طرق اختيار القطاعات الرائدة: معالجة نظرية لتشخيص القطاعات المحورية في الاقتصاد العراقي
المؤلف:
أ. د. علي مجيد الحمادي
المصدر:
التشابك الاقتصادي بين النظرية والتطبيق
الجزء والصفحة:
ص274 - 276
2025-10-30
35
وناقش البعض مسألة انتقاء المشاريع ذات الاثار التشابكية على انها تتضمن حالة عدم الاهتمام الكافي بعدد من الانشطة الاقتصادية ذات الطابع الاولي او الزراعي او الاستهلاكي التي لا تتمتع بقوى دفع مرتفعة، ويذهب آخرون في مناقشة ميكانيكية هذه الاستراتيجية على انها تقوم على اساس احداث الاختلالات الهادفة الى خلـق قــوى تصحيحية وتوازن بمستوى اعلى، ولكن يمكن ان تكون بعض الاختلالات والاختناقات مبالغ فيها او معقدة للغاية الامر الذي يدفع الى عرقلة النمو الاقتصادي بكامله.
واذا ما شئنا مناقشة الفعل ورد الفعل واعني في ذلك محتوى النظرية والجدل الذي ورد حولها قبل أكثر من عقدين من الزمن، نجد ان هذه النظرية على قدر عال من الحيوية بدليل ان الدعوة باتجاه التخصيصية (الخصخصة) قد اتسع نطاقها بعد منتصف الثمانينات والى يومنا هذا (1). كما ان عملية الاخذ بمبدأ التخطيط الاقتصادي الشامل في فترة السبعينات كانت مسالة محفوفة بكثير من المخاطر رغم اهمية هذا المبدأ من الناحية النظرية. بيد ان طريقة تطبيقه كانت تعتريها العديد من المتطلبات والركائز الاقتصادية والفنية والاجتماعية والسياسية في البلاد النامية عموما، الأمر الذي افقد هذا المبدأ لمعانه، وآمل ألا يفهم من قولنا هذا بانني من الداعين لنظرية تولي القطاع الخاص قيادة التنمية في البلدان النامية.
فنحن لا نقر بصحة النظرية على اطلاقها في هذا الجانب على وجه التحديد، وقصارى ما نذهب اليه هو اعتقادنا بحيويتها. وفيما يخص غلبة مسألة اتخاذ القرارات الرشيدة وارجحيتها على كثير من الجوانب الاخرى المتعلقة بموضوع التنمية في تحليلات هذه الاستراتيجية، فالمسالة برأينا تمتلك الكثير من الحق في هذا الاختيار، فعلى رغم اهمية التوافر النوعي والكمي للموارد المادية والمالية الا انها لا تعني شيئا في غياب الإدارة القائمة على دعائم العلم والتجربة والخبرة والقدرات التنظيمية (Know How).
ان تحول وقود الثورات الحضارية من الطبيعة المادية كما تجسدت في ثورة الفحم في بدايات الثورة الصناعية وثورة البتروكيماويات في منتصف القرن الماضي وثورة الالكترونيات في السبعينات منه، واتجاه التحول الى ثورة على مستوى العقول او ما اطلق عليها بثورة المعلومات (المعلوماتية Informatics) التي تتمثل في القدرات الخلاقة للعقل البشري وقراراته في التحكم في الطبيعة ومواردها، تعطي الدليل على تبدل المعايير الفاعلة في تحريك الدورات الحضارية، والانعطافات الاقتصادية الكبرى حصراً.
ونشير الى استناد معارضي فكرة اعطاء الأولوية لعملية اتخاذ القرارات في قيام التنمية في البلدان النامية بحجة ضعف او تدني مستوى هذه العملية، هي حجة لا يمكن الركون اليها او التوصل من خلالها الى مطابقة الموارد بين القدرة المتاحة على اتخاذ القرارات من جهة وتوافر الموارد المادية والمالية من جهة اخرى. ويؤكد الكثير من تجارب العالم الناجحة هذه الاطروحة، كالتجربة اليابانية او (الاسيان)(*) التي لم تكن هذه الموارد الاساس الاول لإنجاح نمط النمو فيها.
وفيما يتعلق بالاعتراض على اختيار القطاعات الاكثر ديناميكية لتحريك الاقتصاد دون القطاعات الأخرى وبالذات الاولية (2). فلا اجد ان هذه الاستراتيجية قد ابتعدت عن الحكمة في هذا المنطلق، اذ ان عملية تشخيص القطاعات المحورية قادرة على خلق درجة عالية من التشابك بين العديد من الفعاليات والفروع الاقتصادية بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) United Nations, Institutional Aspects of Privatization in the ESCWA Region, New York, 1999,P.37.
(*) لا تنطبق قاعدة قلة الموارد الطبيعية على دول (الاسيان) ويمكن استثناء بروناي التي تتمتع بوفرة الموارد من هذا الكل، وبالمقابل، يمكن القول ان (الاسيان) التي تضم اندونيسيا وماليزيا والفلبين وتايلند وفيتنام وبروناي وسنغافورة، وتتفاوت كثيراً في حجم ثرواتها ومواردها الطبيعية، وفي المساحة المتاحة لاتخاذ القرارات، ولذا فان تجاربها في تحقيق النمو ليست متطابقة، ويمكن اعتبار تجربة سنغافورة شبيهة بالتجربة اليابانية.
(2) د. عصام خوري، ود. عدنان سليمان التنمية الاقتصادية، جامعة دمشق، 1995، ص 246.
الاكثر قراءة في التحليل الأقتصادي و النظريات
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة