تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
ما خرج عن حد النسخ
المؤلف:
الدكتور عبد الرسول الغفار
المصدر:
الميسر في علوم القرآن
الجزء والصفحة:
ص214 - 227
2025-07-14
20
1 - منه : تحريم ما هو مباح بحكم الأصل: كان المسلمون - في أول تكليفهم - في الصلاة يكلم بعضهم بعضا إلى أن نزل قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] ثم كانوا يلتفتون في الصلاة فنزل قوله تعالى: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 2] وهذا يعني أنهم كانوا يفعلون تلك العبادة بحكم الأصل من الإباحة. وقد ذكر ابن العربي في خصوص هاتين الآيتين: فقال: إن القنوت هو ترك الكلام والخشوع هو ترك التلفت بقلبه وبجوارحه. ثم من أمثلة هذا القسم تحريم الخمر والربا لأنهما كانا على حكم الأصل أي أن الأصل حرمة الخمر وحرمة الربا لذا الإتيان بهما خلاف للأصل.
2- ما كان تفسيرا لمبهم : مثاله قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10]. قيل إنها منسوخة بقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة: 220] عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما أنزل الله عز وجل: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] انطلق من كان عنده مال يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه وجعل يفضل الشيء من طعامه فيجلس له حتى يأكله أو يفسد، واشتد ذلك عليهم فذكروا ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنزل الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ} [البقرة: 220] فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم [1].
قال أبو علي الطبرسي.. ولا بد من إضمار في الكلام لأن السؤال لم يقع من أشخاص اليتامى ولا ورد الجواب عنها فالمعنى يسألونك عن القيام على اليتامي أو التصرف في أموال اليتامى قل يا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (إصلاح لهم خیر) [2].
3- منه تخصيص وليس نسخا: في ذلك موارد أشاروا إليها بالنسخ لورود الخاص بعد العام والمخصص إذا جاء لا ينفي حكم العام بل يضيق من أفراده نذكر على سبيل المثال بعضها:
أ - قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284] قالوا إنها منسوخة بقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. لكن ليس الأمر كذلك لأن إخفاء الشيء في النفس وعدم العمل به فيما لو كان الإتيان به بعد ذنباً أو معصية لا يدخل في ضمن المعصية بل الإنسان لو ارتكب ذنبا ثم تاب إلى الله سبحانه واستغفر لذنبه ألا ترى يغفر له الله فإذا كان حال العامي بعد توبته مغفورا له فهل يعني أن من تحدثه نفسه بارتكاب المعصية وإن لم يأت بها أسوء حالا من سابقه حتى يصل به الأمر أن يحاسبه الله على ذلك؟
نعم قد يراد - والله العالم - من قوله: {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ} [البقرة: 284] أي يكشفه لكم، أو أنه عليم بما في الصدور أي لا تخفى عليه خافية قالهم بالمعصية ليست کارتكاب المعصية. إذن الأولى مغفورة أما الثانية فقد يقع عليها الحساب وهذا خلاف الأمر الصالح واسداء المعروف بل كل وجوه الخير ... فمن نوى عملا صالحا يأتي به كالتصدق والإنفاق والبذل ثم لم يأت به فإن ما نواه يدرج في صالح الأعمال وبهذا يؤجر على ما نواه ولو أتى بذلك الخير فأجره مضاعف.
وعلى هذا المبنى فإن الآية المذكورة: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 284].... غير منسوخة وما بعدها تخصيص لها.
ب - قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [الأنفال: 16]
قالوا إنها منسوخة بقوله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } [الأنفال: 65].
لكن تجد في هذه الآية قوله: {إِلَّا مُتَحَرِّفًا} [الأنفال: 16]
وهذا مخصص للآية بمعنى ليس كل من يولي دبره عن القتال مستحق لغضب الله والمكوث في جهنم. ثم الآية الأخرى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 65].. أجنبية عن سياق الآية / 16 التي فيها وعيد وتهديد بغضب الله ولو سلمنا باتحاد الموضوعين فالثانية تخصيص لما سبقها بمعنى لا تناسخ بينهما.
ج - قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] قيل إنها منسوخة بقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [النور: 5] استثنت الآية الثانية: {الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا} [البقرة: 160] أما من لم يتب فحكم الجلد لم يتغير. إذن لا تناسخ بين الآيتين.
د- قوله تعالى: ... {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 24] روى عن ابن عباس وعن عكرمة أنها منسوخة بقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 113-114]
الآية من سورة الإسراء في مورد دعاء الناس لأبويهم فالمؤمنون مكلفون أن يتضرعوا الله سبحانه طلبا للرحمة المرجوة للوالدين سواء كان الوالدان مؤمنين أو غير مؤمنين. أما الآيتين من سورة التوبة فقد نهت النبي والمؤمنين الاستغفار لمن كان مشركا سواء كان المشرك قريبا ذا رحم أو بعيداً لأن المشرك بصريح الآية هو من أهل الجحيم. فهل يصح أن نقول أن هاتين الآيتين ناسخة لآية الإسراء؟ عن فمن ادعى النسخ في غاية الجهالة بل إن المورد هو التخصيص لأن أبناء المؤمنين لا زالوا مأمورين بطلب الرحمة لآبائهم فكيف تكون الآية: {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا} [الإسراء: 24] منسوخة ؟ بل هي محكمة إذن لا تناسخ بين هذه الآيات.
4 - منه المنسأ أي الذي أمر به لسبب ثم زال السبب كالأمر بالصفح والصبر على الأذى في حال الضعف ثم الأمر بالقتال في حال القوة. حتى قالوا إن آية السيف نسخت مائة موضع وأربعة عشر موضعا وابن العربي يرى آية السيف نسخت خمساً وسبعين آية وآية السيف هي قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]
5 - ما كان إتيانه على البدلية فلا يقع فيه النسخ مثاله قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] قيل آخر الآية ناسخ لصدر الآية. فعن السدي قال هذا الكلام - في الآية تضمن وجوب الحج على جميع الخلقة الغني والفقير والقادر والعاجز ثم نسخ في حق عادم الاستطاعة بقوله: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97]
والأمر ليس كذلك لأن تكليف بما لا يستطاع قبيح ولو صدر من الله سبحانه فهو أقبح تعالى عن ذلك علو كبيرا ثم سبحانه في أماكن عديدة من القرآن الكريم يشير إلى التكليف بالمقدور قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]. فكيف يصدر من المولى - وهو الرحمن بعباده الرحيم في غاية الرحمة -
أن يكلف المريض والفقير والعاجز والمعذور . . . ؟
وقد قدر أهل اللغة أن كلمة (من) هي بدل من الناس وتقدير الكلام والله العالم - والله على من استطاع من الناس الحج أن يحج.
إذن يكون وجوب الحج لمن استطاع من الناس لا كل الناس وبهذا يثبت أن لا نسخ في الآية.
6 - منه ما كانت الآيات إخبارية لا تشرع حكما:
مثاله في سورة البقرة قوله تعالى: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } [البقرة: 3] الآية في صياغتها تخبر عن المؤمنين الذين يتصفون بالإنفاق بعد ما ذكرت الآية صفات أخرى لهم منها إيمانهم بالغيب ومنها اقامتهم للصلاة. ثم الإنفاق على ما فيه من حسن وثناء فقد فسر بعضهم أن الإنفاق على الأهل والعيال وذهب ابن عباس إلى الزكاة المفروضة أما مجاهد فقال هو الصدقات والنوافل. ولا تعارض بين هذه الأقوال وفرض الزكاة فليكن الإنفاق هو الإنفاق على العيال وليكن بمعنى الصدقات وليكن الزكاة المفروضة. فأي تعارض في ذلك؟ غير أن ابن الجوزي حكى عن غيره أن الإنفاق كان فرضا وصورته أن يمسك كل فرد مؤنة يومه وليلته ويفرق ما زاد على الفقراء.
ثم نسخ هذا بآية الزكاة. وربما استندوا في ذلك إلى ما جاء في المأثور من أنه: نسخت آية الزكاة كل صدقة كانت قبلها ونسخ صوم رمضان كل صوم كان قبله وقد عرفت أن الآية الأولى كانت في صدد بيان صفات المؤمنين فهي إخبارية ليس فيها حكم شرعي ولا تتضمن الأمر . ومن أمثلة هذا النوع آيات إخبارية عديدة قالوا عنها منسوخة بآية السيف حتى ادعى بعضهم أن مائة وأربع عشرة موضعا من القرآن الكريم نسخ بآية السيف ولو تحرينا تلك المواضع لوجدناها خالية من الأمر أو النهي بل هي جمل إخبارية لا يصح نسخها وقد عرفت فيما سبق أن النسخ يدخل على الأمر أو الحكم الشرعي فينسخ بحكم شرعي آخر. ونذكر هنا موارد من تلك المواضع المنسوخة - كما ادعى - بآية السيف منها:
1 -{وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80]
2- {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ} [المائدة: 99]
3- {وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} [الأنعام: 104]
4- {وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} [يونس: 108]
5 - {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} [الإسراء: 54]
6- {أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} [الفرقان: 43]
7- {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ } [العنكبوت: 50]
8- {وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ } [لقمان: 23]
9- {قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [سبأ: 25]
10 - { لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون: 6]
هذه بعض الموارد حسب زعمهم منسوخة بآية السيف وهو ليس كذلك لأن الذي تقدم هي أخبار عن كون النبي مبلغ ونذير ورسول وهي معان ثابتة كما أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس وكيلا عليهم ولا حفيظا على الكافرين وليس مسيطرا ولا جبارا بل هو مبلغ وأجره عند الله سبحانه ومقامه المقام المحمود وللكافرين خزيهم وعارهم.
ومن أمثلة هذا ما أخبر سبحانه عن أهل الذنوب فقال تعالى:{بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 81]
قالوا منسوخة بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } [النساء: 116] ولو تابعنا أقوال المفسرين فنجد أن معنى السيئة عند السدي هي الذنوب التي وعد عليها النار. وروى بعضهم عدة روايات عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن أهل الإيمان لا يخلدون في النار بل إن الخلود في النار لأهل الكفر.
لهذا عدوا الآية منسوخة بآية النساء. على أنك تجد في آية البقرة الحديث فيها عن بني إسرائيل الذين ادعوا أن النار لا تمسهم .. وأصل الآية {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 80-81] ثم الآية التي بعدها هي: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة: 82]. فلا بد أن يكون تقابل بين من كسب سيئة وقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة: 25] حتى يكون التقابل أيضا في الجزاء فمن كسب سيئة جزاؤه جهنم خالدا فيها في مقابل من آمن وعمل صالحا فله الجنة خالدا فيها.
ولما لم يكن في آية البقرة أمر أو حكم شرعي فرعي فلا يصح أن تكون آية النساء ناسخة لها لأن الأولى إخبارية محكمة. ومن أمثلة هذا النوع: قالوا في الآية: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأنعام: 69] إنها منسوخة بقوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 140]
ادعى بعضهم هذه الآية ناسخة للآية السابقة وسند هذا الإدعاء أحد التابعين وهو جويبر بن سعيد الأزدي البلخي عن ابن عباس. أما جويبر - فكما ذكروا في حقه - أنه ضعيف جداً ومتروك الحديث ونقل ابن الجوزي دعوى النسخ عن سعيد بن جبير وغيره ... فالآية - من سورة الأنعام - ليس فيها أمر ولا حكم شرعي، بل هي أخبار ولا يجوز النسخ في الإخبار. أضف إلى ذلك أن موارد عديدة في دعوى النسخ منسوبة إلى رواة لا إلى الشارع المقدس كما أن جملة من الرواة ضعفاء متروكين لا يعتد بأخبارهم.
7 - آيات الوعيد:
آيات عديدة ادعوا فيها النسخ وإن كان فيها أمر أو نهي إلا أنها آيات تحكى عن الوعيد ووعيد الله سبحانه لا يمكن أن يتخلف بل قوله الحق والصدق فكل تهديد أو وعيد حتمي الوقوع وإذا كان كذلك فلا يدخله نسخ. من موارد هذا النوع: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة: 34]. تسمى هذه الآية بآية الكنز قالوا في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ} [التوبة: 34].... منسوخة بآية الزكاة وهو قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } [التوبة: 103] الكنز في الأصل هو الشيء الذي جمع بعضه إلى بعض والذين يكنزون الذهب والفضة والمال ولا يؤدون زكاته سوف يعاقبون عليه. روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال كل مال لم تؤد زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرا وكل مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا في الأرض. وعلى هذا فالعبرة ليس بدفن المال حتى يصدق عليه الكنز بل ما أديت زكاته أو لم تؤده. فالمتعين عند أهل التفسير أن المراد من الكنز هم ما نعوا الزكاة من هذه الأمة [3].
ظاهر آية الكنز أن صاحب المال عندما يمتنع من تزكية ماله فإن امتناعه من دواعي البخل والحرص الشديد وهو الذي سيورده في العذاب الأليم لا كما فهمها الآخرون أي ينفق كل ما لديه بعد إخراج مؤنته ليومه وليلته وقد ادعى بعضهم أن ذلك كان في أول الإسلام ثم نسخ بالزكاة. غير أنك تعرف إنما الأحكام تسلسلت من الخفيف والبسيط إلى الثقيل أما انفاق كل مسلم ما عنده في بدء إسلامه أمر غير معقول بل إن ذلك سوف يكون منقرا للعرب الجاهلين ويمنعهم من الدخول في الدين الحنيف بل إن الأحكام التكليفية الأخرى هي كذلك تبدأ بالأيسر ثم تتدرج إلى أن تامر بالأثقل وهل يوجد أمر أطيب والذ من جمع المال عند أولئك؟ فكيف يصدق إنفاق كل ما لديهم؟ فالإنفاق الذي تعنيه الآية الكريمة: إخراج الزكاة وقد فضلت الآية الكريمة موارد مستحقيه قال تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ } [التوبة: 60] كلمة (من) يراد بها التبعيض أي خذ يا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بعضا من أموالهم ولم يقل سبحانه من مالهم وهذا يعني الأخذ من كل الأجناس (المتعددة المالية) إذا بلغت النصاب فمن الورق إذا بلغ مائتي درهم ومن الذهب إذا بلغ عشرين مثقالا ومن الإبل إذا بلغت خمسا ومن البقر إذا بلغت ثلاثين ومن الغنم إذا بلغت أربعين ومن الغلات والثمار إذا بلغت خمسة أوسق. فهذه الأجناس مورد التزكية وتلك الأصناف المتقدمة مورد الصرف فالذي ادعى النسخ في آية الكنز غير صحيح لكونه ناظر إلى الفقرة: {وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } [التوبة: 34] ثم جاء تفصيل يبين موارد صرف الصدقات. وهذا البيان لا يرفع حكم الوعيد لأولئك الذين يكنزون المال ولا يؤدون زكاته أما الذي أدى زكاة ماله فلا شيء عليه حتى لو كثر ما عنده بعد الزكاة. من الموارد الأخرى في هذا النوع آيات عديدة قيل عنها منسوخة بآية السيف.
وهذه الآيات فيها وعيد وتهديد من الله سبحانه وقد عرفت أن وعبد الله حتمي الوقوع من ذلك نذكر بعض الآيات:
أ - {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [الأنعام: 70] جاء في تفسير الطبري 11/ 441 ط دار المعارف مصر أن الآية منسوخة بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5].. واستند في قوله على خبرين سندهما عن مجاهد. الآية الأولى جاءت في صدد التهديد والوعيد حيث آخر الآية قال تعالى: {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ } [الأنعام: 70] وهذا الوعيد لا ينافيه قتل المشركين أين ما وجدوا كما أن قتال المشركين قبل توبتهم لا يمنع من نفي الشفاعة عن أولئك الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا. إذا لا تناسخ بين الآيتين لكون وعيد الله محقق لا يتخلف.
ب - قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 137] ادعى ابن الجوزي نقلا عن بعضهم أن قوله: {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 112] منسوخ بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]. لكن الآية / 137 فيها تهديد ووعيد وهكذا تهديد واقع لا يقبل النسخ.
ج - قوله تعالى: {وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [يونس: 41]. قالوا إنها منسوخة بآية السيف وذكر الطبري أنها نظير قوله تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون: 1-5] لكنك لو دققت المعنى لوجدت أن الوعيد والتهديد للمكذبين وأنهم سيجازون على تكذيبهم أما الرسول فلا يتحمل تبعة أولئك المكذبين بأي حال من الأحوال بل هو بريء من عملهم ذاك فهذا الوعيد لا ينسخ.
8- الاستثناء:
آيات عديدة يرد فيها الاستثناء والمستثنى قد يكون مطلقا أو فيه الشمول أو العموم وهذا يعني أن الاستثناء لم يكن ناسخا لما قبله من ذلك نذكر:
أ - قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159]
قالوا منسوخة بقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [البقرة: 160]. أقول اللعن جزاءا للكتمان غير أن الذي كتم شيئا من البينات ثم تاب وأصلح من بعد ذلك هل يستحق اللعن؟ أمر غريب من أولئك الذين ادعوا النسخ في الآية 159 لأن الاستثناء الوارد كونه سبحانه يشفع للتائبين واضح الدلالة في موضوعين: الموضوع الأول بقاء اللعن مع استمرار الكتمان لما أنزله الله سبحانه والموضوع الثاني: لا لعن لمن تاب وأصلح. إذا الآية الأولى لم تنسخ بل فيها تأكيد.
ب - قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ} [آل عمران: 87-88].
قالوا منسوخة بقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 89] كيف يعذب الله من تاب وآمن وأصلح؟ ألم يكتب الله على نفسه الرحمة وإنه تواب رحيم؟ ج - قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء: 145].
قالوا منسوخة بقوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 146] كما عرفت أن التوبة مطهرة للذنب فمن أصلح نفسه وأناب إلى الله وتاب توبة نصوحا فإن الله وليه. فلا تناسخ بينهما بل استثناء والاستثناء لا ينسخ. د - قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور: 31].
قالوا نسخ إبداء الزينة بقوله تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]. وهذا الاستثناء لا يبطل حكم الذي سبقه من أمر مطلق الزينة.
9- ما كان فيه سمة حميدة خاصة بالأنبياء: صفات الأنبياء والرسل الحميدة كثيرة لا تعد ولا تحصى إلا أن أبرزها القول الحسن الجميل الصبر عند الشدة الإعراض عن الجاهلين الجدل بالتي هي أحسن الصفح وقبول العذر لمن أخلص في قوله بعد جهل .... وهكذا صفات كثيرة يؤكدها القرآن الكريم فهي من الخلال الحسنة والصفات الحميدة في الأنبياء والرسل والأوصياء والتمسك بها أمر جميل يثاب عليه صاحب الرسالة الغراء لذا عندما يأمر سبحانه وتعالى تمسك نبيه بهذه الصفات في حياته عسى أن يبعثه الله مقاما محمودا فلا يتصور في ذلك ورود الناسخ حتى يرفعها.
مثال ذلك قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199] قيل إنها منسوخة بآية الزكاة وآية القتال وهو قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج: 39].
وليس الأمر كذلك لأن العفو الإعراض عن الجاهلين حكمه باق لم ينسخ. ومن صوره قوله تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [طه: 130]. وقيل إنها منسوخة بآية السيف: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5] وليس كذلك. ومنه أيضا قوله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35] قيل إنها منسوخة بآية السيف المتقدمة، وليس كذلك. ومنه أيضا قوله تعالى: {فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا} [المعارج: 5]. قيل إنها نسخت بآية السيف. المتقدمة وليس كذلك وموارد أخرى شبيهة بذلك إلا أن الصفات التي تمثل بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما هي صفات ملازمة له ولمن سبقه من الأنبياء عليهم السلام فالرحمة والصبر والمجادلة بالتي هي أحسن كلها صفات وخلق لا تقبل النسخ وآية السيف موردها قتال المشركين لا يمكن أن ترفع واحدة من الصفات المذكورة التي كان يتحلى بها النبي.
10- ما كان فيه تدريج في التشريع: لقد بينا سابقا أن الشريعة ابتدأت بتكليف البسيط والأيسر من الأحكام ثم تدرجت في بيان ما اشتد وثقل، وهذا ليس بخاف على اللبيب. لأن التكاليف - في العموم - لم تشرع من الشديد لما فيه من النفور وعدم انقياد المسلمين في بدء الإسلام الذي كان عليه أن يحرص الحرص الشديد في تكثير عدد المسلمين ولم يكن الأمر بأكثر من هذا لذا كان اهتمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) متوجها إلى بث التوحيد في أرجاء الحجاز كله اولا وقبول الإسلام ونبذ الشرك والإلحاد وصور الكفر ثانيا أما تشريع الأحكام آنذاك لم تكن بالصورة التي فهمها المسلمون في المدينة. من هذا النموذج قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 219] ثم قوله تعالى: {وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219] ثم قوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43]. ثم قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90] ثم قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91].
ومما خرج عن حد النسخ:
11 - إذا كان فيه تحديد المسؤولية النبي: مثاله قوله تعالى: {وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ} [آل عمران: 20]. قيل إنها منسوخة بآية السيف: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وليس الأمر كذلك لأن الآية الأولى موردها مجيء وقد نجران إلى النبي لغرض المحاججة أما آية السيف فهي واردة في قتال المشركين ومثل سابقتها قوله تعالى من سورة المائدة / 99 ومن سورة الأنعام / 66و 108 ومن سورة الرعد/ 40 وغير ذلك من الموارد.
12 - ما كان غاية، فلا نسخ فيه: من ذلك قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة: 109]. روى عن ابن مسعود وابن عباس وآخرين أنها منسوخة بقوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [التوبة: 29]. وروي عن قتادة أن الناسخ قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] ولا تصح دعوى كل من قال بالنسخ لأن قوله تعالى: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا} [البقرة: 109] قد حدده سبحانه فقال وعز من قائل: {حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة: 109] بمعنى أن العفو والصفح ليس مطلقا بل غايته واضحة إلى أن يحدث الله أمرا آخر. فما بعد الغاية يؤكد أن حكمه مخالف لما قبله فما كان هذا سبيله لا يدخله نسخ.
13 - ما كان بيانا لشرط:
مثاله قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] روى عن ابن عباس أنها منسوخة بقوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] (1) إلا أن ذلك غير صحيح. وبيانه هو أن الآية الكريمة: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} [النساء: 25] فيها شرط جوابه ما بعدها وهو قوله تعالى: {مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25] أي من لم يستطع أن يتزوج بالحرة المؤمنة ويخاف من نفسه أن يقع في المحذور الشرعي فعليه بالإماء المؤمنات فقوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: 25] هو بيان لشرط النكاح المستبدل من الحرة إلى الأمة لهذا فلا نسخ في الآية.
الاكثر قراءة في الناسخ والمنسوخ
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
