فضائل سورة الفاتحة
المؤلف:
الشيخ عبد الله المامقاني
المصدر:
مرآة الكمال
الجزء والصفحة:
ج3، ص 30 ــ 33
2025-12-20
49
قد ورد من طرقنا ذكر فوائد لجملة من السور والآيات القرآنيّة، ولا يمكن استقصاؤها هنا، وقد مرّ في الفصل الخامس ذكر ما يستحب قراءته من السور والآيات عند النوم وذكر فوائدها، كما مرّ في المقام الثالث من الفصل السادس ذكر ما يستحب قراءته من السور في نافلة الليل، وفي المقام الثامن منه ما ينبغي أن يقرأ منها في سائر الصلوات. وورد التأكيد في قراءة جملة من السور على الإطلاق [1]، ولا بأس بالإشارة إلى عدّة منها:
فمنها: سورة الحمد:
وتسمّى سورة فاتحة الكتاب أيضًا، وقد ورد عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) أنّه قال: "والذّي نفسي بيده، ما أنزل اللّه في التوراة والإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها، هي أمّ الكتاب، وأمّ القرآن، وهي السبع المثاني، وهي مقسومة بين اللّه وبين عبده، ولعبده ما سأل" [2].
وورد عنه (صلّى اللّه عليه وآله): "إنّ أيّما مسلم قرأ فاتحة الكتاب أعطي من الأجر كأنّما قرأ ثلثي القرآن، وأعطي من الأجر كأنّما تصدّق على كلّ مؤمن ومؤمنة".
وأنّه لو أنّ فاتحة الكتاب وضعت في كفّة الميزان ووضع القرآن في كفّة لرجحت فاتحة الكتاب سبع مرّات [3].
وأنّ فضل سورة الحمد كفضل حملة العرش، من قرأها أعطاه اللّه ثواب حملة العرش[4]. وأنّ اسم اللّه الأعظم مقطّع في هذه السورة [5].
وأنّ من قرأها فتح اللّه له خير الدنّيا والآخرة [6]، وأعطاه بعدد كلّ آية نزلت من السماء، فيجزي بها ثوابها [7]. وورد أنّها أفضل ما في كنوز العرش[8].
وقد خصّ بها محمدًّا (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) وشرّفه ولم يشرك معه فيها أحدًا من أنبيائه، ما خلا سليمان، فإنّه أعطاه منها (بسم اللّه الرحمن الرحيم)، ألا تراه يحكي عن بلقيس حين قالت: ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: 29-31].
ألا فمن قرأها معتقدًا لموالاة محمّد وآله الطيّبين صلوات اللّه عليهم أجمعين، منقادًا لأمرهم، مؤمنًا بظاهرهم وباطنهم أعطاه اللّه (عزّ وجلّ) بكلّ حرف منها حسنة، كلّ حسنة منها أفضل له من الدّنيا بما فيها من أصناف أموالها وخيراتها، ومن استمع إلى قارئ يقرأها كان له قدر ثلث ما للقارئ، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض له فإنّه غنيمته، لا يذهبنّ أوانه فتبقى في قلوبكم الحسرة [9].
وورد عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّه قال: "فاتحة الكتاب أعطاها اللّه محمّدًا (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) وأمّته، بدأ فيها بالحمد والثناء عليه، ثم ثنّى بالدعاء للّه (عزّ و جلّ)، ولقد سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) يقول: "قال اللّه: قسمت الفاتحة بيني وبين عبدي، فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، إذا قال العبد: (بِسْمِ اَللََّهِ اَلرَّحْمََنِ اَلرَّحِيمِ) قال اللّه (عزّ وجلّ): بدأ عبدي باسمي، وحقّ علّي أن أتمّم [له] أموره وأبارك له في أحواله، فإذا قال: (اَلْحَمْدُ لِلََّهِ رَبِّ اَلْعََالَمِينَ) قال اللّه جلّ جلاله: حمدني عبدي، وعلم أنّ النعم التي له من عندي وأنّ البلايا دفعت عنه فبتطوّلي، أشهدكم أنّي أضيف له نعم الدنيا إلى نعم الآخرة، وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا، فإذا قال: (اَلرَّحْمََنِ اَلرَّحِيمِ) قال اللّه (عزّ وجلّ): شهد لي بأنّي الرحّمن الرّحيم، أشهدكم لأوفّرنّ من رحمتي حظّه ولأجزلنّ من عطائي نصيبه، فإذا قال: (مَالِكِ يَوْمِ اَلدِّينِ) قال اللّه جلّ جلاله: أشهدكم كما اعترف بأنّي أنا المالك ليوم الدّين لأسهلنّ يوم الحساب حسابه، ولأقبلنّ حسناته، ولأتجاوزنّ عن سيّئاته، فإذا قال العبد: (إِيََّاكَ نَعْبُدُ) قال (عزّ وجلّ): صدق عبدي ايّاي يعبد، لأثيبنّه عن عبادته ثوابًا يغبطه كلّ من خالفه في عبادته لي، فإذا قال: (وَإِيََّاكَ نَسْتَعِينُ) قال اللّه (عزّ وجلّ): استعان بي وإليّ التجأ، أشهدكم لأعينّنه على أمره، ولأغيثنّه في شدائده، ولآخذنّ بيده يوم القيامة عند نوائبه، فإذا قال: (اِهْدِنَا اَلصِّرََاطَ اَلْمُسْتَقِيمَ.. إلى آخر السورة) قال اللّه (عزّ وجلّ): هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل، فقد استجبت لعبدي، وأعطيته ما أمّل، وأمنّته ممّا منه وجل [10].
وقد مرّ في الفصل الخامس استحباب قراءتها عند النوم، ويأتي في آداب المرض من الفصل اللاحق أنّ في قراءة سورة الحمد شفاء من كلّ داء إن شاء اللّه تعالى.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] تنبيه: اشتهر بين الفقهاء المتأخّرين قدّس اللّه تعالى أسرارهم العمل بقاعدة التسامح في أدلّة السنن المستفادة من روايات من بلغه ثواب على عمل فعمل به رجاء ذلك الثواب وقد جرى سماحة المؤلف قدّس اللّه روحه الطاهرة على هذه القاعدة في روايات فضائل السور، ولم يهتمّ بتحقيق سند تلك الروايات وحيث إنّي أستفيد من أدلّة من بلغ أمرًا آخر يطول شرحه هنا فلذلك لا يسعني التسامح المذكور فتفطّن.
[2] مجمع البيان: 1/17 تفسير فاتحة الكتاب، فضلها.
[3] مجمع البيان: 1/17 تفسير فاتحة الكتاب، فضلها.
[4] مستدرك وسائل الشيعة: 1/306 باب 44 حديث 5.
[5] مستدرك وسائل الشيعة: 1/305 باب 44 حديث 4.
[6] تفسير العياشي: 1/19، وثواب الأعمال/130 ثواب من قرأ سورة فاتحة الكتاب.
[7] مستدرك وسائل الشيعة: 1/305 باب 44 حديث 2 عن القطب الراوندي في لب اللباب. أقول: الرواية مرسلة.
[8] الاختصاص/39 مسائل اليهوديّ التي ألقاها على النبي (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم)، بسنده عن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السّلام) قال: جاء رجل من اليهود إلى النبي (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم) إلى أن قال: فما ثواب من قرأ فاتحة الكتاب؟ فقال النبي (صلّى اللّه عليه وآله وسلّم): من قرأ فاتحة الكتاب أعطاه اللّه من الأجر بعدد كلّ كتاب أنزل من السماء... .
[9] مجمع البيان: 1/18.
[10] مستدرك وسائل الشيعة: 1/305 باب 44 حديث 1.
الاكثر قراءة في إضاءات أخلاقية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة