

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين


اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة


العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات


الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور


العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون


احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام


مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة


التاريخ الاسلامي


السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام


الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان


علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)


الدولة الاموية

الدولة الاموية *


الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد


الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية


الدولة العباسية

الدولة العباسية *


خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل


خلفاء بني العباس المرحلة الثانية


عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله


عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله


عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية


التاريخ الحديث والمعاصر


التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا


تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
الفرعونان (حرمخيس) و(عنخمخيس) والثورة التي قاما بها على البطالمة
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج16 ص 482 ــ 492
2025-12-28
50
لدينا عدة عقود ديموطيقية عُثِرَ عليها في الإقليم الطيبي مُؤَرَّخَة بسني الملكين «حرمخيس» و«عنخمخيس». وكان أول من كشف النقاب عن هذين الملكين المصريين اللذين قاما في وجه الاستعمار الإغريقي في عهد كل من «بطليموس الرابع» و«بطليموس الخامس» وأسسا لهما ملكًا في قلب المملكة البطلمية مكث نحو عشرين عامًا؛ هو الأثري «ريفييو». وذلك على حسب ما جاء في عقود ديموطيقية محفوظة الآن في «لندن» ومرسليا وبرلين. وقد تبعه في هذا البحث غيره من علماء الآثار، نخص بالذكر منهم «بركش»19 و«باييه» Baillet. وقد وصل فعلًا الأثري «ريفييو» إلى تحقيق اسمي هذين الملكين وقراءتهما قراءة صحيحة، وذلك بعد أن وقع في يديه عدة عقود ديموطيقية مؤرخة بعضها بحكم الملك «حرمخيس» وبعضها الآخر بحكم الملك «عنخمخيس». هذا، وقد وضع العالم «لاكو» قائمة بالعقود التي من عهد هذين الملكين،20 وقد عاشا بوجه عام في حكم الملك «بطليموس الخامس إبيفانس» كما ذكرنا من قبل. وقدم لنا العالم «ريفييو» البرهان على ذلك بقوله: إنه في عام 1879 ميلادية قدم له الأثري «لبسيوس» عقدين جديدين من عهد الملك «حرمخيس» كان قد اشتراهما حديثًا، وحوالي نفس الوقت كان متحف «برلين» قد اشترى بردية أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، وهذه الورقة الأخيرة حصل منها «ريفييو» على صورة تابعة لورقتي برلين المؤرختين بالعام السادس من عهد «حرمخيس»21 وتحمل الأولى رقم 143 والثانية رقم 144. ونجد في هذه الأوراق أن امرأة تُدْعَى «تانفر» ابنة «بسيتون» قد نزلت إلى امرأة أخرى تُدْعَى «تستمن» ابنة «باخنوميس» عن نفس السدس الذي تملكه في ثلاثة حقول تقع في غربي «طيبة» وقد ذكرت حدودها بعناية. والواقع أن البردية الثالثة الجديدة التي تحمل رقم 14622 في متحف «برلين» تحتوي على ورقة واحدة، وقد دُوِّنَ عليها عقد النقد وعقد النزول كما هي العادة في الأوراق الديموطيقية الخاصة بعقود البيع. وفي هذه الورقة نجد أن «تستمين» تبيع ثانية بدورها نفس هذه الملكية إلى شخص آخر. وقد أُرِّخَ العقدان اللذان تحويهما هذه الورقة بالسنة السابعة من حكم الملك «عنخمخيس». وقد وجدنا اسمه في عقد من عهده موجود الآن بمتحف «مرسليا»، وعلى ذلك فإن الترتيب التاريخي لهذين الفرعونين قد أصبح ثابتًا بصورة قاطعة؛ فالفرعون «حرمخيس» هو الذي أُعْلِنَ أولًا فرعونًا على البلاد في «طيبة» في السنة الأخيرة من حكم الملك «فيلوباتور»، وخلفه «عنخمخيس» وهو الذي حارب «بطليموس الخامس إبيفانس» مدة طويلة، واستمر في محاربته حتى العام التاسع عشر من حكم الأخير. هذا، ونجد أن بين العقود الديموطيقية عقدًا مؤرخًا بالسنة السادسة من عهد «حرمخيس»، وفي عقد آخر السنة الرابعة عشرة من عهد «عنخمخيس»؛ أي إنهما قد حكما حوالي عشرين عامًا تقريبًا.23
وعلى أية حال كان لا بد لنا من تمهيد بكلمة هنا عن تاريخ هذين الملكين المصريين البطلين حتى يمكن الدخول في الدور الجدي الذي قاما به للنضال عن حقوق المصريين في وجه الحكم البطلمي الجائر. وعلى الرغم من أن هذه الثورات التي قام بها أبناء مصر كانت المعول الأساسي لهدم أركان الحكم البطلمي في مصر والتمهيد لدخول الرومان؛ فإنا نجد بعض المؤرخين يقللون من أهمية الدور الذي لعبه كل من «حرمخيس» و«عنخمخيس»، ولا أدل على ذلك من أن بعض المؤرخين مثل «بڨان» قد ذكر — في كتابه عن تاريخ مصر — هذين الملكين في جملة واحدة عارضة كأنهما ليسا بالشخصيتين اللتين يُؤْبَه لهما. وفي ذلك يقول: إن العصابات المعادية كان يديرها رجلان اسمهما «إنماخس» و«حرماخيس» ويمكن أن يكونا مصريين يطمحان إلى حمل الألقاب العليا.24 ومن عبارة المؤرخ «بڨان» نفهم أنه لم يهتم حتى بذكر اسمي هذين الملكين على حسب الترتيب التاريخي لحكمهما البلاد. غير أننا نلتمس المعاذير للمؤرخ «بڨان»؛ لأنه قال في مقدمة كتابه إنه قد عني في كتابه بمصر الإغريقية أو البطلمية لا بمصر الفرعونية. أما عن جنسية هذين الملكين التي حامت حولها الشكوك؛ فليس هناك شك في أنهما كانا مصريين لحمًا ودمًا لمن درس تاريخ مصر وبلاد النوبة.
استمر نضال هذين الملكين في «طيبة» مدة تبلغ حوالي عشرين عامًا. غير أن بعض المؤرخين يتشكك في أنهما كانا مسيطرين طوال هذه المدة على «طيبة» وإقليمها؛ فمن ذلك أن المؤرخ «بوشيه لكلرك» يقول: إنه ضرب من المبالغة أن يتحدث المرء عن «طيبة» المستقلة.25 ولكن من جهة أخرى نجد أن المؤرخ «كرول»26 ينظر إلى هذين الملكين بأنهما كانا نوبيين، وأن غزوهما ﻟ «طيبة» كان آخر هجمة قام بها السودانيون لحكم مصر. غير أنه ليس لدينا — على أية حال — براهين تثبت أن البطالمة كان لهم سلطان على إقليم «طيبة» في تلك الفترة. والواقع أنه ليس لدينا حتى الآن أية وثيقة يمكن أن تُعزا بصورة أكيدة إلى عهد الملك «فيلوباتور» وتحمل رقمًا بعد العام السادس عشر من حكم هذا الملك في هذا الإقليم. وخلاصة القول: أن «طيبة» قد خرجت عن نطاق الحكم البطلمي، وأنه لم يُجْبَ منها ضرائب للبطالمة؛ إذ في الواقع ليس لدينا وثيقة واحدة تثبت أن ملوك البطالمة كانوا يجبون ضرائب من إقليم «منف»، وأظن أن في هذا ما فيه الكفاية للرد على كل أولئك المؤرخين الذين كانوا يظنون أن هذه الثورة كانت مجرد عصيان وأن «طيبة» وملوكها المصريين لم يكونوا مستقلين فيها.27 هذا، ونعلم أنه في العام السادس عشر من حكم «بطليموس الخامس» (206ق.م) على وجه التأكيد أن أعمال البناء كانت قد أُوقِفَتْ في معبد «إدفو»، وذلك من جراء انفجار ثورة؛ وقد احتمت عصابة الثوار في داخل المعبد في حين كان القتال كذلك دائرًا في جنوب البلاد.28 وعلى أية حال فإن المطلع على تاريخ مصر يعرف جيدًا أن إقليم الجنوب وبخاصة إقليم «طيبة» الذي أُقِيمَتْ فيه المملكة المستقلة كان دائمًا موطن القلاقل المستمرة في العهد المتأخر من العصر الفرعوني، وبخاصة الفراعنة الضعفاء منذ الأسرة التاسعة عشرة. وكان «فيلوباتور» البطلمي ملكًا ضعيفًا نشأ في عهده حزب مصري يطالب باستقلال البلاد وإعادتها إلى ملوك تناسلوا من الفراعنة. وأعتقد إذن أن النوبيين لم يكن لهم وقتئذ ضلع يُذْكَر في هذه النهضة المصرية البحتة.
وعلى أية حال فإنه على أثر موت «فيلوباتور» نجد في واقع الأمر أن هذه الثورة الوطنية قد تطورت إلى أوجه ثلاثة. يرجع السبب في قيامها إلى ضعف إرادة الملك، وسوء الحالة الاجتماعية والاقتصادية، والشقاق الديني الذي كان متفشيًا في البلاد؛ وأخيرًا عدم الاستقرار السياسي في داخل البلاد وخارجها.
ففي الإسكندرية الثائرة من جراء قتل «أرسنوي الثالثة» أطاحت الثورة بحياة «أجاتوكليس» وبطانته — كما فصلنا القول في ذلك — وقد كان في ذلك شاهد عدل على تعلق الشعب الإسكندري بالملك «بطليموس الخامس» الطفل الذي لم يكن قد دنس بعد؛ غير أن هذه الثورة تكشف في الوقت نفسه عن الشهوات التي كانت تعرض النفوذ الملكي للمخاطر. وقد تحدثنا كيف كان «بطليموس الخامس» لعبة في أيدي الأوصياء الذين أُقِيمُوا عليه، وكيف أنهم في نهاية الأمر أفسدوا أخلاقه، وعرَّضوا البلاد للخطر.
وفي ريف البلاد نجد أن الفلاحين الذين كانوا قد سئموا نظام الحكم الذي كان غرضه الأول ابتزاز كل ما كان يمكن ابتزازه منهم وإفقارهم بكل الوسائل بجمع المال للخزانة على يد رجال الإدارة؛ قد قاموا بهجوم عارم في كل مكان على كل ما يمثل الثراء والسلطان والقوة الغاشمة دون أي تمييز؛ فهاجموا القرى والمعابد ومخافر الشرطة والموظفين الإغريق.
وفي إقليم «طيبة» نجد أن الثورة قد تمركزت وظهرت بأجلى معانيها؛ ففي مدينة «طيبة» نجد أن الإله «آمون» يستقبل النوبيين كما حدث ذلك كثيرًا جدًّا، وبخاصة في عهد «بيعنخي»؛ وذلك كراهية منه لنظام الإقطاع القديم الذي يقوم على مناهضة ملك ظن أنه قوي ويشعر أنه مزعزع السلطات في الوقت نفسه. ومن ثم نرى في المظهرين الأخيرين من مظاهر الثورة وأعني بهما ثورة الفلاحين وأصحاب الحرف وثورة أتباع «آمون»؛ كانت تصبغهما صبغة كراهية الهيلانيين. والواقع أن هذين المظهرين قد صادفناهما في جميع تاريخ الدولة الحديثة في عهد مصر الفرعونية؛ فقد لاحظنا قيام العمال بالإضرابات في جبانة «طيبة» وذلك لعدم دفع أجورهم أو لضآلة هذه الأجور في الوقت الذي كانت الأسرة المالكة في حالة فقر، كما حدث ذلك في جبانة «طيبة» الغربية في عهد الملك «رعمسيس» الثالث.29
أما كهنة «آمون» فنعلم أنهم قد انشقوا على حكم الفراعنة في عهد الأسرة الواحدة والعشرين، وقد مهدوا لذلك بالثورة التي قاموا بها في عهد الملك «رعمسيس التاسع» كما فصلنا القول في ذلك (مصر القديمة الجزء الثامن). ولا نزاع في أن المظاهر الثلاثة التي تقمصتها الثورة في مصر كانت تعمل جنبًا لجنب على هدم سلطان البطالمة في مصر، وهذه المظاهر هي التي أدت إلى ضعف مصر في الخارج أيضًا، وسببت ضياع إمبراطوريتها على كر السنين، وبخاصة تدخل النفوذ الروماني الذي كان آخذًا في التزايد بصورة تلفت الأنظار.
فبعد أن قُضِي في الإسكندرية على الفئة الضالة التي كانت مقربة ﻟ «بطليموس الرابع» قضاء شاملًا نجد أن المربين أو الأوصياء الذين نُصبوا على التوالي لتنشئة «بطليموس الخامس» الطفل قد كانوا مُرَاقَبِين من قبل مجلس الشيوخ الروماني الذي فرض نفسه على مراقبة أحوال مصر، وقد رأينا كيف أن هؤلاء الأوصياء قد هوى الواحد منهم تلو الآخر بسبب الدسائس التي كانت تُحَاك لهم من نفس أفراد بطانة الملك وحاشيته. وقد كانت لكل من هؤلاء الأوصياء عيوب ونقائص قضت في النهاية عليه، ولا أدل على ذلك من المصير الذي لاقاه «تليبوليموس» الذي اشْتُهِرَ بجمع المال ومعاقرة الخمر، ثم خلفه «سكوبوس» الأتولي الذي أفلس الخزانة الملكية، ولا نزاع في أن هذين الوصيين قد مهدا لهزيمة «بانيون» مما كان سببًا في تمهيد الأحوال للأحزاب الثائرة في البلاد للقيام بأعمال التخريب، فزاد ذلك في تعقيد الأمور، وقد فصلنا القول في ذلك في مكانه. هذا، وفي الوقت الذي نجد فيه في الإسكندرية أن الإغريق يمزقون أوصال مملكة البطالمة التي كانت قد أصابها الهزال والضعف تحت ستار أنهم يقومون بخدمتها؛ إذ وصلت بهم الجرأة إلى أنهم باعوا — في المديريات الأسيوية التابعة لمصر — مدينة كان البطالمة قد فتحوها، وأصبحت ضمن أملاكهم، وأعني بذلك بيع مدينة «كونوس» لأهل «رودس» وذلك مقابل مائتي تالنتا،30 وفي نفس الوقت نجد أن ضباطًا من المصريين من الحرس الملكي يقدمون الولاء والطاعة للملك الصبي.31
وفي هذه الأثناء نجد في الوقت نفسه أن الخارجين الذين كانوا يتحرشون بالجنود الموالين ﻟ «بطليموس» يتجمعون في بعض الأماكن حيث كانت تنظم حصارات منظمة، ومن الجائز أن أحد هذه الأماكن المحاصرة هي بلدة «العرابة المدفونة» التي إن صح ما قاله كل من الأثريين «بردريزيه» Perdrizet و«لفبر» Lefebvre؛ وذلك على حسب ما جاء في نقش دونه جندي على جدار «ممنونيون» Memnonion في «طيبة» الغربية جاء فيه: إني «فيلوكليس» Philocles بن «هيروكليس» Hierocles من «ترزين» Trezene، لقد أتيت لأعبد «سرابيس» أثناء حصار مدينة «أبيدوس» (العرابة المدفونة) السنة السادسة الثامن والعشرون من شهر بئونة. ولدينا كذلك نقش مصري آخر كشف عنه الأثري «لاكو»32 وقد يجوز أنه من نفس العصر الذي نتحدث عنه، وهو لملك يُدْعَى «هورجونافور» Hurgonaphor ويحمل نفس الألقاب الملكية التي كان يحملها الملكان «حرمخيس» و«عنخمخيس» سالفَا الذكر، وهذا النقش دَوَّنَه نوبي كان يتحرق شوقًا ليكتبه بأحرف إغريقية في نفس المعبد، وقد عزا الأثري «جوجيه» هذا النقش السالف الذكر إلى عهد الملك «فيلومتور» وحصار «العرابة»؛ وأن الملك الجديد النوبي السالف قد عاش في عهده. ومهما يكن من أمر فإنه كانت هناك حرب دائرة رحاها في مصر العليا في بداية حكم الملك «بطليموس الخامس إبيفانس»، ولا أدل على ذلك من الإشارة التي لمح بها «شتراك»33 يذكر فيها بالخدمات التي قام بها والده في هذا العهد. وعلى أية حال ليس لدينا من البراهين ما يثبت أحد الرأيين.
ومن جهة أخرى لدينا حصار معروف تمامًا كان قد أُقِيمَ حول مدينة «ليكوبوليس» من أعمال الدلتا، ويرجع تاريخه إلى العام الثامن من عهد الملك «بطليموس الخامس». ذكر لنا هذا الحصار المؤرخ «بوليبيوس».34 وقد جاء ذكر نفس هذا الحصار في مرسوم «حجر رشيد». ومما تجدر الإشارة إليه هنا بصورة خاصة أن الرواية المصرية قد دُوِّنَتْ بصورة تنم عن حيوية أكثر وتفصيل أمتع إذا ما قرنت بالرواية التي جاءت في «بوليبيوس» عن نفس الحادث، وعلى ذلك فإنه من خطل القول والتحيز البين أن نحكم جزافًا دون درس وفحص بأن قصص الانتصارات التي وردت في المراسيم واللوحات الهيروغليفية قد أُلِّفت بصورة واحدة تقليدية، ولا أدل على كذب هذا الاعتقاد مما جاء في المتن التالي: «لقد سار الملك شطر «ليكوبوليس» وهي من أعمال مقاطعة «بوصير» وهي التي كانت قد اسْتُولِيَ عليها وحُصِّنَتْ، بغية حصار، بمستودعات عظيمة من السلاح وكل أنواع المؤن والذخائر. وقد كانت روح الثورة متغلغلة منذ أمد بعيد بين الكفرة الملحدين الذين كانوا قد تجمعوا هناك، وأحدثوا أضرارًا جمة في معابد مصر وسكانها. وقد أحكم الملك الحصار، وأحاط المدينة بسدود وخنادق، كما أقام جدرانًا عدة، وكذلك طم الترع التي كانت توصل الماء إلى هذه المدينة المذكورة، ولم يعمل قبل ذلك أبدًا الملوك شيئًا مثل هذا، ومن أجل ذلك أنفق أموالًا كثيرة. هذا إلى أنه أصدر أوامر للجنود المشاة والفرسان بحراسة هذه الجسور، وأن يتأكدوا من متانتها لمقاومة فيضان النيل الذي كان قد تجاوز في العام الثامن (من حكمه) مستوى الترع المذكورة، وهي التي كانت تحمل المياه لحقول عدة تقع في مستوى أسفل منها. وفي مدة قصيرة استولى على المدينة عنوة، وذبح كل الكفرة الملحدين الذين كانوا في داخلها، كما قضى «هرميس» (تحوت) و«حور» بن «إزيس» و«أوزير» فيما مضى في نفس المكان على الثوار.»
ومما تجدر ملاحظته أن العصاة الثائرين هنا قد أُطْلِقَ عليهم لقب الكفرة، وأن الكهنة كانوا يُدعون موالين للملك. وكذلك نجد في نهاية هذا المتن أن العمل الذي قام به الملك وهو انتصاره قد شُبِّهَ بانتصار عظيم مماثل قام به الآلهة. ولا نزاع في أن الكهنة عندما كتبوا هذه المقارنة كانوا يرجعون في ذلك إلى أصل تاريخ قديم؛ فالملك «بطليموس الخامس» هنا هو «حور» العائش الذي نعرف مثيله في التاريخ المصري القديم منذ عهد بداية تاريخ مصر من لوحة «نعرمر» الذي مُثِّلَ عليها الملك في صورة صقر وهو يقهر أعداءه في الوجه البحري؛ ومن ذلك يجب علينا أن نفهم تمامًا أن كهنة مصر في عهد البطالمة عندما نقشوا هذه المراسيم في «منف» كانوا على علم تام بتاريخ بلادهم الذي توارثوه أبًا عن جد، وأنهم لم يدونوا كلمات خالية من المعنى.
وعلى حسب ذلك فإن هذه الثورات التي كانت مستقرة في البلاد تذكرنا بالثورات التي كانت تقوم في البلاد في أقدم العهود في مصر، وأن الآلهة الذين كانوا يعتبرون أول فراعنة حكموا مصر قد سيطروا عليها وأخضعوها.
وعلى ذلك فإن هذه الثورات كانت موجهة لمقاومة ملك مصر على حسب رأي الكهنة؛ غير أن «بوليبيوس» المؤرخ المعاصر لهذه الثورات كان يرى فيها أنها حركة عدائية قامت على الإغريق المستعمرين. وفي اعتقادي أن «بوليبيوس» كان على صواب عندما عبر عن هذه الثورة بهذه الصورة؛ إذ الواقع أن الملك كان قد ترك مقاليد الأمور في يد مواطنيه من الإغريق والمقدونيين كما فعل أسلافه من قبل فطغوا وتجبروا وابتزوا الأموال من الأهالي المعوزين مما أدى إلى قيام الثورات في كل أنحاء البلاد بعد أن طفح الكيل، ولم يصبح أمام الأهالي مخرج غير العصيان على سلطات الملك نفسه الذي كان في نظرهم بمثابة إله. وقد زاد الطين بلة أن هذا الملك كغيره من ملوك البطالمة لم يشرك المصريين أهل البلاد في إدارة شئونها؛ بل كان كل شيء في يد المستعمرين، ومن هنا كان التمييز العنصري الذي أحفظ الشعب المصري على الإغريق والمقدونيين.
غير أننا عندما نفحص طبيعة الإعفاءات الملكية التي وردت في مرسوم رشيد يمكن أن نقرأ فيها الغرض الذي كان يرمي إليه الشعب وهو تحسين حالتهم المادية، وأنهم لم يكونوا يبغون أكثر من ذلك. هذا هو تصوير الكهنة لمجريات الأحوال بما يتفق مع أطماعهم. والواقع أن ما عبر عنه «بوليبيوس»35 من طموح المصريين إلى ما هو أغلى وأثمن من ذلك وأعني الحرية والاستقلال وطرد المستعمر؛ كان صحيحًا، ولا غرابة في ذلك؛ فإن المصري طوال مدة تاريخه لم يخضع لذل الاستعمار إلا عندما تضيق في وجهه السبل، ثم نجده يفرج عن نفسه بالثورات حتى ينال حريته في النهاية.
وعلى أية حال نجد أن موقف «بطليموس الخامس» في هذه الفترة التي كان فيها سلطانه في أيدي خليط من الفئات من الملتفين حوله، والذين كانوا يعملون على هدمه؛ يعتبر أعجوبة لحفظ التوازن في البلاد. فتخفيف الضرائب من ناحية عن كاهل الشعب يبرهن على أن الثورة قد ساعدت على استرداد الشعب بعض المطالب ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية التي من أجلها قام بثورته، ومن ناحية أخرى نجد أن الهبات والامتيازات التي منحها الملك للكهنة وهي التي قد أصابت الاحتكارات الحكومية في الصميم؛ تبرهن على أن الكهنة الذين لم يكونوا في جانب الثوار قد فازوا بنصيب الأسد على حساب الثوار وعلى حساب الملك نفسه من الوجهة الاقتصادية.
ومع ذلك فإن محاولة الوصول إلى وفاق بين الشعب والملك بما جاء في مرسوم مجلس «منف» لم يَأْتِ بنتيجة إيجابية. ويتساءل الإنسان عن سبب فشل هذه المحاولة: هل كان هذا الفشل سببه أن ما منحه الملك من إعفاءات وهبات غير كافٍ في نظر الشعب الثائر؟ أو هل كانت هذه المنح — كما حدث غالبًا في العهد البطلمي — مجرد حبر على ورق في نظر الموظفين الإغريق الذين كُلِّفُوا بتطبيقها؟ الواقع أن الثورة لم تكن ترمي إلى الحصول على حقوق اقتصادية وحسب؛ بل كان لها غرض أسمى وهو الاستقلال والقضاء على فئة الحكام الإغريق الذين كانوا يتصرفون في مصائرهم، ومن أجل ذلك لم يَرْضَ الشعب المصري بأنصاف الحلول التي — مع ذلك — كان تنفيذها في أيد أجنبية. أما الكهنة فقد أخذوا نصيبهم ورضوا به على حساب الشعب المغلوب. وعلى ذلك نجد أن الثورات والفتن والاضطرابات قد استمرت وعلى رأسها ملك مصري شرعي اعترف به المصريون وهو «عنخمخيس» في الوجه القبلي، وقد ظل هذا الملك المقدام في نضاله إلى أن غُلِبَ على أمره. هذا، ولدينا رواية ديموطيقية لمرسوم إعفاء حُفِرَ على جدران معبد الفيلة، وقد فسر لنا مضمونه الأستاذ «زيته»36 على الرغم مما فيه من صعوبات لغوية ومحوٍ؛ بصورة رائعة تدعو إلى الإعجاب. ونعلم من هذا المرسوم أنه في العام التاسع عشر من عهد الملك «بطليموس إبيفانس» أن رئيسًا — ظل اسمه غامضًا لدينا — قد أسر الملك «عنخمخيس» حيًّا ومعه جنوده الأثيوبيون. وقد وصف المرسوم البطلمي هذا الملك بأنه شرير وكافر؛ وليس ذلك بغريب، فإن هذا كان الوصف الذي يُوصَفُ به الأعداء دائمًا، وكذلك قيل عنه: إنه كان يجمع الضرائب في «طيبة»، مما يدل على أنه كان مسيطرًا على إقليم «طيبة» في هذه الفترة.
وتدل شواهد الأحوال كما يقول الأستاذ «زيته» الذي حلل المرسوم من الوجهة اللغوية تحليلًا دقيقًا أن الدقة النحوية في اللغة المصرية القديمة قد أكسبت هذا المرسوم قيمة تاريخية؛ إذ يقول: إذا كان اسم الملك «عنخمخيس» قد خُصِّصَ بعلامة تدل على أنه أجنبي، فإن المخصص الذي وُضِعَ بعد اسم الجيش الملكي هو مخصص يدل على أنه أجنبي أيضًا. وفي اعتقادي أن هذا المخصص الدال على أن الملك «عنخمخيس» أجنبي الأصل هو من صنع الكهنة، وقد عُمِلَ إرضاء الملك وبطانته. والأمر الذي لا مراء فيه هو أن «عنخمخيس» مصري قح.
وهذا النصر الذي أحرزه «بطليموس الخامس» في السنة التاسعة عشرة من حكمه قد دُوِّنَ على جدران معبد «إدفو» كما أشرنا إلى ذلك من قبل، هذا إلى أن الهدنة التي نُقِشَتْ على جدران معبد «إدفو» قد أعادت السلام في ربوع الوجه القبلي؛ فنجد أن معبد الإله «حور» الذي أقامه البطالمة لهذا الإله قد اسْتُؤْنِفَ العمل فيه بعد أن كان قد أُوقِفَ نحو عشرين عامًا. ويقول بعض المؤرخين: إن هذا النصر الذي أحرزه الملك «بطليموس الخامس» كان نصرًا على بلاد النوبة، وذلك بحجة أن الملك «أرجمنيز» — الذي كان يُعْتَبَر تلميذًا للملك «بطليموس الثاني»، وكان يُعْتَبَر محالفًا ﻟ «بطليموس الرابع» لا غازيًا للديار المصرية؛ قد اعتبر في عهد «بطليموس الخامس» ضمن الذين حاقت بهم البغضاء لكره كل ما هو نوبي؛ فقد رأينا أن الملك «بطليموس الخامس» أمر بمحو الطغراءات الخاصة بملوك النوبة التي كانت تتبع طغراءات «فيلوباتور»37 والده. وفي اعتقادي أن هذا المحو ليس له أية علاقة بالملك «عنخمخيس» الذي كان يُعْتَبَر ملكًا مصريًّا دمًا ولحمًا، ويعزز هذا الرأي أن «بوليبيوس» يحدثنا بقوله: إن «بوليكراتيس» قد أخضع آخر رؤساء الثورة في الوجه البحري، وتدل أسماؤهم على أنهم من أصل مصري.38 ومن ثم نفهم أن الثوار لم يكونوا في الوجه القبلي فقط؛ بل كانوا كذلك في الوجه البحري، وأنهم كانوا جميعًا يدافعون عن مبدأ واحد وهو استقلال مصر، وبالقول: مصر للمصريين لا للإغريق والمقدونيين.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة
الآخبار الصحية

قسم الشؤون الفكرية يصدر كتاباً يوثق تاريخ السدانة في العتبة العباسية المقدسة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)