أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-09-2015
1362
التاريخ: 1-02-2015
1295
التاريخ: 1-02-2015
1858
التاريخ: 12-10-2014
2806
|
إنّ الآيات القرآنية تشهد على أنّه كان شعار الأنبياء في طريق دعوتهم وتجاه أُممهم هو رفض الأجر ، وعدم طلبه من الأمّة وكلّهم يقولون : {إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} [يونس: 72] (1).
فالقرآن يحدّثنا في سورة الشعراء عن نوح وهود وصالح ولوط وشعيب بأنّ شعارهم الوحيد طوال فتراتهم الرسالية كان هو قولهم : {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء : 109].
كما يرد في سورتي هود ويونس (2) هذا المضمون عن نوح وهود أيضاً وإنّ من علائم النبوّة أنّ أصحابها لا يطلبون أجراً على رسالتهم.
ولأجل ذلك لما لاحظ المبعوث الثالث إعراض أهالي إنطاكية عن رسل المسيح ، التفت إلى أهاليها وقال {اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس : 21].
ومع ذلك كيف يصح أن يقال أنّ الرسول بدَّل هذا الشعار الذي ظل يتمسّك به كل الرسل على طول التاريخ ، وجعل مودة أقربائه أجراً على رسالته ، أضف إلى ذلك أنّ الرسول الأعظم نفسه يصرح بأمر من الله بأنّه لا يسأل أجراً ويقول : { لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} [الأنعام : 90].
الجواب : انّ الأجر في اللغة هو العوض الذي يتلقّاه المرء لقاء عمل يؤدّيه ، وهو بمفهومه يشمل كل الأجور الدنيوية والأخروية ، بيد أنّ المقصود بالأجر المنفي في هذه الآيات ، بقرينة توجيه الخطاب إلى البشر ، هو الأجر الدنيوي الذي كان بإمكان البشر تقديمه إلى الرسل ، ولا شكّ أنّ الرسول لم يطلب من أحد مثل هذه الأجور الدنيوية كما لم يطلب أيضاً إخوانه من الرسل ذلك من قبل.
ولفظ الأجر في الآية وإن كان يشمل الأجور الدنيوية كلَّها حتى التكريم والتبجيل لنفسه وقومه وأقربائه ، وعند ذاك تكون المودَّة داخلة في المستثنى منه قطعاً.
غير انّ المطلوب في الآية ليس نفس المودة والولاء لأقربائه بما هي هي حتى يعود أجراً دنيوياً مطلوباً ويصير طلبها من الأمة مصادماً للآيات الحاكية عن رفض الأنبياء للأجر بتاتاً بل المودَّة في القربى وسيلة لاتصال الأمّة بعترة النبي ، ويكون نفس ذلك الاتصال ذريعة لتكامل الأمّة في المراحل الفكرية والعملية ، فعندئذ تنتفع الأمّة الإسلامية بها قبل أن تنتفع به العترة ، فحينئذ لا تكون المودّة في القربى أجراً حقيقياً وان أُخرجت بصورة الأجر.
هذا هو مجمل الجواب ، وأمّا التفصيل فيبين في ضمن أمرين :
الأوّل : انّ الأجر وإن كان يطلق على الأجر الدنيوي والأخروي ، ولكن المقصود من الأجر المنفي في هذه الآيات هو الأجر الدنيوي بقرينة توجيه الخطاب إلى الناس.
أضف إليه أنّه ليس من المعقول أن يطلب الرسول من الناس أجراً أُخروياً ، إذ ليس في وسع الناس أن يقدّموا مثل هذا الأجر إلى الرسول ، هذا وإنّ القرآن يحدّثنا بأنّ الرسول كان يعلن للناس بأنّه لا يريد من أحد أجراً ، وقد أمره سبحانه أن يقول :
{قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ } [الأنعام : 90].
وقوله سبحانه :
{مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص : 86].
فمع مثل هذه التصريحات التي تمَّت في بدء الرسالة ، لا يمكن للنبي أن يطلب من الناس شيئاً يعتبره الناس أجراً على عمله ، كيف ؟ والنبي الأعظم كالأنبياء السابقين من نخبة المجتمع وصفوة البشرية ، والإخلاص منطلقهم الوحيد في عملهم ودعوتهم ، وكان شعارهم كل شيء لأجل الله.
قال شيخنا المفيد : إنّ أجر النبيّ هو الثواب الدائم ، وهو مستحق على الله في عدله وجوده وكرمه ، وليس المستحق على الأعمال ، يتعلق بالعباد لأنّ العمل يجب أن يكون لله تعالى خالصاً ، وما كان لله فالأجر فيه على الله تعالى دون غيره (3).
الثاني : هل الاستثناء في الآية استثناء منقطع أو استثناء متصل ؟
فقد نقل روزبهان عن بعضهم أنَّ الاستثناء منقطع والمعنى : لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجراً « لكن المودة في القربى حاصل بيني وبينكم » فلهذا أسعى وأجتهد في هدايتكم وتبليغ الرسالة إليكم (4).
وقال بعضهم : الاستثناء متصل والمعنى : لا أسألكم عليه أجراً من الأجور إلاّ مودّتكم في قرابتي ، وأيّد ذلك القول بأنّ الاستثناء المنقطع مجاز واقع على خلاف الأصل ، وانّه لا يحمل على المنقطع إلاّ لتعذر المتصل ، ولأجل ذلك لا يحمل العلماء الاستثناء على المنقطع إلاّ عند تعذر المتصل ، حتى عدلوا للحمل على المتصل ، عن الظاهر في قوله : له عندي مائة درهم إلاّ ثوباً ، وله علي إبل إلاّ شاة ، وقالوا : معناه إلاّ قيمة ثوب أو قيمة شاة ، فيرتكبون الإضمار وهو خلاف الظاهر ليصير الاستثناء متصلاً.
وممّن ذهب إلى أنّ الاستثناء منقطع الشيخ المفيد ، فقال : إن قال قائل ما معنى قوله تعالى : { قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَىٰ } أوليس هذا يفيد أن قد سألهم النبي مودة القربى أجراً على الأداء ؟ قيل له ليس الأمر على ما ظننت لما قدمنا من حجة العقل والقرآن ، والاستثناء في هذا المكان ليس هو من الجملة لكنه استثناء منقطع ، ومعناه : قل لا أسألكم عليه أجراً لكني ألزمكم المودة في القربى ، وأسألكموها ، فيكون قوله لا أسألكم عليه أجراً كلاماً تاماً قد استوفى معناه ، ويكون قوله إلاّ المودّة في القربى كلاماً مبتدأً ، فائدته لكن المودّة للقربى سألتكموها ، وهذا كقوله : {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } [الحجر: 30] والمعنى فيه لكن إبليس وليس باستثناء من جملة وكقوله : {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء : 77] معناه لكن ربّ العالمين ليس بعدو لي ، قال الشاعر :
وبلدة ليس بها أنيس إلاّ اليعافير وإلاّ العيس
وممن اختار كون الاستثناء منقطعاً الرازي في تفسيره : 7 / 390 ، وقال تم الكلام عند قول : ( عليه أجراً ) ثم قال : ( إلاّ المودة في القربى ) : أي لكن اذكركم قرابتي منكم. فلاحظ.
وكأنّ المعنى في قوله : « وبلدة ليس بها أنيس » على تمام الكلام ، واستيفاء معناه ، وقوله : « إلاّ اليعافير » كلام مبتدأ معناه لكن اليعافير والعيس فيها ، وهذا بيّن لا يخفى فيه الكلام على أحد ، ممن عرف طرفاً من اللسان ، والأمر فيه عند أهل اللغة أشهر من أن يحتاج معه إلى استشهاده (5).
والحق في المقام أن يقال : إنّ تقسيم الاستثناء إلى المتصل والمنقطع ليس على ما اشتهر ، من أنّ المستثنى المنقطع غير داخل في المستثنى منه لا موضوعاً ولا حكماً ، لا حقيقة ولا ادّعاء ، إذ لو لم يكن المستثنى داخلاً بنحو من الأنحاء في المستثنى منه كان استثناؤه عنه لغواً غير صالح لأن يذكر في كلام العقلاء ، فالمستثنى حتى المنقطع داخل في المستثنى منه دخولاً ادّعائياً لا حقيقياً ، إذ ليس الاستثناء إلاّ إخراج ما لولاه لدخل ، ومعلوم انّ الإخراج فرع الدخول بالضرورة غاية الأمر انّ المستثنى منه بمفهومه اللغوي شامل للمستثنى كما في قولنا جاءني القوم إلاّ زيد ، بخلاف الاستثناء المنقطع ، فالمستثنى منه وإن كان غير شامل للمستثنى بمفهومه اللغوي ، لكن المخاطب ربّما يتوهم شمول الحكم المذكور للمستثنى منه ، للمستثنى أيضاً ، فيعود المتكلم إلى استدراك ذلك الوهم بعدم شموله للمستثنى ، مثلاً إذا قلنا : جاء زيد إلاّ خادمه ، وجاء القوم إلاّ مراكبهم ، فالاستثناء لأجل دفع توهم ، وهو انّ مجيء زيد والقوم كان مع خادمه ومراكبهم ولولا هذا التوهم لما صح الاستثناء ، ولأجل ذلك قلنا بأنّ المستثنى في الاستثناء المنقطع داخل في المستثنى منه ادّعاء لا حقيقة ، ولولا توهم الدخول لا يصح الاستثناء ، فلا يصح أن يقال جاءني القوم إلاّ الغراب أو إلاّ الشجر ، إذ ليس مجيئ الغراب والشجر معرضاً للتوهم.
وبذلك يظهر أنّ مصحح الاستثناء هو دخول المستثنى في المستثنى منه بنحو من الأنحاء ، وعند ذلك لا فرق بين جعل الاستثناء متصلاً أو منقطعاً.
والظاهر أنّ مصحح الاستثناء في الآية هو دخول المودة تحت الأجر حقيقة إذ الخارج عن الآية بقرينة توجه الخطاب إلى الناس هو الأجر الأخروي الخارج أو طلباً للمودة لشخصه أو لقريبه.
ومع هذا الاعتراف ( أي دخول المودة تحت المستثنى منه وكون الاستثناء حقيقياً ) ليس طلب المودة للقربى أجراً حقيقياً عائداً نفعه إلى النبي (صلى الله عليه واله )إذ لو كان المطلوب من الأمّة نفس المودّة وتكريم الأقربين وتبجيلهم لكان محلاً لأن يعد أجراً حقيقياً ، ومصادماً للآيات النافية لطلب الأجر عن الأنبياء.
وأمّا إذا كانت مودتهم طريقاً لتربية الأمّة وإسعادها وتكاملها كما سنشرحه عند البحث عن المقام الثالث ، فعند ذلك يعود طلب المودة كسائر التكاليف المطلوبة من الناس ، فهو قبل أن يكون مفيداً لصاحب الرسالة ، مفيد لنفس الأمّة ، ولأجل ذلك قلنا عند الأجابة على وجه الإجمال : بأنّ طلب المودّة ليس أجراً حقيقياً وان أخرجت بصورة الأجر.
وحاصل ما ذكرناه أمران :
الأوّل : انّ المودّة داخلة تحت الأجر بلا إشكال والاستثناء متصل جداً.
الثاني : انّ المودة ليست أجراً حقيقياً ، لأنّها ليست مطلوبة بالذات ، بل هي طريق وسبيل إلى نجاة الأمّة عن الهلاك والضلال ، بل هي وسيلة إلى هدف تربوي ، وهو اتّباع أقربائه في أقوالهم وأعمالهم.
وإن شئت قلت : إنّ المودّة الحقيقية لأقربائه لا تنفك عن اتّباعهم ، فيما يفعلون وفيما لا يفعلون ، وأمّا المودّة المنفكة عن الاقتفاء بهم فإنّما هي مودّة كاذبة أو خدعة يخدع الإنسان بها نفسه ، وهو يحب نفسه وميوله لا سيده ومولاه ، وإن أطلق عليها المودة فبالعناية والمجاز ، بل طبيعة المودّة لشخص يوجب انصباغ صاحبها بصبغة من يحبه ، والتكيّف بكيفه ، والتخلف في مورد أو موارد لا يضر في هذا المجال لاختلاف مراتب الود.
وبعبارة ثالثة : تصبح المودّة لأهل بيت النبي الذين هم أحد الثقلين (6) وسفينة النجاة (7) وورثة علم الرسول وحملة أحكام الدين ، سبباً لإغناء الأمّة من الناحية الدينية عن الرجوع إلى غيرهم ، ووسيلة لإزالة كل احتياجاتها ، فعند ذلك يكون طلب المودة كمثل قول الطبيب المعالج لمريضه ـ بعدما يفحصه بدقة ، ويكتب له نسخة ـ : « لا أطلب منك أجراً إلاّ العمل بهذه الوصفة » ، فهو في الظاهر أجر مطلوب ربّما يوجب نشاط الطبيب وسروره القلبي إذا رأى أنّ مريضه قد استعاد صحته ولكنّه قبل أن يرجع نفعه إلى الطبيب يعود نفعه إلى المريض.
وبملاحظة هذه الأمور يتضح أنّ الهدف النهائي من طلب المودّة لأقربائه هو دفع الناس إلى الاقتداء بهم واتباعهم لهم في شؤون الدنيا والآخرة ، وهذا سبب لوعي الأمّة وتكاملها ، في المرحلتين : الفكرية والعملية.
إذا عرفت هذه الأمور وقفت على أنّه لا تناقض بين هذه الآية الناصّة على طلب المودة أجراً على الرسالة وبين الآيات المتضافرة الناصّة على أنّ الأنبياء لا يطلبون أي أجر من أُممهم.
ووجه عدم المنافاة واضح جداً ، لأنّ المودة ـ كما أسلفناه ـ وإن كانت مطلوبة بصورة الأجر إلاّ أنّ نتيجتها عائدة إلى ذات الأمّة لأنّها سبب رقيّها مدارج
الكمال ، وإسعادها وتكاملها في المراحل الفكرية والعملية ، وتعرّفها على أُصول دينها وفروعه ، واستغنائها عن أيِّ منهج لا ضمان لصحته ، فلا يعد طلب ذلك الأجر مضاداً للهتافات المتضافرة الصادرة عن الأنبياء طيلة أداء رسالاتهم.
__________________
(1) لاحظ الشعراء ، الآيات : 109 ، 127 ، 145 ، 164 ، 180.
(2) يونس : 27 ، هود : 29 و 51.
(3) شرح عقائد الصدوق : 68.
(4) إحقاق الحق : 3 / 20. وسوف نرجع إلى نقد هذا الفكر الذي زعمه روزبهان تفسيراً للآية.
(5) شرح عقائد الصدوق : 68.
(6) قال رسول الله (صلى الله عليه واله ) : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً » حديث رواه الفريقان.
(7) قال رسول الله (صلى الله عليه واله ) : « مثل أهل بيتي كسفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلّف عنها غرق » رواه جمع من المحدِّثين من العامة والخاصة.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|