حـروب التـجـارة .... المنتصـر مـن يـدفـع أكـثر؟
المؤلف:
د . فريد النجـار
المصدر:
الحروب التجارية المعاصرة
الجزء والصفحة:
ص264 - 267
2025-07-24
235
5 ـ حروب التجارة ... المنتصر من يدفع أكثر؟
في كانون الثاني من عام 1995، بدأت منظمة التجارة العالمية عملها حارسة وراعية لانسياب السلع والخدمات بيسر وسهولة بين دول العالم، وبعد جولات متعددة من المفاوضات والاتفاقات الملزمة لجميع الأعضاء، وضعت القوانين والنصوص التي تلزم الأعضاء بفتح أسواقها أمام السلع المتدفقة إليها بتعرفة جمركية تخفض تدريجيا وإزالة القيود الكمية عبر مفاوضات متعددة الأطراف، ووقع أيضاً الاتفاق الخاص بالقواعد التي تحكم النزاعات التجارية التي تنشأ في معرض تطبيق بنود بقية الاتفاقيات، وبحكم الحجم الهائل للتجارة الأمريكية والأوروبية واليابانية، فقد سيطرت هذه الدول على سياسات منظمة التجارة العالمية بما يحقق في النهاية مصالحها الاقتصادية رغم الخلافات التي تنشأ فيما بينها أحياناً، وبعض الحروب التجارية التي تنشب أحياناً أخرى والتي تتسبب بإشعالها الشركات العملاقة، لتندفع بعد ذلك الحكومات للدفاع عن شركاتها مهددة بإجراءات تهدد بنسف جميع الاتفاقيات والتفاهمات.
يصنعون السياسة من المال - هكذا وصف الدبلوماسي العتيق (ويليرد ستريت) السياسة الأمريكية في القرن الماضي، أنها تقوم على اعتبارات تجارية، وتركز على حماية المصالح الاقتصادية تحت ستار الحرص على السلام والديمقراطية، ومكافحة التطرف، ومنذ ثمانينات القرن الماضي حذت الدول الرأسمالية الأخرى حذو الولايات المتحدة، وأصبحت مستعدة للدخول في حروب تجارية لمصلحة شركاتها الكبرى واستمرار سيطرتها على قنوات التجارة العالمية والأسواق الدولية، إن الكثير من الشركات المتعددة الجنسية في العالم تعادل في الحجم والقوة المالية دولاً بأسرها ومصلحتها في الاقتصاد العالمي الجديد الذي صنعته الليبرالية الجديدة تفوق مصالح دولها، وحين تصطدم مصالح الطرفين، فإن الأولوية تكون لمصلحة الشركات لا لمصلحة الدول. (راجع - السيطرة الصامتة - نورينا هيرتس ص 95).
تفصل منظمة التجارة العالمية في النزاعات بشكل سري، وقد أصدرت أحكاما ضد دول نامية واخرى متقدمة، لكن الشعور العام لدى مندوبي الدول المشاركة وعددها حتى الآن 139 دولة، أن هذه المنظمة لا تكيل دائماً بمكيال واحد.
في منتصف تسعينات القرن الماضي، نشبت حرب الموز الكبرى عندما قرر الاتحاد الأوروبي أن يمنح (كوتا) حصة تقل عن %10 لاستيراد الموز من شركة (شيكيتا) الأمريكية المتعددة الجنسية، وذلك لحماية منتجي الموز الصغار في المستعمرات الفرنسية والبريطانية في إفريقيا والبحر الكاريبي، وهي بلاد تعتمد في بقائها على تصدير الموز، لقد أقنعت شركة (شيكيتا) ممثلي التجارة الأمريكية أن هذا الإجراء يضر بمصالح الولايات المتحدة، إذ يؤدي إلى خسارة ثلاث شركات كبرى للفواكه (شيكيتا - دول - ديلمونت) مبلغا يعادل 520 مليون دولار سنويا، وهكذا تقدمت الحكومة الأمريكية باحتجاج إلى منظمة التجارة العالمية بالنيابة عن شركاتها ... واتهمت الاتحاد الأوروبي باتخاذ مسلك تحيزي في استيراد الموز، وهددت بفرض ضريبة جديدة تعادل %100 على عدد من المنتجات الأوروبية من الخمور، والقمصان الاسكتلندية. والتجهيزات المنزلية الإيطالية، إذا لم تعدل النسبة المخصصة لشركة الموز الأمريكية وفي عام 1999 اتخذت المنظمة قراراً بتعديل الحصة المخصصة لشركة الموز الأمريكية، لكن الاتحاد الأوروبي رفض تنفيذه، مما دفع الولايات المتحدة لفرض ضرائب انتقامية على وارداته من أوروبا بلغت 191 مليون دولار. (راجع مجلة التجارة العالمية شباط 1999).
لكن السؤال الذي يتبادر للذهن هنا، هل كان باستطاعة (كارل ليدني) مالك شركة (شيكيتا) الاعتماد على حماسة المسئولين الأمريكيين في حرب الموز لولا المبالغ التي دفعها كتبرعات طيلة فترة المناوشات، والتي بلغت أربعة ملايين ومائتي ألف دولار للحزب الجمهوري، ومليون وأربعمائة الف دولار للحزب الديمقراطي.
وفي عام 1996 صوت الاتحاد الأوروبي على منع تصنيع الهرمونات الاصطناعية من لحم البقر، إذا ثبت أنها تتسبب بمرض السرطان والإقلال من خصوبة الذكور، لكن شركة الكيماويات الزراعية الأمريكية (مونسانتو) واتحاد أصحاب قطعان البقر الأمريكي، وهم بالمناسبة من متبرعي الحزبين الرئيسيين في أمريكا، مارسا الضغط على الإدارة الأمريكية لتقديم شكوى لمنظمة التجارة العالمية بحجة تقلص الاستيراد من أمريكا نتيجة لقرار الاتحاد الأوروبي، وقد صدر قرار من لجنة تحكيم المنظمة لصالح الأمريكيين، وعندما رفض الأوروبيون تنفيذ القرار خولت منظمة التجارة الولايات المتحدة وكندا فرض عقوبات تجارية انتقامية تجاوزت (125) مليون دولار، وبشكل مفاجئ خضعت صادرات أوروبية مثل عصير الفواكه والخردل واجبان روكفورت لضرائب جمركية كبيرة (راجع صحيفة الغارديان 30 تشرين الأول 1999 - السيطرة الصامتة - نورينا هيرتس) لقد أصبح واضحا أن حكومات الشركات العملاقة تقيم سياستها التجارية استناداً للمصلحة التي ستجلبها لصالح هذه الشركات، وبدلاً من سعي هذه الحكومات لخلق عالم أفضل لشعوبها، تسعى إلى إيجاد بيئة مثالية لعابري القارات التجاريين الذين يديرون الظواهر لمساندة حكوماتهم إذا ما أرادت تحسين الوضع المادي: والاجتماعي للشعوب، وكما قال كليف آلن نائب الرئيس التنفيذي لشركة (نورتل نيتورك) الكندية (كوننا ولدنا هناك فى كندا لا يعنى أننا سنظل هناك، يجب الا يشعر الكنديون بأنهم يمتلكوننا، يجب أن يظل المكان جذاباً لنا لنظل مهتمين بالبقاء فيه) راجع المصدر السابق.
ورغم أن الدول النامية تشكل 80 % من أعضاء منظمة. التجارة العالمية، إلا أن هذه الدول تعامل وكأنها من الدرجة الثانية، قد استبعد معظم وزراء التجارة في هذه البلدان من المرحلة النهائية من مفاوضات الأورغواي في عام 1993، وتوسلوا إلى الصحفيين الذين حضروا جانبا من هذا الاجتماع لكي يخبروهم عن آخر مجريات للمفاوضات، إن ثلاثين دولة نامية من أعضاء المنظمة لا تستطيع وضع ممثل لكل منها في مقر المنظمة في جنيف لارتفاع تكاليف الإقامة.
في النهاية، هل يمكن اعتبار منظمة التجارة العالمية جهازاً لحراسة التجارة العالمية. أم لسيطرة الشركات الكبرى متعددة الجنسيات على التجارة الدولية، ولو ادى ذلك إلى التضحية بمصالح دول بأكملها؟ لقد قدمنا بعض القرائن من الماضي القريب. ومن يراقب سيجد الكثير منها في حاضرنا.. أما المستقبل. فربما يوضح لنا الصورة أكثر في سورية بعد قبول المنظمة انضمامنا إليها.
الاكثر قراءة في التكتلات والنمو والتنمية الأقتصادية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة