النفايات الصناعية السائلة
المؤلف:
د. محمد صابر
المصدر:
الانسان وتلوث البيئة
الجزء والصفحة:
ص 22 ـ 25
2025-10-06
198
في القرن العشرين أنشئت عدة مناطق صناعية في العديد من دول العالم ، تقع مجاورة للأنهار والبحيرات والبحار وكانت النفايات الصناعية السائلة المتولدة عن تلك الصناعات تلقى في هذه الأنهار أو البحيرات وفي المجاري المائية عموما، مما أسفر عنه العديد من مشكلات تلوث المياه وأدى ذلك إلى صدور قوانين وطنية في بعض الدول، تحظر تصريف النفايات غير المعالجة إلى المجاري المائية.
وتختلف النفايات الصناعية السائلة كلية عن النفايات البلدية السائلة ، فالأولى أشد خطورة على البيئة وأكثر تنوعا في محتواها من الملوثات، كما أن معالجتها غالبا ما تكون باهظة التكلفة ومما يزيد الطين بلة أن تصريف تلك النوعية من النفايات في البيئة دون معالجة يؤدي إلى انتشار الملوثات بين مختلف مكونات النظام البيئي، مسببا انتشار الضرر الذي يصعب التصدي له والذي قد يستحيل علاجه والتخلص من عواقبه ، وقد أكدت نتائج البحوث أن بعض النفايات العضوية الصناعية السائلة تستهلك من أكسجين المجاري المائية التي تصرف فيها ما يزيد عن أربعة أضعاف ما تستهلكه النفايات البلدية الصلبة حتى تتأكسد إلى مواد بسيطة التركيب ناهيك عن محتواها من السموم القاتلة للميكروبات التي تقوم بعمليات التحليل.
وتتنوع النفايات الصناعية السائلة بين مياه تفوير الغلايات ونواتج معالجة المياه والأتربة الناتجة من عمليات الغسيل والفاقد من المواد الأولية أو الوسيطة أو المصنعة التي تجد طريقها إلى المياه، والمذيبات العضوية والفلزات الثقيلة مثل الزئبق والكادميوم والزيوت والشحوم والأحماض والقلويات والعناصر اللافلزية مثل الكبريت والنتروجين والفوسفور وهناك مجموعة من العناصر الثقيلة، التي تنساب إلى الموارد المائية مع النفايات الصناعية السائلة، يفوق تأثيرها المدمر للبيئة والصحة العامة غيرها من الملوثات الأخرى، وهي عناصر الكادميوم والرصاص والزنك والنيكل، ويقدر العلماء أن البيئة تتلقى سنويا ما لا يقل عن نصف مليون طن من الكادميوم وحوالي 310 مليون طن من الكروم والنحاس، و 240 مليون طن من الرصاص، و 20 مليون طن من كل من المنجنيز والزئبق والنيكل، و 250 مليون طن من الزنك وتتسرب تلك الكميات من مصادر مختلفة، وأغلبها تتولد كنفايات عن أنشطة الصناعة والتعدين.
ولقد أثرت تلك الفلزات الثقيلة سلبا على نوعية المياه التي نتلقاها وعلى مدى صلاحيتها للاستخدامات الاقتصادية المختلفة على المستوى العربي والعالمي وتشير نتائج الرصد البيئي التي أجرتها هيئة الأمم المتحدة إلى تلوث العديد من الأنهار والبحيرات والبحار بالعناصر الثقيلة، بمستويات تثير القلق من جراء تصريف النفايات الصناعية السائلة ونفايات السفن في المجاري المائية.
وينادي العلماء بالحد أو التوقف عن استخدام أو استبدال المواد التي تسبب السرطان، مثل مركبات الأمينوفينيلن والبنزين والأسبستوس والقطران والكروم ورابع كلوريد الكربون الفورمالديهايد وغيرها، في العمليات الصناعية، ويوصي العلماء صناع الغزل والنسيج بعدم استخدام المواد الكيميائية المزيلة للألوان التي لا تستطيع الميكروبات تحليلها، وبعدم استخدام النشا وإحلاله بالبوليمرات الحديثة وباستعادة الصودا الكاوية المستخدمة في صناعة الحرير، وباستخدام حمامات الصباغة عدة مرات وبعدم استخدام المياه كمذيب.
وفي مدابغ الجلود، يجب ترشيد استخدام المياه واستعادة المواد الملوثة منها مثل أملاح الكروم باهظة الثمن وفي صناعة الورق يجب ترشيد استخدام المياه واستعادة الألياف والصودا الكاوية وفي مصانع البطاريات يوصى باستعادة الرصاص من مياه الصرف الصناعي، وللحد من التلوث الناشئ من صناعة النشا والخميرة والمنظفات الصناعية يراعى ترسيب البروين من مياه الصرف الصناعي والاستغناء عن الشحوم والزيوت لمنع تكون الرغوة، وفي الصناعات الكيميائية يمكن الحد من تركيز الزئبق في مياه الصرف الصناعي بمداومة صيانة مداخل ومخارج خلايا التحليل الكهربائي بما يكفل عدم تسرب الزئبق.
ولا ريب أن تصريف النفايات الصناعية السائلة، دون معالجة إلى شبكات الصرف الصحي يؤدي إلى تأكل البنية الأساسية مثل الأنابيب وأحواض المعالجة، كما تقلل الملوثات من كفاءة عمليات المعالجة من جراء تأثيراتها المعاكسة لنشاط الميكروبات وتكون النتيجة الحتمية لذلك تولد مياه غير معالجة بالدرجة التي تسمح بإعادة استخدامها في أغراض أخرى.

الاكثر قراءة في جغرافية البيئة والتلوث
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة