سـلوك قـوى الاستعمـار الصليبيـة وممـارستـها 2
المؤلف:
د . فريد النجـار
المصدر:
الحروب التجارية المعاصرة
الجزء والصفحة:
ص100 - 104
2025-07-13
348
فلسطين .... ضحية الحقد الصليبي :
وهذا النوع من التفكير قاد بريطانيا إلى تقديم بلد عربي كامل هو فلسطين كقربان على طبق من فضة إلى شعب اجنبي وذلك في وضح النهار في القرن العشرين وليس هناك شك أن قيام دولة إسرائيل كان بتخطيط بريطانيا لتكون شوكة لمصر - رائدة الدول العربية - وسكينا في قلب العالم العربي.
وفي الحقيقة، فإنه ليس هناك في التاريخ الحديث ولا البعيد مثال لبلد أهل ومتحضر مثل فلسطين قد دنس علنا من قبل العالم النصراني.
إن البريطانيين في كثير من الأجزاء الأخرى لإمبراطوريتهم يحبون أن يذكروا - مع الفخر بأنهم يحمون الضعيف والبريء ضمن حدود إمبراطوريتهم، ولكن ليس الأمر كذلك في العالم العربي.. فالفلسطينيون الضعفاء كانوا مكتوفي الأيدي والأقدام من قبل القوة البريطانية المحتلة نفسها بينما شاهدوا بأعينهم اغتصاب بلدهم من قبل الصهاينة.
إن الجريمة البريطانية البشعة في فلسطين قد وافق عليها من قبل واشنطن وغيرها من العواصم النصرانية، وإن قائمة الدول التي صوتت لبدء اغتصاب فلسطين عام 1947م قد وافقت بذلك على حرب صليبية مستمرة ضد العالم العربي.
إن الدول العربية وبعض الدول الإسلامية قد صوتت وحدها ضد القرار الذي لا يمكن تصديقه، وبعد عام 1948م فإنه بإمكان أي إنسان أن يرى تدفقا دائما للحب والعاطفة تجاه إسرائيل في العالم النصراني، بينما أصبح معظم شعب فلسطين الأصلي نصف جياع نصف غراة، معتلي الصحة في مخيمات اللاجئين.
إن كل الناس في العالم النصراني حتى الباب يؤكدون باستمرار تحرريتهم وحبهم وشعورهم بالإثم وما شابه ذلك تجاه إسرائيل، ولكن قليلا منهم يتذكر عرب فلسطين.
إن عالمية النصرانية وإنسانيتها وتحررها لا تشمل - بطريقة ما - المسلمين، وكان العالم النصراني يلعب لعبة (بنو الإنسان، والعرب ( يخبرك الأمريكيون أنهم يدعمون إسرائيل لأنهم يشعرون بالتحرر والإثم، والألمان يدفعون إلى إسرائيل تعويضات ضخمة ويرسلون سراً إلى إسرائيل كميات كبيرة من الدبابات والسلاح لأنهم رأوا النور ويشعرون بالإثم، أما بريطانيا فقد أوجدت إسرائيل لأن البريطانيين متحررون ويشعرون بالإثم ولكن لا يشعر أحد بالإثم تجاه الفلسطينيين العرب.
ولابد أحدنا أن يشك أن هذا الحب ليس إنسانية جديدة مكتشفة، ولا تسامحاً تجاه اليهود ولكنه بغض ساكن ومتكرر للمسلمين العرب.
إن الصليبية القديمة ولكن تحت مظاهر مختلفة، وبالتالي تقوم فرنسا بتسليح إسرائيل حتى الأسنان فى الخمسينات والستينات من هذا القرن، لأن الفرنسيين يبغضون ويحتقرون عرب الجزائر المغرورين والشعور بالذنب الألماني منذ الحرب العالمية كان بيننا في الدبابات والسلاح لإسرائيل لقتل العرب، وهذا يعطى مادة للتفكير.
أما بالمرستون البريطاني فإنه بالتأكيد لم يكن يفكر بطريقة إنجيلية عندما وضع سياسة بريطانيا الرئيسية تجاه مصر في العشرينات من القرن الماضي.
ويجب المؤرخون البريطانيون والأنجلو - ساكسونيون الإشارة إلى أنه عندما دخل الجنرال البريطانى القدس سنة 1918م وأخذها من المسلمين الأتراك فإن أجداده الصليبيين لو كانوا أحياء لكانوا فخورين جداً بإنجازه النصراني العظيم، أما مروجو الدعاية الصهيونيون - بدهائهم المعروف - منذ الاحتلال الإسرائيلي للقدس عام 1967م وأخذها من المسلمين العرب يحاولون أن يحيطوا إسرائيل بالهالة الصليبية نفسها.
إسرائيل تلعب الدور النصراني في العقلية الغربية:
وفى الحقيقة فإن إسرائيل - بغض النظر عن الدين - قد أخذت على عاتقها بذكاء الدور النصراني في العقلية الغربية وذلك منذ إنشائها عام 1948م، وإسرائيل لم تلعب هذا الدور في شرقي الأبيض المتوسط ضد المسلمين العرب وحدهم ولكنها مع التعاطف الغربي تأخذ على عاتقها الدول الصليبية أينما وجد المسلمون، وذلك بمعارضتهم أو هزيمتهم.
فمثلا نجد الطيارين والخبراء العسكريين الإسرائيليين في إقليم كاتانجا الانفصالي في جمهورية الكونغو في بداية الستينات من هذا القرن، وذلك لأن المسلمين المصريين كانوا متعاطفين مع حكومة الرئيس لومومبا المركزية.
وقد دعت الحكومة المصرية أرملة لومومبا وأولاده ليعيشوا في القاهرة بعد مقتله الذي كان نهاية مقامه في التاريخ الغربي، على أن تعاطف المسلمين مع لومومبا كان يفوق النصر، إذ الحقيقة أن لومومبا نفسه كان نصرانياً وعندما انفصل إقليم بيافرا النصراني عن نيجيريا أرعب العالم النصراني كله بوحشية الحكومة المسلمة المركزية، وقليلون في الولايات المتحدة مثلا يذكرون كيف أصبح لينكولن أسطورة صليبية مستمرة وازدواجية معايير.
وعندما ثارت مجموعة من الأكراد ضد الحكومة العراقية اندفع إلى العراق افواج من المراسلين النصارى والصهيونيين واكتشفوا الأكراد، وكتبت كتب عن الثوار الأكراد الشجعان ، ولم يسجل واحد من هؤلاء الجهود المخلصة للحكومة العراقية للاستجابة لمطالب الأكراد.
وكل الناس سمعوا عن الفقراء النصارى في جنوبي السودان الذين يدعى أنهم يقمعون من قبل الحكومة المسلمة في الخرطوم، ولكن لم يسمع أحد عن القمع الحقيقى للمسلمين الأريتريين في إثيوبيا النصرانية، هذا القمع يجعل أكثر فعالية بمشورة الخبراء الإسرائيلين وغيرهم من الخبراء الغربيين.
إن الصومال المسلمة تولد تعاطفا في العالم النصراني لمشكلاتها مع جيرانها النصارى ويبدو أنه عندما تحصل أي مشكلة - صغيرة كانت أم كبيرة في أية دولة مسلمة يحضر مروجو الدعاية الغربيون حالاً لتكبيرها بشكل غير مناسب مع حجمها.
إن تسامح المسلمين مع اليهود الذي يمثل سجلاً تاريخيا يكنس تحت سجادة الصحافة والكتابة الغربيتين، ولكن عندما يعلق جاسوسان يهوديان فى بغداد يهتز العالم النصراني كله من جذوره للبربرية العراقية، هذا بينما تنسف قرى عربية كاملة من وجودها بواسطة الإسرائيليين المحتلين لفلسطين، وبينما ترفض إسرائيل بأسلوب سمح السماح للجنة حقوق الإنسان دخول الأراضي العربية المحتلة.
وقليل من الناس فى العالم النصراني لديهم أدنى فكرة عن حجم الدمار والصراع الإنساني الذي تم فى الجزائر في حربها من أجل الاستقلال، ويبدو أن العالم النصراني عموما غير مهتم، وعلى أية حال فالضحايا هم من المسلمين فقط.
وبمراقبة هذه الظاهرة فإن كثيراً من الكتاب العرب يسمونها (ازدواجية المعايير) وغيرهم يسميها (الحملة الجديدة ضد السامية) التي تطورت لتأخذ محل الحملة القديمة ضد اليهودية وضد السامية ولترضي عادة نصرانية متأصلة.
والحروب التجارية ليست ظاهرة جديدة أبدأ، وأنها جزء وقطعة من الحملات الصليبية القديمة التي بدأها البابا أوربان الثاني في القرن الحادي عشر واستمرت بعزم في أشكال عديدة وفى أراضي عديدة حيثما كان هناك مسلمون إنها الصليبية المستمرة. ونهايتها ليست في المدى المنظور. مجلة الأمة، العدد 42 جمادى الآخر 1404 هـ (*).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) مراجع :
(1) البروفسور فايز أبو جابر أستاذ الاقتصاد في جامعة نيويورك وهو من أصل أردني ونصراني بالميلاد.
(2) H. A. R. Gibbs : "Mohammedanism
." D.G.E. Hall: "A History of South East Asia. " (3
(4) E. Presage: "The Portuguese Pioneers."
(5) B. Harrison: "South East Asia."
(6) G.B. Sansom: " Japan."
(7) H. Thompson: "Land and People. "
(8) B.N. Pandey: "the Break-up of British India." (9) Ibid.
(10)H. Hopkins: "Egypt. the Crucible."
(11)D.A. Schmidt "" Journey Among Brave.
الاكثر قراءة في التكتلات والنمو والتنمية الأقتصادية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة