التحديـات الأساسيـة التـي تـواجـه الصيـن فـي أفـريقـيا
المؤلف:
د . فريد النجـار
المصدر:
الحروب التجارية المعاصرة
الجزء والصفحة:
ص279 - 282
2025-07-24
323
2- التحديات الأساسية التي تواجه الصين في أفريقيا:
تبدو الصين دولة جذابة بالنسبة للكثير من الأفارقة، وقد خلق واقع الانتشار الصيني في القارة مجموعة من الفرص التي تساعد الصين على زيادة تعاونها مع القارة الإفريقية، وساعد على ذلك عدم وجود شروط سياسية والتأييد الإفريقي للصين في المحافل الدولية، علاوة على ملائمة المنتجات الصينية ذات الجودة العالية والسعر المناسب للمواطن الإفريقي، ومنها منتجات كان يتعذر الحصول عليها من الدول الأوروبية.
ومع ذلك ثمة تحديات عديدة تواجه تنامى الدول الصيني في إفريقيا:
ومن أبرزها:
1- الأزمة المالية العالمية وإمكانية تأثيرها على حجم المساعدات الصينية المقدمة لإفريقيا، وإن كان الرئيس الصيني حرص خلال زيارته الأخيرة للقارة على التأكيد على أن الأزمة لن تؤثر على حجم المساعدات.
2- الآثار السلبية التي يتركها هذا الغزو التجاري الصيني على بعض المنتجات الإفريقية مثل المنسوجات، فعلى سبيل المثال ازدادت صادرات المنسوجات الصينية لجنوب إفريقيا من %40 إلى %80 في عام 2004، الأمر الذي أدى إلى تدهور قطاع النسيج في جنوب افريقيا أمام المنتجات الصينية، ما نتج عنه تسريح ما يقرب من 75 ألف عامل.
3 ـ إن الدعم الصيني مرهون بعلاقة الصين مع الدول الأخرى خاصة الدول الكبرى فالصين لن تضحى بسهولة بهذه العلاقة، وإنما تعمل على إحداث نوع من التوازن بين علاقاتها بالدول الأفريقية من ناحية، وبين هذه الدول الكبرى من ناحية ثانية. وأبرز مثال على ذلك امتناع الصين عن التصويت ضد قرار مجلس الأمن رقم 1593، الصادر في 31 مارس 2005، بشأن تحويل ملف دارفور للمحكمة الجنائية الدولية استناداً للفصل السابع من الميثاق. وساهم هذا القرار في إحداث الأزمة الراهنة بين السودان والمجتمع الدولي، خاصة بعد صدور قرار اعتقال البشير (مارس 2009)، بالرغم من أنه كان من الممكن أن تستخدم الصين حق الفيتو.
4 ـ المنافسة من قبل الدول الكبرى مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، وكذلك بعض القوى الآسيوية الهامة مثل اليابان، والهند، وماليزيا، وإيران وغيرها، خاصة وأن هذه الدول تدخل إفريقيا من نفس المدخل.
5- توظيف الصين، ولو بدرجة اقل للعلاقات الاقتصادية مع إفريقيا لتحقيق أهداف سياسية، كما حدث في الفترة من الخمسينات وحتى السبعينات، وذلك إما للحصول على الاعتراف بها كممثل للشعب الصيني بدلاً من حكومة فرموزا في الجمعية العامة ومجلس الأمن، أو لتحقيق أهداف سياسية في بعض الحالات الأخرى (حالة تشاد). هذا الابتزاز الصيني المحدود قد لا يحظى بقبول بعض النظم الأفريقية التي قد تبحث في هذه الحالة عن بديل ثالث للدول الكبرى والصين.
6- عدم وجود خطوط اتصال مباشرة سواء جوية أو بحرية بين الصين وبعض الدول الإفريقية.
وأخيراً يمكن القول ان سياسة الصين في إفريقيا تتسم بثلاث خصائص رئيسية الأولى: أنها تسير وفق استراتيجية مدروسة بدقة، تسعى لتحقيق الأهداف الصينية خلال ثلاث سنوات تنتهي هذا لعام 2009، وهو ما أكد عليه الرئيس الصيني خلال زيارته الأخيرة لإفريقيا. ولا شك أن هذا سيضفي المزيد من المصداقية على السعي الصيني ويدفع الأفارقة للهرولة، وربما يظهر هذا الأمر بوضوح خلال الدورة الرابعة للمنتدى التي ستستضيفها القاهرة في نوفمبر القادم.
أما الخاصية الثانية: فهي حرص الصين على الجمع بين القول والعمل، أو بمعنى آخر تفادي الوعود البراقة التي تقدمها الدول العربية لهذه الدول منذ حصولها على الاستقلال أوائل الستينات. ذلك فهي حريصة على تنفيذ استراتيجية الشراكة مع إفريقيا بكل جد واجتهاد بالرغم من عدم وجود ضغوط عليها. وتدرك بكين أن هذا الالتزام هو الذي سيوفر لها كل ما تحتاجه من إفريقيا، سواء من النفط أو غيره من الموارد، بأفضل شروط في ظل المنافسة الشرسة السابق الإشارة إليها.
وتتمثل الخاصية الثالثة : في أن السياسة الصينية لا تقتصر فقط على الأبعاد الاقتصادية أو السياسية، بل يتعداها ليشمل أبعاداً أخرى، وتصب في هذا الاتجاه زيارة الرئيس الصيني الأخيرة لأربع دول ليست قوية اقتصادية، بل ربما تكون هذه الزيارة متعمدة للتأكيد على الأبعاد الأخرى للعلاقة مع دول القارة الإفريقية بخلاف الأبعاد السياسية، وإن كانت زيارة السنغال تحديداً لها مغزى خاص بسبب رئاسة السنغال لمنظمة المؤتمر الإسلامي من ناحية، ولكون السنغال حتى وقت قريبة من ضمن الدول الإفريقية التي كانت تعترف بتايوان.
الخلاصة إذن أن الصين تعد بديلاً مقبولاً للأفارقة مقارنة بالدول الاستعمارية الكبرى، ومن المتوقع أن تنمو العلاقات بين البلدين نتيجة لتراجع العلاقات بين إفريقيا وهذه الدول الكبرى من ناحية، وسعي الأفارقة لتفعيل مبادرة الشراكة من أجل التنمية (نیباد)، التي تستهدف البحث عن قوى بديلة للقوى الاستعمارية السابقة من ناحية ثانية، والبحث عن موارد لتمويل المشروعات الإفريقية وكذلك الأسواق اللازمة لتصريف هذه المنتجات من ناحية ثالثة. ومع ذلك يبدو أن العقبة الرئيسية أمام الصين ستتمثل في الدول الآسيوية الصاعدة بسرعة كبيرة والراغبة في التغلغل داخل افريقيا، والتي من أبرزها الهند ، ويمكن أن يكون هذا التنافس في صالح الأفارقة اللهم إلا إذا حدث اتفاق بين هذه الدول وبعضها البعض على استغلال القارة.
وفي ظل هذا التنافس المحموم على إفريقيا يتساءل الكثيرون ونحن منهم أين الدول العربية؟ ولماذا عجلة الساعة متوقفة عند عام 1977، وهو العام الذي شهد أول وآخر قمة عربية إفريقية.. أليس بإمكان العرب أن يكونوا بديلا مفضلا للأفارقة مقارنة بالبديل الأوروبي أو حتى الآسيوي الأصفر؟
الاكثر قراءة في التكتلات والنمو والتنمية الأقتصادية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة