العلاقـة بيـن الاقتـصاد والمـوارد
المؤلف:
د . حمد بن محمد آل الشيخ
المصدر:
اقتصاديات الموارد الطبيعية والبيئة
الجزء والصفحة:
ص18 - 24
2025-08-15
434
4-1 العلاقة بين الاقتصاد والموارد:
تعد النظرية الاقتصادية أحد الأطر القوية لفهم سلوك المستهلك والمنتج لاستخدام الموارد بأنواعها بطريقة منطقية، كما يمكن عن طريقها معرفة مستويات الاستخدام المثلى لهذه الموارد بما يعكس أمثلية اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى، ويحقق الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية للأجيال الحالية والقادمة. ويوضح تعريف الاقتصاد وتعريف الموارد الاقتصادية العلاقة النظرية والعملية بين الاقتصاد والموارد.
1-4-1 الموارد الاقتصادية والاقتصاد:
يعرف الاقتصاد أحياناً بأنه علم تخصيص أو توزيع الموارد المحدودة بين الأغراض والاحتياجات المتعددة. والمقصود بالموارد هنا كل الموارد بمعناها العريض (أي: كل مدخلات الإنتاج).
ولذلك فإن كفاءة استخدام المنتجات الاقتصادية أو المورد الاقتصادي من خلال معناه أو تعريفه العريض الشامل لكل مدخلات الإنتاج في أي منشأة هي تحقيق شرط التوازن التالي:
السعر = التكلفة الحدية (1-1)
P = MC
ويمكن توضيح الشرط السابق بيانياً في الشكل (1-1)، حيث إن السعر يساوي التكلفة الحدية وهو شرط توازن المنشأة التي تعمل في سوق المنافسة التامة. وكما سنرى لاحقاً فإن هذا الشرط التوازني لا ينطبق على الموارد الطبيعية وإن قواعد التوازن الاقتصادي في أسواق الاحتكار أو المنافسة التامة تختلف في الموارد الطبيعية عنها في السلع العادية.

وفي هذا الكتاب سندرس الموارد الطبيعية Natural Resources فقط أي: ما كان منها طبيعياً أو ذا أصل من الطبيعية وبشكل مباشر، وليس الموارد أو المنتجات التي هي من إنتاج الإنسان، ولكن الإنسان يستخدمها كمدخلات للإنتاج، وهو بذلك السلوك يؤدي إلى انخفاضها أو إلى نضوبها ولأن الموارد كلمة عامة تشتمل على أشياء عديدة بحسب زاوية النظر إليها فهي تشمل في معناها العريض المواد الخام والأرض والآلات والمباني والمطارات والثروة البشرية وغيرها، فلابد من تعريف وتصنيف وتوصيف أكثر دقة للموارد الاقتصادية في معناها العريض، ومن ثم تعريف الموارد الطبيعية لتوضيح المقصود منها في مجال اقتصاديات الموارد والبيئة.
2-4-1 الموارد الاقتصادية والطبيعية:
يعرف بول ساملسون (1989م) الموارد الاقتصادية أو عناصر الإنتاج بأنها كل ما يحقق منفعة مباشرة أو غير مباشرة للإنسان ويكون مرتبطاً بقيمة. ويعرف محمد حامد عبد الله(1991م) الموارد الاقتصادية بأنها كل ما يستخدمه الإنسان (بما في ذلك الإنسان نفسه) لتحقيق منفعة أو لإشباع رغبة معينة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وأنها ترتبط دائماً بقيمة معينة أو ثمن محدد. ويصنف كثير من الاقتصاديين الموارد الاقتصادية أو كما يطلق عليها أحياناً عناصر الإنتاج بأنها العمل، ورأس المال والأرض (أو الموارد الطبيعية). حيث تمثل الأرض أو البيئة الطبيعية المحيطة بالأرض مورداً وعنصراً مهماً من عناصر الإنتاج حيث يمثل العمل L كعنصر إنتاج - كل جهد بدني أو ذهني يقوم به الإنسان في أي عملية إنتاجية، بينما يمثل رأس المال K - كعنصر إنتاج - كل ما ينتجه الإنسان من أجل استخدامه في العملية الإنتاجية، بما في ذلك الآلات والمصانع والعدد والأدوات وغيرها. وعليه فإن عناصر الإنتاج هي ذلك الجزء من الموارد الاقتصادية الذي تم رصده للإسهام في عمليات إنتاج السلع والخدمات المختلفة لإشباع رغبات واحتياجات المجتمع؛ أي إن عناصر الإنتاج هي الجزء المستغل من الموارد الاقتصادية في العمليات الإنتاجية. من جهة أخرى يعرف راندل (1987م) الموارد الطبيعية بأنها الأشياء المفيدة ذات القيمة في الحالة التي نجدها عليها، وهي بذلك مادة خام لم يتم تعديلها. وبذلك، فقد تكون مدخلاً في عملية إنتاجية لمنتج ذي قيمة، أو قد تستهلك بشكل مباشر. وبذلك، فإن الموارد التي لم تعرف بعد أو التي لم يوجد أو يعرف لها استخدام اقتصادي لا تعد مورداً. كما أن الموارد المفيدة في استخدامها – ولكنها موجودة بكميات كبيرة جداً مقارنة بالطلب القائم عليها مما يجعل قيمتها مجانية – لا تعد مورداً.
كما يعرف جوزيف ستيجلينز (1979م) المورد الطبيعي بأنه المورد الموجود في الطبيعة ولم يُنتج من قبل الإنسان. ويفرق ستيجلينز بين الموارد كما يأتي:
(أ) الموارد الطبيعية القابلة للنضوب Exhaustible Natural Resources مثل النفط.
(ب) الموارد الطبيعية القابلة للإكثار Augmentable Natural Resources مثل الأسماك.
(ت) الموارد الطبيعية التي لا تنضب ولكنها غير قابلة للإكثار Inexhaustible But Non-augmentable Resources مثل الأراضي والمد والجزر والشمس.
(ت) الموارد القابلة لإعادة الاستخدام (التدوير) Recyclable Resources كالمعادن.
كما يعرف مندور ونعمة الله (1995م) الموارد الطبيعية بأنها ما يقوم الإنسان به بإدراك وتقييم منفعته من البيئة، وإعداده للدخول في دائرة الاستغلال الاقتصادي بغرض إشباع حاجة معينة أو تلبية مطلب معين.
أما في هذا الكتاب، فسنستخدم تعريفين عريضين للموارد الطبيعية من حيث عمرها الزمني، هما:
(أ) الموارد الطبيعية غير المتجددة أو القابلة للنضوب Non-renewable Resources أو Exhaustible Resources أو Deplatable Resources مثل النفط والمعادن أو تكوينات المياه الجوفية غير المتجددة.
(ب) الموارد الطبيعية المتجددة أو القابلة للإكثار أو النمو Renewable Resources مثل الأسماك أو الغابات أو المراعي أو قطعان الماشية أو الطيور، أو المياه المتجددة التي تكثر بالتعويض أو الإمداد والتي قد تنضب متى ما تجاوز مستوى استخدامها أو استهلاكها مستوى التعويض والتفريق بين الموارد القابلة للنضوب والمتجددة غير محدد أو دقيق، لأن الموارد القابلة للنضوب تتجدد ويستمر تكوينها أو اكتشاف الجديد منها ولكن بشكل بطيء وتستغرق زمناً جيولوجياً لا يدخل في المدى الزمني التخطيطي الاقتصادي؛ كما أن الموارد المتجددة قد تتحول إلى موارد قابلة للنضوب متى ما تم استخراجها أو استهلاكها بمستوى أو معدل أعلى من معدل نموها أو تكاثرها.
3-4-1 الموارد والندرة
تعد الموارد غير نادرة إذا كانت متوفرة بحيث يمكن الحصول عليها مجاناً؛ أي إن سعر شراء المورد يساوي صفراً 0 = P، وهو ما يعني أن عرض المورد لا يتأثر بالطلب منه؛ وعليه فإن هذه الموارد لا تدخل ضمن الموارد الاقتصادية. ولكن هذه الموارد إذا زاد الطلب عليها عن عرضها نتيجة لأي تغيرات اقتصادية أو تقنية، فإن سعر شرائها يكون أكبر من الصفر 0 > P وعليه فإن هذه الموارد تصبح اقتصادية؛ لأنها في هذه الحالة تتصف بخاصية الندرة Scarcity، وتعتبر الندرة أهم صفة تميز الموارد وتجعلها اقتصادية والندرة ببساطة هي توفر الموارد بكميات محدودة.
والندرة في الموارد المتاحة تجعل الاختيار بين البدائل والبحث عن أفضل بديل أمر محتم، حيث إن علم الاقتصاد يسمى بعلم الاختيار أو التفضيل، والتحليل الاقتصادي يتطلب وجود نظام أسعار يمثل قيم السلع والخدمات للتمكن من المقارنة بين الاختيارات أو البدائل المتاحة وللتفريق بين التوزيع الأمثل من التوزيع السيئ للموارد بين هذه الاختبارات.
وتعتبر الأسواق بما فيها من قوى عرض وطلب وآليات توازن هي الإطار الذي يتم من خلالها توزيع الموارد المتاحة في ظل خاصية الندرة سواء أكانت هذه الموارد تخضع لآليات السوق كالسلع والخدمات العادية أو كانت لا تخضع لآليات السوق مثل بعض الموارد البيئية والطبيعية بشكل عام.
وبصرف النظر فإن خاصية الندرة تجعل لكل قرار تخصيص أو توزيع لمورد ما تكلفة فرصة بديلة أخرى إذا تم استغلاله في مجال آخر أو في وقت آخر، بمعنى أن استغلال هذا المورد قد يعطي قيمة أفضل أو عائداً اجتماعياً قد يكون أكبر. ومن هذه الخاصية للموارد - وهي ندرتها ومحدوديتها - تتحدد أسعار الموارد وتكاليفها وتوزيعاتها والكميات التي يمكن أن تستغل منها حسب مجالات ووقت استغلالها. ومن هنا تأتي أهمية ودور الرشد الاقتصادي حيال هذه الاختيارات، فقد يكون هناك اختيارات متعددة لتوزيع موارد ما بين استغلالات متعددة، ويؤدي الاختيار الصحيح الراشد اقتصادياً إلى تحقيق منافع متدفقة تتجاوز قيمة تكلفة الفرصة البديلة.
ومن الجدير بالذكر أن كل المجتمعات تواجه مشكلة في اتخاذ القرارات بسبب ندرة ومحدودية الموارد لديها. من أمثلة هذه القرارات؛ إقرار الميزانية الحكومية للقطاعات، وتوزيع الأراضي، وتوزيع المياه الجوفية بين القطاعات والمناطق والأجيال وغيرها وهكذا بالنسبة للأفراد، فهل ينفق الفرد كامل دخله المحدود ؟ أم هل يدخر بعضه وعلى أي السلع والخدمات ينفقه؟
ومن الناحية الاقتصادية فإن أي قرار متخذ في هذه الأطر يكون قراراً مثالياً إذا كانت العوائد أو المنافع من اختياره تزيد على تكلفة الفرصة البديلة. إلا أن اختلاف نظم التقييم للمنافع والتكاليف سيؤدي إلى اختلاف في ترتيب الاختيارات المتاحة لأي مجتمع، ويوضح الشكل (21) العلاقة بين سعر ندرة المورد وكمية الموارد المتاحة، إذ كلما زادت محدودية المورد زادت ندرته مما يؤدي إلى زيادة سعره الاقتصادي.

ويمكن إجمالاً توضيح تأثير مفهوم الندرة الاقتصادية كمفهوم اقتصادي على الموارد الطبيعية فيما يلي:
1. أن الموارد التي لم يكن لها ثمن قيمة تدفع في الماضي أصبح لها ثمن مع تزايد ندرتها النسبية.
2. أن الندرة النسبية في الموارد تؤثر على أفضلية توزيع الموارد.
3. أن زيادة استنزاف الموارد يؤدي إلى ارتفاع التكاليف الحدية والمتوسطة لاستخراجها واستغلالها.
4. أن الموارد القابلة للنضوب لها خاصية التداخل الزمني والمكاني في الاستخدام عبر الزمن. فرفاهية المجتمع مستقبلاً تعتمد على طريقة وامثلية استغلال الموارد بشكل مدروس حالياً؛ لأنه من الصعب في المستقبل إعادة الموارد إلى ما كانت عليه في الماضي، حيث سيؤثر ذلك على رفاهية الأجيال القادمة، وهو ما يسمى بالتداخل الزمني بين الأجيال. كما أن وجود مورد يمتد مجال استخراجه عبر الحدود الجغرافية بين بلدين، يؤدي إلى تداخل دولي في المصالح والمنافع من هذه الموارد بين الدولتين أو أكثر عبر الحدود الجغرافية.
الاكثر قراءة في ألانظمة الاقتصادية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة