التوغل السلجوقي في بلاد الشام (أتسز يضم دمشق)
المؤلف:
أ.د. محمد سهيل طقوش
المصدر:
تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق
الجزء والصفحة:
ص 126 ــ 128
2025-09-14
349
بعد أن ثبت السلطان ملكشاه أقدامه في الحكم، واطمأن على سلامة سلطته، التفت إلى بلاد الشام لإحياء مشروع والده بالسيطرة على هذه البلاد، والتمدد إلى لضمها إلى الأملاك السلجوقية بعد القضاء على الدولة الفاطمية، فجدد تكليف أتسز بضم جنوبي بلاد الشام إلى الأملاك السلجوقية وأرسل إليه قوة عسكرية قوامها ثلاثة آلاف مقاتل بقيادة يوسف الخوارزمي (1).
وفي عام (467 هـ / 1075م) تمكن شكلي بن أوق، أخو أتسز، من ضم عكا بعد حصار، وكان بدر الجمالي قد غادرها إلى القاهرة بناء لاستدعاء الفاطميين وترك فيها أهله وأكثر أمواله وذخائره فحاز شكلي على جميع ما تركه، وأسر زوجته مع ابن له وابنة، فتزوج الابنة واستقل بعكا (2).
أزعج هذا الانتصار أتسز الذي عُدَّ متقدماً على جميع العناصر التركية في بلاد الشام، فحرص على المحافظة على مركزه وزعامته فتحرك ضده، وعمد شكلي إلى تقوية استحكامات عكا لمواجهة ما قد يقوم به أتسز من محاولات لانتزاعها منه، فحصن أسوارها وصاهر حاكم دمشق الفاطمي حيدرة بن المعلى بن منزو الكتامي، كما اتصل بزعماء قبيلة كلب وتحالف معهم مكوناً حلفاً يقف في وجه اللقاء أتسز. وجرى بین الأخوين في الساحل في رمضان ( 467 هـ / نيسان 1075م)، وأسفر عن انتصار أتسز، وتراجع شكلي إلى رفنية من أعمال طرابلس، ولم يطارده أتسز، بل توجه إلى دمشق للاستيلاء عليها ومن ثم عاد إلى بيت القدس (3).
لم ييأس شكلي من تحقيق انتصار على أخيه أتسز، فجدد جهوده لتشكيل حلف ضده مع ابن لقتلمش بن إسرائيل بن سجلوق وهو أحد الأمراء الأتراك في آسيا الصغرى فكتب إليه يستنجد به ويحثه على مهاجمة بلاد الشام ووعده بالانضمام إليه، والمعروف أن العلاقة بين البيتين التركيين السلجوقيين في إيران والعراق من جهة والأناضول من جهة أخرى كانت متوترة بفعل قضاء السلطان ألب أرسلان على ابن عمه شهاب الدولة قُتْلُمُش في مطلع عام (456هـ / 1064م)، ولهذا لم يكن مستغرباً أن يلتمس شكلي مساعدة سلاجقة الأناضول، كما لم يكن مستغرباً بالمقابل أن يستجيب هؤلاء للدعوة كيداً بأولاد عمهم.
واجتمع الأمير السلجوقي بشكلي عند رفنية للتنسيق ثم غادراها إلى طبرية عن طريق بعلبك وسهل البقاع، وأظهرا الطاعة للفاطميين في محاولة لاستقطابهم، وفعلاً مال هؤلاء إليهما ووعدوهما بالمساعدة، واصطدم بهما أتسز خارج بيت المقدس وانتصر عليهما، فقتل شكلي وولده صبراً بين يديه وأسر ابن قتلُمُش وأخاً صغيراً له وابن عمه (4).
ووصلت إلى أتسز في غضون ذلك القوة السلجوقية التي أرسلها إليه السلطان ملكشاه، فتقوى بها، واستعد لمهاجمة دمشق، والواقع أنه كان يغير عليها باستمرار عند نضوج المحاصيل الزراعية فيتقوَّى بها على حساب أهل المدينة والحامية الفاطمية، وذلك بهدف إضعافها، لكن المدينة صمدت أمام هجماته على الرغم مما ضائقة للسكان (5).
من كان الوضع الداخلي في دمشق مضطرباً، فقد اتصف الوالي الفاطمي، معلى بن حيدرة بن منزو الكتامي، بالظلم والقسوة (6)، فثار عليه الجند والرعية وأجبروه على مغادرة المدينة، فذهب إلى بانياس في عام (467هـ/ 1075م) ومنها إلى صور، ثم أُخِذَ إلى القاهرة وسُجن فيها، وولى أهل دمشق عليهم انتصار بن يحيى المعروف برزين الدولة (7)، إلا أنه لم يستطع ضبط الأمور بسبب معارضة بعض السكان، وبعض فئات من الجند الفاطمي له.
استغل أتسز هذه الأوضاع القلقة، فحاصر دمشق وضيق على سكانها حتى فقدت الأقوات، واضطروا إلى تسليمها له بالأمان، فدخلها في (21 ذي القعدة 468هـ/ 26 حزيران 1076م)، وأقيمت الخطبة فيها للخليفة العباسي المقتدي وقطعت للمستنصر الفاطمي، ومنع الأذان بـ «حي على خير العمل بعد أن كان يُؤذِّن به على منابر دمشق وسائر بلاد الشام مائة وستة أعوام، وتلقب أتسز بلقب الملك المعظم م (8) ، وأضحى سيد بلاد الشام تقريباً، فامتد نفوذه ما بين حمص حتى أقصى فلسطين باستثناء الساحل ؛ لأن الفاطميين كانوا يسيطرون على المنطقة بين طرابلس حتى عسقلان ودعاه المؤرخون والناس بصاحب الشام، وأخذ يمارس سلطانه باسم السلاجقة حيث بدأت تتشكل ملامح دولة السلاجقة في بلاد الشام(9).
................................................................
(1) العظيمي: ص 348
(2) ابن میسر، محمد بن علي بن يوسف بن جلب أخبار مصر ص3 الجزء الثاني باعتناء هنري ماسيه المعهد العلمي الفرنسي، القاهرة 1919م. ابن العديم بغية الطلب سيرة أتسز بن أوق، ملحق بكتاب مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية لسهيل زكار ص 265.
(3) سبط ابن الجوزي: ص 171 - 175.
(4) المصدر نفسه.
(5) ابن القلانسي: ص 167. ابن الأثير: جـ 8 ص 256.
(6) ابن القلانسي: ص 161.
(7) المصدر نفسه ص 174.
(8) المصدر نفسه: ص 175 ابن الأثير: جـ 8 ص 256، 257 ابن العديم: زبدة الحلب: ج1
ص282.
(9) ضامن: ص 100.
الاكثر قراءة في التاريخ
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة