النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
ادعاء السفارة للإمام المهدي "عج"
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهدي "عج"
الجزء والصفحة:
ص880-929
2025-07-02
18
كان مذهب أهل البيت عليهم السلام وما زال ينفي عنه غلو الغالين ، نفياً بَتّاً لا لين فيه ، كما ينفي عنه تقصير المقصرين ، لأنه يستند الوحي الإلهي النقيّ عن الغلو والتقصير . وقد سجلت مصادرنا مواقف الأئمة الحاسم ممن ادعى لهم الألوهية ، أو أي نوع من الشراكة مع الله تعالى ، أو ادعى لهم النبوة ، أو ادعى السفارة عنهم كذباً .
وأحد أسباب الغلو فيهم عليهم السلام أن بعض الناس تبهره معجزاتهم عليه السلام ، ويضيق عقله عن عظمة الله تعالى وعظمة عطائه لأوليائه ، ويسول له الشيطان أن المخلوق خالق ، فيزعم أن الله تعالى حلَّ في الإمام عليه السلام ، ثم يدعي أن الإمام حلَّ فيه ! وقد ردَّ الأئمة عليهم السلام هذه الانحرافات ، وعلموا الناس العبودية المحضة لله تعالى .
مواقف الأئمة عليهم السلام من الذين غَلَوْا فيهم وألَّهُوهم
في مناقب آل أبي طالب : 1 / 227 : « أن عبد الله بن سبأ كان يدعي النبوة ، ويزعم أن أمير المؤمنين عليه السلام هو الله ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فدعاه وسأله ، فأقر بذلك وقال : أنت هو ، فقال له : ويلك قد سخر منك الشيطان ، فارجع عن هذا ثكلتك أمك وتب ! فلما أبى حبسه واستتابه ثلاثة أيام ، فأحرقه بالنار ! « أي دخن عليه ليتوب » .
وروي أن سبعين رجلاً من الزط أتوه عليه السلام بعد قتال أهل البصرة يدعونه إلهاً بلسانهم ، وسجدوا له قال لهم : ويلكم لا تفعلوا إنما أنا مخلوق مثلكم ! فأبوا عليه فقال : فإن لم ترجعوا عما قلتم فيَّ وتتوبوا إلى الله ، لأقتلنكم ، قال : فأبوا فخدَّ لهم أخاديد وأوقد ناراً ، فكان قنبر يحمل الرجل بعد الرجل على منكبه فيقذفه في النار ، ثم قال :
إني إذا أبصرت أمراً منكرا أوقدت ناراً ودعوت قنبرا
ثم احتفرت حُفَراً فحُفَرا وقنبرٌ يخطم خطماً منكرا » .
والصحيح أنه عليه السلام حبسهم وأتم عليهم الحجة ، واستتابهم فلم يتوبوا ، ثم حفر لهم حفرتين مثقوبتين على بعضهما ، ودخَّن عليهم ، فلم يرجعوا فأمر بقتلهم . ولا صحة لقول من قال أحرقهم . كما قال ابن عبد البر في التمهيد : 5 / 317 : « فاتخذوه رباً وادعوه إلهاً وقالوا له : أنت خالقنا ورازقنا ، فاستتابهم واستأنى وتوعدهم ، فأقاموا على قولهم ، فحفر لهم حفراً دخن عليهم فيها طمعاً في رجوعهم فأبوا ، فحرقهم » .
وكذلك كان موقف الإمام جعفر الصادق عليه السلام ، فقد تبرأ ممن ادعى له الربوبية ولعنه ، ففي رجال الطوسي : 2 / 587 : « عن أبي بصير ، قال لي أبو عبد الله : يا أبا محمد إبرأ ممن يزعم أنا أرباب ، قلت : برئ الله منه ، قال : إبرأ ممن يزعم أنا أنبياء . قلت : برئ الله منه .
وفي أصل زيد الزراد / 46 ، قال : « لما لبَّى أبو الخطاب بالكوفة ، وادعى في أبى عبد الله ما ادعى ، دخلت على أبي عبد الله عليه السلام مع عبيد بن زرارة ، فقلت له : جعلت فداك لقد ادعى أبو الخطاب وأصحابه فيك أمراً عظيماً ! إنه لبى : لبيتك جعفر لبيك معراج ! وزعم أصحابه أن أبا الخطاب أسري به إليك ، فلما هبط إلى الأرض من ذلك دعا إليك ، ولذلك لبى بك ! قال : فرأيت أبا عبد الله عليه السلام قد أرسل دمعته من حماليق عينيه ، وهو يقول : يا رب برئت إليك مما ادعى فيَّ الأجدع عبد بني أسد ! خشع لك شعري وبشرى ، عبدٌ لك ابن عبد لك خاضع ذليل !
ثم أطرق ساعة في الأرض كأنه يناجي شيئاً ، ثم رفع رأسه وهو يقول : أجل أجل عبدٌ خاضعٌ ، خاشعٌ ذليل لربه ، صاغرٌ راغمٌ ، من ربه خائفٌ وجل . لي والله ربٌّ أعبده ، لا أشرك به شيئاً ! ماله أخزاه الله وأرعبه ، ولا آمن روعته يوم القيامة ، ما كانت تلبية الأنبياء هكذا ، ولا تلبية الرسل ، إنما لبت : بلبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك !
ثم قمنا من عنده فقال : يا زيد إنما قلت لك هذا لأستقر في قبري . يا زيد ، أستر ذلك عن الأعداء » . انتهى . وقصده عليه السلام أن ينتبه زيد الزراد لئلا يستغل ذلك بنو العباس ضد الشيعة ويتهمونهم بعبادة أهل البيت عليهم السلام !
وفي الكافي : 8 / 225 : « عن مالك بن عطية : خرج إلينا أبو عبد الله عليه السلام وهو مغضب ، فقال : إني خرجت آنفاً في حاجة ، فتعرض لي بعض سودان المدينة فهتف بي : لبيك يا جعفر بن محمد لبيك ! فرجعت عَوْدي على بدئي إلى منزلي ، خائفاً ذعراً مما قال ، حتى سجدت في مسجدي لربي ، وعفرت له وجهي ، وذللت نفسي ، وبرئت إليه مما هتف بي ! ولو أن عيسى بن مريم عدا ما قال الله فيه ، إذاً لصُمَّ صماً لا يسمع بعده أبداً ، وعمي عمى لا يبصر بعده أبداً ، وخرس خرساً لا يتكلم بعد أبداً ، ثم قال : لعن الله أبا الخطاب وقتله بالحديد » .
وفي هامشه : « واستجيب دعاؤه عليه السلام فيه ، ذكر الكشي أنه بعث عيسى بن موسى بن علي بن عبد الله بن العباس ، وكان عامل المنصور على الكوفة إلى أبي الخطاب وأصحابه ، لما بلغه أنهم قد أظهروا الإباحات ، ودعوا الناس إلى نبوة أبي الخطاب ، وأنهم مجتمعون في المسجد ، لزموا الأساطين ، يُرُون الناس أنهم لزموها للعبادة !
وبعث إليهم رجلاً فقتلهم جميعاً ، فلم يفلت منهم إلا رجل واحد أصابته جراحات فسقط بين القتلى يعد فيهم ، فلما جنه الليل خرج من بينهم فتخلص ، وهو أبو سلمة سالم بن مكرم الجمال . وروي أنهم كانوا سبعين رجلاً » .
وفي رجال الطوسي : 2 / 584 : « عن حنان بن سدير : كنت جالساً عند أبي عبد الله ومُيَسِّرٌعنده ، ونحن في سنة ثمان وثلاثين ومائة ، فقال ميسر بياع الزطي : جعلت فداك عجبت لقوم كانوا يأتون معنا إلى هذا الموضع ، فانقطعت آثارهم وفنيت آجالهم . قال : ومن هم ؟ قلت : أبو الخطاب وأصحابه ، وكان متكئاً فجلس فرفع إصبعه إلى السماء ، ثم قال : على أبي الخطاب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، فأشهد بالله أنه كافر فاسق مشرك ، وأنه يحشر مع فرعون في أشد العذاب ، غدواً وعشياً ، ثم قال : أما والله إني لأنْفَسُ على أجساد أصليت معه النار » .
وفي معاني الأخبار / 388 : « قيل له : إن أبا الخطاب يذكر عنك أنك قلت له : إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت فقال عليه السلام : لعن الله أبا الخطاب ، والله ما قلت له هكذا ، ولكني قلت : إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت من خير يقبل منك ، إن الله عز وجل يقول : مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . ويقول تبارك وتعالى : مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً » .
وكذلك كان موقف الإمام الكاظم عليه السلام ، قال ابن المغيرة : « كنت عند أبي الحسن عليه السلام أنا ويحيى بن عبد الله بن الحسن فقال يحيى : جعلت فداك إنهم يزعمون أنك تعلم الغيب ؟ فقال : سبحان الله سبحان الله ، ضع يدك على رأسي ، فوالله ما بقيت في جسدي شعرة ولا في رأسي إلا قامت ! قال ثم قال : لا والله ما هي إلا وراثة عن رسول الله صلى الله عليه وآله » . « رجال الطوسي : 2 / 587 » .
وكذلك كان موقف الإمام الرضا عليه السلام : ففي معجم رجال الحديث : 18 / 135 : « قال الكشي / 428 : قال نصر بن صباح : محمد بن الفرات كان بغدادياً ، حدثني الحسين بن الحسن القمي قال : حدثني سعد بن عبد الله قال : حدثني العبيدي عن يونس قال : قال أبو الحسن الرضا عليه السلام : يا يونس أما ترى إلى محمد بن الفرات وما يكذب عليَّ ؟ فقلت : أبعده الله وأسحقه وأشقاه . فقال : قد فعل الله ذلك به ، أذاقه الله حر الحديد كما أذاق من كان قبله ممن كذب علينا ، يا يونس إنما قلت ذلك لتحذِّر عنه أصحابي ، وتأمرهم بلعنه والبراءة منه ، فإن الله يبرأ منه .
قال سعد : وحدثني ابن العبيدي قال : حدثني أخي جعفر بن عيسى ، وعلي بن إسماعيل الميثمي ، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه قال : آذاني محمد بن الفرات ، آذاه الله وأذاقه الله حر الحديد ، آذاني لعنه الله ما آذى أبو الخطاب لعنه الله جعفر بن محمد عليه السلام بمثله ، وما كذب علينا خطابي مثل ما كذب محمد بن الفرات ، والله ما من أحد يكذب علينا إلا ويذيقه الله حر الحديد .
قال محمد بن عيسى : فأخبراني وغيرهما : أنه ما لبث محمد بن الفرات إلا قليلاً ، حتى قتله إبراهيم بن شكلة أخبث قتلة ، فكان محمد بن الفرات يقول : إنه باب ، وإنه نبي وكان القاسم اليقطيني وعلي بن حسكة القمي كذلك يدعيان ، لعنهما الله » .
وفي الإعتقادات للصدوق / 99 : « كان الرضا عليه السلام يقول في دعائه : اللهم إني أبرأ إليك من الحول والقوة ، فلا حول ولا قوة إلا بك . اللهم إني أبرأ إليك من الذين ادعوا لنا ما ليس لنا بحق . اللهم إني أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا . اللهم لك الخلق ومنك الأمر ، وإياك نعبد وإياك نستعين . اللهم أنت خالقنا وخالق آبائنا الأولين وآبائنا الآخرين . اللهم لا تليق الربوبية إلا بك ، ولا تصلح الإلهية إلا لك ، فالعن النصارى الذين صغروا عظمتك ، والعن المضاهئين لقولهم من بريتك . اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك ، لا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً ، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً . اللهم من زعم أننا أرباب فنحن إليك منه براء ، ومن زعم أن إلينا الخلق وعلينا الرزق ، فنحن إليك منه براء ، كبراءة عيسى من النصارى . اللهم إنا لم ندعهم إلى ما يزعمون فلا تؤاخذنا بما يقولون ، واغفر لنا ما يزعمون . رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً ، إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِراً كَفَّاراً » .
وكذلك كان موقف الإمام الهادي عليه السلام ، ففي رجال الطوسي : 2 / 805 : « قال نصر بن الصباح : الحسن بن محمد المعروف بابن بابا ، ومحمد بن نصير النميري ، وفارس بن حاتم القزويني ، لعن هؤلاء الثلاثةَ عليُّ بن محمد العسكري عليه السلام . وذكر أبو محمد الفضل بن شاذان في بعض كتبه أن من الكذابين المشهورين ابن بابا القمي .
قال سعد : حدثني العبيدي قال : كتب إلي العسكري عليه السلام ابتداءً منه : أبرأ إلى الله من الفهري والحسن بن محمد بن بابا القمي فابرأ منهما ، فإني محذرك وجميع مواليَّ ، وإني ألعنهما عليهما لعنة الله ، مستأكليْن يأكلان بنا الناس ، فتَّانيْن مؤذييْن ، آذاهما الله وأركسهما في الفتنة ركساً . يزعم ابن بابا أني بعثته نبياً وأنه باب ! عليه لعنة الله ، سخر منه الشيطان فأغواه ، فلعن الله من قبل منه ذلك ! يا محمد إن قدرت أن تشدخ رأسه بالحجر فافعل ، فإنه قد آذاني ، آذاه الله في الدنيا والآخرة . . . » . انتهى .
أقول : وهناك آخرون ادعوا في الأئمة عليه السلام الألوهية أو الحلول ، وكان هدف أكثرهم أن يصلوا إلى ادعاء حلول روح النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام فيهم ، أو حلول الله سبحانه فيهم !
وأغلب هؤلاء كانوا شخصيات في عصرهم ، وبعضهم كان يساندهم خلفاء أو وزراء . وقد بقي هذا الخط التحريفي بعد وفاة الإمام العسكري وغيبة المهدي عليه السلام ، وأبرز المدعين : الشريعي أو السريعي ، والنصيري النميري ، والحلاج ، والشلمغاني . وابن هلال الكرخي ، وابن بلال ، وأبو بكر البغدادي ، وأبو دلف المجنون . .
السريعي والنميري والكرخي والبغدادي والمجنون
قال الطوسي رحمه الله في الغيبة / 397 : « ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية والسفارة كذباً وافتراءً لعنهم الله : أولهم المعروف بالشريعي : أخبرنا جماعة عن أبي محمد التلعكبري ، عن أبي علي محمد بن همام قال : كان الشريعي يكنى بأبي محمد قال هارون : وأظن اسمه كان الحسن ، وكان من أصحاب أبي الحسن علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي بعده عليهم السلام ، وهو أول من ادعى مقاماً لم يجعله الله فيه ، ولم يكن أهلاً له ، وكذب على الله وعلى حججه عليهم السلام ، ونسب إليهم ما لا يليق بهم وما هم منه براء ، فلعنته الشيعة وتبرأت منه ، وخرج توقيع الإمام عليه السلام بلعنه والبراءة منه .
قال هارون : ثم ظهر منه القول بالكفر والإلحاد ، قال : وكل هؤلاء المدعين إنما يكون كذبهم أولاً على الإمام وأنهم وكلاؤه ، فيدعون الضعفة بهذا القول إلى موالاتهم ، ثم يترقى الأمر بهم إلى قول الحلاجية ، كما اشتهر من أبي جعفر الشلمغاني ونظرائه ! عليهم جميعاً لعائن الله تترى .
ومنهم محمد بن نصير النميري : قال ابن نوح : أخبرنا أبو نصر هبة الله بن محمد قال : كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام فلما توفي أبو محمد ادعى مقام أبي جعفر محمد بن عثمان ، أنه صاحب إمام الزمان ، وادعى له البابية ، وفضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والجهل ولَعْن أبي جعفر محمد بن عثمان له ، وتبريه منه واحتجابه عنه ، وادعى ذلك الأمر بعد الشريعي .
قال أبو طالب الأنباري : لما ظهر محمد بن نصير بما ظهر لعنه أبو جعفر رضي الله عنه وتبرأ منه ، فبلغه ذلك فقصد أبا جعفر رضي الله عنه ليعطف بقلبه عليه ، أو يعتذر إليه ، فلم يأذن له وحجبه ورده خائباً .
وقال سعد بن عبد الله : كان محمد بن نصير النميري يدعي أنه رسول نبي ، وأن علي بن محمد عليه السلام أرسله ، وكان يقول بالتناسخ ، ويغلو في أبي الحسن عليه السلام ويقول فيه بالربوبية ، ويقول بالإباحة للمحارم وتحليل نكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم ويزعم أن ذلك من التواضع والإخبات والتذلل في المفعول به ، وأنه من الفاعل إحدى الشهوات والطيبات ، وأن الله عز وجل لا يحرم شيئاً من ذلك !
وكان محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات يقوي أسبابه ويعضده ! أخبرني بذلك عن محمد بن نصير أبو زكريا يحيى بن عبد الرحمن بن خاقان ، أنه رآه عياناً وغلام له على ظهره قال : فلقيته فعاتبته على ذلك ، فقال : إن هذا من اللذات وهو من التواضع لله وترك التجبر !
قال سعد فلما اعتل محمد بن نصير العلة التي توفي فيها ، قيل له وهو مثقل اللسان : لمن هذا الأمر من بعدك ؟ فقال بلسان ضعيف ملجلج : أحمد ، فلم يدروا من هو فافترقوا بعده ثلاث فرق ، قالت فرقة : إنه أحمد ابنه ، وفرقة قالت : هو أحمد بن محمد بن موسى بن الفرات ، وفرقة قالت : إنه أحمد بن أبي الحسين بن بشر بن يزيد ، فتفرقوا ، فلا يرجعون إلى شئ !
ومنهم أحمد بن هلال الكرخي : قال أبو علي بن همام : كان أحمد بن هلال من أصحاب أبي محمد عليه السلام ، فاجتمعت الشيعة على وكالة محمد بن عثمان رضي الله عنه بنص الحسن عليه السلام في حياته ، ولما مضى الحسن قالت الشيعة الجماعة له : ألا تقبل أمر أبي جعفر محمد بن عثمان وترجع إليه وقد نص عليه الإمام المفترض الطاعة ؟ فقال لهم : لم أسمعه ينص عليه بالوكالة ، وليس أنكر أباه يعني عثمان بن سعيد ، فأما أن أقطع أن أبا جعفر وكيل صاحب الزمان فلا أجسر عليه . فقالوا : قد سمعه غيرك فقال : أنتم وما سمعتم ووقف على أبي جعفر ، فلعنوه وتبرؤا منه ثم ظهر التوقيع على يد أبي القاسم بن روح بلعنه والبراءة منه ، في جملة من لعن !
ومنهم أبو طاهر محمد بن علي بن بلال : وقصته معروفة فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمد بن عثمان العمري نضر الله وجهه ، وتمسكه بالأموال التي كانت عنده للإمام وامتناعه من تسليمها ، وادعائه أنه الوكيل حتى تبرأت الجماعة منه ولعنوه ، وخرج فيه من صاحب الزمان عليه السلام ما هو معروف .
وحكى أبو غالب الزراري قال : حدثني أبو الحسن محمد بن محمد بن يحيى المعاذي قال : كان رجل من أصحابنا قد انضوى إلى أبي طاهر بن بلال بعدما وقعت الفرقة ، ثم إنه رجع عن ذلك وصار في جملتنا فسألناه عن السبب ، قال : كنت عند أبي طاهر بن بلال يوماً وعنده أخوه أبو الطيب وابن حرز وجماعة من أصحابه ، إذ دخل الغلام فقال : أبو جعفر العمري على الباب ، ففزعت الجماعة لذلك وأنكرته للحال التي كانت جرت ، وقال : يدخل ، فدخل أبو جعفر رضي الله عنه فقام له أبو طاهر والجماعة وجلس في صدر المجلس ، وجلس أبو طاهر كالجالس بين يديه ، فأمهلهم إلى أن سكتوا . ثم قال : يا أبا طاهر نشدتك الله أو نشدتك بالله ألم يأمرك صاحب الزمان عليه السلام بحمل ما عندك من المال إليَّ ؟ فقال : اللهم نعم .
فنهض أبو جعفر رضي الله عنه منصرفاً ، ووقعت على القوم سكتة ، فلما تجلت عنهم قال له أخوه أبو الطيب : من أين رأيت صاحب الزمان ؟ فقال أبو طاهر : أدخلني أبو جعفر رضي الله عنه إلى بعض دوره ، فأشرف علي من علو داره ، فأمرني بحمل ما عندي من المال إليه ، فقال له أبو الطيب : ومن أين علمت أنه صاحب الزمان ؟ قال : قد وقع علي من الهيبة له ودخلني من الرعب منه ما علمت أنه صاحب الزمان ، فكان هذا سبب انقطاعي عنه » .
وفي الإحتجاج : 2 / 289 : « وكذلك كان محمد بن نصير النميري من أصحاب أبي محمد الحسن عليه السلام ، فلما توفي ادعى البابية لصاحب الزمان ، ففضحه الله تعالى بما ظهر منه من الإلحاد والغلو والتناسخ ، وكان يدعي أنه رسول نبي أرسله علي بن محمد عليه السلام ويقول بالإباحة للمحارم . وكان أيضاً من جملة الغلاة أحمد بن هلال الكرخي وقد كان من قبل في عدد أصحاب أبي محمد عليه السلام ، ثم تغير عما كان عليه وأنكر بابية أبي جعفر محمد بن عثمان ، فخرج التوقيع بلعنه من قبل صاحب الأمر والزمان وبالبراءة منه ، في جملة من لعن وتبرأ منه ، وكذا كان أبو طاهر محمد بن علي بن بلال ، والحسين بن منصور الحلاج ، ومحمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقري ، لعنهم الله ، فخرج التوقيع بلعنهم والبراءة منهم جميعاً على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله ، ونسخته : عرِّف أطال الله بقاك وعرَّفك الله الخير كله وختم به عملك ، من تثق بدينه وتسكن إلى نيته ، من إخواننا أدام الله سعادتهم : بأن محمد بن علي المعروف بالشلمغاني عجل الله له النقمة ولا أمهله ، قد ارتد عن الإسلام وفارقه وألحد في دين الله ، وادعى ماكفر معه بالخالق جل وتعالى ، وافترى كذباً وزوراً ، وقال بهتاناً وإثماً عظيماً ، كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيداً وخسروا خسراناً مبيناً ، وأنا برئنا إلى الله تعالى وإلى رسوله صلوات الله عليه وسلامه ورحمته وبركاته ، منه ولعناه ، عليه لعاين الله تترى في الظاهر منا والباطن ، في السر والجهر ، وفي كل وقت ، وعلى كل حال ، وعلى كل من شايعه وبلغه هذا القول منا فأقام على توليه بعده . أعلمهم تولاك الله أننا في التوقي والمحاذرة منه على مثل ما كنا عليه ممن تقدمه من نظرائه من : السريعي والنميري والهلالي والبلالي وغيرهم ، وعادة الله جل ثناؤه مع ذلك قبله وبعده عندنا جميلة ، وبه نثق وإياه نستعين ، وهو حسبنا في كل أمورنا ونعم الوكيل » .
وفي مقالات الإسلاميين / 7 : « أصحاب الشريعي يزعمون أن الله حل في خمسة أشخاص : في النبي وفي علي وفي الحسن وفي الحسين وفي فاطمة ، فهؤلاء آلهة عندهم وليس يطعن أصحاب الشريعي على النبي ولا يقولون عنه ما حكيناه عن الصنف الذي ذكرناه قبلهم . وقالوا : لهذه الأشخاص الخمسة التي حل فيها الإله خمسة أضداد ، فالأضداد أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعمرو بن العاص .
وافترقوا في الأضداد على مقالتين : فزعم بعضهم أن الأضداد محمودة ، لأنه لا يعرف فضل الأشخاص الخمسة إلا بأضدادها ، فهي محمودة من هذا الوجه !
وزعم بعضهم أن الأضداد مذمومة وأنها لا تحمد بحال من الأحوال .
وحكي أن الشريعي كان يزعم أن البارئ جل جلاله يحل فيه ، وحكي أن فرقة من الرافضة يقال لهم النميرية أصحاب النميري ، يقولون أن البارئ كان حالاً في النميري » . انتهى .
وفي معجم رجال الحديث للسيد الخوئي : 18 / 317 : « محمد بن نصير النميري : قال الكشي « 383 » : قال أبو عمرو : وقالت فرقة بنبوة محمد بن نصير الفهري النميري ، وذلك أنه ادعى أنه نبي رسول وأن علي بن محمد العسكري عليه السلام أرسله ! » وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن عليه السلام ويقول فيه بالربوبية ، ويقول بإباحة المحارم . . . إلى آخر ما في غيبة الطوسي / 398 .
وفي الذريعة : 3 / 268 : « تاريخ العلويين ، تأليف محمد أمين بن علي غالب بن سليمان آقا بن إبراهيم آقا ، المنتهي نسبه على ما ذكره المؤلف في الكتاب إلى يعرب بن قحطان ، وذكر أن العلويين القاطنين في سواحل بحر الشام في عدة بلاد وعاصمتهم اللاذقية ، وهم أتباع محمد بن نصير النميري ، كلهم شيعة اثنا عشرية معتقدون بإمامة الحجة بن الحسن العسكري عليه السلام ، وإنما ينكرون نيابة النواب الأربعة ويكذبونهم ويقولون إن باب الإمام العسكري كان السيد أبا شعيب محمد بن نصير البصري النميري ، وبعده أبو محمد عبد الله بن محمد الحنان الجنبلاني ، المولود سنة 235 والمتوفى سنة 287 ، واليه تنسب الطريقة الجنبلانية ، وبعده تلميذه السيد حسين بن حمدان الخصيبي المولود سنة 260 والمتوفى سنة 346 ، كان يسكن جنبلان ، ثم رحل إلى حلب وبها ألف الهداية الكبرى لحاكمها سيف الدولة بن حمدان ، وكان له وكلاء منهم السيد علي الجسري وكيله في بغداد . أقول : تظهر الحقائق بالرجوع إلى ترجمة محمد بن نصير والحسين بن حمدان ، في كتب الغيبة وكتب رجالنا » . انتهى .
هذا ، وتجد أخبار محمد بن نصير وغلو أتباعه فيه في كتاب الهداية الكبرى للحسين بن حمدان الخصيبي . وقد خلط السمعاني في الأنساب « 5 / 498 » بين النصيري وبين عبد الله بن سبأ ، مع أن الفرق بينهما أكثر من قرنين !
ومنهم أحمد بن هلال العبرتائي : قال الطوسي رحمه الله في الغيبة / 351 : « روى محمد بن يعقوب قال : خرج إلى العمري في توقيع طويل اختصرناه : ونحن نبرأ إلى الله تعالى من ابن هلال لا رحمه الله وممن لايبرأ منه فأعْلِم الإسحاقي وأهل بلده مما أعلمناك من حال هذا الفاجر ، وجميع من كان سألك ويسألك عنه . ومنهم أبو طاهر محمد بن علي بن بلال ، وغيرهم ، مما لا نطول بذكرهم ، لأن ذلك مشهور موجود في الكتب » .
ابن حسكة وابن حاتم وفارس والسمهري وأبو الزرقاء . .
يظهر من مصادرنا أن بعض هؤلاء المضلين كانوا متأثرين بالفلسفة المجوسية في الحلول ، فقد ذكروا أن السريعي كان أبرز تلاميذ أستاذه ابن حسكة القمي ، وكان دينهم الكفر برسول الله صلى الله عليه وآله وتأليه الأئمة عليهم السلام ، وادعاء أن الله تعالى حل فيهم !
ولا بد أن تكون نسبة القمي لوجوده فترة من عمره في قم ، فقد كان أهل قم يُخرجون منها المنحرفين .
قال المحقق البحراني في الحدائق الناضرة : 1 / 12 : « ورد في جملة من الأخبار التي رواها ثقة الاسلام في جامعه الكافي وغيره في غيره ، وإلى تحذيرهم الشيعة عن مداخلة كل من أظهر البدع وأمرهم بمجانبتهم ، وتعريفهم لهم بأعيانهم ، كما عرفت فيما تلونا من الأخبار . ومن ذلك أيضاً ما خرج عن الأئمة المتأخرين صلوات الله عليهم أجمعين ، في لعن جماعة ممن كانوا كذلك ، كفارس بن حاتم القزويني ، والحسن بن محمد بن بابا ، ومحمد بن نصير النميري ، وأبي طاهر محمد بن علي بن بلال ، وأحمد بن هلال ، والحسين بن منصور الحلاج ، وابن أبي العزاقر ، وأبي دلف ، وجمع كثير ممن يتسمى بالشيعة ، ويظهر المقالات الشنيعة من الغلو والإباحات والتناسخ ونحوها . وقد خرجت في لعنهم التوقيعات عنهم عليهم السلام في جميع الأماكن والبراءة منهم . وقد ذكر الشيخ قدس سره في كتاب الغيبة جمعاً من هؤلاء ، وأورد الكشي أخباراً فيما أحدثوا ، وما خرج فيهم من التوقيعات لذلك » .
وفي رجال الكشي : 2 / 804 ، ملخصاً : « قال نصر بن الصباح : إن الحسين بن علي الخواتيمي كان غالياً ملعوناً ، وكان أدرك الرضا عليه السلام . قال نصر بن الصباح : الحسن بن محمد المعروف بابن بابا ، ومحمد بن نصير النميري ، وفارس بن حاتم القزويني ، لعن هؤلاء الثلاثةَ عليُّ بن محمد العسكري عليه السلام » .
وذكر أبو محمد الفضل بن شاذان في بعض كتبه أن من الكذابين المشهورين ابن بابا القمي . قال سعد : حدثني العبيدي قال : « كتب إلي العسكري عليه السلام ابتداءً منه : أبرأُ إلى الله من الفهري ، والحسن بن محمد بن بابا القمي فابرأْ منهما ، فإني محذرك وجميع مواليَّ ، وأني ألعنهما عليهما لعنة الله ، مستأكلين يأكلان بنا الناس ، فتانين مؤذيين آذاهما الله ، وأركسهما في الفتنة ركساً . يزعم ابن بابا أني بعثته نبياً وأنه باب ، عليه لعنة الله ، سخر منه الشيطان فأغواه ، فلعن الله من قبل منه ذلك ، يا محمد إن قدرت أن تشدخ رأسه بالحجر فافعل ، فإنه قد آذاني ، آذاه الله في الدنيا والآخرة » .
قال أبو عمرو : « وقالت فرقة بنبوة محمد بن نصير النميري ، وذلك أنه ادعى أنه نبي رسول ، وأن علي بن محمد العسكري عليه السلام أرسله ، وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن عليه السلام . . . قال نصر بن الصباح : موسى السواق له أصحاب علياوية « مغالون من علا يعلو » يقعون في محمد رسول الله صلى الله عليه وآله » .
وعلي بن حسكة الحَوّار قمي ، كان أستاذ القاسم الشعراني اليقطيني . وابن بابا ، ومحمد بن موسى الشريعي ، كانا من تلامذة علي بن حسكة ، ملعونون لعنهم الله .
وذكر الفضل بن شاذان في بعض كتبه أن من الكذابين المشهورين علي بن حسكة . قال نصر بن الصباح : « العباس بن صدقة ، وأبو العباس الطرناني ، وأبو عبد الله الكندي المعروف بشاه رئيس ، كانوا من الغلاة الكبار الملعونين .
حدثني موسى بن جعفر بن وهب . . كتب عروة إلى أبي الحسن عليه السلام في أمر فارس بن حاتم ، فكتب : كذبوه وهتكوه أبعد الله وأخزاه ، فهو كاذب في جميع ما يدعي ويصف ، ولكن صونوا أنفسكم عن الخوض والكلام في ذلك ، وتوقوا مشاورته ولا تجعلوا له السبيل إلى طلب الشر ، كفانا الله مؤنته ومؤنة من كان مثله . . . »
وذكر الفضل بن شاذان في بعض كتبه أن من الكذابين المشهورين : « الفاجر فارس بن حاتم القزويني . . . حدثني محمد بن عيسى بن عبيد ، أن أبا الحسن العسكري عليه السلام أمر بقتل فارس بن حاتم القزويني ، وضمن لمن قتله الجنة فقتله جنيد . وكان فارس فتاناً يفتن الناس ، ويدعو إلى البدعة ، فخرج من أبي الحسن عليه السلام هذا فارس لعنه الله يعمل من قبلي فتاناً داعياً إلى البدعة ودمه هدر لكل من قتله ، فمن هذا الذي يريحني منه ويقتله ، وأنا ضامن له على الله الجنة . . . »
إسحاق الأنباري قال : « قال لي أبو جعفر الثاني عليه السلام : ما فعل أبو السمهري لعنه الله ، يكذب علينا ، ويزعم أنه وابن أبي الزرقاء دعاة إلينا ، أشهدكم أني أتبرأ إلى الله عز وجل منهما ، إنهما فتانان ملعونان . . »
ومنهم أبو بكر البغدادي : قال الطوسي رحمه الله في الغيبة : « ذكر أمر أبي بكر البغدادي : ابن أخ الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري ، وأبي دلف المجنون .
أخبرني الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ، عن أبي الحسن علي بن بلال المهلبي ، قال : سمعت أبا القاسم جعفر بن محمد بن قولويه يقول : أما أبو دلف الكاتب لا حاطَّه الله فكنا نعرفه ملحداً ثم أظهر الغلو ، ثم جن وسلسل ، ثم صار مفوضاً . وما عرفناه قط إذا حضر في مشهد إلا استخف به ، ولا عرفته الشيعة إلا مدة يسيرة ، والجماعة تتبرأ منه وممن يومي إليه وينمس به . وقد كنا وجهنا إلى أبي بكر البغدادي لما ادعى له هذا ما ادعاه فأنكر ذلك وحلف عليه ، فقبلنا ذلك منه ، فلما دخل بغداد مال إليه وعدل عن الطائفة وأوصى إليه ، لم نشك أنه على مذهبه فلعناه وبرئنا منه ، لأن عندنا أن كل من ادعى الأمر بعد السمري رحمه الله فهو كافر منمس ضال مضل . وبالله التوفيق .
وذكر أبو عمرو محمد بن محمد بن نصر السكري ، قال : « لما قدم ابن محمد بن الحسن بن الوليد القمي من قبل أبيه والجماعة على أبي بكر البغدادي وسألوه عن الأمر الذي حكي فيه من النيابة ، أنكر ذلك ، وقال : ليس إلي من هذا شئ ، وعرض عليه مال فأبى ، وقال : محرم علي آخذ شئ منه ، فإنه ليس إليَّ من هذا الأمر شئ ، ولا ادعيت شيئاً من هذا ، وكنت حاضراً لمخاطبته إياه بالبصرة » .
ومنهم أبو دلف المجنون : قال الطوسي في الغيبة / 413 : « وذكر ابن عياش قال : اجتمعت يوماً مع أبي دلف ، فأخذنا في ذكر أبي بكر البغدادي ، فقال لي : تعلم من أين كان فضل سيدنا الشيخ قدس الله روحه وقدس به على أبي القاسم الحسين بن روح وعلى غيره ؟ فقلت له : ما أعرف . قال : لأن أبا جعفر محمد بن عثمان قدم اسمه على اسمه في وصيته . قال فقلت له : فالمنصور إذاً أفضل من مولانا أبي الحسن موسى عليه السلام ! قال : وكيف ؟ قلت : لأن الصادق عليه السلام قدم اسمه على اسمه في الوصية ! فقال لي : أنت تتعصب على سيدنا وتعاديه ! فقلت : والخلق كلهم تعادي أبا بكر البغدادي وتتعصب عليه غيرك وحدك ، وكدنا نتقاتل ونأخذ بالأزياق ! وأمر أبي بكر البغدادي في قلة العلم والمروة أشهر ، وجنون أبي دلف أكثر من أن يحصى ، لانشغل كتابنا بذلك ولا نطول بذكره . وذكر ابن نوح طرفاً من ذلك » .
الحَلاّج - الحسين بن منصور
1 . اتفق عامة المؤرخين وفقهاء المذاهب على أن الحلاج ادعى ادعاءات كبيرة خرج بها عن ملة الإسلام ، فقد ادعى أنه وكيل الإمام المهدي عليه السلام ، ثم ادعى الألوهية « الإثنا عشرية للحر العاملي / 52 » ومع ذلك فقد تبناه بعض الصوفية ، وبعض أهل العرفان . وتبناه الباحثون الغربيون ومن تأثر بهم ، وضخموا شخصيته !
2 . وقد اتفق عامة فقهائنا على ذمه ، وعدوه من الذين صدر التوقيع من الإمام المهدي عليه السلام بلعنه والبراءة منه . وذكره الشيخ الطوسي رحمه الله في الغيبة / 401 ، تحت عنوان « المذمومين الذين ادعوا البابية والسفارة كذباً وافتراء لعنهم الله » قال :
« ومنهم الحسين بن منصور الحلاج : أخبرنا الحسين بن إبراهيم ، عن أبي العباس أحمد بن علي بن نوح ، عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري ، قال : لما أراد الله تعالى أن يكشف أمر الحلاج ويظهر فضيحته ويخزيه ، وقع له أن أبا سهل إسماعيل بن علي النوبختي رضي الله عنه ، ممن تجوز عليه مخرقته وتتم عليه حيلته ، فوجه إليه يستدعيه وظن أن أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الأمر بفرط جهله ، وقدر أن يستجره إليه فيتمخرق به ، ويتشوف بانقياده على غيره فيستتب له ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة على الضعفة ، لقدر أبي سهل في أنفس الناس ، ومحله من العلم والأدب أيضاً عندهم ، ويقول له في مراسلته إياه : إني وكيل صاحب الزمان عليه السلام - وبهذا أولاً كان يستجر الجهال ثم يعلو منه إلى غيره - وقد أمرت بمراسلتك وإظهار ماتريده من النصرة لك لتقوي نفسك ولا ترتاب بهذا الأمر . فأرسل إليه أبو سهل رضي الله عنه يقول له : إني أسألك أمراً يسيراً يخفُّ مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين ، وهو أني رجل أحب الجواري وأصبو إليهن ، ولي منهن عدة أتحظاهن والشيب يبعدني عنهن ، وأحتاج أن أخضبه في كل جمعة ، وأتحمل منه مشقة شديدة لأسترعنهن ذلك ، وإلا انكشف أمري عندهن ، فصار القرب بعداً والوصال هجراً ، وأريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤنته ، وتجعل لحيتي سوداء ، فإني طوع يديك ، وصائر إليك ، وقائل بقولك وداع إلى مذهبك ، مع ما لي في ذلك من البصيرة ولك من المعونة !
فلما سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابه علم أنه قد أخطأ في مراسلته ، وجهل في الخروج إليه بمذهبه ، وأمسك عنه ولم يرد إليه جواباً ولم يرسل إليه رسولاً ، وصيره أبو سهل رضي الله عنه أحدوثة وضحكة يُطَنَّز به عند كل أحد ، وشهَّر أمره عند الصغير والكبير ، وكان هذا الفعل سبباً لكشف أمره ، وتنفير الجماعة عنه .
وأخبرني جماعة عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه أن ابن الحلاج صار إلى قم ، وكاتب قرابة أبي الحسن يستدعيه ويستدعي أبا الحسن أيضاً ويقول : أنا رسول الإمام ووكيله . قال : فلما وقعت المكاتبة في يد أبي رضي الله عنه خرقها ، وقال لموصلها إليه : ما أفرغك للجهالات ! فقال له الرجل - وأظن أنه قال إنه ابن عمته أو ابن عمه - فإن الرجل قد استدعانا فلم خرقت مكاتبته ، وضحكوا منه وهزئوا به ، ثم نهض إلى دكانه ومعه جماعة من أصحابه وغلمانه . قال : فلما دخل إلى الدار التي كان فيها دكانه نهض له من كان هناك جالساً غير رجل رآه جالساً في الموضع فلم ينهض له ولم يعرفه أبي ، فلما جلس وأخرج حسابه ودواته كما يكون التجار ، أقبل على بعض من كان حاضراً فسأله عنه فأخبره ، فسمعه الرجل يسأل عنه فأقبل عليه وقال له : تسأل عني وأنا حاضر ؟ فقال له أبي : أكبرتك أيها الرجل وأعظمت قدرك أن أسألك فقال له : تخرق رقعتي وأنا أشاهدك تخرقها ؟ فقال له أبي : فأنت الرجل إذاً ! ثم قال : يا غلام برجله وبقفاه ، فخرج من الدار العدو لله ولرسوله صلى الله عليه وآله ، ثم قال له : أتدعي المعجزات عليك لعنة الله ، أو كما قال ! فأخرج بقفاه ، فما رأيناه بعدها بقم » !
3 . وقد ادعى الحلاج حلول الأئمة عليهم السلام في وكيل الإمام محمد بن عثمان العَمْري ، مقدمة لادعاء الحلول فيه ، فنهى العمري ابنته أن تلتقي مع امرأة تعتقد بذلك من بني بسطام فقال : « يا بنية إياك أن تمضي إلى هذه المرأة بعدما جرى منها ، ولا تقبلي لها رقعة إن كاتبتك ، ولا رسولاً إن أنفذته إليك ولا تلقيها بعد قولها ، فهذا كفرٌ بالله تعالى وإلحاد ، قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء القوم ، ليجعله طريقاً إلى أن يقول لهم : بأن الله تعالى اتحد به وحل فيه ، كما يقول النصارى في المسيح عليه السلام ! ويعدو إلى قول الحلاج لعنه الله » . « الغيبة / 405 » . وسيأتي ذلك في ترجمة الشلمغاني .
وقال المفيد في تصحيح اعتقادات الإمامية / 134 : « والحلاجية ضرب من أصحاب التصوف ، وهم أصحاب الإباحة والقول بالحلول ، ولم يكن الحلاج يتخصص بإظهار التشيع ، وإن كان ظاهر أمره التصوف ، وهم قوم ملحدة وزنادقة يموهون بمظاهرة كل فرقة بدينهم ، ويدعون للحلاج الأباطيل ، ويجرون في ذلك مجرى المجوس في دعواهم لزرادشت المعجزات ، ومجرى النصارى في دعواهم لرهبانهم الآيات والبينات ، والمجوس والنصارى أقرب إلى العمل بالعبادات منهم ، وهم أبعد من الشرائع والعمل بها من النصارى والمجوس » .
وفي الحدائق الناضرة : 1 / 12 : « ومن ذلك أيضاً ما خرج عن الأئمة المتأخرين صلوات الله عليهم أجمعين في لعن جماعة ممن كانوا كذلك ، كفارس بن حاتم القزويني ، والحسن بن محمد بن بابا ، ومحمد بن نصير النميري ، وأبي طاهر محمد بن علي بن بلال ، وأحمد بن هلال ، والحسين بن منصور الحلاج ، وابن أبي العزاقر ، وأبي دلف ، وجمع كثير ممن يتسمى بالشيعة ، ويظهر المقالات الشنيعة ، من الغلو والإباحات والتناسخ ونحوها ، وقد خرجت في لعنهم التوقيعات عنهم عليهم السلام في جميع الأماكن والبراءة منهم » .
وفي : الإثنا عشرية للحر العاملي / 180 : « وقد قال في بعض كلامه : سبحاني سبحاني ما أعظم شاني ! وقال : ليس في جبتي سوى الله ! فانظر إلى من هذا كلامه وهذه دعواه واعتقاده ، الذي هو أعظم الكفر والإلحاد ! ولا سبيل إلى تأويله ولا ضرورة له إلى إطلاقه ، لو كان يريد
به خلاف ظاهره لا ما هو نص فيه . . .
وليت شعري كيف تعيَّن تأويل هذا الكفر والإلحاد وأمثاله من أقوالهم وأفعالهم ؟ ! ولو فتح هذا الباب لما أمكن الحكم بارتداد أحد ولا فسقه ولا ثبوت حد عليه ولا مال ولا قصاص ! فإن باب التأويل واسع وذلك يستلزم بطلان الشريعة وهدمها . والتأويل إنما يلزم إذا عارضه من كلام ذلك القائل ما هو صريح في المخالفة » .
4 . كتبت مصادر التاريخ مجلداً من قصص الحلاج وأقواله ومكذوبات أتباعه . أما ما كتبه المستغربون حوله في عصرنا من رسائل جامعية ومقالات وبحوث ، عن عرفانه ، وعشقه لله تعالى ، وظلامته ومأساته ، فيبلغ أضعاف ذلك !
وقد أرخ له الطبري فقال : 8 / 255 : « ثم دخلت سنة إحدى وثلاث مائة . . . وفيها أحضر دار الوزير علي بن عيسى رجل ذكر أنه يعرف بالحلاج ويكنى أبا محمد ، مشعوذ ، ومعه صاحب له ، سمعت جماعة من الناس يزعمون أنه يدعي الربوبية ، فصلب هو وصاحبه ثلاثة أيام ، كل يوم من ذلك من أوله إلى انتصافه ، ثم ينزل بهما فيؤمر بهما إلى الحبس ، فحبس مدة طويلة فافتتن به جماعة ، منهم نصر القشوري وغيره ، إلى أن ضج الناس ودعوا على من يعيبه وفحش أمره ، وأخرج من الحبس فقطعت يداه ورجلاه ، ثم ضربت عنقه ، ثم أحرق بالنار » .
وفي أنساب السمعاني : 2 / 292 : « الحلاج : بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام ألف ، هذه النسبة إلى حلج القطن ، والمشهور بها أبو مغيث الحسين بن منصور الحلاج . . . وكان جده مجوسياً اسمه محمي من أهل بيضاء فارس ، نشأ الحسين بواسط وقيل بتستر ، وقدم بغداد فخالط الصوفية وصحب من مشيختهم الجنيد بن محمد ، وأبا الحسين النوري ، وعمرو بن عثمان المكي . . . وتلمذ لسهل بن عبد الله سنين ، ثم صعد إلى بغداد وكان بالأوقات يلبس المسوح ، وبالأوقات يمشي بخرقتين مصبَّغ ، ويلبس بأوقات الدراعة والعمامة ، ويمشي بالقباء أيضاً على زي الجند .
وأول ما سافر من تستر إلى البصرة كان له ثمان عشرة سنة ، ثم خرج بخرقتين إلى عمرو بن عثمان المكي ، وإلى الجنيد بن محمد ، وأقام مع عمرو بن عثمان ثمانية عشر شهراً . . . ثم رجع إلى بغداد مع جماعة من الفقراء ، ثم عاد إلى مكة وجاور سنة ، ورجع إلى بغداد وقصد الجنيد . . .
ورجع إلى تستر وأقام نحو سنة ، ووقع له عند الناس قبول عظيم ، حتى حسده جميع من في وقته ، ولم يزل عمرو بن عثمان يكتب في أمره إلى خوزستان ، ويتكلم فيه بالعظائم حتى حَرِدَ « أي غضب الحلاج » ورمى بثياب الصوفية ولبس قباء ، وأخذ في صحبة أبناء الدنيا ، ثم خرج وغاب عنا خمس سنين إلى خراسان وما وراء النهر ، ورحل إلى سجستان وكرمان ، ثم رجع إلى فارس فأخذ يتكلم على الناس ويتخذ المجلس ويدعو الخلق إلى الله ، وكان يعرف بفارس بأبي عبد الله الزاهد وصنف لهم تصانيف . . .
ثم خرج إلى البصرة وأقام مدة يسيرة ، وخرج ثانياً إلى مكة ولبس المرقعة والفوطة وخرج معه في تلك السفرة خلق كثير ، وحسده أبو يعقوب النهرجوري ، فتكلم فيه فرجع إلى البصرة وأقام شهراً ، وجاء إلى الأهواز ورجع إلى بغداد ومكة ، ثم وقع له أن يدخل بلاد الشرك ويدعو الخلق إلى الله ، فقصد الهند والصين وتركستان ، ورجع وحج وجاور ، ثم رجع إلى بغداد ، واقتنى العقار وبنى داراً » .
وفي تاريخ بغداد : 8 / 112 : « وأقام ببغداد سنة واحدة ، ثم قال لبعض أصحابه : إحفظ ولدي حمد إلى أن أعود أنا ، فإني قد وقع لي أن أدخل إلى بلاد الشرك وأدعو الخلق إلى الله عز وجل ، وخرج ، فسمعت بخبره أنه قصد إلى الهند ، ثم قصد خراسان ثانياً ، ودخل ما وراء النهر وتركستان . . . ثم كثرت الأقاويل عليه بعد رجوعه من هذه السفرة ، فقام وحج ثالثاً وجاور سنتين ، ثم رجع وتغيرعما كان عليه في الأول ، واقتنى العقار ببغداد وبنى داراً . . . فكان يقول قوم إنه ساحر ، وقوم يقولون مجنون ، وقوم يقولون له الكرامات وإجابة السؤال ، واختلفت الألسن في أمره حتى أخذه السلطان وحبسه » .
وفي تاريخ بغداد : 8 / 116 : « سمعت محمد بن علي الكتاني يقول : دخل الحسين بن منصور مكة في ابتداء أمره ، فجهدنا حتى أخذنا مرقعته ، قال السوسي : أخذنا منها قملة فوزناها فإذا فيها نصف دانق من كثرة رياضته وشدة مجاهدته . . .
علي بن أحمد الحاسب قال : سمعت والدي يقول : وجهني المعتضد إلى الهند لأمور أتعرفها ليقف عليها ، وكان معي في السفينة رجل يعرف بالحسين بن منصور ، وكان حسن العشرة طيب الصحبة ، فلما خرجنا من المركب ونحن على الساحل والحمالون ينقلون الثياب من المركب إلى الشط ، فقلت له : إيش جئت إلى ها هنا ؟ قال : جئت لأتعلم السحر وأدعو الخلق إلى الله تعالى . قال : وكان على الشط كوخ وفيه شيخ كبير فسأله الحسين بن منصور : هل عندكم من يعرف شيئاً من السحر ؟ قال : فأخرج الشيخ كبة غزل وناول طرفه الحسين بن منصور ، ثم رمى الكبة في الهواء فصارت طاقة واحدة ، ثم صعد عليها ونزل ! وقال للحسين بن منصور : مثل هذا تريد ؟ ثم فارقني ولم أره بعد ذلك إلا ببغداد . . . سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت منصوراً يقول : سمعت بعض أصحابنا يقول : وقف الشبلي عليه وهو مصلوب ، فنظر إليه وقال : ألم ننهك عن العالمين . . .
سمعت أبا بكر بن أبي سعدان يقول : الحسين بن منصور مموه مُمَخْرِق . قال أبو عبد الرحمن : سمعت عمرو بن عثمان يلعنه ويقول : لو قدرت عليه لقتلته بيدي ، فقلت إيش الذي وجد الشيخ عليه ؟ قال : قرأت آية من كتاب الله ، فقال : يمكنني أن أؤلف مثله وأتكلم به ! قال : وسمعت أبا زرعة الطبري يقول : سمعت أبا يعقوب الأقطع يقول : زوجت ابنتي من الحسين بن منصور لما رأيت من حسن طريقته واجتهاده ، فبان لي بعد مدة يسيرة أنه ساحر محتال خبيث كافر . لما قدم بغداد يدعو ، استغوى كثيراً من الناس والرؤساء ، وكان طمعه في الرافضة أقوى لدخوله في طريقهم ، فراسل أبا سهل بن نوبخت يستغويه ، وكان أبو سهل من بينهم مثقفاً فهماً فطناً . . .
سمعت أبا بكر بن سعدان يقول : قال لي الحسين بن منصور : تؤمن بي حتى أبعث إليك بعصفورة تطرح من ذرقها وزن حبة على كذا مناً من نحاس فيصير ذهباً ؟ ! قال : فقلت له : بل أنت تؤمن بي حتى أبعث إليك بفيل يستلقي فتصير قوائمه في السماء ، فإذا أردت أن تخفيه أخفيته في إحدى عينيك ! قال فبهت وسكت » .
وفي تاريخ بغداد : 8 / 123 : « وضع الحيل على تضليل الناس من جهات تشبه الشعوذة والسحر وادعاء النبوة . . . وتراقى به الأمر حتى ذكر أنه ادعى الربوبية . . . وانتشر خبره وتكلم الناس في قتله ، فأمر أمير المؤمنين بتسليمه إلى حامد بن العباس وأمر أن يكشفه بحضرة القضاة ، ويجمع بينه وبين أصحابه ، فجرى في ذلك خطوب طوال .
ثم استيقن السلطان أمره ووقف على ما ذكر له عنه ، فأمر بقتله وإحراقه بالنار ، فأحضر مجلس الشرطة بالجانب الغربي يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلاث مائة ، فضرب بالسياط نحواً من ألف سوط ، وقطعت يداه ورجلاه ، وضربت عنقه ، وحرقت جثته بالنار ، ونصب رأسه للناس على سور السجن الجديد ، وعلقت يداه ورجلاه إلى جانب رأسه . . . قال أبو بكر بن حمشاذ : حضر عندنا بالدينور رجل ومعه مخلاة ، فما كان يفارقها بالليل ولا بالنهار ، ففتشوا المخلاة فوجدوا فيها كتاباً للحلاج عنوانه : من الرحمن الرحيم إلى فلان بن فلان ، فوجه إلى بغداد قال : فأحضر وعرض عليه ، فقال : هذا خطي وأنا كتبته ، فقالوا : كنت تدعي النبوة فصرت تدعي الربوبية ! فقال : ما أدعي الربوبية ولكن هذا عين الجمع عندنا ، هل الكاتب إلا الله وأنا واليد فيه آلة !
وأظهر أبو علي الأوارجي لعلي بن عيسى أن محمد بن علي القنائي ، وكان أحد الكتاب يعبد الحلاج ويدعو الناس إلى طاعته ، فوجه علي بن عيسى إلى محمد بن علي القنائي من كبس منزله وقبض عليه ، وقرره علي بن عيسى فأقر أنه من أصحاب الحلاج ، وحمل من داره إلى علي بن عيسى دفاتر ورقاعاً بخط الحلاج ، فالتمس حامد بن العباس من المقتدر بالله أن يسلم إليه الحلاج ومن وجد من دعاته . . . فقبض حامد عليهم وناظرهم فاعترفوا أنهم من أصحاب الحلاج ودعاته ، وذكروا لحامد أنهم قد صح عندهم أنه إله ، وأنه يحيى الموتى وكاشفوا الحلاج بذلك فجحده وكذبهم ، وقال : أعوذ بالله أن أدعى الربوبية أو النبوة ، وإنما أنا رجل أعبد الله وأكثر الصوم والصلاة وفعل الخير ، ولا أعرف غير ذلك » .
وفي سير أعلام النبلاء : 14 / 313 : « قال الفقيه أبو علي بن البناء : كان الحلاج قد ادعى أنه إله ، وأنه يقول بحلول اللاهوت في الناسوت ، فأحضره الوزير علي بن عيسى فلم يجده إذ سأله يحسن القرآن والفقه ولا الحديث ، فقال : تعلمك الفرض والطهور أجدى عليك من رسائل لا تدري ما تقول فيها . . .
وكان قد استغوى نصراً القشوري من طريق الصلاح والدين ، لا بما كان يدعو إليه فخوف نصر السيدة أم المقتدر من قتله ، وقال : لا آمن أن يلحق ابنك عقوبة هذا الصالح . فمنعت المقتدر من قتله فلم يقبل ، وأمر حامداً بقتله فحم المقتدر يومه ذلك ، فازداد نصر وأم المقتدر افتتاناً وتشكك المقتدر ، فأنفذ إلى حامد يمنعه من قتله فأخر ذلك أياماً إلى أن عوفي المقتدر . فألح عليه حامد وقال : يا أمير المؤمنين ! هذا إن بقي قلب الشريعة ، وارتد خلق على يده ، وأدى ذلك إلى زوال سلطانك ، فدعني أقتله وإن أصابك شئ فاقتلني ! فأذن له في قتله فقتله من يومه . . .
وقد جئ بكتب وجدت في داره من دعاته في الأطراف يقولون فيها : وقد بذرنا لك في كل أرض ما يزكو فيها ، وأجاب قوم إلى أنك الباب يعني للإمام ، وآخرون يعنون أنك صاحب الزمان ، يعنون الإمام الذي تنتظره الإمامية ، وقوم إلى أنك صاحب الناموس الأكبر يعنون النبي صلى الله عليه وآله وقوم يعنون أنك هو هو ، يعني الله عز وجل ! قال : فسئل الحلاج عن تفسير هذه الكتب ، فأخذ يدفعه ويقول : هذه الكتب لا أعرفها ، هذه مدسوسة علي ، ولا أعلم ما فيها . . .
ذكر محمد بن إسحاق النديم الحسين الحلاج وحط عليه ، ثم سرد أسماء كتبه : كتاب طاسين الأول ، كتاب الأحرف المحدثة والأزلية ، كتاب ظل ممدود ، كتاب حمل النور والحياة والأرواح ، كتاب الصهور ، كتاب تفسير : قل هو الله أحد ، كتاب الأبد والمأبود ، كتاب خلق الانسان والبيان ، كتاب كيد الشيطان ، كتاب سر العالم والمبعوث ، كتاب العدل والتوحيد ، كتاب السياسة ، كتاب علم الفناء والبقاء ، كتاب شخص الظلمات ، كتاب نور النور ، كتاب الهياكل والعالم ، كتاب المثل الأعلى ، كتاب النقطة وبدو الخلق ، كتاب القيامات ، كتاب الكبر والعظمة ، كتاب خزائن الخيرات ، كتاب موائد العارفين ، كتاب خلق خلائق القرآن ، كتاب الصدق والإخلاص ، كتاب التوحيد ، كتاب النجم إذا هوى ، كتاب الذاريات ذرواً ، كتاب هو هو ، كتاب كيف كان وكيف يكون ، كتاب الوجود الأول ، كتاب لا كيف ، كتاب الكبريت الأحمر ، كتاب الوجود الثاني ، كتاب الكيفية والحقيقة ، وأشياء غير ذلك » . راجع أيضاً : سير الذهبي : 17 / 254 ، وميزان الإعتدال : 1 / 548 .
وفي صلة تاريخ الطبري للقرطبي / 60 : « وكان الحلاج هذا رجلاً غوياً خبيثاً ، ينتقل في البلدان ويموه على الجهال ، ويرى قوماً أنه يدعو إلى الرضا من آل محمد ، ويظهر أنه سني لمن كان من أهل السنة ، وشيعي لمن كان مذهبه التشيع ، ومعتزلي لمن كان مذهبه الاعتزال . وكان مع ذلك خفيف الحركات شعوذياً ، قد حاول الطب وجرب الكيميا ، فلم يزل يستعمل المخاريق حتى استهوى بها من لاتحصيل عنده . ثم ادعى الربوبية وقال بالحلول . وعظم افتراؤه على الله عز وجل ورسله . ووجدت له كتب فيها حماقات وكلام مقلوب وكفر عظيم ، وكان في بعض كتبه إني المغرق لقوم نوح والمهلك لعاد وثمود ! وكان يقول لأصحابه : أنت نوح وأنت موسى وأنت محمد ، قد أعدت أرواحهم إلى أجسادكم !
قال محمد بن يحيى الصولي : أنا رأيت هذا الرجل مرات ، وخاطبته فرأيته جاهلاً يتعاقل وعيياً يفصح ، وفاجراً يظهر التنسك ويلبس الصوف !
فأول من ظفر به علي بن أحمد الراسبي لما اطلع منه على هذه الحال فقيده وأدخله بغداد على جمل قد شهره ، وكتب بقصته وما ثبت عنده في أمره ، فأحضره علي بن عيسى أيام وزارته في سنة 301 ، وأحضر الفقهاء ونوظر فأسقط في لفظه ولم يحسن من القرآن شيئاً ، ولامن الفقه ولا من الحديث ولا من الشعر ولا من اللغة ولا من أخبار الناس ! فسخفه وصفعه . . . وقد كان ابن الفرات كبسه في وزارته الأولى وعنى بطلبه موسى بن خلف ، فأفلت هو وغلام له ، ثم ظفر به في هذه السنة ، فسلم إلى الوزير حامد . وكان عنده يخرجه إلى من حضره ، فيصفع وتنتف لحيته . . » .
5 . صنع المتصوفة ومحبوهم شخصية من خيالهم للحلاج ، ليحببوا به الناس ، فرووا له كلمات رنانة ، وكذبوا له قصصاً فتانة ، فصار في عالم التصوف والفلسفة والعرفان غير الحلاج في عالم العيان ، وجعلوه رمزاً للصوفي المظلوم من أهل عصره !
ومن الأمور المستغربة من القاضي الشهيد السيد نور الله التستري رحمه الله أنه مدح الحلاج ، مع أنه عالم دافع عن المذهب الحق والأئمة الطاهرين عليهم السلام واستشهد بسبب ذلك ، لكنه وقع في حسن ظنه بالحلاج وابن عربي ، لأنه لم يقرأ عنهما أكثر .
قال الوحيد البهبهاني في تعليقته / 149 : « قوله الحسين بن منصور : في الوجيزة : فيه ذم كثير ، وفي البلغة : بلغ بعض الأجلة من الشيعة في مدحه حتى ادعوا أنه من الأولياء ، مثل صاحب مجالس المؤمنين ، وصاحب محبوب القلوب وغيرهما ، ولا يخلو من غرابة » . انتهى .
وقال في كتاب فيض الإله في ترجمة القاضي نور الله / 43 : « قال الفاضل الكشميري في كتاب نجوم السماء في ضمن ترجمة القاضي قدس سره ما محصله : لا يخفى أن ما ذكره القاضي السيد نور الله التستري في كتاب مجالس المؤمنين وغيره من مدح جماعة من الصوفية وحسن الظن بهم ، كمدح الحسين بن منصور الحلاج الذي صدر التوقيع المشتمل على لعنه من مولانا صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه ، كما نقله علماؤنا الإمامية رضوان الله عليهم في كتبهم المعتبرة ، ومثل مدح سفيان الثوري ، وأبي يزيد البسطامي ، ومحيي الدين العربي ، وأضرابهم من متقدمي الصوفية ومتأخريهم ، من الذين ثبت عند علماء الإمامية فساد مذهبهم وسوء عقيدتهم ، لا يستلزم تصوف القاضي المادح لهم ، لأن مدح شخص لا ينحصر في اختيار مسلكه وقبول مذهبه . . » .
6 . ووقع شبيه ذلك لبعض علماء السنة ، ففي مغني المحتاج للشربيني : 4 / 134 : « وقد سئل ابن سريج عن الحسين الحلاج لما قال : أنا الحق فتوقف فيه وقال : هذا رجل خفي علي أمره وما أقول فيه شيئاً . وأفتى بكفره بذلك القاضي أبو عمرو الجنيد وفقهاء عصره ، وأمر المقتدر بضربه ألف سوط . . .
والناس مع ذلك مختلفون في أمره ، فمنهم من يبالغ في تعظيمه ، ومنهم من يكفره لأنه قتل بسيف الشرع ، وجرى ابن المقري تبعاً لغيره على كفر من شك في كفر طائفة ابن عربي الذين ظاهر كلامهم عند غيرهم الاتحاد ، وهو بحسب ما فهموه من ظاهر كلامهم . ولكن كلام هؤلاء جارعلى اصطلاحهم ، إذ اللفظ المصطلح عليه حقيقة في معناه الاصطلاحي مجاز في غيره ، والمعتقد منهم لمعناه معتقد لمعنى صحيح . وأما من اعتقد ظاهره من جهلة الصوفية فإنه يُعرَّف ، فإن استمر على ذلك بعد تعريفه صار كافراً » .
وقال ابن العربي في تفسيره : 2 / 233 : « فأما المؤمن بالإيمان الحقيقي الموحد التام الاستعداد ، المحب الغالب المحبة ، فيصيبه كهيئة الزكمة ، أي السَّكْرَة التي قال فيها أبو زيد قدس الله روحه : سبحاني ما أعظم شأني ! والحسين بن منصور رحمه الله : أنا الحق ثم يرتفع عنه سريعاً لمزيد العناية الإلهية وقوة الاستعداد الفطرية ، وشدة المحبة الحقيقية ، فيتنبه لذلك ويتعذب به غاية التعذب ، ويشتاق إلى الإنطماس في عين الجمع غاية الشوق ، فيقول : هذا عذاب أليم ، ويطلب الفناء الصرف كما قال الحلاج :
بيني وبينك « إنِّيِّي » ينازعني فارفع بفضلك إنيي من البين » !
كما أبدى الآلوسي في تفسيره : 5 / 159 ، إعجابه بالحلاج ، وزعم أن معرفة الله اختلطت بكل أجزاء بدنه ، حتى أن دمه كتب بكل قطرة منه كلمة « الله » ! قال : وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً : حيث تخللت المعرفة جميع أجزائه من حيث ما هو مركب ، فلم يبق جوهر فرد إلا وقد حلت فيه معرفة ربه عز وجل ، فهو عارف به بكل جزء منه ومن هنا قيل : إن دم الحلاج لما وقع على الأرض انكتب بكل قطرة منه : الله » .
ثم أفتى الآلوسي في : 16 / 214 ، بأن الحلاج معذور في ادعاء الألوهية ! قال : إذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى : جاوز الحد في المعصية حتى ادعى الربوبية ، وذلك أثر سكر القهر الذي هو وصف النفس الأمارة ! ويقابله سكر اللطف وهو وصف الروح ومنه ينشأ الشطح ودعوى الأنانية قالوا : وصاحبه معذور ، وإلا لم يكن فرق بين الحلاج مثلاً وفرعون » . انتهى . وهذا غاية التحريف والكيل بمكيالين ، في أمر واحد هو ادعاء الألوهية ، والعياذ بالله !
أما ابن تيمية فوجد حلاً لتصحيح ادعاءات أتباع الحلاج وغيرهم ، وهو أن الله تعالى يعطي فسقة الجن القدرة على المعجزات ! قال في دقائق التفسير : 2 / 142 : « كما جرى مثل هذا لي كنت في مصر في قلعتها ، وجرى مثل هذا إلى كثير من الترك من ناحية المشرق ، وقال له ذلك الشخص : أنا ابن تيمية ، فلم يشك ذلك الأمير أني أنا هو ! وأخبر بذلك ملك ماردين وأرسل بذلك ملك ماردين إلى مصر ، رسولاً وكنت في الحبس فاستعظموا ذلك ، وأنا لم أخرج من الحبس ، ولكن كان هذا جنياً يحبنا فيصنع بالترك التتر مثل ما كنت أصنع بهم ، لما جاؤوا إلى دمشق ، كنت أدعوهم إلى الإسلام فإذا نطق أحدهم بالشهادتين أطعمتهم ما تيسر ، فعمل معهم مثل ما كنت أعمل !
وأراد بذلك إكرامي ليظن ذاك أني أنا الذي فعلت ذلك ! قال لي طائفة من الناس : فلم لا يجوز أن يكون ملكاً ؟ قلت : لا ، إن الملك لا يكذب ، وهذا قد قال أنا ابن تيمية وهو يعلم أنه كاذب في ذلك . وكثير من الناس رأى من قال إني أنا الخضر . وإنما كان جنياً ، ثم صار من الناس من يكذب بهذه الحكايات إنكاراً لموت الخضر ، والذين قد عرفوا صدقها يقطعون بحياة الخضر ، وكل من الطائفتين مخطئ ، فإن الذين رأوا من قال إني أنا الخضر هم كثيرون صادقون والحكايات متواترة ، لكن أخطؤوا في ظنهم أنه الخضر ، وإنما كان جنياً !
ولهذا يجري مثل هذا لليهود والنصارى فكثيراً ما يأتيهم في كنائسهم من يقول إنه الخضر ، وكذلك اليهود يأتيهم في كنائسهم من يقول إنه الخضر ، وفي ذلك من الحكايات الصادقة ما يضيق عنه هذا الموضع ، يبين صدق من رأى شخصاً وظن أنه الخضر ، وأنه غلط في ظنه أنه الخضر وإنما كان جنياً . وقد يقول أنا المسيح أو موسى أو محمد أو أبو بكر أو عمر أو الشيخ فلان ، فكل هذا قد وقع والنبي صلى الله عليه وآله قال : من رآني في المنام فقد رآني حقاً فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي . قال ابن عباس : في صورته التي كان عليه في حياته ، وهذه رؤيا في المنام ، وأما في اليقظة فمن ظن أن أحداً من الموتى يجئ بنفسه للناس عياناً قبل يوم القيامة ، فمن جهله أُتِيَ . ومن هنا ضلت النصارى حيث اعتقدوا أن المسيح بعد أن صلب كما يظنون أنه أتى إلى الحواريين وكلمهم ووصاهم ، وهذا مذكور في أناجيلهم ، وكلها تشهد بذلك وذاك الذي جاء كان شيطاناً قال أنا المسيح ، ولم يكن هو المسيح نفسه . ويجوز أن يشتبه مثل هذا على الحواريين كما اشتبه على كثير من شيوخ المسلمين ، ولكن ما أخبرهم المسيح قبل أن يرفع بتبليغه فهو الحق الذي يجب عليهم تبليغه ، ولم يرفع حتى بلغ رسالات ربه ، فلا حاجة إلى مجيئه بعد أن رفع إلى السماء .
وأصحاب الحلاج لما قتل كان يأتيهم من يقول أنا الحلاج فيرونه في صورته عياناً ، وكذلك شيخ بمصر يقال له الدسوقي بعد أن مات ، كان يأتي أصحابه من جهته رسائل وكتب مكتوبة ، وأراني صادق من أصحابه الكتاب الذي أرسله فرأيته بخط الجن ! وقد رأيت خط الجن غير مرة ! وفيه كلام من كلام الجن ، وذاك المعتقد يعتقد أن الشيخ حي وكان يقول انتقل ثم مات ، وكذلك شيخ آخركان بالمشرق وكان له خوارق من الجن ، وقيل كان بعد هذا يأتي خواص أصحابه في صورته فيعتقدون أنه هو .
وهكذا الذين كانوا يعتقدون بقاء علي أو بقاء محمد بن الحنفية ، قد كان يأتي إلى بعض أصحابهم جني في صورته ، وكذا منتظر الرافضة قد يراه أحدهم أحياناً ويكون المرئي جنياً ! فهذا باب واسع واقع كثيراً » . انتهى .
أقول : لا يمكن قبول عقيدة ابن تيمية لأنها تنسب إلى الله الظلم والعبث ، تعالى الله عما يصفون ، فهي تزعم أنه يعطى فسقة الجن القدرة على المعجزة ، ولو صح ذلك لما أمكن تصديق الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ، لاحتمال أن يكونوا جناً كذابين !
ومن ناحية أخرى على صاحب هذه العقيدة أن يشك في كل إنسان يراه ، سواء كان نبياً أو صالحاً أو طالحاً ، فربما كان جنياً ! ويسري هذا الشك إلى ابن تيمية في نفسه !
الشَّلمغاني ابن أبي العزاقر
كان الشلمغاني في شبابه عالماً مستقيماً موثوقاً ، وله بعض الكتب في الفقه والحديث ، لكنه لما تقدم به العمر أغواه الشيطان فانطبق عليه قول الله تعالى عنه : وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وقد بدأ بالانحراف بادعائه أنه سفير الإمام المهدي عليه السلام وأخذ يخدع الناس بأنه شريك ابن روح قدس سره ، في السفارة للإمام المهدي عليه السلام ، ثم تدرج في الحلول حتى ادعى أنه الله تعالى حل فيه ، وهو نفس الطريق الذي سلكه الحلاج ، الذي كان معاصراً له وقُتل قبله ببضع عشرة سنة ، لكن الشلمغاني زينت له بدعته ، ولم يأخذ العبرة من الحلاج ، وقد أثر على عوائل وشخصيات بغدادية سياسية منهم آل بسطام ، فنشر فيهم بدعة الحلول شبيهاً بمذهب المخمسة الكرخيين ، الذين زعموا أن الله حل في الخمسة أصحاب الكساء عليهم السلام ، بل كان مذهب الشلمغاني أسوأ من مذهب الكرخيين ، وقد روى ابن الأثير وغيره من المؤرخين هرطقاته وتأثيره على بعض أصحابه ، ومحاكمته وقتله .
قال المفيد في الفصول العشرة / 16 : « محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني ، المتوفى سنة 323 . كان متقدماً في أصحابنا ، ومستقيم الطريقة ، فحمله الحسد لأبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله على ترك المذهب والدخول في المذاهب الردية ، فظهرت منه مقالات منكرة ، وخرج في لعنه التوقيع من الناحية . له كتاب : الغيبة » . انتهى .
وروى الشيخ الطوسي كيف تمكن الشلمغاني بحيله أن يؤثرعلى بعض الناس . قال في الغيبة / 403 : « ومنهم ابن أبي العزاقر : أخبرني الحسين بن إبراهيم ، عن أحمد بن نوح ، عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب ، ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه ، قال : حدثتني الكبيرة أم كلثوم بنت أبي جعفرالعمري رضي الله عنه قالت : كان أبو جعفر بن أبي العزاقر وجيهاً عند بني بسطام ، وذاك أن الشيخ أبا القاسم رضي الله تعالى عنه وأرضاه ، كان قد جعل له عند الناس منزلة وجاهاً ، فكان عند ارتداده يحكي كل كذب وبلاء وكفر لبني بسطام ، ويسنده عن الشيخ أبي القاسم فيقبلونه منه ويأخذونه عنه ، حتى انكشف ذلك لأبي القاسم رضي الله عنه فأنكره وأعظمه ، ونهى بني بسطام عن كلامه وأمرهم بلعنه والبراءة منه ، فلم ينتهوا وأقاموا على توليه ، وذاك أنه كان يقول لهم :
إنني أذعت السروقد أخذ عليَّ الكتمان ، فعوقبت بالإبعاد بعد الإختصاص ، لأن الأمر عظيم لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن ممتحن ، فيؤكد في نفوسهم عظم الأمر وجلالته . فبلغ ذلك أبا القاسم رضي الله عنه ، فكتب إلى بني بسطام بلعنه والبراءة منه ، وممن تابعه على قوله ، وأقام على توليه ! فلما وصل إليهم أظهروه عليه ، فبكى بكاء عظيماً ثم قال : إن لهذا القول باطناً عظيماً وهو أن اللعنة الإبعاد ، فمعنى قوله : لعنه الله أي باعده الله عن العذاب والنار ، والآن قد عرفت منزلتي ومَرَّغَ خديه على التراب ، وقال : عليكم بالكتمان لهذا الأمر !
قالت الكبيرة رضي الله عنها : وقد كنت أخبرت الشيخ أبا القاسم أن أم أبي جعفر بن بسطام قالت لي يوماً وقد دخلنا إليها ، فاستقبلتني وأعظمتني ، وزادت في إعظامي حتى انكبت علي رجلي تقبلها ! فأنكرت ذلك وقلت لها : مهلاً يا ستي ، فإن هذا أمر عظيم ، وانكببت على يدها ، فبكت ثم قالت : كيف لا أفعل بك هذا وأنت مولاتي فاطمة عليها السلام ؟ فقلت لها وكيف ذاك يا ستي ؟ فقالت لي : إن الشيخ أبا جعفر محمد بن علي خرج إلينا بالسر ! قالت : فقلت لها : وما السر ؟ قالت : قد أخذ علينا كتمانه ، وأفزع إن أنا أذعته عوقبت ! قالت : وأعطيتها موثقاً أني لا أكشفه لأحد واعتقدت في نفسي الاستثناء بالشيخ رضي الله عنه ، يعني أبا القاسم الحسين بن روح . قالت : إن الشيخ أبا جعفر قال لنا : إن روح رسول الله صلى الله عليه وآله انتقلت إلى أبيك ، تعني أبا جعفر محمد بن عثمان رضي الله عنه ، وروح أمير المؤمنين عليه السلام انتقلت إلى بدن الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ، وروح مولاتنا فاطمة عليها السلام انتقلت إليك ، فكيف لا أعظمك يا ستنا ! فقلت لها : مهلاً ، لا تفعلي ، فإن هذا كذب يا ستنا ، فقالت لي : هو سرٌّ عظيم ، وقد أخذ علينا أننا لا نكشف هذا لأحد ، فالله الله فيَّ لا يحل لي العذاب ، ويا ستي فلو لا أنك حملتني على كشفه ما كشفته لك ، ولا لأحد غيرك !
قالت الكبيرة أم كلثوم رضي الله عنها : فلما انصرفت من عندها دخلت إلى الشيخ أبي القاسم بن روح رضي الله عنه فأخبرته بالقصة ، وكان يثق بي ويركن إلى قولي ، فقال لي : يا بنية إياك أن تمضي إلى هذه المرأة بعدما جرى منها ، ولا تقبلي لها رقعة إن كاتبتك ، ولا رسولاً إن أنفذته إليك ، ولاتلقيها بعد قولها ، فهذا كفر بالله تعالى وإلحاد ، قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء القوم ، ليجعله طريقاً إلى أن يقول لهم : بأن الله تعالى اتحد به وحل فيه ، كما يقول النصارى في المسيح عليه السلام ! ويعدو إلى قول الحلاج لعنه الله . قالت : فهجرت بني بسطام وتركت المضي إليهم ، ولم أقبل لهم عذراً ، ولا لقيت أمهم بعدها ، وشاع في بني نوبخت الحديث ، فلم يبق أحد إلا وتقدم إليه الشيخ أبو القاسم وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني ، والبراءة منه ، وممن يتولاه ورضي بقوله أو كلمه ، فضلاً عن موالاته .
ثم ظهر التوقيع من صاحب الزمان عليه السلام بلعن أبي جعفر محمد بن علي ، والبراءة منه وممن تابعه وشايعه ورضي بقوله ، وأقام على توليه بعد المعرفة بهذا التوقيع .
وله حكايات قبيحة ، وأمور فظيعة ننزه كتابنا عن ذكرها ، ذكرها ابن نوح وغيره .
وكان سبب قتله أنه لما أظهر لعنه أبو القاسم بن روح رضي الله عنه ، واشتهر أمره وتبرأ منه ، وأمر جميع الشيعة بذلك ، لم يمكنه التلبيس فقال في مجلس حافل فيه رؤساء الشيعة وكل يحكي عن الشيخ أبي القاسم لعنه والبراءة منه : إجمعوا بيني وبينه حتى آخذ يده ويأخذ بيدي ، فإن لم تنزل عليه نار من السماء تحرقه ، وإلا فجميع ما قاله فيَّ حق ، ورقي ذلك إلى الراضي ، لأنه كان ذلك في دار ابن مقلة ، فأمر بالقبض عليه وقتله ، فقتل واستراحت الشيعة منه .
وقال أبو الحسن محمد بن أحمد بن داود : كان محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر لعنه الله ، يعتقد القول بحمل الضد ، ومعناه أنه لا يتهيأ إظهار فضيلة للولي إلا بطعن الضد فيه ، لأنه يحمل سامعي طعنه على طلب فضيلته ، فإذا هو أفضل من الولي ، إذ لا يتهيأ إظهار الفضل إلا به ! وساقوا المذهب من وقت آدم الأول إلى آدم السابع ، لأنهم قالوا : سبع عوالم وسبع أوادم ، ونزلوا إلى موسى وفرعون ومحمد وعلي مع أبي بكر ومعاوية .
وأما في الضد فقال بعضهم : الولي ينصب الضد ويحمله على ذلك ، كما قال قوم من أصحاب الظاهر : إن علي بن أبي طالب عليه السلام نصب أبا بكر في ذلك المقام !
وقال بعضهم : لا ، ولكن هو قديم معه لم يزل ، قالوا : والقائم الذي ذكره أصحابه الظاهرأنه من ولد الحادي عشر ، فإنه يقوم معناه إبليس ، لأنه قال : فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إلَّا إبْلِيس ، فلم يسجد ، ثم قال : لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ، فدل على أنه كان قائماً في وقت ما أمر بالسجود ثم قعد بعد ذلك ! وقوله : يقوم القائم : إنما هو ذلك القائم الذي أمر بالسجود فأبى وهو إبليس لعنه الله . وقال شاعرهم لعنهم الله :
يا لاعناً للضد من عَدِيِّ ما الضدُّ إلا ظاهرُ الوليِّ
والحمد للمهيمن الوفيِّ لست على حال كحماميِّ
ولاحجاميٍّ ولا جغديِّ قد فقت من قولٍ على الفهديِّ
نعم وجاوزت مدى العبد يِّ فوق عظيمٍ ليس بالمجوسيِّ
لأنه الفرد بلا كيفيِّ متحدٌ بكل أوحديِّ
مخالطُ النوري والظلميِّ يا طالباً من بيت هاشميِّ
وجاحداً من بيت كسرويِّ قد غاب في نسبة أعجميِّ
في الفارسي الحسب الرضيِّ كما التوى في العُرْبِ من لُوَيِّ
وقال الصفواني : سمعت أبا علي بن همام يقول : سمعت محمد بن علي العزاقري الشلمغاني يقول : الحق واحد وإنما تختلف قمصه ! فيوم يكون في أبيض ، ويوم يكون في أحمر ، ويوم يكون في أزرق . قال ابن همام : فهذا أول ما أنكرته من قوله ، لأنه قول أصحاب الحلول » !
وأضاف الطوسي صفحة / 408 : « وأخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى ، عن أبي علي محمد بن همام أن محمد بن علي الشلمغاني لم يكن قط باباً إلى أبي القاسم ولا طريقاً له ، ولا نصبه أبو القاسم لشئ من ذلك على وجه ولا سبب ، ومن قال بذلك فقد أبطل ، وإنما كان فقيهاً من فقهائنا ، وخلَّطَ وظهرعنه ما ظهر وانتشر الكفر والإلحاد عنه ، فخرج فيه التوقيع على يد أبي القاسم بلعنه ، والبراءة ممن تابعه وشايعه وقال بقوله !
وأخبرني الحسين بن إبراهيم ، عن أحمد بن علي بن نوح ، عن أبي نصرهبة الله بن محمد بن أحمد ، قال : حدثني أبو عبد الله الحسين بن أحمد الحامدي البزاز ، المعروف بغلام أبي علي بن جعفر المعروف بابن زهومة النوبختي ، وكان شيخاً مستوراً ، قال : سمعت روح بن أبي القاسم بن روح يقول : لما عمل محمد بن علي الشلمغاني كتاب التكليف ، قال الشيخ ، يعني أبا القاسم رضي الله عنه : أطلبوه إليَّ لأنظره فجاؤوا به فقرأه من أوله إلى آخره ، فقال : ما فيه شئ إلا وقد روي عن الأئمة عليهم السلام ، إلا موضعين أو ثلاثة ، فإنه كذب عليهم في روايتها لعنه الله .
وأخبرني جماعة عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود ، وأبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، أنهما قالا : مما أخطأ محمد بن علي في المذهب في باب الشهادة أنه روى عن العالم عليه السلام أنه قال : إذا كان لأخيك المؤمن على رجل حق فدفعه عنه ، ولم يكن له من البينة عليه إلا شاهد واحد ، وكان الشاهد ثقة رجعت إلى الشاهد فسألته عن شهادته ، فإذا أقامها عندك شهدت معه عند الحاكم على مثل ما يشهده عنده ، لئلا يتوي حق امرئ مسلم . واللفظ لابن بابويه ، وقال : هذا كذب منه ، ولسنا نعرف ذلك . وقال : في موضع آخر كذب فيه .
نسخة التوقيع الخارج في لعنه : أخبرنا جماعة عن أبي محمد هارون بن موسى قال : حدثنا محمد بن همام قال : خرج على يد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة في لعن ابن أبي العزاقر ، والمداد رطب لم يجف . وأخبرنا جماعة عن ابن داود قال : خرج التوقيع من الحسين بن روح في الشلمغاني ، وأنفذ نسخته إلى أبي علي بن همام في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة . قال ابن نوح : وحدثنا أبو الفتح أحمد بن ذكا مولى علي بن محمد بن الفرات رحمه الله قال : أخبرنا أبو علي بن همام بن سهيل بتوقيع خرج في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة . قال محمد بن الحسن بن جعفر بن إسماعيل بن صالح الصيمري : أنفذ الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه من محبسه في دار المقتدر ، إلى شيخنا أبي علي بن همام في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة ، وأملاه أبو علي وعرفني أن أبا القاسم رضي الله عنه راجع في ترك إظهاره ، فإنه في يد القوم وحبسهم ، فأُمر بإظهاره وأن لا يخشى ويأمن ، فتخلص وخرج من الحبس بعد ذلك بمدة يسيرة ، والحمد لله .
التوقيع : عرف ، أطال الله بقاءك وعرفك الخير كله وختم به عملك ، من تثق بدينه وتسكن إلى نيته من إخواننا أسعدكم الله ، وقال ابن داود : أدام الله سعادتكم ، من تسكن إلى دينه وتثق بنيته . جميعاً : بأن محمد بن علي المعروف بالشلمغاني زاد بن داود وهو ممن عجل الله له النقمة ولا أمهله ، قد ارتد عن الإسلام وفارقه - اتفقوا - وألحدَ في دين الله وادعى ما كفر معه بالخالق جل وتعالى ، وافترى كذباً وزوراً ، وقال بهتاناً وإثماً عظيماً . كذب العادلون بالله وضلوا ضلالاً بعيداً وخسروا خسراناً مبيناً ، وإننا قد برئنا إلى الله تعالى وإلى رسوله وآله صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليهم منه ولعناه عليه لعائن الله - زاد بن داود تترى - في الظاهر منا والباطن في السروالجهر ، وفي كل وقت وعلى كل حال ، وعلى من شايعه وتابعه ، أو بلغه هذا القول منا وأقام على توليه بعده . قال هارون : وأخذ أبو علي هذا التوقيع ولم يدع أحداً من الشيوخ إلا وأقرأه إياه ، وكوتب من بعد منهم بنسخته في ساير الأمصار فاشتهرذلك في الطائفة ، فاجتمعت على لعنه والبراءة منه . وقتل محمد بن علي الشلمغاني في سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة » .
حسد الشلمغاني للحسين بن روح قدس سره
بدأ انحراف الشلمغاني لما كان الحسين بن روح قدس سره مستتراً من السلطة قبل أن يسجنوه ، ففي تلك الفترة كان واسطة بينه وبين الناس يراجعونه ويأخذ رسائلهم فيعطيها لابن روح ، فلما ظهر له انحرافه عزله وجعل مكانه العالم الثقة علي بن همام . روى الطوسي في الغيبة / 302 : « عن أبي غالب الزراري رحمه الله قال : قدمت من الكوفة وأنا شاب إحدى قدماتي ، ومعي رجل من إخواننا قد ذهب على أبي عبد الله اسمه ، وذلك في أيام الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رحمه الله واستتاره ونصبه أبا جعفر محمد بن علي المعروف بالشلمغاني ، وكان مستقيماً لم يظهر منه ما ظهر من الكفر والإلحاد ، وكان الناس يقصدونه ويلقونه لأنه كان صاحب الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح سفيراً بينهم وبينه في حوائجهم ومهماتهم . فقال لي صاحبي : هل لك أن تلقى أبا جعفر وتحدث به عهداً فإنه المنصوب اليوم لهذه الطائفة ، فإني أريد أن أسأله شيئاً من الدعاء يكتب به إلى الناحية ، قال : فقلت : له نعم ، فدخلنا إليه فرأينا عنده جماعة من أصحابنا فسلمنا عليه وجلسنا ، فأقبل على صاحبي فقال : من هذا الفتى معك ، فقال له : رجل من آل زرارة بن أعين ، فأقبل علي فقال : من أي زرارة أنت ؟ فقلت : يا سيدي أنا من ولد بكير بن أعين أخي زرارة ، فقال : أهل بيت جليل عظيم القدر في هذا الأمر ، فأقبل عليه صاحبي فقال له : يا سيدنا أريد المكاتبة في شئ من الدعاء فقال : نعم . قال : فلما سمعت هذا اعتقدت أن أسأل أنا أيضاً مثل ذلك ، وكنت اعتقدت في نفسي ما لم أبده لأحد من خلق الله ، حال والدة أبي العباس ابني وكانت كثيرة الخلاف والغضب عليَّ ، وكانت مني بمنزلة ، فقلت في نفسي أسأل الدعاء لي في أمر قد أهمني ولا أسميه ، فقلت أطال الله بقاء سيدنا وأنا أسأل حاجة ، قال : وما هي ؟ قلت : الدعاء لي بالفرج من أمر قد أهمني ، قال : فأخذ درجاً بين يديه كان أثبت فيه حاجة الرجل ، فكتب : والزراري يسأل الدعاء له في أمر قد أهمه ! قال : ثم طواه فقمنا وانصرفنا . فلما كان بعد أيام قال لي صاحبي : ألا نعود إلى أبي جعفر فنسأله عن حوائجنا التي كنا سألناه فمضيت معه ودخلنا عليه ، فحين جلسنا عنده أخرج الدرج ، وفيه مسائل كثيرة قد أجيب في تضاعيفها ، فأقبل على صاحبي فقرأ عليه جواب ما سأل ، ثم أقبل علي وهو يقرأ فقال : وأما الزراري وحال الزوج والزوجة فأصلح الله ذات بينهما ، قال فورد عليَّ أمر عظيم ، وقمنا فانصرفت ، فقال لي : قد ورد عليك هذا الأمر ، فقلت : أعجب منه ! قال : مثل أي شئ ؟ فقلت : لأنه سر لم يعلمه إلا الله تعالى وغيري فقد أخبرني به فقال : أتشك في أمر الناحية ؟ أخبرني الآن ما هو فأخبرته فعجب منه . ثم قضى أن عدنا إلى الكوفة فدخلت داري وكانت أم أبي العباس مغاضبة لي في منزل أهلها ، فجاءت إلي فاسترضتني واعتذرت ووافقتني ولم تخالفني حتى فرق الموت بيننا » !
أقول : يظهر من هذا الحديث ان الشلمغاني كان يوصل الرسائل والمسائل ، وهذه واحدة منها لأنها تضمنت معجزة عن حاجة الزراري . فانحراف الشلمغاني حدث بعد هذه القصة عندما كان الحسين بن روح في سجن الخليفة المقتدر ، وهو سجن سياسي ، ذكرناه في ترجمة السفير ابن روح رضي الله عنه .
وفي غيبة الطوسي / 307 : « عن الحسن بن جعفر بن إسماعيل بن صالح الصيمري قال : لما أنفذ الشيخ أبو القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه التوقيع في لعن ابن أبي العزاقر ، أنفذه من محبسه في دار المقتدر إلى شيخنا أبي علي بن همام رحمه الله في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وثلاث مائة وأملاه أبو علي رحمه الله عليَّ ، وعرفني أن أبا القاسم رضي الله عنه راجع في ترك إظهاره ، فإنه في يد القوم وفي حبسهم ، فأمر بإظهاره وأن لا يخشى ويأمن ، فتخلص فخرج من الحبس بعد ذلك بمدة يسيرة والحمد لله » .
وفي غيبة الطوسي / 307 : « عن أبي علي بن همام قال : أنفذ محمد بن علي الشلمغاني العزاقري إلى الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه ، يسأله أن يباهله وقال : أنا صاحب الرجل وقد أمرت بإظهار العلم وقد أظهرته باطناً وظاهراً فباهلني ! فأنفذ إليه الشيخ رضي الله عنه في جواب ذلك : أينا تقدم صاحبه فهو المخصوم ، فتقدم العزاقري فقتل وصلب ، وأخذ معه ابن أبي عون ، وذلك في سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة » .
ومعناه أنه كان بين صدور لعنه وبين قتله أحد عشرة سنة ، وأنه تدرج في هذه السنين من ادعاء المشاركة في السفارة لابن روح رحمه الله وحلول أرواح الأئمة في ابن روح ثم فيه ، حتى وصل إلى ادعاء الألوهية والعياذ بالله !
ولا نعرف هل تبعه أحد من آل بسطام الذين أثر عليهم ، أما ابن عون الذي قتل معه فكان يعتقد بألوهيته ، شبيهاً بمحمد بن علي القنائي الذي اعتقد ألوهية الحلاج !
وكلما تأمل الإنسان في وضع الشلمغاني وعلمه ومكانته ، وقربه من نور الإمام عليه السلام ، والمعجزات التي رآها منه بواسطة سفيره الحسين بن روح رحمه الله ، لا يرى سبباً لانحرافه إلا قلة عقله ، فهذا الذي أوصله إلى سوء العاقبة في الدنيا والآخرة .
قال الشيخ الطوسي رحمه الله في الغيبة / 391 : « ذكر محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني في أول كتاب الغيبة الذي صنفه : وأما ما بيني وبين الرجل المذكور زاد الله في توفيقه ، فلا مدخل لي في ذلك إلا لمن أدخلته فيه ، لأن الجناية عليَّ فإني وليها . وقال في فصل آخر : ومن عظمت منته عليه تضاعفت الحجة عليه ولزمه الصدق فيما ساءه وسره ، وليس ينبغي فيما بيني وبين الله إلا الصدق عن أمره مع عظم جنايته ، وهذا الرجل منصوب لأمر من الأمور لا يسع العصابة العدول عنه فيه ، وحكم الإسلام مع ذلك جار عليه ، كجريه على غيره من المؤمنين » . انتهى .
فالشلمغاني يعترف بأن الحسين بن روح قدس سره منصوب بالسفارة من الإمام صلوات الله عليه ، ولكنه يعتبره ظالماً له لأنه منصوب معه ، فظلمه ابن روح حيث لم يعترف بسفارته !
الشلمغاني في مصادر التاريخ
في تاريخ ابن الأثير : 8 / 290 : « ذكر قَتْل الشلمغاني وحكاية مذهبه . وفي هذه السنة قتل أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر ، وشلمغان التي ينسب إليها قرية بنواحي واسط . وسبب ذلك أنه قد أحدث مذهباً غالياً في التشييع والتناسخ وحلول الإلهية فيه ، إلى غير ذلك مما يحكيه ، وأظهر ذلك من فعله أبو القاسم الحسين بن روح ، الذي تسميه الإمامية الباب ، متداولَ وزارة حامد بن العباس . ثم اتصل أبو جعفر الشلمغاني بالمحسن بن أبي الحسن بن الفرات في وزارة أبيه الثالثة ، ثم إنه طُلب في وزارة الخاقاني فاستتر وهرب إلى الموصل ، فبقي سنين عند ناصر الدولة الحسن بن عبد الله بن حمدان في حياة أبيه عبد الله بن حمدان ، ثم انحدر إلى بغداد واستتر ، وظهر عنده ببغداد أنه يدعي لنفسه الربوبية ، وقيل إنه اتبعه على ذلك الحسين بن القاسم بن عبد الله بن سليمان بن وهب ، الذي وزر للمقتدر بالله ، وأبو جعفر وأبو علي ابنا بسطام ، وإبراهيم بن محمد بن أبي عون ، وابن شبيب الزيات ، وأحمد بن محمد بن عبدوس ، كانوا يعتقدون ذلك فيه ! وظهر ذلك عنهم ، وطُلبوا أيام وزارة ابن مقلة للمقتدر بالله ، فلم يوجدوا .
فلما كان في شوال سنة اثنتين وعشرين وثلاث مائة ظهر الشلمغاني ، فقبض عليه الوزير ابن مقلة وسجنه وكبس داره ، فوجد فيها رقاعاً وكتباً ممن يدعي عليه أنه على مذهبه يخاطبونه بما لا يخاطب به البشر بعضهم بعضاً ، وفيها خط الحسين بن القاسم فعرضت الخطوط فعرفها الناس ، وعرضت على الشلمغاني فأقر أنها خطوطهم وأنكر مذهبه وأظهر الإسلام ، وتبرأ مما يقال فيه ! وأُخذ ابن أبي عون وابن عبدوس معه وأُحضرا معه عند الخليفة ، وأُمرا بصفعه فامتنعا !
فلما أُكرها مدَّ ابن عبدوس يده وصفعه ، وأما ابن أبي عون فإنه مد يده إلى لحيته ورأسه فارتعدت يده ، فقبل لحية الشلمغاني ورأسه ثم قال : إلهي وسيدي ورازقي ! فقال له الراضي : قد زعمت أنك لا تدعي الإلهية فما هذا ؟ فقال : وما عليَّ من قول ابن أبي عون ، والله يعلم إنني لا قلت له إنني إله قط ! فقال ابن عبدوس : إنه لم يدع الإلهية وإنما ادعى أنه الباب إلى الإمام المنتظر مكان ابن روح ، وكنت أظن أنه يقول ذلك تقية !
ثم أُحضروا عدة مرات ومعهم الفقهاء والقضاة والكتاب والقواد ، وفي آخر الأيام أفتى الفقهاء بإباحة دمه ، فصلب ابن الشلمغاني وابن أبي عون في ذي القعدة ، وأحرقا بالنار .
وكان من مذهبه أنه إله الآلهة يحق الحق ، وأنه الأول القديم الظاهر الباطن الرازق التام المومأ إليه بكل معنى . وكان يقول إن الله سبحانه وتعالى يحل في كل شئ على قدر ما يحتمل ، وأنه خلق الضد ليدل على المضدود ، فمن ذلك أنه حل في آدم لما خلقه في إبليسه أيضاً ، وكلاهما ضد لصحابه لمضادته إياه في معناه ، وأن الدليل على الحق أفضل من الحق ، وأن الضد أقرب إلى الشئ من شبهه ، وأن الله عز وجل إذا حل في جسد ناسوتي ظهر من القدرة والمعجزة ما يدل على أنه هو ، وأنه لما غاب آدم ظهر اللاهوت في خمسة ناسوتية ، كلما غاب منهم واحد ظهر مكانه آخر ، وفي خمسة أبالسة أضداد لتلك الخمسة . ثم اجتمعت اللاهوتية في إدريس وإبليسه ، وتفرقت بعدهما كما تفرقت بعد آدم . واجتمعت في نوح عليه السلام وإبليسه وتفرقت عند غيبتهما . واجتمعت في هود وإبليسه وتفرقت بعدهما . واجتمعت في صالح وإبليسه عاقرالناقة وتفرقت بعدهما . واجتمعت في إبراهيم وإبليسه نمروذ وتفرقت لما غابا . واجتمعت في هارون وإبليسه فرعون وتفرقت بعدهما . واجتمعت في سليمان وإبليسه وتفرقت بعدهما . واجتمعت في عيسى وإبليسه فلما غابا تفرقت في تلامذة عيسى وأبالستهم . ثم اجتمعت في علي بن أبي طالب وإبليسه .
ثم إن الله يظهر في كل شئ وكل معنى . وإنه في كل أحد بالخاطر الذي يخطر بقبله ، فيتصور له ما يغيب عنه حتى كأنه يشاهده ، وأن الله إسمٌ لمعنى ، وأن من احتاج الناس إليه فهو إله ، ولهذا المعنى يستوجب كل أحد أن يسمى إلهاً ، وأن كل أحد من أشياعه يقول إنه رب لمن هو في دون درجته ، وأن الرجل منهم يقول أنا رب لفلان وفلان رب لفلان وفلان رب ربي حتى يقع الانتهاء إلى ابن أبي العزاقر فيقول : أنا رب الأرباب لا ربوبية بعده !
ولا ينسبون الحسن والحسين رضي الله عنهما إلى علي كرم الله وجهه ، لأن من اجتمعت له الربوبية لا يكون له ولد ولا والد ! وكانوا يسمون موسى ومحمداً الخائنين ، لأنهم يدعون أن هارون أرسل موسى وعلياً أرسل محمداً فخاناهما ! ويزعمون أن علياً أمهل محمداً عدة سنين أصحاب الكهف ، فإذا انقضت هذه العدة وهي ثلاث مائة وخمسون سنة انتقلت الشريعة ! ويقولون إن الملائكة كل من ملك نفسه وعرف الحق ، وأن الجنة معرفتهم وانتحال مذهبهم ، والنارالجهل بهم والعدول عن مذهبهم ! ويعتقدون ترك الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات ، ولا يتناكحون بعقد ويبيحون الفروج ، ويقولون إن محمداً بعث إلى كبراء قريش وجبابرة العرب ونفوسهم أبية فأمرهم بالسجود ، وأن الحكمة الآن أن يمتحن الناس بإباحة فروج نسائهم ، وأنه يجوز أن يجامع الإنسان من شاء من ذوي رحمه وحرم صديقه وابنه ، بعد أن يكون على مذهبه ! وأنه لا بد للفاضل منهم أن ينكح المفضول ليولج النور فيه ، ومن امتنع من ذلك قلب في الدورالذي يأتي بعد هذا العالم امرأة ، إذ كان مذهبهم التناسخ !
وكانوا يعتقدون إهلاك الطالبيين والعباسيين .
تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً .
وما أشبه هذه المقالة بمقالة النصيرية ولعلها هي هي ، فإن النصيرية يعتقدون في ابن الفرات ويجعلونه رأساً في مذهبهم . وكان الحسين بن القاسم بالرقة فأرسل الراضي بالله إليه ، فقتل آخر ذي القعدة وحمل رأسه إلى بغداد » .
وذكر نحوه في وفيات الأعيان : 2 / 156 ، قال : « وفي هذه السنة قتل أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر ، وسبب ذلك أنه أحدث مذهباً غالياً في التشيع والتناسخ وحلول الإلهية فيه ، إلى غير ذلك مما يحكيه ، وأظهر ذلك من فعله أبو القاسم الحسين بن روح الذي تسميه الإمامية الباب ، فطُلب ابن الشلمغاني فاستتر ، وهرب إلى الموصل ، وأقام سنين ثم انحدر إلى بغداد . . . » .
وذكر أن الذي حاكمه هو الخليفة الراضي نفسه ! وذكر نحوه مآثر الإنافة : 1 / 289 ، والوافي للصفدي : 8 / 226 ، و : 4 / 81 ، وجاء فيه : وجرت أمور وأفتى العلماء بإباحة دمه فأحرق ، وكان ابن أبي عون أحد أتباعه ، وهو الفاضل الذي له التصانيف المليحة مثل الشهاب والأجوبة المسكتة ، وهو من أعيان الكتاب .
ونحوه الذهبي في تاريخ الإسلام : 24 / 115 . وقال في سير أعلام النبلاء : 14 / 567 : « وقد كان أبو علي الحسين « بن أبي عون » ويقال الجمال ، وزر للمقتدر في سنة تسع عشرة وثلاث مئة ، ولقبوه عميد الدولة ، وعزل بعد سبعة أشهر وسجن ، وعقد له مجلس في كائنة الشلمغاني ونوظر ، فظهرت رقاعه يخاطب الشلمغاني فيها بالإلهية . وعاش ثمانياً وسبعين سنة » . وذكر نحوه شذرات الذهب : 1 / 293 ، وفيه : « وشاع أنه يدعي الآلهية ، وأنه يحيي الموتى ، وكثر أتباعه فأحضره ابن مقلة عند الراضي بالله » .
خذوا بما رووا وذروا مارأوا
أعطى الأئمة عليهم السلام قاعدة في كتب العلماء الذين كانوا مستقيمين ، ثم انحرفوا مثل الشلمغاني ، فقالوا : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا . قال الطوسي قدس سره في الغيبة / 389 : « قال أبو الحسين بن تمام :
حدثني عبد الله الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح رضي الله عنه ، قال : سئل الشيخ يعني أبا القاسم رضي الله عنه عن كتب ابن أبي العزاقر بعدما ذُمَّ وخرجت فيه اللعنة ، فقيل له : فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منها ملاء ؟ فقال : أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما وقد سئل عن كتب بني فضال ، فقالوا : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء ؟ فقال صلوات الله عليه : خذوا بما رووا ، وذروا ما رأوا » .
وقال النجاشي / 378 : « محمد بن علي الشلمغاني أبو جعفر المعروف بابن أبي العزاقر كان متقدماً في أصحابنا ، فحمله الحسد لأبي القاسم الحسين بن روح على ترك المذهب والدخول في المذاهب الردية ، حتى خرجت فيه توقيعات ، فأخذه السلطان وقتله وصلبه . وله كتب منها : كتاب التكليف ، ورسالة إلى ابن همام ، وكتاب ماهية العصمة ، كتاب الزاهر بالحجج العقلية ، كتاب المباهلة ، كتاب الأوصياء ، كتاب المعارف ، كتاب الإيضاح ، كتاب فضل النطق على الصمت ، كتاب فضل العمرتين ، كتاب الأنوار ، كتاب التسليم ، كتاب البرهان والتوحيد ، كتاب البداء والمشيئة ، كتاب نظم القرآن ، كتاب الإمامة الكبير ، كتاب الإمامة الصغير . قال أبو الفرج محمد بن علي الكاتب القنائي : قال لنا أبو المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب : حدثنا أبو جعفر محمد بن علي الشلمغاني في استتاره بمعلثايا ، بكتبه » .
وفي غيبة الطوسي / 393 : « عن محمد بن أحمد بن داود القمي قال : وجدت بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي وإملاء أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه ، على ظهر كتاب فيه جوابات ومسائل أنفذت من قم يسأل عنها هل هي جوابات الفقيه عليه السلام أو جوابات محمد بن علي الشلمغاني ؟ لأنه حكي عنه أنه قال : هذه المسائل أنا أجبت عنها ، فكتب إليهم على ظهر كتابهم : بسم الله الرحمن الرحيم : قد وقفنا على هذه الرقعة وما تضمنته فجميعه جوابنا ، ولا مدخل للمخذول الضال المضل المعروف بالعزاقري لعنه الله في حرف منه ، وقد كانت أشياء خرجت إليكم على يدي أحمد بن بلال وغيره من نظرائه ، وكان من ارتدادهم عن الإسلام مثل ما كان من هذا ، عليهم لعنة الله وغضبه . فاستثبتُّ قديماً في ذلك ، فخرج الجواب : ألا من استثبت ، فإنه لا ضرر في خروج ما خرج على أيديهم ، وإن ذلك صحيح .
وروي قديماً عن بعض العلماء عليهم السلام أنه سئل عن مثل هذا بعينه في بعض من غضب الله عليه ، فقال عليه السلام : العلم علمنا ولا شئ عليكم من كفر من كفر ، فما صح لكم مما خرج على يده برواية غيره له من الثقات رحمهم الله فاحمدوا الله واقبلوه ، وما شككتم فيه أو لم يخرج إليكم في ذلك إلا على يده ، فردوه إلينا لنصححه أو نبطله ، والله تقدست أسماؤه وجل ثناؤه ولي توفيقكم ، وحسبنا في أمورنا كلها ونعم الوكيل » .
وفي غيبة الطوسي / 389 : « عن أبي الحسين محمد بن الفضل بن تمام رحمه الله قال : سمعت أبا جعفر بن محمد بن أحمد بن الزكوزكي رحمه الله وقد ذكرنا كتاب التكليف ، وكان عندنا أنه لا يكون إلا مع غال ! وذلك أنه أول ما كتبنا الحديث فسمعناه يقول : وأيش كان لابن أبي العزاقر في كتاب التكليف ، إنما كان يصلح الباب ويدخله إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه فيعرضه عليه ويحككه ، فإذا صح الباب خرج فنقله وأمرنا بنسخه ، يعني أن الذي أمرهم به الحسين بن روح رضي الله عنه . قال أبو جعفر : فكتبته في الأدراج بخطي ببغداد . قال ابن تمام : فقلت له : تفضل يا سيدي فادفعه إلي حتى أكتبه من خطك ، فقال لي : قد خرج عن يدي . فقال ابن تمام : فخرجت وأخذت من غيره ، فكتبت بعدما سمعت هذه الحكاية » . انتهى .
وفي الذريعة إلى تصانيف الشيعة : 4 / 406 : « كتاب التكليف لأبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني المعروف بابن أبى العزاقر المقتول . ألفه في حال استقامته فحمله الحسد لمقام الحسين بن روح النوبختي على ترك المذهب . . .
ويروى عنه هذا الكتاب أبو المفضل الشيباني المتوفى 387 ، ويرويه عنه أيضاً والد الصدوق ، إلا رواية شهادة الرجل لأخيه بغير علم » . وفي الذريعة : 21 / 187 : « المعارف لأبي جعفر محمد بن علي الشلمغاني ، المعروف بابن أبي العزاقر » . هذا ، ويرى بعضهم أن كتاب التكليف للشلمغاني هو نفسه كتاب فقه الرضا لوالد الصدوق رحمه الله . ومع أنه احتمال فلا ضير فيه بعد أن صححه سفير الإمام عليه السلام ، وأيدت أحاديثه وفتاواه المصادر الأخرى الكثيرة .
مذهب المخمسة الحلولية
وأصل مذهب المخمسة مأخوذ من مذهب الحلول المجوسي ، قالوا : « إن سلمان الفارسي والمقداد وعماراً وأبا ذر وعمر بن أمية الضمري ، هم الموكلون بمصالح العالم ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً » . « خلاصة الأقوال للعلامة / 364 » .
ثم نقلوها إلى النبي وعلي وفاطمة والحسنين صلوات الله عليهم ! ولعل أول من أشاع ذلك في بغداد أحمد بن هلال الكرخي ، الملعون على لسان الإمام المهدي عليه السلام ، فسُمِّيَ أتباعه الكرخية والكرخيين .
قال الطوسي في الغيبة / 414 : « وكان الكرخيون مُخَمِّسَة لا يشك في ذلك أحد من الشيعة ، وقد كان أبو دلف يقول ذلك ويعترف به ويقول : نقلني سيدنا الشيخ الصالح قدس الله روحه ونور ضريحه ، عن مذهب أبي جعفر الكرخي إلى المذهب الصحيح ، يعني أبا بكر البغدادي . وجنون أبي دلف وحكايات فساد مذهبه أكثر من أن تحصى ، فلا نطول بذكرها الكتاب ها هنا » . انتهى .
وقد ترجم الحموي في معجم البلدان « 4 / 447 » لكرخيٍّ آخر على نفس المذهب ، لكنه من كرخة الأهواز لا كرخة بغداد ، قال : « أبو جعفر الكرخي المعروف بالجَرْو وهذا الرجل مشهور بالجلالة فيهم قديماً ، وكان مقيماً بالبصرة ، قال : وشاهدته أنا وهو شيخ كبير وقد اختلت حاله فصار يلي الأعمال الصغار من قبل عمال البصرة ، وكان أبو القاسم بن أبي عبد الله البريدي لما ملك البصرة صادره على مال أقرف به وسمر يديه في حائط وهو قائم على كرسي ، فلما سمرت يداه بالمسامير في الحائط نُحِّيَ الكرسي من تحته وسلت أظافيره وضرب لحمه بالقضيب الفارسي ولم يمت ولا زمن قال : ورأيته أنا بعد ذلك بسنين صحيحاً لا عيب لهم إلا ما كانوا يرمون به من الغلو ، فإن القاسم وولديه استفاض عنهم أنهم كانوا مخمسة يعتقدون أن علياً وفاطمة والحسن والحسين ومحمداً صلى الله عليه وآله ، خمسة أشباح أنوار قديمة لم تزل ولا تزال ، إلى غير ذلك من أقوال هذه النحلة وهي مقالة مشهورة » .
وأصل مذهب المُخَمِّسة من بشار الشعيري : فهو تطوير لمذهب « العلياوية » الذي ظهر في زمن الإمام الصادق عليه السلام .
فقد روى الطوسي رحمه الله في رجاله : 2 / 701 : « عن مرازم قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : تعرف مُبشر ، بَشَّر بتوهم الاسم ؟ قال : الشعيري ، فقلت : بشار ؟ قال بشار ! قلت : نعم جار لي ، قال :
إن اليهود قالوا ووحدوا الله ، وإن النصارى قالوا ووحدوا الله ، وأن بشاراً قال قولاً عظيماً ! إذا قدمت الكوفة فأته وقل له : يقول لك جعفر : يا كافر ، يا فاسق ، يا مشرك ، أنا برئ منك ! قال مرازم : فلما قدمت الكوفة فوضعت متاعي وجئت إليه فدعوت الجارية ، فقلت قولي لأبي إسماعيل هذا مرازم ، فخرج إليَّ فقلت له : يقول لك جعفر بن محمد : يا كافر يا فاسق يا مشرك أنا برئ منك ! فقال لي : وقد ذكرني سيدي ! قال قلت : نعم ذكرك بهذا الذي قلت لك ! فقال : جزاك الله خيراً وفعل بك ، وأقبل يدعو لي !
ومقالة بشارهي مقالة العلياوية يقولون إن علياً عليه السلام هرب وظهر بالعلوية الهاشمية ، وأظهر أنه عبده ورسوله بالمحمدية ، فوافق أصحاب أبي الخطاب في أربعة أشخاص علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وأن معنى الأشخاص الثلاثة فاطمة والحسن والحسين تلبيس ، والحقيقة شخص علي ، لأنه أول هذه الأشخاص في الأمة . وأنكروا شخص محمد صلى الله عليه وآله وزعموا أن محمداً عبد علي ! وأقاموا محمداً صلى الله عليه وآله مقام ما أقامت المخمسة سلمان ، وجعلوه رسولاً لمحمد صلى الله عليه وآله فوافقوهم في الإباحات والتعطيل والتناسخ . نعوذ بالله من الكفر » !
وفي رجال الطوسي : 2 / 775 : « عن عثمان بن عيسى الكلابي ، أنه سمع محمد بن بشير يقول : الظاهر من الإنسان آدم والباطن أزلي . . . لما مات أوصى إلى ابنه سميع بن محمد فهو الإمام ، ومن أوصى إليه سميع فهو إمام مفترض الطاعة على الأمة إلى وقت خروج موسى بن جعفر عليه السلام ! وزعموا أن الفرض عليهم من الله تعالى إقامة الصلوات الخمس وصوم شهر رمضان ، وأنكروا الزكاة والحج وسائر الفرائض ، وقالوا بإباحة المحارم والفروج والغلمان ، واعتلوا في ذلك بقول الله تعالى : أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ . وقالوا بالتناسخ . .
وزعمت هذه الفرقة والمخمسة والعلياوية وأصحاب أبي الخطاب ، أن كل من انتسب إلى أنه من آل محمد ، فهو مبطل في نسبه مفتر على الله كاذب ، وأنهم الذين قال الله تعالى فيهم إنهم يهود ونصارى في قوله : وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ . . . إذ كان محمد عندهم وعلي ، هو رب لا يلد ولا يولد ولا يستولد ! تعالى الله عما يقولون علوا كبيراً .
وكان سبب قتل محمد بن بشير لعنه الله ، لأنه كان معه شعبذة ومخاريق . . . وكان عنده صورة قد عملها وأقامها شخصاً كأنه صورة أبي الحسن « الإمام الكاظم عليه السلام » في ثياب حرير ، وقد طلاها بالأدوية ، وعالجها بحيل عملها فيها ، حتى صارت شبيهاً بصورة إنسان ، وكان يطويها فإذا أراد الشعبذة نفخ فيها فأقامها ! وكان يقول لأصحابه إن أبا الحسن عليه السلام عندي ، فإن أحببتم أن تروه وتعلموا أني نبي فهلموا أعرضه عليكم ، فكان يدخلهم البيت والصورة مطوية معه فيقول لهم : هل ترون في البيت مقيماً أو ترون فيه غيري وغيركم ؟ فيقولون : لا ، ليس في البيت أحد ، فيقول : أخرجوا فيخرجون من البيت فيصيرهو وراء الستر ويسبل الستر بينه وبينهم ثم يقدم تلك الصورة ، ثم يرفع الستر بينه وبينهم ، فينظرون إلى صورة قائمة وشخص كأنه شخص أبي الحسن لا ينكرون منه شيئاً ، ويقف هو منه بالقرب فيريهم من طريق الشعبذة أنه يكلمه ويناجيه ويدنو منه كأنه يسارُّه ، ثم يغمزهم أن يتنحوا فيتنحون ، ويسبل الستر بينه وبينهم فلا يرون شيئاً ! وكانت معه أشياء عجيبة من صنوف الشعبذة ، ما لم يروا مثلها فهلكوا بها ، فكانت هذه حاله مدة حتى رفع خبره إلى بعض الخلفاء ، أحسبه هارون أو غيره ممن كان بعده من الخلفاء ، وأنه زنديق ، فأخذه وأراد ضرب عنقه فقال : يا أمير المؤمنين استبقني ، فإني أتخذ لك أشياء يرغب الملوك فيها فأطلقه ، فكان أول ما اتخذ له الدوالي ، فإنه عمد إلى الدوالي فسواها وعلقها ، وجعل الزيبق بين تلك الألواح ، فكانت الدوالي تمتلئ من الماء وتميل الألواح وينقلب الزيبق من تلك الألواح فيتبع الدوالي لهذا ، فكانت تعمل من غير مستعمل لها وتصب الماء في البستان ، فأعجبه ذلك ، مع أشياء عملها يضاهي الله بها في خلقه الجنة . فقَوَّدَه « جعله قائداً » وجعل له مرتبة ، ثم إنه يوماً من الأيام انكسر بعض تلك الألواح فخرج منها الزيبق فتعطلت فاستراب أمره وظهر عليه التعطيل والإباحات . وقد كان أبو عبد الله وأبو الحسن يدعوان الله عليه ، ويسألانه أن يذيقه حر الحديد ، فأذاقه الله حر الحديد » . انتهى .
أقول : من الواضح أن مذهب المخمسة اقتباس من الحلول والتناسخ الفارسي والهندي ، وقد كان ضغط الحكومات على الشيعة لإجبارهم على تقديس أبي بكر وعمر وعثمان ، عاملاً في اختراع بعض المشعوذين لنظرية الأضداد المحمودة ، لمدح من خالف أهل البيت عليهم السلام .
وقد ترجم علماؤنا لعدد من المغالين الذين سلكوا طريق الشلمغاني والكرخيين ، منهم علي بن أحمد الكوفي الذي توفي سنة 352 : « كان إمامياً مستقيم الطريقة وصنف كتباً كثيرة سديدة ، ثم خلط وأظهر مذهب المخمسة ، وصنف كتاباً في الغلو والتخليط ! وقال ابن الغضائري : كذاب غال صاحب بدعة ومقالة » . « خلاصة الأقوال للعلامة / 364 » .
ولا يتسع المجال لعرض تفاصيل هذه المذاهب والبدع وانخداع العوام بها . والذي يهون أمرهم أنهم انتهوا كلهم ولم يبق منهم إلا قلة يؤلهون علياً عليه السلام ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .
الشلمغانيون في عصرنا
ما زالت ظاهرة ادعاء المهدية ، وادعاء السفارة عن الإمام المهدي عليه السلام مستمرة إلى يومنا هذا ، وهي تكثر وتقل حسب الظروف . على أنهم كثرة نسبياً حتى في الظروف العادية ، فقد قرأت أن عدد المسجونين في مصر بتهمة هذا الادعاء نحو عشرين شخصاً ، سوى من أخذ عليهم تعهد بالتوقف عن نشر دعاويهم . وفي فلسطين عدة أشخاص ، وفي اليمن ، وفي السعودية أكثر من شخص من الوهابية ، ومنهم الشيخ اللحيدان ، وله موقع على النت .
ومن عوامل قِلَّة وجود المدعين أن الحكومات تمنعهم من نشر مزاعمهم أو تحبسهم ، أو يتصدى لهم الناس فيكشفون زيفهم ويقيمون الحجة عليهم .
ولهذا يكثرون عندما تكون الحكومة ضعيفة في بلد ، أو يحدث فيه فراغ سياسي ، أو يكون لجهات خارجية غرضٌ في تكوين حركاتهم . وقد كثر في العراق المدعون بعد الاحتلال الأمريكي ، وتميزوا عن أمثالهم في مصر وإفريقيا وفلسطين والحجاز والبحرين ، بأنهم كوَّنوا حركات مسلحة ، ومن أشهرهم حركة جند السماء في النجف ، وحركة المهدويين في البصرة بزعامة أحمد إسماعيل كاطع ، المسمى باليماني ، وبأحمد الحسن !
لقد سافر القرعاوي وأحمد إسماعيل إلى الهند وتعلموا شيئاً من السحر ، لكن الحلاج كان أذكى منهم جميعاً ، لأنه أتقن عمله وعاش التصوف أو عايش المتصوفة ، وقدم أدبيات جديدة في العشق والفناء والتجلي والحلول ! ثم ترك ولده الصغير أمانة عند صديق له في بغداد ، وسافر إلى الهند وتحمل مشاق السفر والغربة ليتعلم السحر والشعوذة .
كما كان الشلمغاني أعلم منهم جميعاً ، لأنه درس وباحث حتى وصل إلى مرحلة علمية متقدمة ، وألف في زمن استقامته كتباً اعتمدها علماؤنا حتى بعد انحرافه وكفره ، عملاً بقاعدة : « خذوا بما رَوَوْا وذَرُوا ما رَأوْا » .
فالشلمغانيون في عصرنا ليس عندهم ذكاء الحلاج وجاذبيته ، ولا علم الشلمغاني وماضيه في الإستقامة ! لكنهم مع ذلك يشتركون معهما في أكثر الصفات ، ومنها :
1 . التأرجح بين قلت ولم أقل ، وفعلت ولم أفعل ! وهو صفة المناور الذي يريد أن يحتفظ بموقع وسطي ، فلا يقع في قفص الإقرار ، ولا يترك البدعة والإصرار !
2 . التخفي والسِّرِّية ، لأنهم يخافون من الذين يعرفون كذبهم ، فيبتعدون عنهم ولا يقبلون مناظرتهم ، ويخافون من الناس أن يطلبوا منهم دليلاً لايملكونه !
وقد اتخذوا في العراق والبحرين وغيرهما شكل تنظيم حزب سري ، يُصدر رئيسه الأوامر والبرامج لأتباعه ، ويتدخل في أمورهم الشخصية حتى في ملابسهم فيأمرهم مثلاً أن لا يلبسوا جوارب ، ويصدرأمره بطلاق الأزواج ، أو بالزواج ، ويُبَلِّغهم ذلك على أنه أوامر من الإمام المهدي عليه السلام !
3 . إذا قرأت لأحدهم أو تعرفت عليه كيف ينظر إلى نفسه ، تجده يحمل في رأسه وقلبه أطناناً من الغرور ، ويزعم أنه يلتقي بالإمام عليه السلام وأنه صاحبه الخاص ، الآمر الناهي باسمه !
وبما أن الإمام المهدي عليه السلام ولي الله في أرضه ، فعليه أن يعظِّم نفسه ، لتتناسب شخصيته مع دعواه !
وفي مقابل تعظيمه لنفسه تراه ينظر إلى عامة المسلمين والمؤمنين على أنهم همجٌ رعاع ، لا يفهمون ولا يعقلون ، لأنهم لا يقبلون دعوته ولا يطيعونه ، ولو قبلوها وأطاعوه لصاروا أذكياء فاهمين ، وربما جعلهم عباقرة !
4 . كما نلاحظ خوفهم من لغة الوضوح والسهولة ، واستعمالهم لغة رمزية صناعية متعمدة ، ليوهموا الناس أنهم أهل علم وبلاغة ، وعندهم معانٍ عميقة تحتاج إلى تفهيم وشرح للعوام ! وليهربوا من مسؤولية الكلام الصحيح الصريح !
5 . يستعملون لغة التصوف والعرفان في علاقة المريد بالمراد والسالك بالشيخ ، ويلقلقون ألسنتهم بمفاهيم المقامات الربانية والسير إلى الله تعالى ، والعشق الإلهي والتجلي ! وفي هذا التجلي الكاذب تكمن بذور الحلول ، وميكروب ادعاء الألوهية !
نماذج من منطقهم وهروبهم من المناظرة
في بلد عربي طلبت حضور رئيسهم لأناقشه في دعواه السفارة للإمام روحي فداه ، فلم يحضر ! لكنه بعد مغادرتي البلد ، أرسل لي معاونه رسالة يشكو فيها أني سمعت فيهم كلام الناس ، وطلب مني أن لا أنشر اسمه ! قال في رسالته ما نصه :
« فكلّ ما نُقِلَ لك عنّا هو افتراءٌ علينا . . . . فما بالك ونحن نستعيذُ بالله من الجَهَلة ، والذين لا بدَّ لمسْتَ لَمَماً من بعضهم منْ ضحالة أسئلتهم لك ، وبسيطِ اهتماماتهم ، التي تسأل عنْ أغلفةِ مولاها سيّدِ العالم حجّةِ الدهر ، ومنجاة العالمين « ص » تستفهم ، لا عن معناه وحقيقته وآثاره ، وأهدافه وآماله وآلامه ، وشؤونه وقضاياه ، بل الأسئلة التي لا تُدْرِك مِنْ معنى إمامها إلا القشورَ والزبَدَ والنّقشةَ والصورة ، مِنْ سردابٍ وجُبّةٍ وخاتَمٍ ، وخالٍ وشذراتٍ مِن روايات الوصْف « الصحيحِ بعضُها » والتي ظاهرُها لا يفيد أهلَ الباطن وباطنُها لا يُفيد أهلَ الظاهر ، وباطنُها وظاهرُها معاً لا يُغني أهلَ الجهادِ والعمل والتحقيق والتمكين . أما حالُ السائلين بها وياللحسرة فمخالفٌ لحالِ مولاها المسئولِ عنه عجل الله تعالى فرجه الشريف بعيدٌ عن روحه ، ملتمسٌ غيرَ الذي يَسُرّه ، غيرُ لاهجٍ لهجَه ، ولا بناهجٍ نهجه ، ولا مُعتلجٍ ومُعالجٍ لقضاياه .
فهل تعتقدُ يا مولانا الشيخ بأنّ تلك الحشودَ قد اقتربتْ مِن مولاها الأعظم ، بتلكم الأسئلةِ الهشّة والتعريف الهيكلي ، أو أنها نالت زلفاها بالسخرية منا والتجييش علينا !
فإنا لله وهو المُستعان . . فوحقِّ مولاك لقد كانوا هم هكذا قبل أنْ تجئ ، وهكذا يكونون بعد أنْ رحلتَ . . هكذا هم بالأمس واليوم وغداً . . . بعيدون جداً عنْ إمامهم بعيدون بالمعرفة والأخلاق والإخلاص والعمل ، بعيدون بروح الدين والتمزّق والتناكر . . . فلم يستفيدوا مِن وجودك بين ظهرانيهم شيئاً منْ ورَعِك وزكاتك وتقواك وتحقيقِك ، ونخشى أنْ تكون أنت مَنْ استفدتَ منهم مِنْ مرير ما يُفترى به علينا ، تأخذُه أخذَ الحقيقة ، وتُمضيه إمضاءَ الرواية الموثوقة » .
يقصد بذلك تبرئة حزبه ، والطعن في الجمهور المحتشد لسماع حديثي عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف .
وأجبته عن هذه الفقرة فكتبت له :
تعليقي على هذا الكلام : أني أستغفر الله مما تفضلت به عليَّ من مدح ، فأنا لست أهلاً لأن أكون داعياً إلى مولاي ولا شادياً بعظيم مدائحه التي خصه الله بها ، ومفاخره التي تَوَّجَهُ الله بها صلوات ربي عليه . .
وإنما أنا عبد مسكين ينسبني الناس إلى شيعته ومواليه وموالي آبائه الطاهرين صلوات الله عليه وعليهم ، ويسألونني عما قرأته عنهم ، وكل أملي أن يشملني مولاي برضاه ، ولا يؤاخذني بقول الناس إني قريب منه .
وأما كلامك عن المؤمنين الذين يحتشدون حول من يَذْكر مولاهم ، ويَسْتَحْفَونَهُ عنه السؤال لعله يحكي لهم عنه . . فهو خطأ ذريع في تقييمك لهؤلاء الأبرار ، الذين قد يكون منهم البَدَل المصطفى ، وولي الله الذي لا ترد له دعوة ، الذي لو أراد الله أن يختار من يضع عنده سره ، ويودع في قلبه مشيئته ، لاختاره دونك ودوني !
إن هذه النظرة الخاطئة في التقييم لعوام المؤمنين ، بابٌ ينفث منه الشيطان في أذن الإنسان ، ليتخيل أنه خير من العامي الذي يسأل عن لباس مولاه وشكله ، وعن بسمته وغضبه ، ويرى أنه أقرب من العامي إلى فهم معنى مولاه : « وحقيقته وآثاره وأهدافه وآماله وآلامه وشئونه وقضاياه » كما عبرت ، وللأسف . .
اللهم إني أعوذ بك من أن أزدريَ مؤمناً ، وقد أخفيتَ وليَّك في عبادك ، وأعوذ بك أن أدعي أني خير من عامي ذي أسمال ، أو من أميٍّ يُصنف في الجهال . . فإنما هي قلوب عبادك المستور عالمها عنا ، تعمر ما شئت منها بما شئت من مواهبك اللدنية وعطاياك السنية ، وتُفقر قلب العبد الخاسر إن شئت بمجازاته وحرمانه ، وقد قال وليك وحجتك الإمام الصادق عليه السلام ما معناه : « ترى الرجل خطيباً مصقعاً لا يخطئ بلام ولا واو ، وإن قلبه لأظلم من الليل المظلم ، وترى الرجل لا يكاد يبين عما في نفسه ، وإن قلبه ليزهر كالمصباح » .
يشهد الله أني أتبرك بمجالس العوام الذين يأتون ليستمعوا إلى عزاء أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، أو فضائل أحد من أهل بيت النبوة الطاهرين عليهم السلام ، لأني آمل أن تكون محلَّ فيض عطاء رب العالمين ، وعناية ولي المؤمنين ، بسبب عجوز أثقلتها السنون وحملت نفسها إلى مجلسهم ، ووكفت دمعتها لذكراهم ، أو بسبب طفل يتيم جاء شوقاً ليسمع ذكر مواليه ، فقصده الإمام روحي فداه ، أو أرسل اليه من يمسح على رأسه ، كرامة له أو لأمه وأبيه » .
وكتبت له في جوابه عن فقرة أخرى : « وقلتم هداني الله وإياكم : « هذا كلّه ونحنُ لمْ ندّعِ الزندقةَ ولا الإلحاد ، ولا المُجونَ ولا الفساد ، بل ادّعينا ما أُمِرنا أنْ ندّعيه ، أنّا تشرّفنا باللّقاء بمنْ هو خيْرٌ لنا مِنْ كلّ هذه العباد . . . الخ . » .
واسمحوا لي بالتعليق على قولكم : « أنّا تشرّفنا باللّقاء بمنْ هو خيْرٌ لنا مِنْ كلّ هذه العباد »
فهل المسألة الكبرى في اللقاء أنه تعويضٌ لكم عن هؤلاء العباد ؟ ! وهل هذه الزاوية الشخصية أعظم ما في اللقاء عندكم ؟ ! أين نعيكم على العوام أنهم لا يفهمون المعنى في حجة الله على خلقه : « وحقيقته وآثاره وأهدافه وآماله وآلامه وشئونه وقضاياه » ؟ !
أعتقد لو أن عامياً موقناً ، مستوفر العقل صافي القلب ، تشرف بلقائه عليه السلام لكان شغله الشاغل مولاه ، وأنوار معناه ومبناه ، ولأذهله عن نفسه ، وأن يكون لقاؤه به أو لا يكون عوضاً عن ذم الذامين ، وأذى المؤذين وظلم الأقربين !
فأنى لمن زَهَرَ مصباح اليقين في قلبه ، وفنيت ذاته في ربه ، وتعلقت بمولاه ، أن يشغله من مولاه ما يتعلق بذاته هو ، وأنه حصل على ما هو خير له من هذه العباد ؟ !
إن كلامكم هذا لب مطلبكم ، فأنتم تدَّعون تشرفاً بلقاء ولي الله وحجته صلوات الله عليه ، وتدعون أنه روحي له الفداء أمركم بإعلان هذ الادعاء .
وهذه أسئلة أرجو أن تجيبوني عليها :
1 - جاء كلامكم بضمير الجمع : « بل ادعينا ما أُمِرنا أنْ ندعيه ، أنا تشرفنا باللقاء » فهل تشرفتم باللقاء جميعاً ، أو تشرف صاحبكم ، وأنتم تشرفتم بواسطته ؟
2 - هل أمركم المولى روحي فداه بمجرد إعلان اللقاء وإخبار الناس به ، وأن تتحملوا تكذيبهم وأذاهم ، أم أمركم بدعوة الناس اليه ؟ فإني لم أسمع من أحد فاز بشرف اللقاء ، أنه ادعى أنه أمره بإعلان ذلك ، فضلاً عن الدعوة إلى نفسه !
3 - هل صحيح ما نقل عنكم أو عن بعضكم أنه يدعي أنه أعطي قدراً من ولاية المولى عجل الله تعالى فرجه الشريف ، فصار أولى بالناس من الأب والأم والزوج وحاكم الشرع ؟
4 - هل أمركم المولى بأن تكونوا حزباً سرياً ، أو تؤسسوا جمعية ومؤسسات ! وتعملوا لكسب الناس إلى حزبكم ومؤسساتكم ودعوتكم ؟ وأي دين هذا ؟ !
وكتبت لشخص آخر منهم ، في جواب رسالته :
إن ما ينقل عنك أمرٌ عظيم ، وأي ادعاء لبشر منا أكبر من قوله إنه على صلةٍ بحجة الله في أرضه وأمينه على سره ، وأنه يتلقى التوجيه منه ، صلوات الله عليه ؟ ! فوالله إني أتشرف أن أكون خادماً طول عمري لمن أقام دليلاً على ذلك !
وسؤالي الأول : إن هذه الدعوى العظيمة وهي التشرف بلقاء الإمام المهدي صلوات الله عليه ، والحظوة بالتوجيه المباشر منه والنيابة عنه ، دعوى خطيرة لا تصلح بدون دليل لائقٍ بمستواها السامي ، واضح وضوحاً يشرق في الآفاق ، وتخضع له الأعناق . . فأين هو الدليل ؟
والسؤال الثاني : أن من كان في هذا المقام الشامخ المدعى ، لا يحتاج إلى حزب وتشكيلات ، لأنه متصل بمن عنده الاسم الأعظم ، والقلوب بيده كالخاتم !
كما لا يحتاج إلى جمعيات ومؤسسات ومنافسات وانتخابات . . لأن من له صلة بمولى الكل ، يكون بمثابة الأب لجميع المؤمنين ، ففيضه يصل إلى الأقربين والأبعدين . فهل معنى التحزب والتنافس ، إلا الاحتياج لما يحتاج اليه العوام ، والفقر إلى ما يفنى من الحطام ؟ ! فكيف نجمع بين ادعائك لهذا المقام الرباني السامي ، وسلوكك الحزبي مع الأتباع كرئيس كشافة مع أشبال صغار ، أو كقائد ميليشيا مع منتمين أغرار !
وكيف تفسر السلوك التنافسي مع مخالفيكم كالذي يسود في بلادنا بين الفئات ، شبيهاً بخباثة المخابرات الغربية ، أو بجهالة الفضوليات الشرقية !
ما زلت أرجو جواباً لهذا الإرتياب ، بأن تقيموا لي الدليل فأصدقكم ، أو تعجزوا عنه فأكون معذوراً إن قلت إنهم يدعون دعاوي عظيمة ، بلا دليل !
وغني عن القول أن الدليل هنا لا يصح أن يكون إلا معجزة صريحة واضحة ، تتناسب مع خطورة الدعوى ، وعظمة المدعي إن صدق !
ولم يجب أحد منهم على كلامي ، ولا يستطيعون !
يزعم أنه يحمل رسالة من المهدي عليه السلام
جاءني المدعو الشيخ حيدر مشتت مرات عديدة ، وكان يسألني فأجيبه ، وبعد سنوات ادعى أنه اليماني ، ثم تشارك في الدعوى مع تلميذه أحمد إسماعيل كاطع .
وجاءني ذات مرة يزعم أنه يحمل لي رسالة من الإمام المهدي عليه السلام يدعوني إلى الإيمان به وبصاحبه اليماني ، وقال لي : جئت برسالتين ، واحدة لك والثانية للسيد القائد الخامنئي . فسألته : ممن الرسالة ؟ قال : من الإمام صاحب الزمان عليه السلام !
فجمعت نفسي وتوجهت اليه قائلاً : يا شيخ حيدر ، هل أنت متأكد ؟ ! قال : نعم . قلت له : لا تستعجل . . فإني أسألك : هل أنت التقيت بالإمام المهدي صلوات الله عليه ، الإمام الحجة بن الحسن ، التاسع من ذرية الحسين عليهم السلام الذي بشر به جده المصطفى صلى الله عليه وآله ، وادخره الله تعالى ليملأ به الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت ظلماً وجوراً . . هل أنت التقيت به وكتب لي رسالة ، وأمرك أن توصلها لي ؟ !
قال : نعم ! فعدت وشرحت له ونصحته ، ورويتُ له قصة الحلاج كيف ادعى السفارة عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وكتب إلى والد الشيخ الصدوق قدس سره في قم يدعوه إلى الإيمان به ، وكيف أجابه ، ثم جاء الحلاج إلى قم ، فوبخه ونفاه من المدينة !
وختمت بقولي : أعتذر عن استلام رسالتك ! وما دمت التقيت بالإمام عليه السلام وكلفك بإيصالها لي فقل له : إن فلاناً رفض أن يستلمها حتى يرى معجزة تكون دليلاً على صدقي وصدق الرسالة . فقال لي : حسناً ، ماذا تريد معجزة ؟ قلت له : نفس المعجزة التي طلبها والد الصدوق رحمه الله من الحلاج : أن يعيد لحيتي البيضاء ، بلونها عندما كنت شاباً . فسكت مدة ، فانشغلت بالكتابة ، وبعد مدة طويلة قال : هل تقبل أن ترى الليلة مناماً ؟ قلت له : ولا عشرين مناماً ! إن ديننا ومذهبنا مبني يا شيخ حيدرعلى أدلة قطعية ، فهل نأخذ ديننا من المنامات ؟ إن دين الله أعز من أن يؤخذ من منام ، بل يحتاج إلى دليل برهاني منطقي تخضع له العقول ، ومعجزةٍ واضحةٍ تخضع لها الأعناق .
قال الإمام الكاظم عليه السلام : إن لله على الناس حجتين : حجة ظاهرة وحجة باطنة . فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة عليهم السلام وأما الباطنة فالعقول . فسكت حيدر ، ثم نهض مودعاً : في أمان الله . . !
يزعم أنه ابن المهدي عليه السلام وشعاره نجمة إسرائيل !
ظهر في العراق بعد سقوط صدام تسع حركات منحرفة ، أهمها اثنتان : حركة جند السماء بقيادة القرعاوي الذي ادعى أنه المهدي الموعود عليه السلام ، وجمع أنصاره قرب النجف في معسكر سري ، لأجل احتلال النجف وكربلاء وإعلانهما إمارة إسلامية بقيادته . فحاصرتهم قوات الحكومة وخاضت معهم معركة كبيرة حتى قضت عليهم ، وقتلت المهدي المزعوم !
والثانية : حركة أحمد إسماعيل كاطع في البصرة ، وهي امتداد لجند السماء بفكرها الوهابي وتمويلها . وقد سمى نفسه أحمد الحسن وادعى أنه ابن المهدي عليه السلام ووصيه وزعم أن أباه أرسله ، فهو سفيره إلى العالمين ، وهو اليماني الموعود !
وكتب مناشير دعا فيها علماء الأديان إلى المباهلة ، وكتب : « فإن لم يستجيبوا لدعوتي فليعلموا أنهم ومن يتبعهم في ضلال مبين ، وسيبيدهم الله بالعذاب والمثلات » ! وختم بيانه بختمه وهو نجمة اليهود السداسية !
وقد أرسلت له الشيخ عبد الحسين الحلفي إلى التنومة قرب البصرة ، فوجده شخصاً حَيَّالاً فارغاً من العلم ، فدعاه إلى المباهلة واتفقا على يوم معين ، وأن تكون المباهلة بأن يأخذ أحدهما بيد الآخر ويدعوَا الله تعالى أن يهلك المبطل وينجي المحق منهما ، ويلقيا بنفسيهما معاً في شط العرب !
لكن أحمد إسماعيل نكص ولم يحضر للمباهلة ، ثم اشترط أن يجمعوا له كل مراجع الشيعة ليناظرهم ويباهلهم !
وكان يرسل لي أشخاصاً فكنت أدعوه إلى قم للمناقشة فيعتذر ، ثم أرسل شخصين مُخَوَّلين ، فناقشتهما فوجدتهما عاميين ، من أهل الهوى والجدل ، فسألتهما إن كان صاحبهما عنده معجزة ، فقالا : نعم عنده معجزات جميع الأنبياء والمرسلين فطلبت أن يرينا واحدة منها ، فسألاني ماذا تريد ؟ فقلت : هذا شارون رئيس وزراء إسرائيل يقتل المسلمين ، فليدع عليه بالهلاك ، وليخبرنا متى يهلكه الله تعالى ، وكيف يهلكه ؟ فدخلا إلى غرفة واتصلا بإمامهما تلفونياً ، ثم قالا غداً نعطيك الجواب . وفي الغد قالا : إن الإمام المهدي عليه السلام لم يأذن بإهلاك أولمرت ! ولا يتسع الكتاب لإيراد قصصنا مع هذا الضال وأنصاره ، وقد كتبنا في رد أباطيله كتاباً سميناه : دجال البصرة ، يمكنك قراءته من هذا الرابط : www . alameli . net
وقد استعرضنا فيه حركته وكشفنا ما لَفَّقَهُ من أدلة ، وذكرنا في مقدمته أن أبرز صفات مدعي المهدية : العامية ، والتزوير ، والوقاحة . وعقدنا فصلاً لمساندة الوهابية والصهيونية لحركته ، وأنه لذلك جعل شعارها نجمة إسرائيل . وذكرنا أنه اتفق مع حيدر مشتت ثم اختلفا ، فألف حيدر كتاباً وفضحه ، فقتله الدجال !
وعقدنا فصلاً لنقض أدلته التي زوَّرها ولفَّقها ، من رواية حرَّف معناها ، أو حرَّف نصها كرواية كتاب البحار التي تقول : ثم يظهر ابن النبي المهدي ، فحذف كلمة النبي وجعلها « ثم يظهر ابن المهدي » ليطبقها على نفسه !
وفصلاً لإبطال استدلاله بالمنامات والإستخارة بشرط أن توافق بدعته ! وبينا أن أصل دينه أنه رأى الإمام المهدي عليه السلام في المنام سنة 1424 ! وأنه عامي لا يجيد حتى قراءة القرآن ، ولا قواعد الإملاء واللغة !
الرد الحاسم على كل من ادعى الارتباط الخاص بالإمام عليه السلام
المشكلة ليست في هؤلاء المدعين فقط بل فيمن يتبعونهم ! فمنهم شياطين مثلهم ، ومنهم بسطاء صادقون ! فيجب رفع مستوى الوعي والمعرفة في الناس حتى لا يجد الدجالون من يصغي إليهم !
إن كل من يدعي أن له ارتباطاً خاصاً بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف وأنه أمره بشئ ليبلغه للناس ، فهذا يدعي السفارة عن الإمام عليهم السلام ، وهذه الادعاء الخطير لا يجوز تصديقه إلا بمعجزة علنية واضحة لا خفاء فيها ولا شك .
فيقال له مثلاً : إنك مستجاب الدعوة فادع ، أو إنك ترى الإمام عليه السلام فقل له إن الناس كذبوني ، وطلبوا مني المعجزة الفلانية وقد كان الأئمة عليهم السلام يرسلون الشخص برسالة ويجعلون معه معجزة ، وكان الشيعة يراجعون السفراء فيرون منهم الآيات والمعجزات ، فإن لم يأت مدعي الارتباط الخاص بالإمام عليه السلام ، فهو كذابٌ مُفْتَرٍ .
وقد طلبت من امرأة في البحرين تدعي السفارة أن تطلب من الإمام أن يهلك الله طاغية اليهود ويخبرنا بيوم هلاكه ، فوعدت بذلك ، وفي اليوم الثاني قالت إن ذلك سيكون بعد أربع سنوات وكسراً ، وإن أولمرت تقتله امرأة في هذا التاريخ !
فقلت لها هذا بعيد فاختاري لنا معجزة في شهر أو أسبوعين ، فوعدت بذلك ، ثم ولَّتْ ولم تعقب !
ثم مضى التاريخ الذي حددته ، ولم يمت أولمرت !
الاكثر قراءة في السفراء الاربعة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
