أخلاقيات الصحافة العربية
المؤلف:
الدكتور خالد العزي
المصدر:
التشريعات الإعلامية واخلاقيات المهنة
الجزء والصفحة:
ص 43- 47
2025-10-28
41
أخلاقيات الصحافة العربية:
بالرغم ما عرفته الصحافة العربية من تطور وحظ وافر من الأهمية خلال السنوات الأخيرة في حياتنا المعاصرة سواء كان ذلك بارتباطها بالتطور الكمي والتكنولوجي أو على مستوى الانفتاح الإعلامي على مصراعيه السمعي والبصري والمكتوب، وهذا ملاحظ من خلال بروز قنوات وإذاعات جديدة خرجت إلى حيز الوجود. وحاليا يثار جدل واسع في مختلف أنحاء العالم وليس في العالم العربي فقط حول مدى فعالية تطبيق مواثيق وأخلاقيات المهنة الصحفية في التصدي لما يسمى بتجاوزات الصحفيين.
فاللجنة الدائمة للإعلام العربي تعمل على متابعة وتطبيق أهم البنود التي يضمها ميثاق الشرف الإعلامي العربي والذي وقع إقراره من طرف مجلس الجامعة العربية بتاريخ 14 سبتمبر 1978، بعدما قدمه ميثاق التضامن العربي الصادر عن أشغال مؤتمر القمة العربي بالدار البيضاء سنة 1965.
وواضح أن اللجنة الدائمة للإعلام العربي التابعة لنفس المجلس حين سعت إلى وضع ميثاق من هذا القبيل فهي لم تنطلق مما هو سائد في التجربة الإعلامية العربية، بل انطلقت من اعتبار ما يجب أن يسود أو يكون في هذه التجربة. وميثاق الشرف من خلال لجنة المتابعة المنبثقة عن المناظرة الوطنية الأولى للإعلام تلزم الصحافيون العاملون في مختلف المنشآت الإعلامية بالمبادئ التالية:
أولا: اعتبار حرية الصحافة، وحق المواطن في الإعلام والمعرفة، وحقه في التعبير عن رأيه بحرية كي يمتلك أدوات المشاركة الواعية والمستقلة في الحياة العامة للمجتمع وفي مراقبة المسؤولين عن تدبير الشأن العام أهدافا يسعى الجميع لتحقيقها والالتزام بالدفاع عنها.
ثانيا: التأكيد على وضع حد فاصل بين واجب عدم التعرض للحياة الخاصة التي تعتبر ملكا لهم، والحق في المعالجة الصحافية لطريقة تدبير الحكم في بلادنا ومواكبة مطالب الإصلاح، وذلك بأسلوب يتسم بالرصانة والمهنية والنزاهة الفكرية والاحترام الواجب للرئيس ويمكن إدراجه في هذا الشأن حماية الخصوصية، فهي أيضا تعتبر مبدأ قائما في الكثير من مواثيق الشرف التي تضعها المنظمات والجمعيات الإعلامية، وتدل عليه النماذج التالية:
- مجتمع الصحافيين المحترفين، وينص أحد بنوده على ما يلي: يجب أن حول وسائل الإعلام دون خرق حق الأفراد في الخصوصية.
- ميثاق محرري وكالة أسوشيت بريس احترام الحق الفردي في الخصوصية.
- اتحاد مديري أخبار الراديو والتلفزيون.
- دليل أخلاقيات المهنة للصحفيين لمؤسسة طمس رويترز لعام 2007.
- مسودة قوانين تنظيم الإعلام في الجمهورية العربية السورية بناء على المرسوم التشريعي رقم 108 للعام 2011 الخاص بقانون الإعلام.
- مسودة قانون الإعلام الالكتروني في الجمهورية العربية السورية لعام 2010 الذي ينص على كافة الصحافيين والإذاعيين أن يراعوا في جميع الأوقات الاحترام الإنساني للخصوصية الفردية، وأن يحسنوا التعامل مع الأشخاص الذين تتناولهم الأخبار.
وهذا ينص هذا الموقف أيضا على عدم المساس بالشخصيات العمومية، أي له علاقة بما يعرف بالأشخاص ذوي الشهرة الاجتماعية، الاقتصادية، الفنية والفكرية إلخ. حيث يرى هؤلاء بأن التعرض لنشر أخبارهم الخاصة، هو مجرد الإساءة إلى مراكزهم ومجالات نفوذهم، وغالبا أيضا ما يعيدون ذلك إلى التحريض المؤدى عنه من جهات لها مصالحها الخاصة وكثيرة الشخصيات من هذا العيار التي تم الإطباق العام على سلوكياتها.
ثالثا: اعتبار الوحدة الترابية للبلاد من الثوابت ومن واجب الصحافة عدم التحريض على الانفصال أو تشجيعه أو الإشادة بأعمال العنف وتبريرها، ويحق للصحافة الوطنية الحصول على كل ما تحتاجه من معلومات ومعطيات من المصادر التي تتوفر عليها، ما لم تكن سرا من أسرار الدفاع الوطني، كما يحق لها نشر ما تراه يستجيب لحق المواطن في الاطلاع والمعرفة.
رابعا: الصحافي المهني وسلوك التقمص: قد يتقمص أحد الصحافيين دورا خاصا يتستر من خلاله على مهنته الصحافية الأصلية، وقد يرافق هذا التقمص استعمال أدوات تسجيلية وتصويرية عن طريق الإخفاء. وكل ذلك بغاية انجاز تحقيق يهم إحدى الوضعيات والتي تكون عادة مشبوهة بأفعال من قبيل التزوير والاختلاس أو الإساءة للنفع العام والمؤسسات العمومية كالمستشفيات والخيريات وغيرها. هذا الموقف نجد من ورائه دائما عدة دوافع، وهي تختلف بين التفرد والسبق الإعلاميين واستقطاب عدد إضافي من المتلقين، ما يجعل أمر الإقدام عليه ذا إثارة خاصة وجاذبية قوية في الممارسة الصحافية، بل نجد أن بعض الصحافيين سيستفيدون من جوائز تقديرية على انجازاتهم الصحافية، ومع ذلك فالصحافيون والنقاد سيضعون هذا الموقف في دائرة اعتبار مزدوج فالشطر الأول ينظر إليه كسلوك شائن لا يخلو من الخداع، وبالإمكان تعويضه بالسعي الحثيث وراء الحقيقة عن طريق التحري الدقيق والتسلح بشجاعة اقتحام مصادر الخبر علانية سواء كانت أشخاصا أو أماكن أما الشطر الثاني يرى في الخداع إمكانية مشروعة في حالة كونه ممثلا للأسلوب الوحيد والمتاح كما في حال تأديته لمهمة تخدم الصالح العام.
خامسا: عدم المس بالتعددية العرقية والثقافية للشعب، نبذ العنف والإرهاب، ومجابهة خطاب التكفير والكراهية والعنصرية، والامتناع عن الإشادة بها والترويج لها.
سادسا: احترام الكرامة الانسانية وعدم التشهير بالأشخاص أو المس بأعراضهم وشرفهم أو لونهم أو جنسيتهم أو دينهم أو صفاتهم الجسدية، وفي جميع الأحوال احترام الحياة الشخصية للأفراد.
ويدخل في بابها أيضا استغلال الماّسي: وذلك بأن يقوم صحافي بتصوير مشاهد إنسانية مصابة بالتشوه الخلفي أو تعرضت لجرائم بشعة، فيستغرق في الوصف إلى حد تعرية موضوع النشر من حرمته الانسانية. إلى غيره من الحالات التي تدخل في نفس الاتجاه والتي تصنع قصة خبرية غالبا ما تستهوي الكثير من النشرات الصحافية بحوافز متجددة، لا يكون أهمها إلا حافز الإثارة كما هو قائم حاليا في عدد من النشرات المتنافسة، وتبقى في هذا الموقف ومثله مسألة أخلاقيات المهنة مستحقة وبشكل جدي لما يفيد معناها السلوكي والشخصي كقمة فكرية وثقافية، قبل معناها المهني الصحافي "مثلا في عرض الوضع السوري من قبل وسائل الإعلام وإظهار ثقافة القتل التي تنتشر على كل الشبكات العنكبوتية والإعلامية وتوزع افلام اليوتيوب تحت شعارات مختلفة تفاقم مستوى الحقد وتجسد الانقسام الافقي والعمودي فيداخل جسم الدولة وصفوف الشعب السوري".
وبالرغم من مواثيق الشرف وأخلاقيات المهنة الصحفية في جميع البلدان تواجه مشاكل كبيرة تؤدي إلى عدم تطبيقها، مما يودي إلى لجوء بعض الحكومات إلى فرض قوانين تقيد العمل الصحفي.
وأخيرا ستظل قضية أخلاقيات المهنة محل جدل وجذب وشد بين الصحفيين والحكومات بسبب اعتقاد كل طرف أن الطرف الآخر لم يوفي بالتزاماته اتجاه الآخر، رغم أنها بدأت في طور التلاشي بعد انطلاق ثورة المعلومات والصحافة الالكترونية العابرة للحدود والقنوات الفضائية التي لن يوقفها رقيب وستدخل كل بيت بمجرد الضغط على الأزرار.
الاكثر قراءة في اخلاقيات الاعلام
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة