المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6667 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31



شبه الجزيرة والاصل السامي  
  
3017   02:10 مساءً   التاريخ: 26-8-2018
المؤلف : لطفي عبد الوهاب
الكتاب أو المصدر : العرب في العصور القديمة
الجزء والصفحة : ص59- 70
القسم : التاريخ / احوال العرب قبل الاسلام / عرب قبل الاسلام /

حول أصل الساميين وشبه جزيرة العرب:

هنالك رأي ضمن الافتراض الآسيوي لأصل الشعوب السامية استحوذ ولا يزال يستحوذ على مناقشات الباحثين بشكل موسع حتى الآن، وهو الرأي الذي يجد أصحابه أن شبه جزيرة العرب "بما فيها الصحراء السورية التي تشكل تخومها الشمالية" هي الموطن الأصلي للساميين.

وموجز ما توصل إليه أصحاب هذا الرأي هو أن شبه جزيرة العرب لم تكن منطقة صحراوية جافة في كل عصورها القديمة، فقد تعرضت لهطول أمطار غزيرة طوال عصر البلايستوسين "آخر العصور الجيولوجية" شأنها في ذلك شأن بقية المناطق المدارية "على الأقل في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية" وأنها كانت نتيجة لذلك منطقة تغطيها الغابات والنباتات والأعشاب، وتسكنها المجموعات البشرية على امتداد مساحتها. ولكن العصر البلايستوسيني انتهى بأمطاره حوالي 10.000ق. م. وبدأ الجفاف يزحف على المنطقة لتحل محل هذه المناطق الخضراء المأهولة بالسكان امتدادات صحراوية جافة مجدبة "إلا حيث وجدت الأنهار التي نحتت لها مجرى واستقرت عليه مثل نهر النيل ونهري دجلة والفرات" وكانت شبه الجزيرة العربية إحدى هذه الامتدادات. وقد كانت نتيجة ذلك، في رأي هؤلاء الباحثين، أن موارد الغذاء من النبات والحيوان بدأت تتضاءل بالتدريج بحث اضطر سكان المنطقة إلى أن ينزحوا منها بالتدريج كذلك كلما زحف الجفاف والإجداب على هذه الموارد، الأمر الذي أدى إلى موجات متتالية من الهجرات البشرية من شبه الجزيرة العربية إلى المناطق الخصبة أو الأقل جفافا والتي كانت تقع على تخومها، وهي هجرات كانت آخرها، حسبما رأى بعض هؤلاء الباحثين، هي الهجرة العربية التي تمت في أعقاب الفتوح العربية الإسلامية في القرن السابع م. وقد استقرت هذه الهجرات في المناطق التي وصلت إليها بعد أن حملت معها لغتها، وكانت النتيجة هي هذه الشعوب السامية المتعددة التي تتقارب لغاتها إلى حد كبير سواء في ألفاظها أو في طريقة تركيب الألفاظ أو تصريفها (1).

وقد رتب أصحاب هذا الرأي هذه الهجرات، استنادا إلى ما استنتجوه من الشواهد التاريخية، بحيث كانت تفصل بين كل هجرة والتي تليها فترة تطول أو تقصر، هي الفترة اللازمة لكي يزيد عدد السكان عن موارد البلاد المتعرضة للجفاف والتراجع بالقدر الذي يدفع جماعات منها إلى الهجرة بحثًا عن موارد جديدة خارج المنطقة، ويمكن وضع صورة الهجرات التي توصلوا إلى ترتيبها على النحو التالي:

1- الأكديون، وقد استقروا في وادي الرافدين في الألف الرابعة. ق.م.

2- الكنعانيون "بما فيهم الفينيقيون والآموريُّون" وقد استقروا في المنطقة السورية ووادي الرافدين خلال الألفين الثالثة والثانية ق. م.

3- الآراميون، وقد استقروا في كل مناطق الهلال الخصيب، والعبرانيون الذين استقروا في المنطقة السورية في النصف الثاني من الألف الثانية ق. م.

4- الأنباط وبعض القبائل العربية الجاهلية، وقد استقروا في منطقة الهلال الخصيب بين القرن الثاني ق. م. والقرن السادس م.

5- العرب المسلمون، وقد استقروا في منطقة الهلال الخصيب ومصر وبقية شمال إفريقيا منذ القرن السابع الميلادي.

ويدعم أصحاب هذا الرأي القائل بموجات كبيرة شبه منتظمة من الهجرات، انطلقت من شبه الجزيرة العربية نتيجة للجفاف الذي حل بها "بعد أن كانت منطقة خضراء مأهولة بالسكان" بعدد من الملاحظات الصحراوية في شبه الجزيرة من القواقع المتحجرة أو التي جفت والتي لا تعيش إلا في المياه العذبة، ومن بقايا عظام وأدوات حجرية ترجع إلى عصور ما قبل التاريخ مما يشير إلى وجود الماء والحياة في هذه المناطق الصحراوية في الماضي البعيد. ومن بينها عدد من الوديان الجافة في الوقت الحاضر مثل وادي الدواسر ووادي الرمة ووادي السرحان التي ربما كانت قبل ذلك وديان أنهار جفت بعد تراجع عصر الأمطار. ومن بينها كذلك أن عددًا من الحيوانات والأشجار التي كانت معروفة في شبه الجزيرة والتي أوردها الكتاب الكلاسيكيون "اليونان والرومان، 500 ق. م -500م تقريبا" أو الكتاب العرب، ولكنها قلت أو اندثرت في الوقت الحاضر، وهو أمر يدعم نظرية استمرار الجفاف؛ ومن ثم زحف الإقفار على المنطقة حتى في العصور التاريخية (2).

وقد انقسم أصحاب هذا الرأي حول تحديد المكان الذي انطلقت منه هذه الهجرات من شبه الجزيرة العربية، فقال بعضهم: إن وسط شبه الجزيرة وبخاصة منطقة نجد، هي الموطن الأول الذي انطلقت منه الهجرات السامية إلى حيث استقرت في العصور التاريخية، ويرى هؤلاء أن هذه المنطقة تمثل الصفات الأساسية التي تجمع بين الشعوب السامية خير تمثيل؛ ومن ثم فهي أنسب من غيرها من المناطق لكي تكون موطنا أصليا لهذه الشعوب (3)، غير أن ضعف هذا الافتراض يبدو واضحًا في جانبين: الجانب الأول: هو أن منطقة نجد تفتقر كثيرا إلى أسباب الحياة التي تؤدي إلى تكاثر السكان وتضخم عددهم بالصورة التي تجعها خزانا بشريا لا يلبث أن يفيض بما فيه من هؤلاء السكان فينطلقون منه في موجات مهاجرة متعاقبة، فالمنطقة لا يوجد فيها إلا عدد قليل من الواحات المتناثرة وسط ساحات كبيرة مقفرة، كذلك فإن قيام هجرات من هذه المنطقة إلى أطراف شبه الجزيرة في الشمال والجنوب والشرق والغرب "كما يرى أصحاب هذا الرأي" تلزمه دابة نقل مثل الجمل الذي يستطيع أن ينقل أحمالًا ثقيلة لمسافات طويلة في الأرض الرملية وفي الجو الحار الجاف في ظروف قد تنقطع فيها المياه أيامًا متعاقبة. وفي هذا المجال فإن الجمل لم يظهر في مناطق الشعوب السامية إلا منذ القرن الثاني عشر ق. م. أما دابة النقل التي عرفتها المنطقة قبل ذلك فهي الحمار الذي لا يصلح إلا لنقل أحمال محدودة لمسافات محدودة (4).

أما القسم الآخر من أصحاب نظرية الهجرات المنظمة من شبه الجزيرة العربية فيرون أن اليمن هي الموطن الذي انطلقت منه الهجرات السامية. ودليلهم في ذلك أن إله القمر الذي عرفه اليمنيون ظهر كذلك بين بعض الشعوب السامية الأخرى، كما يرون أن الخط المسند الذي عرف في اليمن هو الذي اشتقت منه سائر الخطوط التي كتبت بها الشعوب السامية الأخرى ومنها الخط الفينيقي (5). على أن هذا الرأي يعتوره عدد من نقاط الضعف، ومن بين هذه النقاط أن اليمن ظل لفترة طويلة منطقة خصبة مستقرة، ودليلنا على هذا الاستقرار ما وصل إليه سكانه من مستوى حضاري مزدهر في عصوره السابقة للإسلام، وهو مستوى ظهر في أكثر من جانب، سواء في ذلك بناء السدود أو تنظيم الري والزراعة أو الطرز المعمارية أو انتشار العملة ورسوخها أو العلاقات السياسية الخارجية. وإذا كان اليمن قد ظهرت فيه بعض الاضطهادات أو الاضطرابات أو حتى بعض التراخي الحضاري في فترة أو أخرى من فترات تاريخه، فإن هذا لا يكفي لأن يدفع بسكانه إلى هجرات كبيرة منتظمة أو شبه منتظمة إلى خارج البلاد.

كذلك فإن انتقال عبادة إله القمر من اليمن إلى بعض الشعوب السامية لا يعني بالضرورة هجرات بشرية حملت معها هذه العبادة إلى مناطق أخرى. فهناك عقائد وعبادات قديمة انتقلت وانتشرت خارج المناطق التي ظهرت فيها دون هجرات على الإطلاق، مثل عبادة الإله آمون المصري التي عرفت طريقها إلى بلاد اليونان، ومثل الآلهة إيزيس المصرية التي انتشرت عبادتها في العالم اليوناني الروماني وكان لها معبد في روما، دون أن يستلزم هذا هجرات مصرية تنقل عبادة الإلهين إلى هذه البلاد (6)، وما يقال عن هاتين العبادتين يصدق على غيرهما، فالعقيدة المسيحية انتشرت على امتداد الإمبراطورية الرومانية دون أن يستدعي هذا هجرة بشرية من فلسطين، بل لقد انتشرت هذه العقيدة رغم محاربة الأباطرة الرومان لها ورغم اضطهادهم لكل من كان يعتنقها وهو اضطهاد وصل إلى درجة المذابح الجماعية المنظمة كما حدث في روما على عهد الإمبراطور نيرون "54م - 68م" وكما حدث في الأسكندرية على عهد الإمبراطور دقلديانوس "284م- 305م" (7). أما اشتقاق الخط العربي الشمالي أو الخط الفينيقي من الخط المسند فهو أمر لا يزال غير ثابت حتى الآن، وحتى على افتراض احتماله فإن انتقاله من جنوبي الجزيرة إلى شماليها لا يستلزم بدوره أية هجرات بالضرورة، بل إن انتقاله عبر المعاملات التجارية هو أمر طبيعي ووارد.

أما القسم الثالث من أقسام شبه الجزيرة الذي اتجهت إليه أنظار بعض الباحثين ليروا فيه الموطن للهجرات السامية فهو منطقة البحرين في شرقي الجزيرة. وقد أقام هؤلاء رأيهم على بعض الدراسات التي قد تثبت أن الفينيقيين "وهم فرع من الكنعانيين، أحد الشعوب السامية" قد هاجروا إلى المدن الفينيقية من هذه المنطقة. ونحن نستطيع أن نزيد على هذه الدراسات، تأييدا للصلة بين منطقة البحرين والفينيقيين، نصا واستنتاجا، أما النص فهو للرحالة المؤرخ الجغرافي اليوناني سترابون strabo الذي كتب في أواخر القرن الأول ق. م. وأوائل القرن الأول الميلادي، وفيه يتحدث عن الخليج الذي تطل عليه منطقة البحرين فيشير فيه إلى جزيرتين هما: أرادوس arados وصور tyros ويحدثنا أن بهاتين الجزيرتين معابد تشبه معابد الفينيقيين وأن أهل الجزيرتين يؤكدون أن المدن والجزر الفينيقية التي تحمل هذين الاسمين "يشير إلى ميناء إرواد وإلى ميناء صور التي كانت في أصلها جزيرة ربط الفينيقيون بينها وبين الساحل السوري" هي مستوطنات لهم "أي لأهل جزيرتي الخليج" (8). وأما الاستنتاج فهو أن الفينيقيين حين ظهروا لأول مرة على مسرح التاريخ في مدنهم على الساحل السوري، ظهروا كملاحين مهرة دون أن نعرفهم في فترة بدائية فيها فن الملاحة وتدربوا عليه حتى وصلوا إلى درجة الصقل والإجادة -وهذا يرجح، استنتاجين: أنهم لا بد وقد مروا بهذه المرحلة التمهيدية على شواطئ أخرى قبل وصولهم إلى الشاطيء السوري. ومن هنا، وفي ضوء النص الذي أورده سترابون، تبرز منطقة البحرين كموطن أصلي محتمل هاجر منه الفينيقيون إلى الشاطئ السوري.

كذلك فأود أن أشير فيما يخص منطقة البحرين أن علاقات حضارية قديمة وجدت بينها وبين وادي الرافدين في الفترة المعاصرة لثقافة العُبَيْد "4000 - 3300 ق. م." وللحضارة السومرية في عصر فجر السلالات السومرية "2750 - 2300 ق. م" يدل على ذلك قدر لا بأس به من الآثار التي كشف عنها المنقبون الأثريون، من بينها قطع من الفخار المصنوع والمزخرف على النمط العبيدي والمعاصر لثقافة العبيد في وادي الرافدين عثر عليها في موقع الدوسرية على الشاطئ الغربي للخليج العربي "جنوبي الجبيل".

ومن بينها كذلك تمثال يشبه التماثيل السومرية في جزيرة تاروت الواقعة على الخليج العربي مما يلي واحة القطيف (9). وفي مجال التأثير والتأثر الحضاري بين هذه المنطقة وبين وادي الرافدين، يصبح احتمال التأثير من منطقة البحرين على وادي الرافدين احتمالا واردا تماما مثل الاحتمال المعاكس طالما أن الدليل القاطع على اتجاه التأثير لم يكتشف حتى الآن، وإذا صح هذا الاحتمال الأول فقد يشير إلى هجرة من البحرين إلى المنطقة الجنوبية من وادي الرافدين وبخاصة إذا تذكرنا ما سبقت الإشارة إليه من أن قائمة الملوك السومريين ضمت بين أسماء ملوكها في دويلات المدن السومرية الجنوبية بعض أسماء سامية. وعلى أي حال فإن هذا، كما ذكرت، يظل احتمالا نضمه إلى ترجيح انطلاق هجرة من هذه المنطقة إلى الشاطئ السوري الفينيقي، ولكن كلاهما لا يرقى إلى مرتبة التأكيد، كما أنه حتى في حالة ثبوت كل من الترجيح والاحتمال، فإن هذا لن يدل إلا على هجرتين "بصرف النظر عن حجمهما" لا يستقيم الاعتماد عليهما وحدهما لافتراض منطقة البحرين وطنا أصليا لكل الشعوب السامية.

وأخيرا، ففي مجال افتراض شبه الجزيرة العربية كموطن أول لهجرات سامية استقرت في كافة المناطق التي يتكلم سكانها اللغات السامية الآن، نجد رأيا يقتصر على الحافة الشمالية لشبه الجزيرة العربية كمنطلق لهذه الهجرات (10)، والرأي في حد ذاته منطقي من حيث إنه لا يصطدم بصعوبات جغرافية في وصول هذه الهجرات إلى منطقة وادي الرافدين أو المنطقة السورية على سبيل المثال. وفي الحقيقة إن افتراض هجرة آمورية إلى وادي الرافدين وهجرة آرامية إلى سورية من هذه المنطقة يبدو افتراضًا واردًا. ولكن مع ذلك فإن هذا الافتراض، إذا ثبتت صحته، لا يفسر إلا هجرتين اثنتين تمثلان شعبين اثنين من الشعوب المتكلمة باللغات السامية، وتبقى بقية الحالات المتصلة ببقية هذه الشعوب دون تفسير مقنع.

هذه، بإيجاز، هي آراء الباحثين الذين يرون أن شبه الجزيرة العربية هي موطن الساميين، وأعود فأذكِّر بأساس افتراضهم، وهو أن شبه الجزيرة كانت قبل الألف العاشرة ق. م. منطقة خضراء مأهولة بالسكان، ولكن ظروف الجفاف التي حلت بها دفعت بها نحو الإقفار التدريجي، ومن ثم فقد أخذت مواردها في النضوب مما دفع بسكانها إلى الانطلاق في هيئة هجرات متعاقبة إلى المناطق المتاخمة لها سعيا وراء موارد جديدة. ولكن أحد الباحثين البارزين الذين عكفوا على دراسة تاريخ شبه الجزيرة وأحوالها تصدى لهذا الافتراض بشقيه، سواء في ذلك الشق الذي يرد إقفار شبه الجزيرة إلى عوامل الجفاف الطبيعي، أو الشق الذي يفترض هجرات كبيرة انطلقت من شبه الجزيرة لتنتهي إلى تكوين الشعوب السامية الحالية. ويرى هذا الباحث أن إقفار الجزيرة لا يعود إلى عامل الجفاف فالبحوث الجيولوجية التي تتصل بهذا الموضوع لم تتم إلا في عدد محدود من أقسام شبه الجزيرة العربية، لا يكفي لأن يسري حكما على المنطقة بأكملها؛ ومن ثم فهو يستبعد الاعتماد على هذه البحوث الجيولوجية، ويقتصر على الدلائل التاريخية في التوصل إلى رأي في القضية (11).

ومن هذا المنطلق التاريخي يرى هذا الباحث أن تحول الأرض الخصبة إلى صحارٍ مقفرة جاء نتيجة لعامل آخر هو تدهور سلطة الحكومات التي كانت موجودة في شبه الجزيرة، الأمر الذي أدى إلى تخلخل الأوضاع في الداخل وخروج الزعماء المحليين ورؤساء القبائل عن طوع هذه الحكومات، وهذا بدوره أدى إلى انتشار النزاعات القبلية والتفكك والتفتت الذي يغري بالغزو الخارجي بما يستتبعه هذا من قمع وثورات واضطهادات تؤدي إلى مزيد من تدهور الأمور. وقد ترتب على هذا التدهور انعدام الاستقرار من جهة والانصراف عن العناية بموارد البلاد من جهة أخرى بكل ما يعنيه هذا من تقلص الرقعة المزروعة وتضاؤل وإهمال المدن والمنشآت الحيوية وتضاؤل النشاط التجاري الذي يؤدي بالضرورة إلى تحول الطرق التجارية. والنتيجة الطبيعية لكل هذا هي هجرة مجموعات من سكان البلاد إلى أماكن أخرى أكثر أمنا واستقرارا، ومن ثم أكثر ملاءمةً لحياة يجدون فيها من أسباب الحياة ما بدءوا يفتقدونه في مناطقهم الأولى -وإن كان الباحث يسارع فينفي عن هذا النوع من الهجرة الصفة الدورية شبه المنتظمة التي يتبناها أصحاب الرأي الذي انبرى للرد عليه.

والباحث يقدم دليلا على هذا ما حدث في اليمن حين ضعفت الحكومة المركزية وبرزت سلطة الزعماء المحليين من الأقيال والأذواء وتفاقم ما بينهم من شقاق ونزاع؛ فوقعت البلاد فريسة للتدخل الخارجي سواء من جانب الفرس أو من جانب الحبشة في النصف الأخير من القرن السادس الميلادي. ويستطرد الباحث ليذكر أن تصدع سد مأرب في تلك الفترة كان نتيجة مباشرة لضغط الماء على جوانبه ضغطًا أدى إلى انهياره، ومن ثم إلى حرمان منطقة واسعة من الأرض الزراعية من المياه التي كانت تعتمد عليها في ريها، ومن ثم إلى هجرة القبائل التي كانت تقطن هذه المنطقة وتعتمد على زراعتها كمورد حيوي لها. وواضح أن تصدع جدران السد هو نتيجة مباشرة لإهمال الحكومة القائمة في ذلك الوقت للمنشآت الحيوية للبلاد، وسد مأرب هو من أبرز هذه المنشآت. وأخيرا فإن الباحث يحاول تدعيم نظريته هذه التي ترد زحف الإقفار على الأراضي الخصبة نتيجة لتدهور الحكومات وانصرافها عن شئون العمران وليس إلى عوامل الجفاف الطبيعي بأمثلة من لتقدم الذي حدث في عدد من البلاد العربية بعد القرن التاسع عشر والذي كانت نتيجته إنشاء عدد من المدن في مناطق صحراوية واسترجاع قدر كبير من الأراضي المقفرة وتحويلها إلى أراضي مزروعة عن طريق حفر الآبار وشق القنوات وتعمير القرى.

وينتهي هذا الباحث من أدلته إلى أن فكرة الهجرات الدورية الكبيرة من شبه جزيرة العرب ليس لها ما يبررها، فليس هناك من يثبت مثلا أن العبرانيين أو الهكسوس قد جاءوا من شبه الجزيرة، كما أن الحديث عن أن قبائل يمنية هاجرت إلى تخوم الشام والعراق وأسست هناك إمارتي الغساسنة والمناذرة قول لا تؤيده المصادر الكلاسيكية "اليونانية واللاتينية" أو السريانية التي تشير بوضوح إلى أن هذه التخوم كانت مناطق عامرة بالسكان تعيش على الموارد التجارية نتيجة لمرور خطوط القوافل بهذه المنطقة، وأن الحكومتين اللتين قامتا هناك أسسهما زعماء أو رؤساء قبائل من المنطقة ذاتها دون أن نضطر إلى افتراض يخرج بنا عن حدودها، كذلك فهو يرى أن الفتوح الإسلامية لم تشكل هجرة كبيرة بالمعنى المتعارف عليه انطلقت من شبه الجزيرة. وفي رأيه أن القوات التي فتحت العراق والمنطقة السورية لم تقتصر على القبائل الحجازية أو النجدية، وإنما أسهمت فيها قبائل من نصارى العراق وسورية رأوا أن المقاتلين المسلمين من بني جلدتهم، فانحازوا إليهم رغم اختلاف الدين ضد الفرس والبيزنطيين.

وفي رأي هذا الباحث عدد من نقاط القوة دون شك، وبخاصة فيما يتعلق باعتراضه على فكرة الهجرات الدورية الكبيرة، وفي ذكره لعامل القلاقل المحلية التي قد تدعو إلى هجرات صغيرة غير منتظمة. على أني أجد في رأيه عددًا من نقاط الضعف أود أن أرد عليها في إيجاز، وأول هذه النقاط هي أن تجاهل نظرية كسبب أساسي للإقفار اعتمادا على أن البحوث الجيولوجية التي تمت في شبه الجزيرة العربية محدودة سواء في عددها أو في عدد المناطق التي أجريت فيها ليس كافيًا لتجاهل العلاقة بين الجفاف والإقفار كسبب ونتيجة مترابطين ترابطا وثيقا. ودليلنا على هذا هو أن المنطقة المقفرة لا تقتصر على شبه الجزيرة وحدها بحيث يمكن أن نرد الإقفار إلى إهمال الحكومات فحسب، فشبه الجزيرة العربية تشكل جزءا واحدا من امتداد صحراوي مقفر كبير يمتد من الشواطئ الغربية الإفريقية المطلة على المحيط الأطلسي غربا إلى نهر الإندوس في الهند شرقا لا يخفف من حدته إلا منطقتان كانت الأنهار الكبيرة فيهما قد نحتت مجراها واستقرت عليه قبل حلول عصر الجفاف، وهما وادي النيل في مصر ووادي دجلة والفرات في العراق. ونحن لا نستطيع أن ندعي أن كل هذا الامتداد الصحراوي "الذي يضم إلى جانب شبه الجزيرة العربية، الصحراء الغربية إلى غربي النيل والصحراء الشرقية -وتسمى أحيانا صحراء العرب- إلى شرقي هذا النهر، ثم هضبة إيران" قد جاء إقفاره نتيجة لضعف الحكومات وانصرافها عن الاهتمام بالموارد الحيوية للبلاد، فقد كانت بعض هذه الصحاري ضمن حدود دول شهدت فترات من القوة والوحدة والتماسك والازدهار مثل مصر وفارس. ومع ذلك بقيت الامتدادات الصحراوية والمقفرة كما هي دون أن تمتد إليها الخصوبة.

أما الاستشهاد بأن يد الإنسان قد تمكنت بعد القرن التاسع عشر من انتزاع مساحات من الأرض المقفرة الصحراوية في البلاد العربية وإدخالها في دائرة الخصوبة والزراعة والعمران فردنا عليه هو أن إمكانات العلم الحديث قد أتاحت لإنسان القرن العشرين قدرًا من السيطرة على الطبيعة لم يكن متاحا له في العصور القديمة، سواء في تعمير الأراضي المقفرة أو في غيرها من المجالات.

وحتى مع ذلك فإن مساحات الأراضي المقفرة التي أمكن استصلاحها ومد العمران إليها لا تشكل حتى الآن نسبة على قدر كبير من الضآلة إذا قورنت بمساحة الامتدادات التي لا تزال على إقفارها في هذه البلاد.

وأخيرا، وليس آخرا، فإن استشهاد الباحث بما حدث في حالة اليمن في القرن السادس الميلادي هو استشهاد محدود زمنًا ومكانًا؛ فشبه الجزيرة العربية، وإن كانت تخضع في عمومها لظروف جغرافية واحدة، فإن أقسامها المختلفة تختلف فيما بينها في حظ كل منها من هذه الظروف، سواء في ذلك عامل الجفاف الذي لم يكن متماثلا في كل أقسام شبه الجزيرة، وإنما كان يقسو أحيانا قسوة بالغة يظهر أثرها واضحا في حياة الارتحال والتفكك، وتخف قسوته أحيانا فتحظى بعض المناطق بأنصبة متفاوتة من الماء والخصوبة، أو عامل الموقع الذي يتأثر بالضرورة بطرق المواصلات والخطوط التجارية، كما يتأثر بالقوى والعلاقات الدولية المحيطة به في فترة أو في أخرى من فترات الحركة التاريخية النشطة غالبا المتراخية في بعض الأحيان، بين القوى الشرقية والغربية المتصارعة والتي ظهر صراعها بشكل خاص في المنطقة التي تشغل نقطة الوسط بين هذه القوى، وهي منطقة الشرق الأوسط، وشبه الجزيرة العربية. وقد كانت نتيجة كل ذلك اختلافًا في طبيعة القوام السياسي بين منطقة ومنطقة، ابتداءً بالقوام القبلي ومرورًا بالتجمعات أو الأحلاف القبلية وبالإمارات وانتهاءً بالقوام الناضج للدولة في بعض المناطق -وهو وضع طبع شبه الجزيرة العربية في عصور ما قبل الإسلام بطابعها المميز الذي تجاورت وتناوبت فيه الحضارة باستقرارها وثروتها وعمرانها وثقافتها وأديانها السماوية، مع البداوة بترحالها وفقرها وقفرها وتخلفها ووثنيتها البدائية.

____________

(1) نجيب ميخائيل إبراهيم: موسوعة "مصر والشرق الأدنى القديم"، ج 3 "سورية"، ط 1، الإسكندرية، 1959. وفيه تفصيل للهجرات السامية hitti: المرجع ذاته، صفحات 10 وما بعدها، ويرى أنه برغم أن الموطن الأصلي المشترك للساميين والحاميين هو شرقي إفريقيا، إلا أن الفرع السامي عبر إلى شبه الجزيرة العربية لتصبح الموطن الأصلي للساميين، ومن هذا الموطن الأصلي انطلقت الهجرات السامية إلى حيث توجد الآن. كذلك: l.caetani: studi di storia orientale ج 1، "1911 milano" صفحات 51-288، وهو صاحب نظرية الدافع الاقتصادي للهجرات السامية من شبه الجزيرة العربية وأن الفتوح العربية في العصر الإسلامي هي آخر موجات هذه الهجرات بهذا الدافع. راجع ردا على النقطة الخاصة بالدافع الاقتصادي لهذه الفتوح في: السيد عبد العزيز سالم: تاريخ العرب في العصر الجاهلي، بيروت،1970، صفحات 67-68 وفيه يرد هذه الفتوحات إلى فكرة "الجهاد" التي تضمنتها العقيدة الإسلامية، على الأقل في بداية هذه الفتوحات، وإن لم يستبعد الدافع الاقتصادي استبعادًا كاملًا.

(2) عن ترتيب الهجرات راجع: G.ROUX: المرجع ذاته، ص 37. عن ترتيب الهجرات بشكل مفصل راجع: نجيب ميخائيل إبراهيم: المرجع ذاته، صفحات 23-30. عن عرض ملخص لدعامات هذا الرأي راجع، جواد علي: المرجع ذاته، صفحات 242-245.

(3) karl brockelmann: grundrisse der vergleichende grammatik der semitischen sprachen، hommel ethnologie und geographie des alten orients، ج 1 ص 2 "berlin، 1908"

"1926 وmuenchen" ص 10.

(4) g. roux: المرجع ذاته، صفحات 137 - 138.

(5) "alexandria، 1949" philby: the background of islam

صفحات 9 وما بعدها، "montgomery: arabia and the bible 1934 philadelphia" ص 126.

(6) عن وجود عبارة الإله المصري آمون في بلاد اليونان راجع، أفلاطون في محاورات: nomoi، 738 c، alkibiades، II، 148 e-149 B. عن وجود عبادة الآلهة المصرية إيزيس عند الرومان راجع: M.cary المصدر ذاته، صفحات 468، 535، 588 - 9، 697 - 8.

(7) اضطهادات المسيحيين في روما على عهد نيرون، CaRy: ذاته، ص 531، على عهد دقلديانوس، المؤلف ذاته: المرجع ذاته 768 - 8.

(8) عن الجزر الواقعة في الخليج Strabo: XVI، 3، 4. عن المدن ذاتها على الشاطئ السوري، الكاتب ذاته: XVI،2،15.

(9) راجع ملحق اللوحات عن المخلفات الفخارية العبيدية في القسم الشمالي الشرقي من شبه الجزيرة العربية. عن عصر العبيد في وادي الرافدين راجع: G، ROUX: المرجع ذاته: صفحات 67 - 71.

(10) G، Roux: المرجع ذاته، صفحات 138 - 139. ويرى هذا الباحث أن الساميين كانوا في هذه المنطقة منذ عصور ما قبل التاريخ، ولكنهم كانوا يظهرون على المسرح التاريخي في سجلات الدول المستقرة عندما يرتبط اسمهم بحدث ظاهر، قد يكون تحركا عسكريا أو تفوقا سياسيا أو غير ذلك.

(11) "new york، 1928" alois musil: negd، صفحات 304 - 319. راجع كذلك ردا على رأي هذا الباحث يؤكد تحولا في مناخ جنوبي شبه الجزيرة نحو الجفاف ابتداء من القرن الثالث الميلادي دفع سكان اليمن إلى الهجرة نحو الشمال، اعتمادا على أدلة أثرية وتاريخية وأدلة من القصص الشعبية في: s. huzayyin: changement historique du

climat et du paysage de l' arabie du sud "bulletin of the faculty Of Arts، university of egypt" المجلد الثالث، الجزء الأول، "القاهرة 1935"، صفحات 19 - 23.

 

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).