ضمان المغصوب بالمثل او القيمة
المؤلف:
علي الحسيني السيستاني
المصدر:
منهاج الصالحين
الجزء والصفحة:
ج2 ، ص 280-286
2025-10-15
186
مسألة 826: لو تلف المغصوب - أو ما بحكمه كالمقبوض بالعقد الفاسد - قبل ردّه إلى المالك ضمنه بمثله إن كان مثليّاً وبقيمته إن كان قيميّاً، والمراد بالمثليّ - كما مرّ في كتاب البيع - ما يكثر وجود مثله في الصفات التي تختلف باختلافها الرغبات، والقيميّ ما لا يكون كذلك، فالحبوبات من الحنطة والشعير والأرز والذُّرَة والماش والعدس ونحوها من المثليّ وكذلك الآلات والظروف والأقمشة والأدوية المعمولة في المصانع في هذه الأزمنة، والجواهر الأصليّة من الياقوت والزمرّد ونحوهما وغالب أنواع الحيوان كالفرس والغنم والبقر من القيميّ.
مسألة 827: المراد بضمان المثليّ بمثله ما يكون موافقاً له في الصنف ولا يكفي الاتّحاد في النوع، وإنّما يحصل التغاير بين الصنفين باختلافهما في بعض الصفات والخصوصيّات التي تختلف باختلافها رغبات العقلاء دون الاختلاف الذي لا يكون كذلك فإنّه لا ينظر إليه في هذا المقام.
مسألة 828: لو تعذّر المثل في المثليّ ضمن قيمته، وإن تفاوتت القيمة وزادت ونقصت بحسب الأزمنة بأن كان له حين الغصب قيمة وفي وقت تلف العين قيمة أُخرى ويوم التعذّر قيمة ثالثة واليوم الذي يدفع إلى المغصوب منه قيمة رابعة فالمدار على الأخير فيجب عليه دفع تلك القيمة، فلو غصب طُنّاً من الحنطة كانت قيمتها دينارين فأتلفها في زمان كانت الحنطة موجودة وكانت قيمتها ثلاثة دنانير ثُمَّ تعذّرت وكانت قيمتها أربعة دنانير ثُمَّ مضى زمان وأراد أن يدفع القيمة من جهة تفريغ ذمّته وكانت قيمة الحنطة في ذلك الزمان خمسة دنانير يجب عليه دفع هذه القيمة.
مسألة 829: يكفي في التعذّر الذي يجب معه دفع القيمة فقدانه في البلد وما حوله ممّا ينقل منها إليه عادة.
مسألة 830: لو وجد المثل بأزيد من ثمن المثل وجب عليه الشراء ودفعه إلى المالك، نعم إذا كانت الزيادة كثيرة بحيث عدّ المثل متعذّراً عرفاً لم يجب.
مسألة 831: لو وجد المثل ولكن تنزّلت قيمته لم يكن على الغاصب إلّا إعطاؤه، وليس للمالك مطالبته بالقيمة ولا بالتفاوت، فلو غصب طُنّاً من الحنطة في زمان كانت قيمتها عشرة دنانير وأتلفها ولم يدفع مثلها - قصوراً أو تقصيراً - إلى زمان قد تنزّلت قيمتها وصارت خمسة دنانير لم يكن عليه إلّا إعطاء طُنّ من الحنطة ولم يكن للمالك مطالبة القيمة ولا مطالبة خمسة دنانير مع طُنّ من الحنطة، بل ليس له الامتناع من الأخذ فعلاً وإبقائها في ذمّة الغاصب إلى أن تترقّى القيمة إذا كان الغاصب يريد الأداء وتفريغ ذمّته فعلاً.
مسألة 832: لو سقط المثل عن الماليّة بالمرّة من جهة الزمان أو المكان لم يكن للغاصب إلزام المالك بأخذ المثل، ولا يكفي دفعه في ذلك الزمان أو المكان في ارتفاع الضمان لو لم يرض به المالك، فلو غصب جَمَداً في الصيف وأتلفه وأراد أن يدفع إلى المالك مثله في الشتاء، أو غصب قربة ماء في مفازة فأراد أن يدفع إليه قربة ماء عند النهر ليس له ذلك وللمالك الامتناع، وحينئذٍ فإن تراضيا على الانتظار إلى زمان أو مكان يكون للمثل فيه قيمة فهو وإلّا فللغاصب دفع قيمة المغصوب إلى المالك وليس للمالك الامتناع من قبولها، وهل يراعى في القيمة زماناً ومكاناً وعاء الغصب أو التلف أو أدنى القيم وهو قيمته في الزمان أو المكان المتّصل بسقوطه عن الماليّة؟ وجوه والأحوط لزوماً التصالح.
مسألة 833: لو تلف المغصوب وكان قيميّاً ضمن قيمته - كما تقدّم - فإن لم تتفاوت قيمته في الزمان الذي غصبه مع قيمته في زمان تلفه وقيمته في زمان أداء القيمة ولا في أثناء ذلك فلا إشكال، وإن تفاوتت بحسب اختلاف الأزمنة كأن كانت قيمته يوم الغصب أزيد أو أقلّ من قيمته يوم التلف أو كانت قيمته يوم التلف أزيد أو أقلّ من قيمته يوم الأداء كانت العبرة بقيمته في زمان التلف وإن كان الأحوط استحباباً التراضي والتصالح فيما به التفاوت.
هذا إذا كان تفاوت القيمة السوقيّة لمجرّد اختلاف الرغبات وقاعدة الْعَرْض والطلب، وأمّا إذا كان بسبب تبدّل بعض أوصاف المغصوب أو ما في حكمها بأن كان واجداً لوصف كمال أوجب زيادة قيمته حين الغصب وقد فقده حين التلف أو بالعكس - كالسِّمَن في الشاة واللون المرغوب فيه في القماش والفيروزج ونحو ذلك - فالعبرة حينئذٍ بأعْلَى الْقِيَم وأحسن الأحوال.
ولو لم تتفاوت قيمة زَمانَيِ الغصب والتلف من هذه الجهة ولكن حصلت في المغصوب صفة يوجب الارتفاع بين الزمانين ثُمَّ زالت تلك الصفة، فإن لم يكن بفعل الغاصب فالحكم أنّه كذلك أي يضمن قيمته حال الاتّصاف بتلك الصفة كما لو كان الحيوان مريضاً ثُمَّ صار صحيحاً ثُمَّ عاد مرضه وتلف، وأمّا إن كان بفعل الغاصب كما لو كان الحيوان هازلاً فأعلفه كثيراً وأحسن طعامه حتّى سمن ثُمَّ عاد إلى الهُزال وتلف لم يحكم بضمان قيمته حال سِمَنِه وإن كان هو الأحوط استحباباً.
مسألة 834: إذا اختلفت القيمة السوقيّة باختلاف المكان - كما إذا كان المغصوب في مكان الغصب بعشرين وفي مكان التلف بعشرة أو بالعكس - فهل يلحق ذلك باختلاف الزمان فتكون العبرة بمكان التلف مطلقاً، أو يلحق باختلاف الأوصاف فتكون العبرة بأعْلَى الْقِيَم؟ فيه وجهان، والصحيح هو الأوّل وإن كان الأحوط استحباباً مراعاة الثاني.
مسألة 835: إذا تعذّر عادةً إرجاع المغصوب إلى مالكه فإن كان بحيث يعدّ تالفاً عرفاً أي يعدّ مالاً بلا مالك كما إذا انفلت الطائر الوحشيّ أو وقع السمك في البحر ونحو ذلك ترتّبت عليه أحكام التلف فيجب على الغاصب دفع بدله إلى المالك مِثْلاً أو قيمة، وأمّا لو لم يعدّ كذلك فمع اليأس من الحصول عليه كالمسروق الذي ليس له علامة يجب على الغاصب إعطاء مثله أو قيمته ما دام كذلك ويسمّى ذلك البدل: (بدل الحيلولة).
وهل يملكه المالك مع بقاء المغصوب في ملكه وإن كان للغاصب استرجاعه فيما إذا صادف أن تمكّن من إرجاع المغصوب إليه، أو أنّه يملكه موقّتاً وينتقل المغصوب إلى الغاصب موقّتاً أيضاً، أو أنّ الانتقال في كلٍّ منهما دائميّ؟ وجوه أصحّها الثاني.
مسألة 836: لو كان للبدل نماء ومنافع في تلك المدّة كان للمغصوب منه، ولو كان للمبدل نماء أو منافع كان للغاصب، نعم النماء المتّصل كالسِّمَن يَتْبَع العين فمتى ما استرجعها صاحبها استرجعها بنمائها.
مسألة 837: القيمة التي يضمنها الغاصب في القيميّات وفي المثليّات عند تعذّر المثل إنّما تحتسب بالنقد الرائج من الذهب والفضّة المسكوكين بسكّة المعاملة وغيرهما من المسكوكات والأوراق النقديّة المتداولة في العصور الأخيرة، فهذا هو الذي يستحقّه المغصوب منه كما هو كذلك في جميع الغرامات والضمانات، فليس للضامن دفع غيره إلّا بالتراضي بعد مراعاة قيمة ما يدفعه مقيساً إلى النقد الرائج.
وإذا اختلف النقد الرائج - بحسب اختلاف الأمكنة - كأن كان النقد الرائج في بلد التلف غيره في بلد الأداء فالعبرة بالنقد الرائج في بلد التلف، وأمّا إذا اختلف بحسب اختلاف الأزمنة فإن كان الاختلاف في النوع بأن سقط النوع الرائج في زمن التلف وأبدل بغيره كانت العبرة بالثاني، وإن كان الاختلاف بحسب الماليّة بأن كان الرائج في يوم التلف أكثر ماليّة منه في يوم الأداء لم يكفِ احتساب قيمة التالف بما كانت تتقدّر به في زمن التلف بل اللازم احتسابها بما تتقدّر به في زمن الأداء.
ولو انعكس الأمر ففي كفاية احتساب قيمته في زمن الأداء بما يساويها ماليّة في زمن التلف أو لزوم احتسابها بنفس المقدار السابق إشكال، والأحوط لزوماً في مثله التصالح.
مسألة 838: الفلزّات والمعادن المنطبعة كالحديد والرصاص والنحاس كلّها مثليّة حتّى الذهب والفضّة مضروبين أو غير مضروبين، وحينئذٍ تضمن جميعها بالمثل، وعند التعذّر تضمن بالقيمة كسائر المثليّات المتعذّرة المثل، نعم في خصوص الذهب والفضّة تفصيل، وهو أنّه إذا قوّم بغير الجنس - كما إذا قوّم الذهب بالدرهم أو قوّم الفضّة بالدينار - فلا إشكال، وأمّا إذا قوّم بالجنس - بأن قوّم الفضّة بالدرهم وقوّم الذهب بالدينار - فإن تساوى القيمة والمقوَّم وزناً كما إذا كانت الفضّة المضمونة المقوَّمة عشرة مثاقيل فقُوّمت بثمانية دراهم وكان وزنها أيضاً عشرة مثاقيل فلا إشكال أيضاً.
وإن كــان بينهمــا التفــاوت - بأن كانــت الفضّــة المقوَّمــة عشــرة مثاقيــل مثـــلاً وقد قُوِّمت بثمانية دراهم وزنها ثمانية مثاقيل - فيشكل دفعها غرامة عن الفضّة لاحتمال كونه داخلاً في الربا فيحرم كما أفتى به جماعة، فالأحوط لزوماً أن يقوّم بغير الجنس، بأن يقوّم الفضة بالدينار والذهب بالدرهم حتّى يسلم من شبهة الربا.
مسألة 839: المصنوع من الفلزّات والمعادن المنطبعة هل يعدّ مثليّاً أو قيميّاً أو أنّه مثليّ بحسب مادّته وقيميّ بحسب هيئته؟ الصحيح هو التفصيل بين الموارد: فإن كانت الصنعة بمثابة من النفاسة والأهميّة تكون هي - في الأساس - محطّ أنظار العقلاء ومورد رغباتهم كالمصنوعات الأثريّة العتيقة جدّاً أو البديعة النادرة، ففي مثل ذلك يعدّ المصنوع قيميّاً، فيقوّم بمادّته وهيئته ويدفع الغاصب قيمته السوقيّة.
وأمّا إن لم تكن كذلك فإن كان يكثر وجود مثله في الصفات التي تختلف باختلافها الرغبات - كالمصنوع بالآلات والمعامل المعمولة في هذه الأزمنة من الظروف والآلات - فهو مثليّ مع صنعته يضمن بالمثل مع مراعاة صنفه، وهكذا الحال فيما إذا لم تكن لهيئته ماليّة أصلاً وعدّ وجودها وعدمها سيّين فإنّه يضمن بالمثل حينئذٍ.
وأمّا إذا لم يكن المصنوع من القسمين المذكورين فإنّه يعدّ بمادّته مثليّاً وبهيئته قيميّاً كغالب أنواع الحُليّ والمصوغات الذهبيّة والفضيّة، فلو غصب قرطاً ذهبيّاً كان وزنه مثقالين فتلف عنده أو أتلفه ضمن مثقالين من الذهب مع ما به التفاوت بين قيمته مصوغاً وقيمته غير مصوغ.
مسألة 840: لو غصب المصنوع وتلفت عنده الهيئة والصنعة دون المادّة ردّ العين وعليه الأرش أيضاً - أي ما تتفاوت به قيمته قبل تلف الهيئة وبعده - لو كان للهيئة ماليّة، ولو طلب الغاصب أن يعيد صناعته كما كان فراراً عن إعطاء الأرش لم يجب على المالك القبول، كما أنّ المالك ليس له إجبار الغاصب بإعادة الصنعة وإرجاع المغصوب إلى حالته الأُولى.
مسألة 841: لو كانت في المغصوب المثليّ صنعة محرّمة غير محترمة - كما في آلات القمار واللهو المحرَّم - لم يضمن الصنعة سواء أتلفها خاصّة أو مع ذيها، فيردّ المادّة لو بقيت ومثلها لو تلفت إلى المالك وليس عليه شـيء لأجل الهيئة والصنعة.
الاكثر قراءة في المكاسب المحرمة والمكروهة وملحقاتها
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة