قيام الحكم الثلاثي في مصر ونتائجه
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج16 ص 319 ــ 320
2025-12-14
33
والواقع أن «إيرجيتيس» لم يكن في مقدوره أن ينتزع من أخته «كليوباترا الثانية» لقب ملكة البلاد كما أراد، وكذلك لم يستطع أن يغتصب منها حق الصدارة ليمنحه لابنتها زوجه الجديدة؛ ومن ثم نشأ نظام غريب في بابه في حكم أرض الكنانة، وهو ذلك النظام الذي يتألف من ثالوث الملك. والمدهش أنه لم يكن يتألف من ملكين وملكة كما حدث في عهد «فيلومتور» الذي كان يحكم فيه الأخوان والأخت؛ بل في الحالة التي نحن بصددها كانت تُحكَم البلاد بملك وملكتين. فكان يحكم: الملك، والأخت الملكة وهي «كليوباترا الثانية»، والملكة الزوجة وهي «كليوباترا الثالثة». وكان جميعهم يُدعون الآلهة «إيرجيتيس» (أي المحسنين)، وكان من الطبيعي في هذه الحالة أن يتنبأ الإنسان بأن الطموح الممزوج بالغيرة لا بد أن يدب دبيبه بين الملكتين، ومن ثم تولد التنافس بينهما، وأن الذي يفيد منه هو الملك العاتي الذي كان يضارب الواحدة منهما بالأخرى، ومن ثم كان يظهر ميله وحبه للتي يرى أنه من صالحه أن يكون في جانبها، وذلك على حسب تيار الأحوال السياسية التي كانت وقتئذ تتغير وتتشكل على حسب أهواء ونزعات ومزاج الشعب الإسكندري وميوله السياسية.
وقد برهنت الحوادث على أن هذا الانقلاب الذي أحدثه هذا الملك في نظام الأسرة البطلمية قد أحيا نار الكراهية الدفينة التي كانت تضطرم في نفوس سكان الإسكندرية للملك البطين من جديد، ومن جهة أخرى نلحظ أن آمال أولئك المهاجرين — الذين كانوا قد أفلتوا من انتقامه عندما رأوا سير الأحوال في الإسكندرية — قد انتعشت ودب في نفوسهم دبيب الأمل.
(1) ظهور القائد «أتامانيس جالاتيس» والمدعي الجديد للملك
ونرى أن هؤلاء المهاجرين التفوا حول قائد قديم كان صديقًا للملك «فيلومتور» الراحل؛ وهذا القائد هو «أتامانيس جالاتيس» السالف الذكر، وكان «إيرجيتيس» قد جرده من كل أمجاده وعامله معاملة سيئة مما جعله يضطر إلى الالتجاء إلى بلاد الإغريق، وكان أول عمل قام به هذا القائد لهدم «إيرجيتيس» أنه نشر شائعة مؤداها أن الملك «فيلومتور» قد وكل إليه أمر آخر ذكر من نسله الشرعي وأمه هي الملكة «كليوباترا الثانية». وقد ضمن القائد إثبات حق هذا المدعي الجديد بشدة، واستعد فعلًا لإحضاره إلى مصر، بعد أن يعمل على ما يكفل استيلاءه على تاج الملك(1). وتدل الأحوال على أن الفرصة كانت مواتية لخلع «إيرجيتيس» هذا الملك الطاغية؛ إذ كان الكل يُجمع على مقته وبغضه؛ ومن ثم أصبح تحت رحمة الجنود المرتزقين الذين كانوا سنده الوحيد. غير أن هؤلاء بدورهم كانوا قد أظهروا له كل وقاحة وتمرد؛ يبرهن على ذلك أنه اتفق ذات يوم أن الخزينة الملكية كانت مفلسة، ولم يكن في مقدورها صرف مرتبات هؤلاء الأجناد؛ وقد كان من جراء ذلك أن سُمعت أصوات احتجاجاتهم تدوي عاليًا مهددة بسوء العاقبة لدرجة أن هؤلاء المرتزقين وعدوا بانضمامهم إلى القائد «جالاتيس» الذي كان يهدد بسقوط ملك «إيرجيتيس»، ولكن في هذا الموقف الحرج قام أحد الحكام العسكريين الذي يُدعى «هيراكس» Hierax بتقديم المبلغ اللازم لصرف أجور الجنود، ومن ثم أوقف انفجار الثورة على الملك.
وعلى الرغم من تزعزع عرش «إيرجيتيس الثاني» فإنه بقي مدة طويلة لم يُصِبْهُ أذى. والواقع أننا لم نسمع أي شيء بعد عن الحركة التي قام بها «جالاتيس» ولا عن المدعي الجديد لعرش البلاد الذي كان في حيازته، ومن المحتمل أن عدم نجاح مؤامرة هؤلاء المهاجرين هو قلة المال الذي يمكنهم من أن يشرعوا في إشعال نار حرب أهلية. ومما يؤسف له أنه قد مرت بضع سنوات دون أن تمدنا المصادر التي بين أيدينا بأية حوادث في هذا الصدد.
...........................................
1- راجع: Diod., XXXIII, 20.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة