الحملات البرتغالية الإسبانية ومحاولات اقتصادية واستراتيجية لإضعاف العالم الإسلامي
المؤلف:
د . فريد النجـار
المصدر:
الحروب التجارية المعاصرة
الجزء والصفحة:
ص96 - 98
2025-07-13
300
(4) الحملات البرتغالية الإسبانية:
والإشارة إلى هذه هنا للتأكيد على أن البرتغاليين عندما وصلوا إلى مالايا والأنديز شنوا حربا جديدة وعنيفة، كالحملات الصليبية ضد الإسلام، كما فعلوا قبل ذلك بعدة سنوات في شبه جزيرة إيبيريا (وهي شبه جزيرة إسبانيا والبرتغال).
إن وصول الأسبان إلى الجزر الفلبينية في القرن السادس عشر جاء بالنتائج نفسها هناك، وخلال القرن السادس عشر وما بعده خاضت كلا القوتين النصرانيتين عدة حروب ضد السلطان المسلم الوطنى وبالروح الصليبية نفسها. وفى الحقيقة فإن الأسبان لم يجدوا فرقا بين العرب المسلمين فى إسبانيا والذين سموهم هناك (مور) وبين المسلمين الذين اكتشفوهم فى جزء الأنديز، ولهذا السبب فقد سموا هؤلاء المسلمين أيضا (مور) وهذه الكلمة تحولت فيما بعد إلى (مورو) وحتى هذا اليوم فإن الأقليات المسلمة التي بقيت على قيد الحياة بصعوبة فى الأجزاء الجنوبية من الفلبين تعرف بهذا الإسم.
ولعله من المناسب أن نذكر هنا أنه على الرغم من أن البرتغاليين والأسبان قد شرعوا في نشر النصرانية بالقوة بين سكان جزر الأنديز فإن الإسلام قد انتشر في الجزر من قبل بطرق سلمية بشكل رئيس.
(3) محاولات اقتصادية واستراتيجية لإضعاف العالم الإسلامي.
ويجب أن نتذكر أيضاً أن محاولة البرتغاليين لاكتشاف الأنديز عن طريق أفريقيا قد تمت أيضاً بروح الحملات الصليبية. فالبرتغال استقلت عن الحكم الإسلامي في القرن الرابع عشر، وبإيحاء من أميرها هنري (الملاح) (1394 - 1360) فقد أنشئت مدرسة للملاحة لهدف وحيد هو إيجاد طريق جديد لتوابل الأنديز، وبالتالي كسر احتكار تجارة التوابل من قبل العرب وأهل مدينة فينيس (البندقية في إيطاليا).
وحسب رأى بريستيج فإن الدافع العام لهنري كان متعبة الحملات الصليبية بمحاولة الإلتفاف حول دار الإسلام استراتيجيا وتجاريا، وإقامة اتصالات مع النصارى الأثيوبيين والإغارة معا على المسلمين من الجنوب لربح تجارة التوابل والأنديز.
(4) إن المعاهدة الإسرائيلية الأمريكية الأثيوبية التي اقترحت حديثاً للالتفاف على العالم العربي تذكرنا بما ورد أعلاه.
ولقد مات الأمير هنرى سنة 1460 دون أن ينجز هدفه، ولكن في النهاية دار أحد اتباعه - وهو بارثولوميو دياز - حول الرأس الجنوبي لأفريقيا سنة 1488م. ثم بعد عدة سنوات وصل فاسكو دي جاما أخيراً إلى الهند وإلى الأنديز سنة 1489م، وهذا الحدث كان قمة النجاح لخمسين عاما من جهود البرتغاليين، وفى الوقت نفسه كان قيمة النكسة المماليك مصر.
(5) وكانت بداية الركود التجاري والاقتصادي لمسلمي حوض الأبيض المتوسط لأكثر من ثلاثمائة وخمسين سنة، والتي استعيضت جزئياً بعد فتح قناة السويس سنة 1869م.
وفى محاولتهم للحيلولة دون العرب وتجارة التوابل احتل البرتغاليون الجزء العربية: هرمز وسوقطرة عام 1506م مسيطرين بذلك على مداخل الخليج العربي والبحر الأحمر، وفى سنة 1515م احتلوا أيضا جزيرة البحرين في الخليج العربي. وبين سنتي 1511 م و 1526م قاموا بحروب صليبية ناجحة ضد سلطان مالاكا المسلم، مسيطرين بذلك على مضيق مالاكا بين سومطرة ومالايا.
وعندما دخلوا تلك المدينة المسلمة المزهرة أحرقوها فأجبر سكانها على النزوح إلى الأدغال الخلفية، ومن هنا نشر البرتغاليون نفوذهم على جزر التوابل المعروفة باسم مولاكاس. وفرض التنصير بالقوة فى جنوب شرقي آسيا.
إن تجارة البرتغاليين وجهود التنصير في الأنديز لم يكونا ناجحين جداً، وسبب هذا أن المسلمين قلما يغيروا دينهم، وكذلك بسبب فساد القادة والموظفين البرتغاليين الذين بدأوا بتبذير الثروة الجديدة للتاج البرتغالي.
وحملات التنصير الكاثوليكي اعتمدت أيضا على القوة العسكرية وليس على العقيدة (6)، والقوة العسكرية البرتغالية فى الأنديز لم تكن قوية حتى تجبر المسلمين على تغيير دينهم كما فعلت القوة العسكرية ذات القلب المتحجر في الفلبين. وبالتالي فإن اليسوعيين ربحوا فقط بعض المتحولين عن دينهم في جزيرة إمبوانا الصغيرة في مولاكاس وفي أقصى شمالي جزيرة كاليبيس.
أما الحملات الصليبية الأكثر فعالية فقد حصلت ضد مسلمء جزء الفلبين : فقد وصل الإسبان إليها سنة 1521 بقيادة ماجلان، ومع ذلك فإنه بسبب شكوى البرتغاليين فقد أهمل الأسبان مكتشفهم الجديد حتى سنة 1565 ، وفي هذه السنة احتلوا جزيرة سيبو، وبعد أربعة أعوام احتلت أيضا جزيرة باناي.
وفى سنة 1570م أرسلت حملة إلى مانيلا حيث احتلت، وأصبحت منذئذ مركز الحملات الصليبية ضد مختلف سلاطين الجزء المسلمين، وبسبب كون تغلغل المسلمين في الشمال حديث العهد فقد أدى هذا إلى سهولة تغيير الدين بالقوة فى شمالي جزء الفلبين بما في ذلك لوزون .أما في الجنوب فإن حرباً صليبية شاملة تبعت ذلك صراع كالصراع من أجل امتلاك جنوب اسبانيا ضد المورو ولذا فقد سمى الأسبان معارضيهم المسلمين الجدد باسم مورو (7) ، وقد دام هذا الصراع أكثر من مائة سنة، وعندما انتهى كانت معظم الجزر - عدا جزر ميندانا وسلسلة سولو - قد تحولت إلى النصرانية بالقوة، ومن بقى من مسلمي الجنوب بقي تحت اضطهاد وإهمال دائمين من قبل الاسبان، وهذا الإهمال تابع حكام الاستعمار الأمريكي للجزء بعد انتزاعها من الأسبان سنة 1898م.
الاكثر قراءة في التكتلات والنمو والتنمية الأقتصادية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة