كان لوط بن هاران بن تارخ من أقارب إبراهيم الخليل عليه السلام.
فقد قيل بأنه ابن أخيه.
وقيل بأنه كان ابن خالته وإن سارة زوجة إبراهيم عليه السلام كانت أخته.
وكان لوط عليه السلام من كلدان في أرض بابل ومن السابقين الأولين ممن آمن بإبراهيم عليه السلام.
فنجاه الله مع إبراهيم عليه السلام إلى الأرض المقدسة إلى فلسطين.
فنزل في بعض قراها وتدعى سدوم
وتزوج لوط عليه السلام من أهل هذه القرية واستقر بها.
وراح يزاول حياته.
وكان أهل هذه القرية وما حولها يعبدون الأصنام.
وقيل بأنها هي التي سماها الله تعالى في القرآن الكريم باسم المؤتفكات.
ويروى أنهم كانوا أشحاء على الطعام وسبب ذلك أن قراهم كانت على طريق السيارة فكانوا ينزلون عندهم فيضيفونهم فلما كثر ذلك عليهم ضاقوا به ذرعا بخلا ولؤما ففكروا في حيلة يتخلصون بها من الضيوف السيارة.
وكان إبليس خير معين لهم في اكتشاف هذه الحيلة الرهيبة
وكانت حيلة قوم (لوط) الشيطانية لدفع الضيوف عنهم بخلا وشحا أنهم كانوا إذا نزل بهم الضيف فضحوه من غير شهوة بهم[1].
فشاع أمرهم في القرى والبلاد حتى أخذ المارة يتحاشون الاقتراب منها.
وبذلك تخلصوا من الضيوف..
ولكن الداء الوبيل كان قد تمكن منهم.
حتى أنه فشا بينهم فكانوا يأتون في واديهم المنكر والفاحشة بلا مبالاة.
وكان داؤهم أنهم يأتون الرجال شهوة من دون النساء وعندما كانت تضيق عليهم الأمور فانهم كانوا يخرجون إلى الطرق القريبة والبعيدة فيقطعون السبيل ويغتصبون السيارة.
ووصل الحال بهم إلى أنهم لا يستطيعون دفع هذا البلاء عن أنفسهم.
لدرجة أنهم صاروا يطلبونه من الرجال ويعطونهم عليه الجعل والمال..
ومع تفاقم الأمور وتدهور الأوضاع ...
فان الله تعالى أرسل إليهم نبيه لوطا عليه السلام.
فذهب إليهم لوط عليه السلام وقال لهم مستنكرا فعالهم: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 80]
ولامهم على هذا المنكر محذرا: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [الأعراف: 81]
فسخروا منه واستهزأوا به وصموا آذانهم عن سماع القول الحق وهددوه بالرجم
ولم يكن في تلك البلاد كلها سوى بيت واحد من المؤمنين.
فتآمر قوم لوط على نبي الله وعلى المؤمنين وقالوا: {أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف: 82] بل إنهم هددوا نبيهم قائلين: لئن لم تنته يا لوط، لتكونن من المخرجين ولكن لوطا عليه السلام لم يأبه بتهديدهم فاستمر يدعوهم إلى سبيل الله وملازمة سنة الفطرة وترك الفحشاء ولبث في دعوتهم ثلاثين عاما.
بينما هم يصرون على عمل الخبائث حتى استقر بهم الطغيان وفشت بينهم الفحشاء.
حيث ازدادت الأحوال سوءا فاكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء وبذلك استوجبوا غضب الجبار فحق عليهم العذاب الأليم...
وفي يوم من الأيام كان لوط عليه السلام في حقله يسقي زرعه.
فمر به أربعة نفر بدا أنهم غرباء وسلموا على لوط عليه السلام فرد عليهم السلام.
ولكن لوطا عليه السلام أجفل عندما طلبوا منه الضيافة ولما كان لوط عليه السلام رجلا سخيا وكريما ونبيلا فانه لم يشأ أن يبخل عليهم بضيافته.
غير أنه كان يخشى قومه على ضيفه.
فقال للرجال الأربعة: إن أهل هذه القرية قوم سوء، لعنهم الله، فهم ينكحون الرجال، ويسلبون الأموال فقالوا: لقد أبطأنا، فضيفنا..
وأمام هذا الاصرار فان لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصیب وعاد لوط عليه السلام بضيوفه إلى داره في تلك القرية الظالمة.
وطلب من زوجته أن تعد لهم طعاما وناشدها كتمان أمرهم.
ولكن خبر الرجال كان قد طار في القرية.
فجاء قوم لوط يهرعون إليه.
فاصطفوا على الباب وقالو: يا لوط { قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ} [الحجر: 70]؟ وطلبوا منه أن يتخلى عن ضيوفه ويسلمهم إليهم ليقضوا منهم وطرهم
فامتنع لوط عليه السلام وقال لهم: {قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ } [هود: 78]
فقال قومه: { قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } [هود: 79] فما زال لوط عليه السلام يرفض طلبهم ويذب عن ضيفه.
فحطموا باب داره وهاجموه وراودوه عن ضيفه ولم تكن للوط عليه السلام عشيرة يمتنع بها أو عصبة تصدهم عنه.
فقال لهم متحسرا وقد يئس منهم: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] ولكنهم تدافعوا نحوه، وطرحوه أرضا..
وفي تلك اللحظة الحاسمة...
خاطب الضيوف لوطا عليه السلام وقالوا: {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} [هود: 81] فقذفهم جبرائيل عليه السلام بكف من البطحاء وضرب بها وجوههم فشاهت وجوههم وطمست عيونهم فخرجوا يتخبطون وقد ولوا الأدبار
وأخبر الملائكة لوطا عليه السلام بأنهم قادمون لعذاب قومه الذي كثيرا ما استعجلوه
به وإنه لعذاب غير مردود.
وتحقق لوط عليه السلام من موعده...
فقالوا: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود: 81]
ثم قالوا للوط عليه السلام: {فأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} [هود: 81] وأخبروه بأنهم سيهلكون القوم مصبحين وخرج لوط عليه السلام بمن كان في القرية من المؤمنين.
ولم يكونوا سوى بيت واحد...
واقترب الوعد الحق وأصبح الصباح.
وجاء أمر الله.
فجعل عاليها سافلها..
وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 83] {فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ} [النمل: 69]
{وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ} [الأنبياء: 74]
{وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [الأنبياء: 75].
[1] علل الشرائع، ج 2، ص: 548
الاكثر قراءة في قصة النبي لوط وقومه
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة