عند عنتره بن شداد، ذاته: ص 155، بيت25؛ عند النابغة الذبياني، ذاته: ص22، بيت11؛ عند عامر بن الطفيل، ذاته: ص290، بيت14؛ عند عبيد بن الأبرص، ذاته: ص341، بيت2.
(11) راجع: لوحة 12.
(12) راجع: لوحة 13.
(13) راجع لوحتي 13أ-ب.
(14) راجع لوحتي 15أ-ب.
(15) راجع لوحتي 15 أ - ب في ملحق اللوحات.
(16) يرد اسما الملكين نشاكرب يهنعم ونصر يهنعم في قائمة فلبي philby للملوك السبئيين التي أوردها جواد علي: ذاته، ج2، ص350. عن العثور على عملة أثينية بكميات وفيرة خارج أثينا "القسم الجنوبي من آسيا الصغرى، وصقلية، وسورية، ومصر" منذ الفترة التالية لأوائل القرن الخامس راجع:
C.M Craay and m. hirmer: greek coins، p. 324.
(17) راجع: لوحة 17. اسم الملكين المذكورين يردان في قائمة فلبي، راجع الحاشية السابقة "17".
(18) راجع: لوحة 18. عن حديث سترابون عن بلاد النبط راجع: strabo: XVI. 4:21؛ عن وضعها في وقت بلينيوس، راجع: plinius: H.n VI،144، وفي الواقع نحن نستطيع أن نقول: إن دخول بلاد النبط في دائرة نفوذ الإمبراطورية الرومانية يبدأ منذ أن أرسل أغسطس حملة إلى اليمن التي استعان فيها بالوزير النبطي سللايوس ثم وجدت روما من حقها أن تحكم على هذا الوزير بالإعدام حين تردد أنه خدع القائد الروماني في هذه الحملة، راجع عن إعدام سللايوس: strabo: XVI،4:24. عن ضم إمارة أو مملكة الأنباط إلى روما في 105م لتصبح ولاية رومانية بصورة رسمية، راجع: m.CARY، a history of rome ط2 "1960، london" ص645.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|