أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-06
212
التاريخ: 2024-09-02
281
التاريخ: 2024-09-02
286
التاريخ: 16-9-2016
1379
|
أولاً : التقية لغة :
مصدر من اتقى يتقي, واتقيت الشيء حذرته, فالتقية مصدر والتقوى اسم مصدر.
ثانياً : التقية اصطلاحاً :
التقية (كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين والدنيا)(1), أو (إخفاء أمر ديني لخوف الضرر من إظهاره), أو (التحفظ من ضرر الغير بموافقته من قول أو فعل مخالف للحق)(2).
إن أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام هم أكثر من احتاج إلى ممارسة التقية من بين باقي المذاهب, فقد استعمل الأئمة الأطهار عليهم السلام التقية في مقابل الحكام الظلمة, ومارسها أصحاب الأئمة في الأخذ منهم ونشر علومهم.
ثالثاً : التقية ديدن الأقلية المغلوبة.
هي أمر فطري لحفظ النفس.
العقل يحكم بها.
أمر بشري غير مختص بأتباع مذهب أئمة أهل البيت عليهم السلام ولا بعصر دون عصر.
فالتقية تشمل الجانب الفقهي والاعتقادي والمواقف السياسية, وكل ما يتعرض له الإنسان من خوف أو إضرار, فيجوز له التمسك بالتقية دفعاً لهذا الخطر سواء في الأحكام الفقهية أو العقيدية أو المواقف السياسية أو الاجتماعية. فالتقية تمارس في ثلاث جهات:
الأولى: جهة الإسلام (التقية الإسلامية), ويراد بها التقية التي يمارسها المسلم في مقابل الكفر وأهله.
الثانية: جهة الإيمان (التقية الإيمانية), وهي أشد من الأولى؛ لأن هذه التقية يمارسها المسلم في مقابل من يشترك معه في الإسلام, ولكن يختلف معه في المذهب أو المعتقد.
الثالثة: جهة العمل (التقية العملية), وهي أشد من الثانية؛ لأنها تقية يمارسها الإنسان المؤمن من أهل الإيمان الذين يخالفونه في الرأي أو الموقف الفكري أو السياسي, وهذه التقية هي الغالبة في البلدان المستبدة أو المجتمعات التي تعاني أزمة.
مفاهيم تنافي التقية : هنالك مفاهيم تنافي التقية منها:
أولاً : النفاق : هو إظهار خلاف ما يبطن الإنسان, ويتحقق ذلك باختياره, ومن دون حاجة ألجأته إليه, والنفاق مذموم قبيح عند العقلاء, وعلى هذا تفترق التقية عن النفاق بفوارق عديدة:
1. التقية ثبات القلب بالإيمان وظهور خلافه باللسان, بينما النفاق عكس ذلك, فهو ثبات القلب على الباطل وإظهار الحق على اللسان فقط.
2. التقية لا تكون من غير إضرار أو مصلحة معتد بها شرعاً, أما النفاق فهو خالٍ من ذلك.
3. التقية محمودة عند عقلاء الناس, بينما النفاق رذيلة توجب انحطاط صاحبها.
ثانياً: المداهنة: لغة المصانعة, وهي خلاف ما يضمر الإنسان وإظهار ما يوافق الآخرين من أجل جلب النفع والمصلحة, بينما التقية فيها دفع الضرر والخطر, كما ان المتقي يمارس التقية وهو يعلم بأحقية مذهبه, بينما المداهن لا يعلم وفيها معصية وهي مذمومة.
والمداهنة في الظاهر هي التزلف كذباً, كمن يثني على ظالم أو مبتدع ويصدر بدعته حقاً.
ثالثاً: المداراة: هي المجاملة والتوافق لأجل التعايش والتفاعل الاجتماعي, على أن لا يؤدي إلى ضياع المفاهيم وبالتالي الذوبان, أو على حساب المبادئ فيعيش المسلم في الخداع. نعم يستحسن التوافق لأجل إيصال الآخرين إلى المبادئ, فعن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض)(3). فالمداراة ليست نفاقاً, وإنما هي طريق للوصول إلى الغاية, وهذا ما أشار إليه الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم في حديثه الشريف إذ قال: (ثلاث مَن لم يكن فيه لم يقم له عمل: ورع يحجزه عن معاصي الله, وخلق يداري به الناس, وحلم يرد به جهل جاهل)(4).
رابعاً: الأدلة الشرعية على مشروعية التقية:
القرآن الكريم :
1. قوله تعالى : {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ } [آل عمران: 28] .
نهى سبحانه وتعالى عن اتخاذ الكافرين أولياء, والاستعانة بهم في الأمور ومن فعل ذلك من المؤمنين فليس من الله في شيء, والله بريء منهم وليسوا في ولاية الله ورعايته, ثم استثنى منه مقام التقية {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28] والمعنى إلاّ أن يكون الكفار غالبين والمؤمنون مغلوبين, فيخافهم المؤمن إن لم يظهر موافقتهم ولم يحسن العشرة معهم, فعندئذ يجوز إظهار مودتهم بلسانه ومداراتهم تقية منه ودفعاً عن نفسه من غير أن يعتقد, فالآية صريحة في جواز التقية في الدين عند الخوف على النفس فهي جائزة في الأقوال كلها والأفعال ما عدا القتل والدماء وأفساد الدين.
1. قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106] .
إنها نزلت في عمار وياسر أبيه وأمه سمية وصهيب وبلال وحباب حيث أخذهم الكفار وعذبوهم وأكرهوهم على كلمة الكفر والبراءة من الإسلام ورسول الله صلى الله عليه واله وسلم فلم يعطهم أبو عمار وأمه فقتلا, وكانا أول شهيدين في الإسلام وأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا منه, فأخبر سبحانه بذلك رسول الله فقال قوم كفر عمار, وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (إن عمار مليء إيماناً من قرنه إلى قدمه واختلط الأيمان بلحمه ودمه, ثم جاء عمار إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو يبكي, فقال: ما وراءك فقال: شر يا رسول الله, ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير, فجعل رسول الله يمسح عينيه ويقول إن عادوا لك فعد لهم بما قلت). فالآية دالة على جواز التقية بإظهار كلمة الكفر من دون قصد عند الضرورة.
1. قوله تعالى: {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر: 28] .
هذه الآية وما بعدها تحكي عن قصة مؤمن آل فرعون واحتجاجه على قومه نقلها القرآن بلسان القبول والرضا, فهي دالة على جواز كتمان الأيمان عند الخوف على النفس ومثله. ولا شك ان كتمان الإيمان لا يمكن عادة بمجرد الإظهار عن مكنون القلب بل لا يخلو عن إظهار خلافه, لاسيما إذا كان ذلك مدة طويلة كما هو ظاهر حال مؤمن من آل فرعون. فكتمان إيمانه لا يتيسر إلا بالاشتراك معهم في بعض أعمالهم وترك بعض وظائف المؤمن الخاصة به. فالآية دليل على جواز التقية.
الأحاديث الشريفة :
لا شك في تواتر الأخبار الدالة على جواز التقية وهي على طوائف :
الطائفة الأولـى :
ما تدل على ان التقية ترس المؤمن وحرزه وجنته, وقد ورد روايات عديدة منها:
1. عن الإمام الصادق عليه السلام (التقية ترس المؤمن والتقية حرز المؤمن)(5).
2. عن الإمام الصادق عليه السلام (التقية ترس الله بينه وبين خلقه)(6).
وروايات هذه الطائفة تدل على جواز التقية في موارد الخوف لحفظ النفس والتقاء به كما يتقى بالحرب عن ضربات العدو بالجنة والترس وأشباههما.
الطبقة الثانية:
ما يدل انه لا دين لمن لا تقية له, وان تسعة أعشار الدين هي التقية, وإن دين بدونها يكون ناقصاً منها:
1. روي عن الإمام الصادق عليه السلام (إن تسعة أعشار الدين في التقية, ولا دين لمن لا تقية له)(7).
2. روي عن الإمام الصادق عليه السلام (لا دين لمن لا تقية له ولا إيمان لمن لا ورع له)(8).
الطائفة الثالثة:
ما دل على ان التقية من أعظم الفرائض, وأن أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية وإن الأيمان بدونها كالجسد بلا رأس ومنها:
1. ما روي عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام في تفسير قوله تعالى: [وعملوا الصالحات] قال: (قضوا الفرائض كلها بعد التوحيد واعتقاد النبوة والإمامة، قال: وأعظمها فرضان: قضاء حقوق الاخوان في الله، واستعمال التقية من أعداء الله عز وجل)(9).
2. وعنه عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (مثل مؤمن لا تقية له كمثل جسد لا رأس له)(10).
3. وعنه عليه السلام قال أمير المؤمنين: (التقية من أفضل أعمال المؤمنين يصون بها نفسه وإخوانه عن الفاجرين)(11).
الحكمة من التأكيد على التقية في الأحاديث الشريفة:
1.إن عوام الشيعة كثيراً ما يقومون بالمعارضة أمام الحكومات المتوالية عليهم من دون عدة ولا تخطيط فيلقون بأنفسهم إلى التهلكة.
2. يرى عوام الشيعة إعلان عقيدة الحق ولو لم يكن واجباً ونافعاً, وإخفاءها ولو لم يجلب إلا الوهن والضرر على المذهب ومقدساته حراماً.
3. يرى عوام الشيعة التقية كذباً ومجرد ذكر كلمة الشرك شركاً وكفراً وإن كان القلب مطمئناً بالأيمان ولذا بكى عمار بعد إظهار كلمة الكفر تقية.
4. إن كثيراً من عوام الشيعة وبعض خواصهم كانوا يتركون العشرة من غيرهم من المسلمين لأنهم إن أظهروا عقيدتهم الحق ربما وقعوا بالخطر والضرر وجلب البغضاء والعداوة, وإن أخفوها كانوا مقصرين في أداء ما عليهم من إظهار الحق مرتكبين الأكاذيب فيرون الأرجح ترك العشرة معهم. فندبهم الأئمة عليهم السلام العشرة معهم بالمعروف وحسن المصاحبة والجوار.
5. التقية تسد الأبواب على العدو, لا باب المضرة فقط بل باب التعيير واللوم وغيرها, فهي الحصن الحصين الذي لا يقدرون ظهورها ولا يستطيعون له نقبا.
ويكون نجاة الأئمة وشيعتهم من سفلة الرعية, قال الإمام الصادق عليه السلام : (ليس منا من لم يلزم التقية ويصوننا عن سفلة الرعية) (12).
خامساً: أقسام التقية:
إن التقية لا تنحصر في حفظ الأنفس ودفع الخطر عنها أو عن ما يتعلق بها من الأعراض والأموال, بل قد يكون ذلك لحفظ وحدة المسلمين وجلب المحبة ودفع الضغائن فيما ليس هنالك دواع مهمة إلى إظهار العقيدة والدفاع عنها.
كما أنه قد يكون لمصالح أخر, من تبليغ الرسالة بنحو أحسن كما في قصة إبراهيم واحتجاجه على عَبَدَة الأصنام أو مصلحة أخرى كما في قصة يوسف مع أخوته. فهي تكون على أقسام ثلاثة:
القسم الأول: التقية الخوفي والقسم الثاني: التقية التحبيبي والقسم الثالث: التقية لمصالح أخر.
وتنقسم التقية باعتبار الموضوع:
القسم الأول: التقية الخوفية: وهي فيما كانت منشأ التقية هو الخوف لأجل دفع الضرر من الغير, بأن يخاف إيصال الضرر إليه سواء كان الضرر على نفسه, أو عرضه أو ماله أو ما يتعلق به.
القسم الثاني: التقية المداراتية أو التحبيبية: وهي تكون للمداراة من خوف أو ضرر فعلي, أو لحسن معاشرة, ويكون المقصود منها هو جلب المودة والتحبيب, فالتقية المداراتية تتوافق ومصلحة المسلمين؛ لأنها تصون وحدتهم.
القسم الثالث: التقية الكتمانية: وهي نوع من أنواع التقية في أسلوب عمل, وهي الحفاظ على الأفكار والأفراد والتدرج في إعطاء الأفكار ومخاطبة الناس على مقدار عقولهم, كما بدأت الدعوة سرية ثم علنية كما في بداية الدعوة الإسلامية.
وغير خفي أنها بأجمعها تشترك في معنى واحد وملاك عام هو إخفاء العقيدة أو إظهار خلافها لمصلحة أهم من الإظهار فالأمر في جميعها دائر بين ترك الأهم أو المهم, والعقل والنقل يحكمان بفعل الأول وترك الثاني, من غير فرق بين أن تكون المصلحة التي هي الأهم حفظ النفوس أو الأعراض والأموال, أو جلب المحبة ودفع عوامل الشقاق والبغضاء وغير ذلك مما لا يحصى.
سادساً: حكم التقية:
إن التقية تجب في مواضع وتجوز في مواضع بالمعنى الأخص, وإن المصلحة التي تنحفظ بفعل التقية إن كانت مما يجب حفظها ويحرم تضيعها وجبت التقية. وإن كانت مساوية لمصلحة ترك التقية جازت (الجواز بالمعنى الأخص) وإن كان أحد الطرفين رجحاً فحكمهاً تابع له.
وإن مورد وجوبها يعلم بمذاق الشرع وأهمية بعض المصالح ورجحانها على بعض كما يمكن كشف ذلك بالعقل كما في موارد حفظ النفوس إذا كانت التقية بمثل ترك المسح على الرجلين والاكتفاء بالمسح على الخفين مثلاً وأشباهه.
فالروايات الدالة على أن التقية من الدين وأن تاركها يعاقب عليه, وأن تركها مثل ترك الصلاة وأمثال هذه التعبيرات ناظرة إلى موارد الوجوب. فحكم وجوبها فضلاً عن أنه تعبدي كذلك عقلي فلا تختص بقوم دون قوم وملة دون أخرى كما أنه قد يرجح ذلك على الإخفاء وتكون التقية مرجوحة وتركها راجحاً وفضلاً.
كل ذلك منوط بالظروف الخاصة وما فيها من الشرائط والجهات, ومن هنا قد يجد الفقيه البارع المجاهد العارف بزمانه الخبير بمواضع الأحكام ظرفاً خاصاً منطبقاً لمورد الحرمة أو الكراهية فيحكم علانية بحرمة التقية والجهاد بالأموال والأنفس ورفض المدارة فيها, فلا شك أن الحكم خاص بذلك الظرف والزمان, وليس حكماً دائمياً.
سابعا : عموم التقية:
لا ينبغي الشك في عدم اختصاص التقية لغة واصطلاحاً ولا دليلا بخصوص ما كان في قبال أهل السنة من مذهب العامة, وهي إخفاء العقيدة أو عمل ديني في إظهاره من الضرر وإنما ملاكها في الأصل قاعدة الأهم والمهم وترجيح المحذور الأخف لرفع المحذور الأشد وإنها قاعدة عقيلة تشهد به جميع العقلاء على اختلاف مشاربهم, ولو أنكرها بعض باللسان لبعض الدواعي فهو مؤمن بها بالجنان وتظهر في أعماله وأحواله عند اضطراره إليها.
ومن الواضح انه ليس في شيء من ذلك اختصاص بأهل السنة, بل لا فرق في ذلك بينهم وبين الكافرين أو ظلمة الشيعة, بل ما يبتلي به كثير من الناس لاسيما الضعفاء في قبال ظلمة الشيعة أكثر وأهم مما يبتلى به تجاه غيرهم, وإن لم يكن ذلك في العبادات بل كان في غيرها, وقد يتقى من ظلمة الشيعة في عصرنا بما لا يتقي من أهل السنة.
ثامناً: موارد تحرم التقية:
هو كل مورد تكون المصلحة المترتبة على ترك التقية أعظم من فعلها, مما لا يرضى الشارع المقدس بتركها أو يستقل العقل في الحكم بحفظها. ومن هذه الموارد:
1. لا يجوز التقية في فساد الدين إذا استلزم ذلك, وتزلزل أركان الإسلام ومحو الشعائر, وتقوية الكفر, وكل ما يكون حفظه أهم في نظر الشارع من حفظ النفوس والأموال والأعراض مما يشرع لها الجهاد والدفاع عنها ولو بلغ ما بلغ ويكون تشخيص هذا الأمر من قبل المجتهدين الفقهاء, وكثير من الروايات تدل على ذلك ننقل واحدة منها ما رواه أبو حمزة الثمالي قال: قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام إلى أن قال: (وأيم الله لو دعيتم لتنصرونا لقلتم لا نفعل إنما نتقي! ولكانت التقية أحب إليكم من آبائكم وأمهاتكم، ولو قد قام القائم ما احتاج إلى مساءلتكم عن ذلك ولأقام في كثير منكم حد النفاق)(13). ودلالته على لزوم ترك التقية فيما إذا وقع الدين في الخطر واستنصار الإمام عليه السلام غير خفية على أحد, فإذا قام القائم عجل الله فرجه أقام حد المنافق على كل من ادعى لزوم التقية, فالتقية في هذا المورد ومثله من أشد المحرمات وأوكدها.
2. لا تجوز التقية في الدماء, فإذا بلغت التقية الدم فالواجب رفضها وعدم الخوض فيها, لأن المؤمنين تتكافأ دماؤهم, وإنما جعلت التقية لحقن الدماء وحفظ النفوس فإذا بلغت الدم فلا معنى لتشريعها وكانت ناقضة للغرض كما لو أمر السلطان الجائر بقتل المؤمن ولو لم يقتله لقتله فلا يجوز قتل المؤمن تقية حتى لا يقتل. والروايات دالة على هذا منها ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (إنما جعل التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فليس تقية)(14).
3. حرمة التقية فيما ورد فيه نص كشرب والنبيذ, وقد وردت روايات في تحريم التقية في شرب الخمر والمسح على الخفين ومتعة الحج منها ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام قال (والتقية في كل شيء إلا في النبيذ والمسح على الخفين)(15).
ولكن الرواية الواردة عن الإمام الصادق عليه السلام (ثلاث لا أتقي فيهن: شرب الخمر والمسح على الخفين ومتعة الحج)(16) ولكن بالنسبة إلى شيعته إذا وصل الأمر إلى الخطورة على النفوس والأعراض والأموال جاز التقية فيها. فإنه لم يقل الإمام الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن أحداً بل قال لا أتقي فيهن أحداً وكأنه من مختصات الإمام عليه السلام .
1. لا تجوز التقية في غير الضرورة فإذا لم يكن هنالك ضرورة لم يكن هنالك تقية لأخذ الخوف في موضوعها, والدليل ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (التقية في كل ضرورة وصاحبها أعلم بها حين نزل بها)(17). ما روي عنه أيضاً (التقية في كل شيء يضطر إليه أبن آدم فقد أحلهُ الله له)(18).
2. لا تقية في انتهاك الأعراف وهدم العظائم من المقدسات, كمثل الكعبة المشرفة والمشاهد المشرفة وغيرها من الأمور التي تعد هتكاً لحرمات المسلمين وإذلالهم.
3. لا تقية فيما يؤدي إلى الهرج والمرج واختلال النظام وغيرها من المحظورات شرعاً أشد من الخطر.
تاسعاً: حكم التقية في إظهار كلمة الكفر والبراءة:
أتفق على جواز التكلم بكلمة الكفر والبراءة باللسان مع حفظ الأيمان بالقلب والجنان عند الخطر على النفس والخوف, واختلفوا في الراجح هو ترك التقية وتحمل الضرر أو فعل ما يندفع به الضرر والخطر بالتقية.
فدليل الجواز ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام (رجلان من أهل الكوفة أخذا فقيل لهما أبرئا عن أمير المؤمنين عليه السلام فبرئ واحد منهما وأبى الآخر فخُلي سبيل الأول الذي برئ وقتل الآخر, فقال إما الذي برئ فرجل فقيه في دينه وإما الذي لم يبرء فرجل تعجل إلى الجنة)(19).
عاشراً: حكم العبادات والأعمال الصادرة تقية
إن العبادات والأعمال الصادرة تقية تكون مجزية ولا يحتاج الإعادة في الوقت أو خارجه للعموم الروايات منها:
1. ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام (وكل شيء يعمله المؤمن بينهم لمكان التقية مما لا يؤدي إلى الفساد في الدين فانه جائز)(20).
2. ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام (التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له)(21). وغيرها من الروايات التي تدل على الجواز من حيث الحكم التكليفي, وعمومها يدل على جريانها في العبادات وغير العبادات, ولاسيما إن التقية في العبادات من أظهر مصادقيها ومن أشدها وأكثرها ابتلاءاً, والجواز التكليفي بإتيان العبادة على وجه التقية لدفع ما يترتب على تركه من الضرر وإن كان لا ينافي وجوب أعادتها في الوقت أو خارجه إذا أرتفع العذر, ولكن هذا أمر يحتاج إلى بيان لغالب الناس والتوجيه إليه, وسكوت هذه العمومات وسائر أدلة وجوب التقية عن الإشارة إلى وجوب القضاء أو الإعادة مما يوجب الاطمئنان بجواز الاكتفاء بما يؤتى تقية, ولو لم تكن العمومات سابقة.
فالحاصل جواز الاكتفاء بالعبادات التي يؤتى بها تقية في مواردها, كما في الأوامر الواقعية الاضطرارية.
حكم الصلاة خلف المخالف تحبيباً للوحدة:
لا إشكال في صحة إجزاء الصلاة خلف أهل السنة عند الخوف, ولكن هل يجوز الصلاة خلفهم عند عدم الخوف من باب حسن العشرة معهم والتحبب إليهم, كما في موسم الحج للأخوة الإسلامية, والظاهر من الأخبار رجحان ذلك والندب إليه مؤكداً.
ويأتي بالصلاة بنية الانفراد ويقرأ في نفسه ويأتي بما يأتي به منفرداً ولكن يأتي بالأفعال معهم، ومن الأخبار في ذلك:ـ
1. ما روى زيد الشحام عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم صلوا في مساجدهم وعودوا مرضاهم وأشهدوا جنائزهم, وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا, فإنكم إذا فعلتم ذلك قالوا هؤلاء الجعفرية رحم الله جعفراً ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه, وإذا تركتم ذلك قالوا هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر ما كان أسوء ما يؤدب أصحابه)(22). في الصلاة في مساجدهم معناه معهم وبجماعتهم, وجواز الأجزاء بهذه الصلاة معهم حسب الإطلاق المقامي.
2. ما روى الحلبي عن الإمام الصادق عليه السلام (من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول الله صلى الله عليه واله وسلم)(23).
3. ما روى الإمام الصادق عليه السلام (المصلي معهم في الصف الأول كالشاهر سيفه في سبيل الله)(24).
والظاهر هذه الروايات تدل جواز الصلاة وأنها مجزية وأن وجه الشبه بالصلاة خلف رسول الله من حيث أثرها في عز المسلمين وشوكتهم وقصم ظهور الأعداء ولذا شبه بمن يشهر سيفه في سبيل الله.
الحادي عشر: عدم المندوحة في التقية:
وقع الكلام بين الفقهاء في اعتبار عدم المندوحة وما يكون به الفرار في التقية, على أقوال:
الأول: عدم الاعتبار عدم المندوحة مطلقاً, كما حكى عن الشهيدين الأول والثاني والمحقق الثاني في البيان والروض وجامع المقاصد.
ثانيها: اعتبار عدم المندوحة مطلقاً كما حكى عن صاحب المدارك.
ثالثها: التفصيل بين ما كان متعلق التقية مأذونا فيه بالخصوص وورد فيه دليل خاص فهو صحيح مجز سواء كان هنالك مندوحة أم لا مثل الصلاة متكتفاً.
وبين ما كان الدليل عليه هو عمومات التقية الدالة على أنها في كل ضرورة واضطرار فلا يصح العمل إلا عند عدم المندوحة لعدم صدق الضرورة بدونه كالإفطار في يوم شهر رمضان كما المحكي عن المحقق الثاني.
فهنالك صور ثلاث:
الصورة الأولى: ما إذا كان المتقي قادراً على امتثال الحكم الواقعي من دون تعريض في الزمان والمكان كما إذا كان عمله في الظاهر على وفق مذهب المتقى منه, مع إتيانه بالعمل الصحيح الاختياري واقعاً, كمن يقرأ مثلاً(خلف أمامهم سراً وهو يريهم أنه لا يقرأ من دون أي محذور, فهذا مما لا يصح التقية فيه لوجود المندوحة بلا حاجة إلى تغيير زمانه أو مكانه).
الصورة الثانية: ما إذا كان في ضرورة بالنسبة إلى بعض الوقت دون تمامه فلو أراد الصلاة مثلاً في أول وقتها لم يمكنه إلا بالتقية, فهذا صحيح مجز ولا يعتبر عدم المندوحة في تمام وقتها.
الصورة الثالثة: ما إذا كان في ضرورة بالنسبة إلى مكان خاص دون جميع الأمكنة كمن لا يقدر على ترك التقية في مسجد النبي صلى الله عليه واله وسلم أو المسجد الحرام مع قدرته على العمل الصحيح التام في غيرهما, وهذا أيضاً مجز فلا يعتبر عدم المندوحة في كل مكان.
الثاني عشر: مخالفة التقية:
لو خالف المكلف التقية في موارد وجوبها فهل يكون العمل المخالف له صحيحاً وان كان عاصياً, كما إذا صلى منفردا فيما اقتضت التقية الجماعة مع من لا يراه صالحاً لها, أو يفسد العمل مطلقاً, أو هنالك تفصيل. وللشيخ الأعظم الشيخ الأنصاري تفصيل في ذلك على صورتين:
الصورة الأولى: ماذا كان العمل المخالف له أمراً متحدا مع العبادة كالسجدة على التربة الحسينية مع اقتضائها تركها (ومثله الوقوف بعرفات وصوم يوم الشك إذا خالف اعتقاده لا اعتقاد مخالفه في تعين يوم عرفة ويوم العيد) فهنا ذهب إلى فساد العمل.
الصورة الثانية: فيما إذا كان العمل المخالف له أمراً خارجاً عن العبادة كترك القبض أي التكتف في الصلاة إذا اقتضت التقية فعلها فهنا حكم بالصحة وإن خالف.
والوجه في ذلك هو دخول المسألة في مسألة اجتماع الأمر والنهي, ففي الأول يكون السجدة أو نفس الوقوف والصيام محرماً منهياً عنه لا يصلح للتقرب المعتبر في صحة العبادة بخلاف الثاني فأن الحرام أمر خارج عن عبادته مثل النظر إلى الأجنبية حال الصلاة.
الثالث عشر: التقية واجب نفسي أم غيري:
اختلف في أن التقية واجب نفسي يترتب على تركة العقاب وغيره من آثاره أم واجب غيري مقدمي بماله من آثار مختلفة, والذي يستفاد بادئ الأمر من أدلتها هو الواجب الغيري فإنها شرعت لحقن الدماء وحفظاً عن الضرر الديني والدنيوي, كما إن الدليل العقلي لا يقتضي أزيد من المقدمية. ولكن الناظر بفحص يرى ان التقية واجب نفسي وذلك لأمرين:
الأمر الأول: أن الظاهر من إطلاقات أدلة التقية وجوبها نفسي عند الخوف من الضرر سواء ترتب على تركها ضرر أم لا, وإما ما ذكر من حقن الدماء في الروايات فأنها من قبيل الحكمة لا العلة.
الأمر الثاني: أن ترك التقية بنفسه إلقاء النفس في التهلكة, لا أنه مقدمة لها ومن المعلوم أن ذلك بنفسه حرام فترك التقية بنفسها حرام يترتب عليها العقاب.
الرابع عشر: أقسام التقية (القسم الثالث للتقية):
عرفت النوعين من التقية, النوع الأول التقية الخوفية ما يكون الغرض منها حفظ النفوس والأعراض والدين والنوع الثاني التقية التحببية فهي لجلب المودة وجمع الكلمة وائتلاف الفرقة وتوحيد صف المسلمين على اختلاف مذاهبهم في مقابل أعداء الإسلام وأعداء الحق. وهنالك نوع ثالث وهو ما يقابل الإشاعة وإذاعة السر, وأنه حكم سياسي شرع لحفظ المذهب ولو لم يكن هنالك خوف على أحد أو مجال لجلب المودة وتوحيد الكلمة. وقد وردت أخبار في مضمون ذلك منها:
1. ما روي عن الإمام الصادق عليه السلام (قال من أذاع علينا حديثنا فهو بمنزلة من جحدنا حقنا)(25).
2. وعنه (من أذاع علينا حديثنا سلبه الله الإيمان)(26). ومفاد هذه الأحاديث وجوب كتمان عقيدة الحق أو إظهار غيره من الموارد التي تكون من الأسرار التي يجب كتمانها عن غير أهلها لما في إذاعتها عند غير أهله من الضرر...
والحقيقة أن هذا النوع من التقية يرجع إلى النوع الأول في موارد تقية الخوف.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تصحيح الاعتقادات/ الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري (ت 413هـ)/ بيروت/ لبنان/ طح/ 1414هـ: 66.
(2) رسالة في التقية/ الشيخ الأنصاري مرتضى بن محمد بن أمين (ت 1281هـ)/ مطبوعة ضمن كتاب المكاسب: ج7/ ص320.
(3) الوسائل/ الحر العاملي/ ج12/ ص200/ باب 121/ استحباب مداراة الناس.
(4) بحار الأنوار/ المحدث محمد باقر المجلسي: ج72/ ص401.
(5) ما وراء الفقه/ السيد محمد الصدر/ ج1/ ص106.
(6) الوسائل/ الحر العاملي/ ج16/ ص207.
(7) الكافي/ الكليني/ ج2/ ص217.
(8) بحار الأنوار/ المجلسي/ ج64/ ص303.
(9) الوسائل/ الحر العاملي/ ج16/ ص221.
(10) الوسائل العاملي/ ج16/ ص222.
(11) بحار الأنوار/ المجلسي/ ج71/ ص229. / الحر العاملي/ ج16/ ص222.
(12) بحار الأنوار/ المجلسي/ ج71/ ص229.
(13) الوسائل/ الحر العاملي/ ج11/ ص466.
(14) الوسائل/ الحر العاملي/ ج16/ ص235.
(15) الوسائل/ الحر العاملي/ ج11/ ص484.
(16) ما وراء الفقه/ السيد محمد الصدر/ ج1/ ص119.
(17) الوسائل/ الحر العاملي/ ج25/ ص351.
(18) مائة قاعدة فقهية/ السيد محمد كاظم المصطفوي/ 153.
(19) الفوائد الطوسية/ الحر العاملي/ 468.
(20) الكافي/ الكليني/ ج2/ ص221.
(21) القواعد الفقهية/ الشيخ مكارم الشيرازي/ ج1/ ص449.
(22) الفوائد الطوسية/ الحر العاملي/ 468.
(23) الوسائل/ الحر العاملي/ ج8/ ص430.
(24) الكافي/ الكليني/ ج3/ ص380.
(25) القواعد الفقهية/ الشيخ مكارم الشيرازي/ ج1/ ص453.
(26) الوسائل/ الحر العاملي/ ج16/ ص250.
|
|
مخاطر عدم علاج ارتفاع ضغط الدم
|
|
|
|
|
اختراق جديد في علاج سرطان البروستات العدواني
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|