فكرة الزواج
المؤلف:
د. رضا باك نجاد
المصدر:
الزواج من العقد الى الزفاف
الجزء والصفحة:
ص19ــ22
2025-12-02
102
يتوجب على كل من عقد العزم على الاقتران دون الاهتمام بأمرين معينين أن يعلم أنه ضاع في متاهات الحياة وغــفـل عـن الـصـواب ولم يتصرف بأسلوب حكيم وسيثبت له الزمن فداحة خطئه، وهذان الأمران هما: ضرورة التزام الزوج بالشؤون الدينية وعدم التمادي في التوقعات أو التطبع بالغرور عند انتقاء الزوج. لقد تدارست موضوع الدين وأهميته خلال مواضيع متنوعة في هذا الكتاب، وسأتطرق إلى تطبع الشباب أو الشابات ممن عزموا على الزواج بالغرور. لقد تحدثت بإسهاب في المجلدات الخاصة بالاستفسارات وإجاباتها (22، 23 و 24) عن خطأ من يذهب إلى القول بأصالة صفاء القلوب، صحيح أن النية هي مقدمة الأداء إلا أنها تقتصر على ما يعتلج القلب وقد تغرق في متاهات أمور تبعدها كل البعد عما كانت عليه. فالنية والعزم لا تتكامل إلا عندما تتحول هذه الطاقة الكامنة إلى فاعلية واضحة وتتجلى هذه القوة في مبادرة تبديها الأعضاء أو اللسان، وقد تزامن ذكر عبارة (ان الذين آمنوا) مع (وعملوا الصالحات) في القرآن، فالنوايا الحسنة شمس تشرق في النفوس و(عملوا الصالحات) تعني تبلور النوايا الحسنة في أعمال واضحة وجلية.
ان الشابة أو الشاب الذي تأبى أفكاره ويرفض ذوقه الاقتران بمن لا يعتبر وسيماً وذا ثروة وكمال دون العودة إلى ذاته وأخذ مستوى جماله أو وضعه المادي أو الكمالي بنظر الاعتبار يفشل في هذا المضمار فيقضي سنين عدة من حياته غارقاً في بحر خيالاته الشاعرية ليفهم بعد فوات الأوان أية صفعة تلقاها من الغرور وأية ضربة سددها إليه التمادي في التطلع والتمني!
إن تمادي من يعاني الفقر أو حرم من الجمال في تطلعه وتوقعه بسبب فضيلة اكتسبها يؤدي به إلى إحدى حالتين، إما أن يقترن بزوجة يرغبها من عائلة مؤمنة أو بفتاة من أسرة تتبع دنياها في دينها. وفي الحالة الثانية يكون النزاع والجدال حول الأعراق النسبية أو العراقة القومية ومكانة الآباء والأجداد، الشغل الشاغل للعروس والعريس خاصة لو امتازت إحدى الأسرتين بتفوقها المادي فسينصب هم الأسرة الثانية في بذل المساعي الحثيثة للتكافؤ عائلة العريس أو العروس ويؤول هذا مع الوضع عليها بالشجار والتشاحن المستمر.
فلو كانت المرأة أسيرة أفكارها ينفد صبرها عاجلاً فتعلن عن ثورتها، وإن كانت بخيلة تمنع عطاءها حتى عن زوجها يصبح النزاع نصيبهما في الحياة، أما عن رغبة الزوج بالتدخل في شؤون أموال زوجته الثرية فإنها الطامة الكبرى، وما يزيد الطين بلة تمتع الرجال بضعف نصيب النساء من الإرث إزاء إلقاء مسؤولية التعهد بتكاليف المعيشة على عاتق الرجال إذ قد تعتبره الزوجة انحيازاً والزوج ظلماً في حالة تجاهلهما الحكمة من هذا الحكم الإسلامي.
وتوجه الزوجة إن كانت تنتسب إلى عائلة ثرية، اللوم إلى زوجها بشكل متواصل، وقد يتسم الزوج بمثل هذه الميزة ودعاه جمال الزوجة للاقتران بها، وفي كلا الحالتين يعم النقاش حول الاختلاف الطبقي بين الأسرتين على حياة الشابين ويكمن الحل الوحيد لهذه المشكلة فـي التمسك بالأحكام الدينية لا غير.
والخلاف الآخر الذي لا يسعنا فضه إلا بوساطة الديـن هـو جـمال الزوجة الخارق الذي يذيق الزوج المرارة أحياناً عندما تستبدل المرأة وظائفها الاسرية المتمثلة بالوفاء الألفة المودة، تربية الاطفال ورضاعتهم وإدارة شؤون البيت بمهمة عرض جمالها. إن الجمال يستوجب التحصن خاصة في الأجواء الاجتماعية التي يعمها الفساد.
والتباين الآخر الذي يخلق النزاع في الاسرة هو الاختلاف الشاسع بين عمر الزوجين كأن يتزوج كهل فتاة شابة أو أن تقترن عجوز بشاب إذ يركن الأصغر سناً عند الجماع إلى روح الفظاظة بينما يمتنع الآخر عنها ويمتلك الأول زمام بلوغه النشوة أثناء الجماع مما يشعر الآخر بالانزعاج والانقباض النفسي، وفي غيرها من الظروف يشعر المتقدم في العمر دوماً وهو صاحب تجارب أكبر فى الحياة بأنه يعجز عن أداء الأعمال بشكل صحيح وهذا ما يجرح مشاعره ويثير أعصابه ويؤول إلى وقوع النزاع بين الزوجين.
ان تهيؤ الزوجين مع الجو الأسري هو مفتاح سعادة العائلة، ولهذا نجد أن مفعول الدين ساري لحل جميع المشاكل العائلية إلا في حالة واحدة يفقد الدين فيها أثره وقد أكد ائمتنا الأطهار (عليهم السلام) ضرورة التحفظ منها وهي الاقتران بالزوجة الحمقاء والأسوأ منها المرأة المختالة بعلمها.
لا تنسى هنا أن ننوه إلى أن زواج الرجل من ذوي المؤهلات العلمية والمعلومات العليا بفتاة بسيطة قليلة الزاد من العلم، وشعور الزوج بالهوة الشاسعة بينهما يبلور لديه فكرة بأن الزوجة حمقاء ويدفعه لتبني سلوك لا يليق حتى بالمرأة الحمقاء. وهنالك الأزواج الحمقى السيئو الأدب من ذوي المؤهلات الدراسية المتدنية، الذين لا تردعهم أخلاقهم حتى عــن إساءة الأدب لآبائهم.
ولو وقع اختيار الشاب على فتاة شعثاء مهملة الهيئة والمظهر قبل الزواج فليعلم أن الله سبحانه وتعالى لا يحب مثل هؤلاء الأشخاص إذ قال نبينا الكريم (صلى الله عليه وآله): (إن الله يبغض الوسخ الأشعث)، وسيسود الإهمال حياته مع هذه الفتاة ففي دور أمثالها تجد الأحذية في قعر الدار والملابس عند مدخله وهكذا. أما إن اختار فتاة متصابية لا يهمها إلا ان تختار جلد كذا حيوان لفستانها أو هذا الحيوان لردائها فلا يكون ثمرة حياتها سوى مشجب مزدحم بالملابس الثمينة لا غير، ففي هذه الحالة أيضاً لا يختلف وضعه عمن سلف ذكره أبداً.
ومن شأن الدين التحكم بعصبية النساء وعلى الرجل العصبي المزاج الامتناع عن الاقتران بفتاة مثله لأنهما سيبدلان البيت إلى مصح للمجانين، سوى في حالة واحدة وهي أن يكون إيمانهما أو إيمان أحدهما راسخاً إلى درجة يعينهما أو يعينه على التجلد فيكون نصيبه عند الوفاة بعد عمر قضاه معسوراً تحقق الوعد الالهي في الآية {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي عبادي وادخلي جنتي}.
الاكثر قراءة في مقبلون على الزواج
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة