لا قلبين بل قلب واحد
المؤلف:
الفيض الكاشاني
المصدر:
تفسير الصافي
الجزء والصفحة:
ج4، ص162 - 164
2025-09-23
380
قال تعالى:{ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 4]
{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} ما جمع قلبين في جوف رد لما زعمت العرب من ان اللبيب الاريب له قلبان.
في المجمع نزلت في ابي معمر حميد بن معمر بن حبيب الفهري وكان لبيبا حافظا لما يسمع وكان يقول ان في جوفي لقلبين اعقل بكل واحد منهما افضل من عقل محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وكانت قريش تسميه ذا القلبين فلما كان يوم بدر وهزم المشركون وفيهم أبو معمر يلقاه أبو سفيان بن حرب وهو اخذ بيده احدى نعليه والاخرى في رجله فقال له يا ابا معمر ما حال الناس قال انهزموا قال فما بالك احدى نعليك في يدك والاخرى في رجلك فقال أبو معمر ما شعرت الا انهما في رجلي فعرفوا يومئذ انه لم يكن له الا قلب واحد لما نسي نعله في يده.
والقمي عن الباقر (عليه السلام) قال قال علي بن ابي طالب (عليه السلام) لا يجتمع حبنا وحب عدونا في جوف انسان ان الله لم يجعل لرجل قلبين في جوفه فيحب بهذا ويبغض بهذا فأما محبنا فيخلص الحب لنا كما يخلص الذهب بالنار لا كدر فيه فمن اراد أن يعلم حبنا فليمتحن قلبه فان شارك في حبنا حب عدونا فليس منا ولسنا منه والله عدوهم وجبرئيل وميكائيل والله عدو للكافرين.
وفي الامالي ما يقرب منه.
وفي المجمع عن الصادق (عليه السلام) ما جعل الله لرجل من قلبين يحب بهذا قوما ويحب بهذا اعداءهم.
وفي مصباح الشريعة عنه (عليه السلام) فمن كان قلبه متعلقا في صلاته بشيء دون الله فهو قريب من ذلك الشيء بعيد عن حقيقة ما اراد الله منه في صلاته ثم تلا هذه الآية { مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي} وقريء بالياء وحده بدون همزة تظاهرون منهن وقريء بضم التاء وتشديد الظاء وبحذف الالف وتشديد الظاء والهاء امهاتكم[1] وما جمع الزوجية والامومة في امرأة رد لما زعمت العرب ان من قال لزوجته انت عليّ كظهر امي صارت زوجته كالام له ويأتي تمام الكلام فيه في سورة المجادلة ان شاء الله وما جعل ادعيائكم ابنائكم وما جمع الدعوة والبنوة في رجل رد لما زعمت العرب إن
دعي الرجل ابنه ولذلك كانوا يقولون لزيد بن حارثة الكلبي عتيق رسول الله ابن محمد (صلى الله عليه واله وسلم).
القمي عن الصادق (عليه السلام) قال كان سبب ذلك أن رسول الله لما تزوج خديجة بنت خويلد خرج إلى سوق عكاظ في تجارة لها ورأى زيدا يباع ورآه غلاما كيسا حصيفا فاشتراه فلما نبئ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) دعاه إلى الأسلام فأسلم وكان يدعى زيد مولى محمد (صلى الله عليه واله وسلم) فلما بلغ حارثة بن شراحيل الكلبي خبر ولده زيد قدم مكة وكان رجلا جليلا فأتى أبا طالب فقال يا أبا طالب إن ابني وقع عليه السبي وبلغني أنه صار إلى ابن أخيك نسأله إما أن يبيعه وإما أن يفاديه وإما أن يعتقه فكلم أبو طالب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) هو حر فليذهب حيث شاء فقام حارثة فأخذ بيد زيد فقال له يا بني إلحق بشرفك وحسبك فقال زيد لست افارق رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أبدا فقال له أبوه فتدع حسبك ونسبك وتكون عبدا لقريش فقال زيد لست افارق رسول الله ما دمت حيا.
فغضب أبوه وقال يا معشر قريش اشهدوا إني قد برئت منه وليس هو ابني فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) اشهدوا أن زيدا ابني أرثه ويرثني فكان يدعى زيد ابن محمد وكان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يحبه وسماه زيد الحب فلما هاجر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) إلى المدينة زوجه زينب بنت جحش وأبطأ عنه يوما فأتى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) منزله يسأله عنه فإذا زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيبا بفهر لها فدفع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) الباب فنظر إليها وكانت جميلة حسنة فقال سبحان الله خالق النور وتبارك الله أحسن الخالقين ثم رجع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) إلى منزله ووقعت زينب في قلبه موقعا عجيبا وجاء زيد إلى منزله فأخبرته زينب بما قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فقال لها زيد هل لك أن اطلقك حتى يتزوجك رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فلعلك قد وقعت في قلبه فقالت أخشى أن تطلقني ولا يتزوجني رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فجاء زيد إلى رسول الله فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله أخبرتني زينب بكذا وكذا فهل لك أن اطلقها حتى تتزوجها فقال له رسول الله
(صلى الله عليه واله وسلم) لا إذهب واتق الله وأمسك عليك زوجك ثم حكى الله عز وجل فقال أمسك عليك زوجك واتق الله وتُخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشيه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها إلى قوله وكان أمر الله مفعولا فزوجه الله تعالى من فوق عرشه فقال المنافقون يحرم علينا نساء أبنائنا ويتزوج إمرأة ابنه زيد فأنزل الله عز وجل في هذا وما جعل أدعياءكم أبناءكم إلى قوله يهدى السبيل.
أقول: وتأتي قصة تزويج زينب من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) بنحو آخر في هذه السورة إن شاء الله ذلكم قولكم بأفواهكم لا حقيقة له كقول من يهذي والله يقول الحق ما له وهو يهدي السبيل سبيل الحق.
[1] يقال : ظاهر من امرأته وتظاهر وتظهر : وهو ان يقول لها « انت عليّ كظهر امي » وكانت العرب تطلق نساءها في الجاهلية بهذا اللفظ فلما جاء الإسلام نهى عنه وأوجب عليه الكفارة.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة