تاريخ الفيزياء
علماء الفيزياء
الفيزياء الكلاسيكية
الميكانيك
الديناميكا الحرارية
الكهربائية والمغناطيسية
الكهربائية
المغناطيسية
الكهرومغناطيسية
علم البصريات
تاريخ علم البصريات
الضوء
مواضيع عامة في علم البصريات
الصوت
الفيزياء الحديثة
النظرية النسبية
النظرية النسبية الخاصة
النظرية النسبية العامة
مواضيع عامة في النظرية النسبية
ميكانيكا الكم
الفيزياء الذرية
الفيزياء الجزيئية
الفيزياء النووية
مواضيع عامة في الفيزياء النووية
النشاط الاشعاعي
فيزياء الحالة الصلبة
الموصلات
أشباه الموصلات
العوازل
مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة
فيزياء الجوامد
الليزر
أنواع الليزر
بعض تطبيقات الليزر
مواضيع عامة في الليزر
علم الفلك
تاريخ وعلماء علم الفلك
الثقوب السوداء
المجموعة الشمسية
الشمس
كوكب عطارد
كوكب الزهرة
كوكب الأرض
كوكب المريخ
كوكب المشتري
كوكب زحل
كوكب أورانوس
كوكب نبتون
كوكب بلوتو
القمر
كواكب ومواضيع اخرى
مواضيع عامة في علم الفلك
النجوم
البلازما
الألكترونيات
خواص المادة
الطاقة البديلة
الطاقة الشمسية
مواضيع عامة في الطاقة البديلة
المد والجزر
فيزياء الجسيمات
الفيزياء والعلوم الأخرى
الفيزياء الكيميائية
الفيزياء الرياضية
الفيزياء الحيوية
الفيزياء العامة
مواضيع عامة في الفيزياء
تجارب فيزيائية
مصطلحات وتعاريف فيزيائية
وحدات القياس الفيزيائية
طرائف الفيزياء
مواضيع اخرى
نظرية النسبية العامة وتشوه المكان - الزمان بفعل الثقالة
المؤلف:
ب . ك. و. ديفيس
المصدر:
المكان و الزمان في العالم الكوني الحديث
الجزء والصفحة:
ص112
2025-07-03
32
عندما اكتشف آینشتاین مبادىء النسبية الخاصة كان للقوتين الرئيسيتين المعروفتين آئند - الكهرطيسية والتثاقل - وضعان مختلفان تماماً في تلك النظرية . وكانت الكهرطيسية الظئر الفعلي للنسبية الخاصة التي نمت من خلال محاولة التوفيق بين سلوك الأمواج الكهرطيسية ، كالضوء ، وبين خصائص الأجسام المتحركة . وبنتيجة ذلك تبين أن الكهرطيسية تتفق تماماً مع مبادىء النسبية الخاصة . كما اتضح بالطبع وجوب استبعاد أثير مكسويل في التفسير الفيزيائي لظواهر الكهرطيسية ، لكن نظريته بقيت صحيحة في رياضياتها . بيد أن هذا الكلام لا ينسحب على نظرية نيوتن في التثاقل . فهذه النظرية تعتمد على الفعل الآني للقوة عبر المسافات ، ذلك المفهوم الذي أصبح مجرداً عن أي مدلول بعد اكتشاف نسبية التزامن التي تستند على محدودية سرعة الضوء . إذ كيف يمكن لتغير في جسم أن يؤثر آنياً في جسم آخر بعيد عنه إذا كانت كل أنواع التأثير الفيزيائية ممنوعة عن أن تنتقل بأسرع من الضوء ؟ ولأي مرجع مقارنة ننسب جملة في آن واحده؟
شكل 4 - 5 . الضوء يتأثر بالثقالة . إن ثقالة الشمس تحني الحزمة الضوئية فيبدو النجم A من الأرض منحرفاً عن موضعه وكأنه في B. وهذا الانحراف يمكن رصده وقياسه أثناء الكسوف عندما يحجب القمر قرص الشمس كله ويتيح للمراصد أن ترى النجوم حول الشمس في وضح النهار .
وفي بحثه عن نظرية جديدة في التثاقل متفقة مع مبادىء النسبية كان آينشتاين يعتمد عدة خطوط موجهة . فهناك أولاً نظرية مكسويل الناجحة التي ينبع الحقل الكهرطيسي فيها من الشحنة الكهربائية التي لا تتغير قيمتها مهما كان المرجع الذي تقاس منه . أما كتلة الجسم ، وهي منبع حقل التثاقل ، فتختلف قيمتها باختلاف المرجع الذي تقاس منه - فالجسيم يصبح أثقل فأثقل لدى اقترابه من سرعة الضوء . فنوع الحقل الذي كان آينشتاين يبحث عنه أكثر تعقيداً من حقل مكسويل . وبينما يمكن الحفل مكسويل أن يسلط قوى في مناح مختلفة فإن حقل التثاقل يجب أن يتضمن مركبات أكثر عدداً . (كان نيوتن قد اقترح مركبة واحدة فقط للقوة ، مع حقل تثاقلي محمول دوماً على المستقيم الذي يصل بين مركزي ثقل الجسمين المتفاعلين. هذا وإن العلاقة فيها بين هذه المركبات العديدة مستوحاة من مباديء رياضية تخرج عن نطاق هذا الكتاب .
لقد أراد آينشتاين أيضاً أن يُدخل مبدأ التكافؤ الحاسم في سوية أساسية من نظريته ، لا أن يعتبره صدفة بحتة كما فعل نيوتن . وقد أنجز هذا العمل عام 1915 ونشر نظريته
شكل 4 - 6 . يمثل (a) خارطة مكان - زمان كما يرسمها ، للجسم الساقط ، راصد يقف على الأرض (لقد رسمنا الأعلى والأسفل أفقيين اصطلاحاً) . أما ( b) فهي الخارطة التي يرسمها ، للجسم الساقط نفسه ، راصد في حالة سقوط حر . إن الثقالة ، بموجب مبدأ التكافؤ ، تختفي من جراء تسارع السقوط الحر ، مما يجعل مسار (الخط العالمي) الجسم الساقط يبدو مستقيماً .
الجديدة في التثاقل - نظرية النسبية العامة - بشكلها النهائي في ذلك العام . ولشرح النظرية العامة نعود الى مفهوم خارطة المكان - الزمان . فقد كان الاهتمام في النسبية الخاصة ينصب على الحركة المنتظمة التي تتمثل على تلك الخارطة بخطوط مستقيمة . فهذه الخطوط المستقيمة تشكل طائفة متميزة من خطوط عالمية (أي في فضاء منكوفسكي )تجسد الوضع الخاص للحركة العطالية في تلك النظرية .
أما بوجود الثقالة فلا يمكن صنع مراجع عطالية . كما أن الخطوط العالمية تنحني بفعل قوى التناقل . على أن من الممكن (بتجاهل كل القوى غير الثقالية في هذه المناقشة) موضعياً أن نختار مرجعاً تكون فيه كل الخطوط العالمية المتجاورة مستقيمة - المرجع الساقط حراً ، فسلوك الجسيمات المتجاورة يبدو من هذا المرجع ، كما رأينا ، حراً من الثقالة ، مما يجعل خارطة المكان - الزمان لما يحدث داخل الصندوق الصغير الساقط قريبة جداً من ظرف النسبية الخاصة ، مع إمكانية تحقيق تقريبي للحركات العطالية . بيد أن مثل هذه المراجع لا يمكن أن تصنع إلا موضعياً. لكن كل خارطة مكان - زمان ممثلة لمنطقة فضائية واسعة تظهر التسارعات النسبية الضعيفة للأجسام المفصولة بمسافات كبيرة ، كما ترى من مرجع خاص يسقط حراً ، وذلك بسب مفعول المد الجزر المذكور في الفقرة السابقة . ينتج من ذلك أنه مهما كان المرجع الساقط الذي نرصد المنطقة منه فإن الخارطة التي تصور مسار الجسيمات مفطورة على ظهور تشوه يزيد في ابتعاد المسار عن الخط المستقيم كلما اتسعت المنطقة التي نراقبها . ولما كان هذا التشوه لا يختلف من جسيم لآخر ، أي مستقلاً عن طبيعة الجسيم بموجب مبدأ التكافق ، فإن هذا يوحي ، أول ما يوحي ، بأنه قد يكون من الأنسب أن ننظر الى التثاقل الذي يسبب تشوه خطوط الجسيم العالمية على أنه خاصة من خواص المكان ـ الزمان نفسه ، أكثر من أنه تأثير فُرض عليه .
إن من الممكن أن نرسم خارطة مكان - زمان بطريقة أكثر عمومية وبحيث يزول انحناء مسار الجسيم . وهذا يعود الى القول بأن الخارطة تمثل مايراه الراصد الساقط حراً في كل مكان ، ولا تقتصر على جملة خاصة موضعية ساقطة . وأسلوب هذا التعميم مستوحى من المقارنة مع الخرائط الأرضية العادية. فهناك تشوه معروف جيداً وسائد في خرائط الكرة الأرضية ويستفحل عند حواف الخارطة . فخارطة العالم المرسومة وفق إسقاط مركاتور لا تمثل بالدقة والضبط سوى المنطقة الاستوائية من سطح الأرض . لكن خطوط الخارطة تتشوه أكثر فأكثر كلما تزايد الاقتراب من أحد القطبين . إن هذه التشوه يستفحل كثيراً عند غرينلاند والقارة القطبية الجنوبية اللتين ترتسمان ممتطتين بالاتجاه الأفقي أكثر بكثير مما هما في الواقع . وسبب هذا التشوه معروف طبعاً ، فهو ببساطة ناجم عن أن سطح الأرض كروي ، وليس بالمستطاع تمثيل سطح منحن على خارطة منبسطة دون تشوه . لكن إزالة هذا التشوه تصبح تلقائية إذا رسمت الخارطة على سطح كروي ، وهو تمثيل صادق لهندسة الأرض ؛ وعندما نفعل ذلك يفقد خط الاستواء ميزته على الخارطة ، وما رسم على الخارطة المنبسطة بخطوط مستقيمة (كخطوط الطول مثلا) يصبح دوائر عظمى على الخارطة الكروية (الدائرة العظمى هي كل دائرة تقسم سطح الكرة الى نصفين بالتمام .
إن هذه الاعتبارات توحي بأن التشوه الذي يشوب خرائط المكان - الزمان ناجم على الأرجح عن أن المكان - الزمان ليس في حقيقته منبسطاً ، بل هو منحن .
قد تبدو فكرة المكان - الزمان المنحني مريعة لأول وهلة أو حتى غير مفهومة . إن بعض خواص هذا الانحناء تتضح لدى التأمل في أثره على المكان والزمان ، كلا على حدة . فقد درس الرياضيون انحناء الفضاء سنوات عديدة. إن سمات مثل هذه الفضاءات تبرز من المقارنة . مع الفضاء المنبسط ، فنحن ، عندما نتكلم عن الفضاء المنبسط ، نقصد به فضاء مهما كان عدد أبعاده يخضع لقواعد الهندسة التي يتعلمها تلميذ المدرسة . إن مجموعة هذه القواعد معروفة باسم الهندسة الاقليدية، نسبة الى عالم الهندسة الأغريقي . إقليدس ، كما ذكرنا . فعندما كنا نتعامل في المدرسة مع الفضاء ذي البعدين كنا نمثله بصفيحة الورق المنبسطة . فاذا ظلت الورقة منبسطة أمكن التحقق بسهولة من . الخواص المألوفة للأشكال الهندسية . فمن الخواص الأولية لهذه الأشكال نعلم أن مجموع زوايا المثلث يساوي 180 درجة . إن هذه القواعد ، المستخرجة من الأشكال المرسومة على سطوح منبسطة ، ستصح أيضاً في الفضاء ذي الأبعاد الثلاثة إذا كان بالمستطاع دوماً صنع شرائح فيه منبسطة بحد ذاتها . إن إمكانية صنع مثل هذه الشرائح المنبسطة لم تكن قط موضع شك لدى هنادسة الاغريق ، وماتزال أمراً مسلماً به لدى الكثير من أناس هذا العصر . وفي الواقع ، عندما نقيس الزوايا والمسافات في فضائنا هذا (ليس ضرورياً أن ترسم الأشكال بالفعل) بواسطة الآلات الشائعة نجد ، في حدود دقتها ، أن هندسة اقليدس المستوية تسود في جوار سطح كرة الأرض (انظر الشكل (4 - 8) . لنفكر الآن في إمكانية فضاء منحن. وكمثال على فضاء من هذا القبيل (فضاء رياضي) نسوق سطح رقاقة منحنية محتواة في فضاء مسطح ذي ثلاثة أبعاد . وقد أوردنا في الفصل الأول سطح الكرة كصورة مفيدة لمثل هذه العملية. إن قواعد هندسة إقليدس لا تصح على سطح الكرة ، وهذا يتضح بسرعة من فحص الشكل 4 - 9 . ولفهم هذا الشكل لاحظ أولاً استحالة رسم خطوط مستقيمة على هذا السطح المنحني . على أننا نستطيع أن ترسم عليه ، وبين نقطتين منه ، خطاً مستقيماً بمعنى أن يكون أقصر مسافة بين النقطتين. وهذا الخط الأصغري ، على السطح المنحني ، يعرف باسم الخط الجيوديزي . إن الخطوط الجيوديزية على سطح الكرة هي أجزاء الدوائر العظمى عليه. وهذه الدوائر هي مقاطع سطح الكرة بمستويات تحوي مركز الكرة . إن الطائرات تطير عادة قرب الخط الجيوديزي بين مدينتين لجعل مسافة الرحلة أصغر مايمكن . فالخط الجيوديزي بين نيويورك وطوكيو يمر قرب القطب الشمالي ، مما يدعو ربان الطائرة الى التوجه شمالاً أولاً ثم جنوباً كي يسلك مساراً (مستقيماً).
شكل 4-7 . لماذا الفضاء منحن ؟ لتتصور مطراً من الجسيمات ينطلق من السكون ويسقط نحو الأرض. إنها كلها تتجه نحو مركز الأرض عبر ثقوب تتيح لها بلوغه) . إن مساراتها (خطوطها العالمية على خارطة المكان - الزمان تتقارب لتبلغ هذا المركز في زمن لاحق ! . فرغم أن هذه المسارات ترى ، عند الراصد الساقط حراً وفي السلم الموضعي الصغير ، كأنها مستقيمات متوازية ، إلا أنها في حقيقتها منحنية تدريجياً نحو نقطة . إن هذا يذكرنا بخطوط الطول على خارطة عادية، فهي تنحني لتتلاقي في نقطة عند القطبين) . ولئن كانت تبدو متوازية ومستقيمة ودون أن نلحظ فيها أي انحناء موضعي في سلم خارطة المدينة ، إلا أن انحناءها يرى واضحاً على خارطة العالم (إسقاط مركاتون عند القطبين . وسبب ذلك هو أن الأرض كروية والخارطة منبسطة . إن هذه الاعتبارات توحى بأن المكان - الزمان منحن في حقل التناقل ، وليس (منبسطاء)
إن خصائص الخطوط الجيوديزية تتوقف على طبيعة السطح الذي نرسمها عليه فعلى السطح المنبسط تستطيع دوماً أن نرسم جيوديزيات متوازية . لكن هذا ليس ممكناً على سطح كروي ، لأن أي دائرتين عظميين لابد أن تتقاطعا مرتين (فدوائر منتصف النهار - خطوط الطول - على سطح كرة الأرض تتقاطع كلها عند القطبين رغم أنها تبدو متوازية عند خط الاستواء).
شكل 4 - 8 . هل يمكن أن يبدو الفضاء ذو الأبعاد الثلاثة مستوياً ؟ إذا اكتفينا بدقة الآلات اليومية، فإن قواعد الهندسة المستخرجة من الرسم على ورقة مستوية يمكن أن تنطبق ، يقيناً ودون خطأ يذكر، على الأشكال ذات الأبعاد الثلاثة (قرب) الأرض على الأقل) . فطول الخط المائل ( AE) ، مثلاً ، على السطح ) (ACEF) يمكن أن يُحسب بدلالة الانحدار (الزاوية CAB ) والانفراج (الزاوية CAE ) وذلك بتقسيم الشكل الى مثلثات ومستطيلات مستوية ، كما في الرسم . وبسبب انطباق قواعد الهندسة المستوية على المجسمات الفضائية نقول إن الفضاء منبسط ، لكن الأجهزة العظيمة الدقة تكشف أنه منحن قليلا في الواقع .
لقد رسمنا في الشكل (4 - 9 (a) مثلثاً كروياً أضلاعه خطوط جيوديزية . نرى بسهولة أن مجموع زواياه يساوي ثلاث زوايا قائمة (270 درجة) ، بدلاً من قائمتين كما هي الحال في مثلثات الهندسة المستوية .
وكمثال آخر موضح في الشكل 4 - 9 (b) نرى دوائر متمركزة مرسومة حول نقطة P من سطح كروي ، وكذلك في سطح منبسط . ومعلوم أن نسبة محيط أية دائرة ، في سطح منبسط ، على نصف قطرها نسبة ثابتة π 2، لا تتغير بين دائرة وأخرى) . لكن من الواضح شکل 4 - 9 . فضاء منحن. إن سطح الكرة فضاء (رياضي) منحن . واضح أن مجموع زوايا المثلث في هذا الفضاء لا يساوي 180 درجة . كما أن محيط الدائرة لا يتزايد دوماً بتزايد نصف قطرها . أما في منطقة صغيرة فالفضاء منبسط تقريباً وتسود فيه هندسة اقليدس .
أن محيط الدائرة المرسومة على الكرة بنصف قطر معين ، 2 ، أصغر من 2 ويتناقص بازدياد وبعد أن يتجاوز ، ربع محيط الدائرة العظمى على السطح. وهذا يعني وجود محيط أعظمي من أجل هذه الدوائر . لكننا نلاحظ ذلك وفي المثالين الواردين هنا ، أن الهندسة ، مع الاقليدية تظل علماً تقريبياً جيداً في مناطق صغيرة من سطح الكرة . ففي السلم الصغير (أي موضعياً) يكون السطح منبسطاً تقريباً .
ورغم أن سمات هندسة السطوح المنحنية قد توضحت هنا من خلال تضمين السطح في فضاء منبسط ذي ثلاثة أبعاد ، فإننا لو تصورنا كائناً عاقلاً ذا بعدين ملازما لسطح الكرة ، تماماً ودوماً ودون أن يرى شيئاً من عالمنا الثلاثي ، فإن باستطاعة هذا الكائن أن ذلك يستنتج ، مع . وبفضل أرصاد جاربة كلها ضمن السطح ، أن مجموع زوايا المثلثات الكبيرة مثلاً لا يساوي قائمتين. ويستطيع أن يستنتج أيضاً استحالة رسم خطوط جيوديزية متوازية في فضائه ، وأشياء عديدة أخرى من خواص الكرة . تعبر عن هذا الواقع بأسلوب آخر فنقول : ليست هذه الخصائص مجرد مظاهر للطريقة التي اخترناها في تضمين السطح في الفضاء الأشمل ، إنما هي أصيلة في السطح نفسه. وبالاضافة الى هذه البنية الهندسية الأصيلة فإن الكائن الطموح ذا البعدين ، قاطن هذا السطح ، يستطيع أيضاً أن يكتشف ، بالسفر البعيد وبالرصد ، الخصائص التوبولوجية للكرة ، كونها سطحاً مغلقاً ومحدوداً ، مثلاً .
إن النتائج التي حصلنا عليها من اعتبارات تتناول فضاء ذا بعدين (أي سطحاً) يمكن أن تنطبق على أي فضاء ذي عدد أبعاد أكبر . وهناك طبعاً إمكانية أن يكون فضاؤنا الفيزيائي الواقعي ذو الأبعاد الثلاثة أو حتى المكان - الزمان ذو الأربعة أبعاد) محكوماً بقواعد الهندسة الكروية أو سواها ، لا بالهندسة الاقليدية. وقد يكون مجمل الفضاء ذا هندسة أصيلة غير اقليدية .
إن الفضاء المنحني الثلاثي يتمتع بصفات خاصة . لنفترض مثلاً أن الفضاء الثلاثي يشبه الكرة في الفضاء الثنائي . لا يوجد عندئذ نسبة ثابتة بين نصف قطر الدائرة ومحيطها . بل يوجد دوائر ذات محيط أعظمي. إن الكرات في الفضاء الثلاثي تقوم مقام الدوائر في الثنائي ، فتصبح مساحات سطوحها بمنزلة المحيطات. ومعلوم أن قواعد الهندسة الاقليدية تقول بوجود نسبة ثابتة (4π) بين مربع نصف القطر ، ومساحة سطح الكرة . فالفضاء الكروي الثلاثي ، على شاكلة مارأينا في الفضاء الثنائي ، يتصف بأن مساحة سطح الكرة أصغر عموماً من 477 . وفوق ذلك ، ومن أجل كرات متزايدة السطوح يوجد سطح ذو مساحة أعظمية يبدأ السطح بعده بالتناقص لدى ازدياد نصف القطر ! إن الحجم الكلي لمثل هذا الفضاء محدود. وهذه الصفة المميزة يمكن امتحانها (مبدئيا) بالرصد في عالمنا الواقعي . وسنعود في الفصل الخامس الى هذا الموضوع لمناقشة الشواهد التي تشير الى أن هندسة هذا العالم قد تكون كروية في المجالات الواسعة .
لقد اضطلع اينشتاين، في اقتراحه الثوري الجريء ، بربط هذه الأفكار الرياضية الهندسة المنحنية بخواص التثاقل الفيزيائية . وقد قال بأن المكان - الزمان ليس منبسطاً في الحقل الثقالي ، فهو لا يذعن لأحكام الهندسة الاقليدية ، بل هو فضاء منحن ذو بنية هندسية أشد تعقيداً . فالجسيم الساقط حراً يتحرك عبر هذه البنية المنحنية على مسار أصغري - خط جيوديزي . ولو كانت الثقالة غير موجودة لكان المكان - الزمان منبسطاً ، وعندها يكون الجسيم في الحالة النيوتنية المعروفة ، حراً من القوى ، وينقلب مساره الى حركة منتظمة في خط مستقيم . وطبقاً لهذه الأفكار الجديدة فإن المرجع الذي يسقط حراً في موضع يسود فيه حقل تثاقلي لا متجانس ( أي غير نسبق) سيعاني تشوها مكانياً - زمانياً ، إذ أن الهندسة المنحنية تقضي بانحناء المكان - الزمان. وهذا ما يجعل الجسيمات ، التي تسقط حرة وهي مفصولة بمسافات كبيرة ، تتبع مسارات منحنية ، كما شرحنا في الفقرة السابقة لدى الكلام عن تجربة الراصد القاطن في صندوق يسقط حراً .
لقد ذكرنا في الفصل الأول أن نيوتن اكتشف ميكانيكه من التساؤل عن سبب التسارع لا عن سبب الحركة المنتظمة. إذ كان يعتبر أن الحركة العطالية (المنتظمة) طبيعية ولا تحتاج الى تفسير . فالقوى ضرروبة لتغيير السرعة المنتظمة لا لاستمرارها . وكانت الثقالة واحدة من هذه القوى، وهي التي تدعو الجسم الى التسارع نحو الأرض . وبعدها ، وفي مستهل هذا القرن ، تقدم اينشتاين خطوة أخرى . فاعتبر سقوط الاجسام حالة حركية طبيعية هي الأخرى ، ولكن في مكان - زمان منحن . فليس في الثقالة إذن أي لغز . وليس سقوط التفاحة هو الذي يحتاج الى تفسير، بل توقفها عندما تصل الى الأرض . فكما ألغى نيوتن القوى من الحركة المنتظمة ألغى اينشتاين القوى من حركة السقوط ، وجعلها مسئولة عن كل شذوذ يطرأ على هذه الحركة . فعندما تصطدم التفاحة بالأرض تتدخل قوى غير ثقالية مخرج مسارها المكاني - الزماني عن الخط الجيوديزي الطبيعي . أما الأرض فهي ، بخلاف ذلك ، تثاقل نحو الشمس في مسار منحن ، ليس لأنها محكومة بقوة تحرفها عن الخط المستقيم بل لأنها تجري في مستقر لها عبر المكان - الزمان المنحني في جوار الشمس ذلك تقدير العزيز العليم - القرآن الكريم . المترجم) . إن هذا التطابق الرائع بين الثقالة والهندسة قد استقبل كواحد من أعظم الفتوح التي أحرزها الفكر البشري في تاريخه كله.
إن الوصف الكيفي للتثاقل بلغة الهندسة ، كما فصلناه هنا ، لا يشكل طبعاً بحد ذاته نظرية فيزيائية. وكان على أينشتاين أن يقدم مجموعة من المعادلات الرياضية تشرح كيف يحني منبع الثقالة المناط المكاني - الزماني في جواره. وقد كان في بحثه عن المعادلات الصحيحة يهتدي بعدة مبادى أساسية . منها مثلا أن تقترب نظريته من نظرية نيوتن في التثاقل كحالة حدية عندما تنتهي حقول التثاقل والسرعات الى قيم ضعيفة . وهذا مطلب جوهري لأن نموذج نيوتن الثقالي كان (ومايزال) يستخدم بنجاح باهر أجيالا عديدة . وعلى نظرية النسبية العامة ، ثانياً وفي حالة حقول ثقالية ضعيفة وسرعات عالية ، أن تؤول الى نظرية النسبية الخاصة.
لقد كانت الكتلة في نظرية نيوتن تعمل كمنبع لثقالتها . لكن هذا المقدار ليس منبعاً ملائماً في نظرية النسبية ، لأن الكتلة تكافى الطاقة وفق Emer) التي هي بدورها مرتبطة بالاندفاع بالأسلوب نفسه الذي يربط المكان بالزمان في نظرية النسبية ، والاندفاع ذو علاقة صميمية بالتوتر الميكانيكي والضغط. وعلى هذا فكل نظرية ثقالية منسجمة مع النسبية يجب أن تبيح لكل هذه المقادير الميكانيكية - التوتر والطاقة والاندفاع - أن تولد ثقالة .
وكخطوة ثانية يجب ايجاد المقدار الهندسي المكاني - الزماني اللازم ربطه بهذا المنبع . ومن فحص كيفية ترابط الطاقة والاندفاع استطاع اينشتاين ايجاد مقدارين هندسيين بصفان انحناء المكان - الزمان ويترابطان معا بالكيفية نفسها. ومن موازنة كل مقدارين معا - واحد هندسي وواحد فيزيائي - توصل الى معادلات الحقل الشهيرة التي تحمل اسمه . وهذه المعادلات تبين بالتفصيل كيف يمكن لتوزع معين ، من المقادير : توتر - طاقة - اندفاع ، أن يشوه نسيج المكان - الزمان في جواره .
إن أهم سمات معادلات اينشتاين الحقلية هي صعوبة حلها الكأداء . والواقع أنها ، بعد مرور ستين عاماً على اكتشافها، لم يُعرف لها سوى حفنة من الحلول الدقيقة . وقد أصابت ، لحسن الحظ وبعد اكتشافها بعام واحد ، أبسط هذه الحلول وأهمها حتى اليوم ، وهو الحل الذي يتعلق بحالة المكان - الزمان الخالي في جوار جسم كروي . وقد أوجده شفارتزشلد Schwarzschild. فلكي ألماني ، (1873 - 1919) وغرف باسمه . إن هذه الجملة - كتلة كروية محوطة بفضاء خال - تؤلف ، رغم بساطتها ، نموذجاً جيداً للمنظومة الشمسية : الشمس كرة في المركز والفضاء الخالي المنطقة التي تتحرك فيها الكواكب وتهمل ثقالة الكواكب نفسها أمام ثقالة الشمس) . فبحساب المسارات الجيوديزية في مكان - زمان شفارتز شلد يستطيع المرء أن يعرف شكل المدارات الكوكبية . وهذه مسألة قديمة تناولها كبلر (ألماني ، 1571 - 1630) ثم نيوتن في نظريته ، وخلصا من حساباتها القديمة الى أن المدارات الكوكبية إهليلجات تحتل الشمس فيها أحد المحرقين ، وهذه نتيجة عظيمة ثبت اتفاقها مع نتائج الأرصاد .
ونظرية النسبية العامة تعطي في هذا الصدد نتيجة جد قريبة مما تعطيه نظرية نيوتن . لكن بينهما فرقاً هو ، على ضالته ، حاسم في الحكم بينهما : فبدلا من الاهليلج المحكم الثابت تتنبأ نظرية النسبية بدوران محوريه في مستويها (هذه الحركة معروفة باسم المبادرة) بسرعة صغيرة جدا (شكل4 - 10) وسرعة هذه المبادرة من أجل عطارد ، وهو أخف الكواكب وأقربها إلى الشمس ، هي من رتبة 43 ثانية قوسية فقط في القرن الواحد ، أي أن الدورة الكاملة لهذه المبادرة تستغرق ثلاثة ملايين سنة . والحق أن ثمة أسباباً عديدة يمكن أن تولد مبادرة في فلك عطارد وهي فوق ذلك أعظم أثراً ، إلا أنها يمكن أن تحسب وقد حصل . لكن المعروف بالفعل، وقبل أن ينشر اينشتاين نتائج أعماله ، أنه يبقى رغم ذلك فرق من رتبة 40 ثانية قوسية في القرن الواحد من أجل مبادرة فلك عطارد . إن المفهوم الرائع الذي ابتدعه اينشتاين لتفسير هذا الفرق بلغة انحناء المكان - الزمان يُعد واحداً من الشواهد الرصدية القليلة على صحة نظرية النسبية العامة.
كفانا الآن حديثاً عن انحناء المكان - الزمان وعن مفعوله في مسارات جسيمات الاختبار فيه. ولتركز الآن اهتمامنا على مفعوله في الزمان وعلى كيفية تأثير تشوه المكان . الزمان في معدل سير الميقاتيات الموضوعة في حقل ثقالي .
إن إحدى السمات التي تتسم بها عدة نظريات ثقالية ، بما فيها نظرية النسبية العامة، هي أن الميقاتية الموضوعة في حقل ثقالي شديد ، قرب سطح كرة مادية عظيمة مثلا ، تسير (عقاربها) بأبطأ من سير ميقاتية مماثلة بعيدة جداً عن أية كتلة . إن هذا التمدد الزمني الثقالي موجود ، أيضاً وتلقائياً ، في أحشاء حل شفارتز شلد الذي تخرج تفاصيلة عن نطاق هذا الكتاب. على أن القارىء الملم بشيء من نظرية الكم يمكن أن ينتفع بالشرح المصاحب للشكل 4 - 11 . ومرة أخرى ، هذا المفعول صغير جدا في المنظومة الشمسية ، وتمدد الزمن النسبي عند سطح الأرض هو من رتبة 60 . فقط في السنتيمتر باتجاه الشاقول . ومع ذلك يمكن قياس هذا المفعول باستخدام ميقاتية ذرية . وإن ما نناقشه هنا هو بالطبع معدل ميقاتي نسبي . ويجب أن لا يظن القارىء أن الزمن يبدو قرب سطح الأرض منساباً بأبطأ منه في الفضاء الخارجي ، بل إنه يعني فقط أن الميقاتيتين الموضوعتين في هذين الموقعين المختلفين يختل تزاملهما تدريجياً .
شکل 4 - 10 . انحناء المكان - الزمان يقتل فلك عطارد . اكتشف كبار أن هذا المدار اهليلجي . وفسر نيوتن ذلك باستخدام نظريته في التثاقل . أما نظرية اينشتاين ، وهي تتنبأ أيضا بمدار إهليلجي ، فتقول بأن هذا الاهليلج يدور ببطء في مستويه. وسرعة هذه المبادرة ، من أجل عطارد ، لا تتجاوز 43 ثانية قوسية في القرن الواحد .
شکل 4 - 11 . نصف قطر شفارتزشلد . إن لقوتون الضوء تواتراً ميكانيكياً كمومياً متناسباً مع طاقته . وهذه الطاقة تعادل ، بموجب النسبية الخاصة ، كتلة تعادل فيmc2 . إن الكتلة M (نفترض تبسيطاً أنها نقطية) تسلط على m قوة جذب ثقالية تساوي GMm/r2 عند نيوتن . وبذلك يفقد الفوتون ، عندما يبتعد من المسافة ، الى اللانهاية ، طاقة تساوي GMm/r . وهذه تمثل فقداناً نسبياً، وبالتالي تناقصاً في التواتر نسبتهGM/rc2 . فاذا اتخذنا تواتر الفونون إيقاعاً ميقاتياً ، فإن هذا التناقص النسبي يمثل تباطؤاً نسبياً للميقاتية الموضوعة على المسافةr، كما يراه راصد ناء. فتمدد الزمن يصبح كبيراً جداً ، وبالتالي شدة الضوء الهارب خافتة ، عندما يصبح من رتبة GM/C2 ، لأن نسبة فقدان الطاقة تقترب من الواحد . ونظرية النسبية تتطلب بالفعل أن يحدث ذلك عندما يكون r=2GM/c2. إن هذه المسافة معروفة باسم نصف قطر شفارتز شلد ويزمر لها بـ r في الشكل. وأغلبية الأشياء في هذا العالم أكبر بكثير من نصف قطر شفارتز شلد المتعلق بها ، وعلى هذا فإن تمدد الزمن من أجلها يكاد لا يذكر .
الاكثر قراءة في النظرية النسبية العامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
