التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
مصر في عهد نقطانب الأول
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج13 ص 163 ــ 178
2025-06-06
45
لم تمكث الاضطرابات التي أعقبت موت «أوكوريس» وتولى ابنه «نفريتيس» الثاني إلا بضعة أشهر (راجع: Kienitz p. 88) تولى بعدها زمام الحكم «نقطانب» الأول وهو سمنودي المنبت، وكان والده أميرًا يُدعَى «تاخوس»، وذلك على حسب ما جاء على نقوش تابوت ابن أخيه (راجع: Sethe, Urk. II p. 26) وقد كان زمام الأمور في يده تمامًا حوالي نوفمبر (1) سنة 380ق.م.
ويدل على ذلك الآثار المؤرخة بحكمه في «إدفو» و«نقراش» — كما سنرى بعدُ — وتدل الآثار التي عُثر عليها في «نقراش» على أن «سايس» كانت كذلك في قبضة «نقطانب»، وقد كانت «سمنود» مسقط رأسه بطبيعة الحال تحت سُلطانه، يُضاف إلى ذلك أن «خابرياس» وزير حربية «أوكوريس» قد انضم إلى «نقطانب» وسَاعَدَهُ على توطيد حُكمه في البلاد (راجع: Cornellius Nepos. Chabrias II, 1) ، وهكذا قضى على الاضطرابات الداخلية في البلاد بسرعة.
ولما تولى «نقطانب» عرش «مصر» لم تكن أحوال السياسة الخارجية تدعو إلى التفاؤل كثيرًا، وإذا صرفنا النظر عن «جلوس» وخلفه المسمى «تاخوس» اللذَين لم تجن منهما «مصر» شيئًا؛ فإن مصر لم تكن على تحالُف مع أية دولة، أما الفرس فعلى العكس من ذلك فإنهم بعد نهاية الحرب مع «أفاجوراس» أخذوا يقومون باستعدادات للقيام بحملة جديدة للاستيلاء على «مصر»، ومن أجل ذلك طلب إلى اليونان استدعاء «خابرياس» من «مصر».
على أن استدعاءه لم يكن في تلك اللحظة دليلًا على أن الفرس يريدون إعلان الحرب على «مصر» في الحال؛ وذلك لأن الأحوال لم تكن مواتية للفُرس وقتئذٍ، فقد كان تحريرُ مدينة «طيبة» اليونانية في عام 379ق.م، مضافًا إلى ذلك الاضطرابات الهيلانية التي أعقبتْ ذلك، ثم النشاط الخارجي الذي أظهرتْه مملكة «أثينا» وقتئذٍ، وهو ذلك النشاط الذي كانتْ نتيجته قيام إمبراطوريتها البحرية الثانية عام 377ق.م؛ كل هذه العوامل كانت سببًا في تحويل أنظار السياسة الفارسية مؤقتًا لِمدة طويلة نسبيًّا عن «مصر»؛ وفضلًا عن ذلك فإن الاستعدادات الحربية نفسها للقيام بالحملة على «مصر» قد تطلبت من الفرس وقتًا طويلًا، وفوق كل ذلك نجد أن القيادة العامة للجيوش الفارسية قد تغيرت مرتين.
والواقع أن الحملة على «مصر» لم يكن قد تم استعدادها إلا في عام 374ق.م؛ أي بعد خمس أو ست سنوات من موت الفرعون «أوكوريس» (راجع: Diod. XV, 41, 1) ، وكان الجيشُ الإغريقيُّ الفارسيُّ الذي كان مجهزًا للقيام بالحملة تحت قيادة الشطربة «فارنابازوس» وهو الذي كان وحده المسيطر على كل الجيش، ومنه يصدر كل أمر صغير أو كبير خاص بالزحف؛ وذلك على الرغم من أن القائد «إفيكراتس» الذي كان يقود الجنود اليونانية المشتركة في الحملة، كان ميالًا إلى الإسراع في القيام بالحملة؛ إذ كان يرى أنها قد تباطأتْ، وذلك في حين أن «فارنا باذوس» القائد الأعلى كان غرضه من هذه الحملة أن يَثأر لنفسه مما أَحاق به من هزيمة عام 380ق.م (راجع: Diod. XV, 29, 1).
وقد كان يساعده في هذه الحملة — فضلًا عن ذلك — القائد الإغريقيُّ «تيتراوستيس Tithraustis»، وكان من القواد الذين هزموا في الحرب التي نشبت في عام 389–387ق.م، يُضاف إلى ذلك أن ملك الفرس أعاره القائد «داتامس» لمدة قصيرة، وكان يعتبر من أحسن قواده وقتئذٍ (راجع: Cornelius Nepos, Damtes 4).
ويذكر لنا «داماتس» أن «فانا بازوس» قد استدعاه ملك الفرس وَحَلَّ هو مَحَلَّهُ في قيادة الجيش، وإذا صدقنا ما قصه «داماتس» عن نفسه في تاريخ حياته فإنه — بلا شك — كان قد عمل بغيرة وحماسة على تجنيد الجيش وإعداده، (راجع: Cornelius Nepos Damates 5).
وتدل الأحوالُ على أنه لم يتقبل بسرورٍ الأمرَ الذي أرسله إليه الملك «أرتكزركزس» بالزحف على الثائر «أسبيس Aspis»، ولكنه على الرغم من ذلك رأى أنه لا بد من الطاعة، وإن كانت المأموريةُ الأولى المسنَدة إليه — وهي قيادة الجيش — أكثر أهمية من التي أمره الملكُ العظيمُ بالقيام به، وفي خلال قيامه بالقضاء على ثورة «أسبيس» حمل إليه البريدُ أمرًا من قِبَل الملك العظيم، بأن يبقى في معسكر «عكة»، ولما رأى ملك الفُرس شدة بأس «داماتس» وقوة عزيمته في إخماد هذه الثورة زاد إعجابُهُ به، وثَبَّتَهُ في قيادته في «مصر»، ورأى أنه يجب ألا تُفلت «مصر» من ضربات هذا القائد العظيم، ولكن لَمَّا كان «داماتس» مُحاطًا بالدسائس في البلاط الفارسيِّ فإنه ظن أنه لو خاب في حملته على «مصر» أصبح معرضًا للأخطار، ومن أجل ذلك ترك المعسكر في «عكة» وذهب إلى «كابادوشبا»؛ ومن أجل ذلك سلم ملك الفرس قيادة الجيش إلى «فارنابازوس»، وكان القائد الإغريقي «إفيكراتس» وقتئذٍ مساعدَه تحت إمرته المباشرة، وكان الأخيرُ يرأس الجنود المرتزقة من الإغريق، وهو الذي كان يُساعد «فارنابازوس» من قبل، (راجع: Diod. XV, 41, 1).
وكان القائد «إفيكراتس» مثل القائد «خابرياس» صاحب سمعة كبيرة في فنون الحرب؛ فقد اشتهر خلال حروب «كورنته» في «تراقيا» وهناك تزوج ابنة الملك «كوتيس Cotys»، وقد انتصر في مواقعَ كثيرةٍ مدة سنين عدة (راجع: Diod. XV, 41, 2)، لدرجة أنه واجه «فارنابازوس» بكل صراحة متهمًا إياه بأنه كثير الكلام بطيء العمل، وقد أسرع «فارنابازوس» إلى إجابته على ذلك بأن المسئولية في ذلك تقعُ على عاتق ملك الفرس نفسه؛ لأنه هو الذي في يده تحديد الخطط الحربية التي يجب العمل بمقتضاها، وفي استطاعتنا أن نفسر نفاد صبر قائد الجنود المرتزقة الذي كانت تتوق نفسُهُ للحرب، على أنه من جهة أخرى قد تكون هناك أسبابٌ قويةٌ قاهرةٌ لدى ملك الفرس في تأخير قرار إعلان الحرب؛ فقد يكون ذلك مثلًا راجعًا إلى الأحوال السياسية العامة المضطربة في بلاد اليونان منذ عام 379ق.م، وعلى أية حال لا يجب الإسراعُ هنا في اتهام الحُكُومة الفارسية بالتباطؤ أو اتهام قوادها بالتراخي، وإنا نقرأ من بين سُطُور اتهامات «إفيكراتس» ما يوحي بعدم التفاهُم التام بينه وبين القائد الفارسيِّ منذ البداية؛ وذلك لأن المشاحنات الشديدة التي وقعتْ بينهما خلال الحملة على «مصر» كانت نتيجةً لسوء التفاهُم الأصلي الذي كان بينهما.
والآن يتساءلُ الإنسانُ ما القوات التي كانت تحت إمرة كل من «فارنابازوس» ومساعده «إفيكراتيس»؟ يدل الإحصاءُ الذي عمل في معسكر «عكة» على حسب ما ورد في «ديودور» على النتائج التالية:
200 ألف جندي من الفرس و20 ألفًا من الجنود المرتزقة من الإغريق (راجع: Diod. XV, 41, 3, 41, 1).
أما على حسب ما ذكره لنا المؤرخ «كورنيليوس نبوس» (راجع: Iphicrates, 2) فإنا نفهم أن الملك «أردشير» قد طلب إلى الآثنيين أن يرسلوا إليه «إفيكراتيس» ليكون على رأس اثني عشر ألف مقاتل من الجنود المرتزقة، وهذان الرقمان — على اختلافهما من حيث عدد الجنود المرتزقة — يُمكن التوفيقُ بينهما؛ وذلك أن الفرس عندما طلبوا مساعدة «إفيكراتس» حوالي عام 380ق.م لم يكن لديهم إلا اثنا عشر ألف مقاتل من الجنود المرتزقين على ما يظهر، أو بعبارة أُخرى لم يكن لديهم على أُهبة الاستعداد للحرب إلا هذا العدد، ولكن منذ عام 380 إلى 374ق.م ازداد عددُ الجنود المرتزقين — على ما يظن — وعلى أية حال فإن هؤلاء الجنود الأجانب وكانوا خيرة الجنود المحاربين الذين استحقوا بجدارة عند الإغريق الاسم الفاخر جنود «إفيكراتيس»، (راجع: Cornèlius Nepos, Iphicrates 2)؛ كانوا يؤلفون أحسن عنصر في الجيش الذي أعده الفرس لغزو «مصر»؛ إذ الواقع أنهم كانوا أكثر تدريبًا وأخف حركة وأشد حماسة من سائر ذلك الجيش الفارسي الجرار، ولا نزاع في ذلك فقد استعرض أمامنا «ديودور» بدقة (XV, 44, 2-3) الإصلاح الذي عمله «إفيكراتس» في الجيش، ونخص بالذكر من ذلك الخفة في التسليح الدفاعي، والعمل على تقوية السيوف والحراب.
هذا، وكان تحت يد قائد الفرس المهاجم عتادٌ وفيرٌ وأسطولٌ يبلغ عددُ سفنه نحو الثلاثمائة، والواقع أن الأهمية في هذه الحرب كانت تنحصر في الأسطول الذي كان معارضًا لقوات الفرس في أثناء حرب «قبرص» وهو الأُسطولُ الذي كان تحت إمرة كل من «أفاجوراس» والفرعون، (راجع: Diod. XV, 2, 1).
هذا، ونجد أن «فارنابازوس»، قد أَغلق بأسطوله في وجه المصريين كل أمل في التحوُّل من جهة البحر المتوسط، وعلى أية حال لم نجدْ أن «نقطانب» قد قام بأية محاولة بحرية، وعلى ذلك فإن النجاح الوحيد الذي كان ممكنًا أن يحرزه الفرس هو السيطرة على البحر.
وفي بداية فصل الحرب تحرك الجيش الفارسي بأكمله ورافقه الأسطولُ على مسافة قريبة من الساحل السوري، كما كان يفعل «تحتمس» الثالث في غزواته المظفرة، (راجع: Diod. XI, 41, 4).
وتدلُّ الأحوالُ على أن جيش «فارنابازوس» قد أَخذ في الزحف قبل مُنتصف شهر يونية، وهو التاريخُ الذي يَبتدئ فيه ظهورُ بشائرِ الفيضان، وكل ما يمكن قولُهُ هنا: أن رياح الخماسين التي تكون على أَشُدِّها في شهر أبريل قد أجبرت القائدَ الفارسيَّ أن يُؤَخِّرَ بدايةَ الحملة حتى شهر مايو.
والظاهر أن اختيار مثل هذا الوقت من العام للقيام بحملة على «مصر» قد انتقده بشدة مؤرخون مختلفون؛ فقد رَوَوا أن المغيرين لم يكن لديهم — بلا شك — إلا مدة قصيرة قبل حُلُول فصل الفيضان الذي تكون كل بلاد الدلتا فيه مغمورةً بالمياه، (راجعْ: Rev. Egyptol. II, p. 91)، وقد لا تكون هناك أيَّةُ مسئولية في هذه المسألة على القائد «إفيكراتس»؛ إذ من الممكن جدًّا أنه قد استُشير في التاريخ الذي سوف تقوم فيه الحملة، وأنه قد أشار على حسب العادات الإغريقية بالدخول في الحرب في فصل الربيع، والواقع أننا لم نجدْ في كل ما رواهُ لنا «ديودور» أنه قد أبدى معارضةً في التاريخ الذي اختِير لقيام الحملة فيه؛ وذلك لأن القرار النهائيَّ في ذلك لم يكن في يد «إفيكراتس»، بل كان في يد آخرين، ولا أَدَلَّ على ذلك من أنه كان مضطرًّا عدة شهور إلى أن يستسلم للأوامر الصادرة إليه بتأخير الحملة التي كان يُلِحُّ في إنهائها بكل حماس وسرعة، (راجع: Diod. 41, 2).
والآن يتساءلُ المرءُ هل القائدُ العام «فارنابازوس» هو الذي اختاره، للقيادة وقت مسير الحملة على «مصر»؟ والجوابُ على ذلك أنه ليس لدينا ما يؤكد ذلك، وقد ذكر لنا «إفيكراتس» نفسه أن القائد «فارنابازوس» كان يُمكنه أن يستشير كما يريد، إلا أنه مع ذلك كان خاضعًا لسلطان حُكُومة ملكية تصدر منها الأوامرُ الهامةُ في مثل هذه المواقف الخطيرة، والواقعُ أن كل القُوَّاد الفُرس لم يكن في استطاعةِ الواحد منهم أن يَفصل بصفةٍ قاطعةٍ في مثل هذه المسائل الخطيرة، بل كان عليه أن يضع الأمر بين يدي الملك ليقضي فيه بما يشاء (راجع: Diod. 41, 3) ، وعلى ذلك فإنه ليس بالأمر الغريب أن يكون «فارنابازوس» عندما أعطى الأوامر بالزحف في فصل الربيع على «مصر» لم يكن إلا منفذًا لأمرٍ ملكيٍّ صَدَرَ له من «أرتكزركزس»، ولكن هل هذا الأمرُ جديرٌ بأن يكون موضعَ انتقاداتٍ صارمة؟ هذا ليس حتميًّا؛ إذ يظهر مما رواه «ديودور» أنه كان من الممكن اتخاذُ قرارٍ حربيٍّ قبل الوقت الذي يكونُ فيه الفيضانُ خطرًا على رجال الحملة، وأن هذا القرار كان قد تأخر واتفق عليه لأسباب خارجة عن تاريخ القيام بالحملة نفسها بعد أن كان قد قطع جيش «فارنابازوس» الصحراء السورية ووصل إلى النيل أمام الفرع «البيلوزي» (راجع: Diod. XV, 41, 42, 2) ، وعندما وصلت الحملةُ إلى هذا المكان وَجَدَ قُوَّادُ الجيش الفارسي أن المصريين أخذوا للحرب عُدَّتَها لمقابلة الجنود المهاجمين؛ وذلك لأن الاستعدادات الطويلة التي قام بها الفرسُ قد خدمت المصريين فاستعدوا لمقابلة عَدُوِّهِم، (راجع: Diod. XV 41, 4) ، والواقع أنه كان في المدة الطويلة التي جمع فيها «فارنابازوس» جيشه الجرار كان «نقطانب» الأول يَعرف مدى أهمية هذا الجيش، (راجع: Diod. XV, 42, 1).
وتدلُّ شواهدُ الأحوال على أن «نقطانب» لم يكن لديه أية جنود مرتزقة لأي قائد إغريقي؛ ولا أدل على ذلك من أن «ديودور» قد أغفل هذا الموضوع إغفالًا تامًّا؛ ومن أجل ذلك نجد أنه في أثناء أن كانت الحربُ دائرةً رحاها بين الآثينيين والأسبرتيين حول «كورسير Corcyre» كان على الأسبرتيين أن يُرسلوا مددًا إلى الملك «نقطانب» الذي كان يُهاجمه القائد «إفيكراتس» الآثيني، ولكن «إفيكراتس» هذا على الرغم من أنه قد أرسلتْه «أثينا» منذ بضع سنين مضت ليكون قائدًا في الجيش الفارسي؛ لم يكن إلا مجرد رئيس جُنُود مرتزقة، ولا يُمثل في الواقع السياسة الأثينية.
ومِن جهةٍ أُخرى كان «اللاسيديميون» في مقدورهم كما حدث في عام 387-386ق.م، أن يجعلوا الفُرس يَفرضون على أعدائهم الأثينيين الصلح، (راجع: Grote, XIV, pp. 315-316).
ومن ثم نرى أن المصريين قد أصبحوا ولا عون لهم إلا جيشهم، وكان أخوفُ ما يخاف «نقطانب» وقتئذٍ هو أن تحيق به هزيمةٌ في الأرض المصرية السهلة المنبسطة، ولا شك في أن قيمة هذه الحروب وقيادتها كانت تنحصر في «إفيكراتس» الأثيني، يُضاف إلى ذلك أن الجيش المصري — على حسب الظواهر — كان أَقَلَّ عددًا من الجيش الفارسي، ولم يُشِرْ «ديودور» — وهو الذي قَدَّرَ عدد الجيش الفارسي بقيادة «فارنابازوس» بنحو 200 ألف، هذا عدا الجنود المرتزقة — إلى أهمية جيش «نقطانب» وعدده. (راجع: Diod. XV 41, 3.)
ويتساءلُ الإنسانُ هنا: هل كان هذا الجيشُ الذي كان تحت إمرة «نقطانب» الأول أكبرَ عددًا من الجيش الذي كان سيجمعُهُ «نقطانب» الثاني في عام 343-342ق.م، في ساعةٍ مميتةٍ، ويدلُّ ما لدينا من معلوماتٍ على أنَّ الأخيرَ لم يكن تحت إمرته إلا 80 ألف مقاتل من الأفريقيين؛ أي المصريين واللوبيين، (راجعْ: Diod. XVI 41, 7) ، ومن جهة أُخرى نعرف أن الملك «تاخوس» الذي كان يُعَدُّ أنشطَ وأجسرَ أميرٍ سمنودي، كما أنه كان مستعدًّا لخوض غِمَارِ حربٍ طويلةِ الأمد؛ لم يضع في ميدان القتال أكثر من 20 ألف مقاتل مصري، (راجعْ: Diod. XV, 92, 2) ، ومن ثم يَظهر لنا أن «نقطانب» الأول لم يكن في مقدوره وقتئذٍ أن ينزل في ساحة القتال في حربه مع الفرس أكثر مما سينزلُهُ خلفاه (2) ،ومع ذلك فإن النقص الذي كان ظاهرًا في جيش «نقطانب»، وكذلك قلة النظام قد سَدَّهُما «نقطانب» بما كانت تمتاز به مراكزُهُ الدفاعيةُ من متانة وتَفَوُّق في المقاومة، وقد روى لنا «ديودور» أن «نقطانب» الأول وضع كلَّ أمله في هاتين الميزتين؛ للتغلُّب على المهاجمين، (راجع: Diod. XV, 42, 1)، وكان أول ما أفاد منه «نقطانب» الأولُ الوقت الذي أخذ فيه الفرسُ يقومون باستعداداتهم، فأتم من جانبه سلسلة التحصينات التي كان قد أقامها «خابرياس» واجتهد في أن يسد في وجه العدو كل المنافذ المؤدية إلى داخل «مصر»؛ فقد حمى كل فرع من فروع النيل بحصن مجهز بالعدة والعتاد على كل شاطئ النهر وبأبراج مرتفعة مرتبطة بقنطرة من الخشب مغلقة في وجه كل هجوم نهري، ولما كان الفرع البيلوزي مُعَرَّضًا لمهاجمة العدوِّ أكثر من أيَّةِ جهة أُخرى؛ فإنه قوي بالتحصينات العِدة؛ إذ حفرت فيه الخنادقُ وأقيمتِ الجدرانُ والمستنقعات الصناعية؛ حماية لهم من هُجُوم الأُسطول والفرسان والمشاة من الفرس، (راجع: Diod. XV, 42, 2-3).
وحينما وصل «فارنابازوس» إلى هذا الإقليم، ورأى هو وقُوَّادُهُ الفرع «البيلوزي» وما عليه من حمايةٍ منظمة، وجُنُود عديدين؛ فإنهم تخلَّوا عن كل فكرة فكروا فيها لاقتحام طريق لهم من هذا المكان للدخول في «مصر»؛ وعزموا على أن يدخلوا من فرع آخر من فروع النيل، وقد وطدوا العزم على الدخول من باب الفرع المنديسي الواقع في الجهة الغربية من الفرع البيلوزي، ويقع تقريبًا في الامتداد الجنوبي من الطريق المؤدية إلى «منف» وهي الطريق التي ستتلاقى فيها كل قوات «فارنابازوس»، هذا فضلًا عن أن شاطئه العريض كان ملائمًا — بصفة خاصة — لرُسُوِّ السفن، غير أن الفرس وجدوا أن الفرع المنديسي كان كذلك محصنًا، على غرار الفروع النيلية الأخرى تحصينًا متينًا، ولم يكن هناك أمل في اقتحامه إلا بالهجوم المفاجئ؛ ولذلك وضع مشروعٌ آخرُ لهجوم مفاجئ.
ويلفت النظر هنا أن «ديودور» لم يخص واحدًا من القُوَّاد دون الآخرين بتصميمِ هذا الهجوم، وقد قيل إن «إفيكراتس» قد نصح للفُرس بتجربة هجومٍ مفاجئ، وهذا ممكنٌ، لكن «ديودور» لم يذكر لنا أي اسم، وكُلُّ ما نعرفه — على وجه التأكيد — هو أن «إفيكراتس» و«فارنابازوس» قد رَأَسَا اجتماعًا لتنفيذ هجوم مفاجئ على القوات المصرية، ونجد أن القائد الفارسي قد شرع — بدلًا من السير بجيشه على طول الساحل الشرقي — أن يسير إلى الغرب حتى يصل إلى الفرع المنديسي على مرأًى من الحرس المصري، ثم يجعل فرقة الجنود المخصصة لاقتحام الممر الذي أُريد اقتحامُهُ تقومُ بعمليةِ التفافٍ من جهة البحر (راجع: Diod. XV, 42, 4).
ولم يلحظ أن السفن الفارسية قد ضايقها أُسطولٌ مصريٌّ ما، والظاهر أن مثل «نقطانب» هذا كان كمثل «أوكوريس» بعد هزيمة «أفاجوراس» قد تَخَلَّى عن اتباع سياسةٍ بحرية ترمي إلى الدفاع عن بلاده، بل وضع كُلَّ همه في جمع كل ما لديه مِن قوة برية على أديم «مصر» للدفاع عنها.
ولما كان كلٌّ من القائد «فارنابازوس» والقائد «إفيكراتس» يُريد اقتحامَ طريقه إلى داخل البلاد المصرية بهجومٍ سريعٍ وحشيٍّ، أو من جهةٍ أُخرى إجبار حامية القلعة المصرية المهاجِمة بالخُرُوج من معقلها باستعمالِ قوةٍ صغيرة من جنوده؛ فإنه — كما ستُظهرُهُ الحوادث بعد — لم ينتظرْ حتى ينزل كُلُّ جُنُوده إلى البر، بل انقضَّ على رأسِ قوة قوامها 3000 مقاتل أُنزلوا من سفنهم على الحصن الذي كان يحرس الفرع المنديسي، ولكن المصريين وقفوا في وجه هذه القوة المؤلفة من فرسان ومشاة بقوة تُضارعها في الأهمية، ومن المحتمل أن مساواة عدد القوتين المتحاربتين هي التي جعلت المصريين — على ما يظهر — يرتكبون مثل هذا الخطأَ الخطير، فقد كانت متانةُ خنادقهم وحصنهم كافية لحمايتهم مدة طويلة، ولكنهم تركوها وتقابلوا مع العدو في واقعة في سهل مكشوف (راجع: Diod. XV, 42, 5)، وقد دارت بين الفريقين معركةٌ حاميةُ الوطيس، وقد ظلت نتيجتُها متأرجحة — على ما يظن — بسبب ما كان يصل من مدد مستمر من الجنود الفارسية، وكانت النتيجة أن أُحيط الجنودُ المصريون بالجيش الفارسي، وقُتل خلقٌ كثيرٌ منهم، وأسر عددٌ عظيم، وبذلك كان النصر في جانب القائد الفارسي «فارنابازوس» ولا نزاع في أن كثرة عدد الجيش الفارسي قد مهدت له النصر، يُضاف إلى ذلك أن خفة حركة الجنود المرتزقة من الإغريق، وسرعة انقضاضهم بقيادة «إفيكراتس» قد جعلت نتيجة المعركة في جانب الفرس، وقد تلا في جزء من الحامية المصرية التطويق أو نجح في فتح طريق إلى مكان الواقعة، ولكن المهاجمين حاصروهم عن كثب، وقد كان الفضلُ في متابعة الحرب والقضاء على البقية الباقية من رجال الحامية؛ يرجع إلى جنود «إفيكراتس» الذين استولوا على القلعة ومسحوها من الوجود مسحًا تامًّا، وأخذوا ما فيها غنيمة لهم وأَسَرُوا ما تَبَقَّى من جُنُودها، (راجع: Diod. XV, 42, 4-5).
وبعد هذا النصر العظيم أصبحت الطريق مفتوحة أمام الفرس إلى «منف» وقد سارت الأُمُور دون أيِّ تعقيد أو خلاف بين القائدين «إفيكراتس» و«فارنابازوس» على الرغم من سوء التَّفَاهُم الذي كان بينهما في معسكر «عكة»، وقد حلت المشكلة التي قامت بينهما بسبب «بيلوز» لحسن الحظ وعملا سويًّا على أحسن ما يكون من الوفاق في إقليم «منديس»، ولكن هذا الوفاق قد أخذتْ تنحَلُّ عُراهُ عندما أراد كلٌّ منهما أن يستغل النصر الأول الذي أحرزه في «مصر» لنفسه، وقد حَدَّثَنَا «ديودور» في هذا الصدد بما يفيد أن «إفيكراتس» قد علم من الجنود المصريين أن «منف» كانت غير محصنة وقتئذٍ بالجنود، وعلى ذلك تكون غنيمة سهلة إذا هوجمت، ومن أجل ذلك اقترح على مجلس القواد أنه باستعمال الطريق النهري يمكن أن تقلل عقبات الزحف ويصل الجيش على جناح السرعة قبل أن تتجمع القوات المصرية هناك؛ ولكن «فارنابازوس» وحاشيته رفضوا هذا الاقتراح قائلين: إنه لا بد لنجاح الحملة من انتظار وصول كل القوات الفارسية (راجع: Diod. XV, 43, 1)؛ ولكن «إفيكراتس» لم يقبل الهزيمة في الرأي وعمل على ما في جهده على أن يزحف إلى «منف» ويهاجم بمن معه من الجنود المرتزقين، غير أنه لم يكن رئيسًا لهؤلاء الجنود المرتزقة وليس بسيدهم؛ وقد رجا «إفيكراتس» القائد «فارنابازوس» أن يسلمه هؤلاء الجنود المرتزقة، ولكن الشطربة رفض هذا الطلب كذلك ظنًّا منه أن «إفيكراتس» يُريد أن يحتل «مصر» لمصلحته الشخصية، ولكن هذا القائد الأثيني احتجَّ بقوة على رفض اقتراحه، وأكد أنه إذا تُركت مثل هذه الفرصة دون انتهازها، فإن كل مجهودات الحملة ستذهب سُدًى، ومنذ ذلك الوقت أخذت العلاقات بين قواد الفرس وزميلهم الأثيني تسوء، وأصبح كلٌّ من الفريقين يكيل الذم للآخر (راجع: Diod. XV, 43, 2) ، هذا هو مُلَخَّص ما جاء في «ديودور» في هذا الصدد.
وإذا استعرضنا ما كان يَدُورُ بخلد «فارنابازوس» وقواده من ظنون وأوهام بالنسبة للقائد «إفيكراتس» فإنها في مجموعها تكون في صالح الأخير؛ إذ قد أظهرت جمود رفاقه، ومن أجل ذلك فإن كل هجوم عليه من لسان قواد الفرس يصبح لا قيمة له، وعلى أية حال فإن حقنا أن نتساءل فيما إذا كان «إفيكراتس» وأصدقاؤه عندما عادوا إلى بلاد الإغريق قد اخترعوا أو بالغوا في سرد قصته مع القواد الفرس بقصد فائدة شخصية، وربما تكون القصة كما يأتي: الظاهر أن رئيس الجنود المرتزقين من الإغريق لم تقع عليه أية مسئولية في الخيبة النهائية التي لاقتها الحملة، بل على العكس كان يقع كل اللوم على «فارنابازوس» وأن «إفيكراتس» عندما نصح بالإسراع في القيام بالضربة القاصمة بعد تدهور المقاومة عندما فم فرع النيل المنديسي؛ كان — في الواقع — يقترح الطريقة الوحيدة لإنهاء الحرب بنجاح باهر، ولكن لم يُؤخذْ باقتراحه.
وإذا قبلنا كل ما جاء في هذا الاعتذار من دقة حاذقة — وليس فيه ما يدعو إلى الشك — فإن ذلك يكون بعيدًا من أن تجعل كل الأسباب التي دعت «فارنابازوس» إلى الرفض تفقد قيمتها، كما أنه لا يمحو كل المسئولية عن عاتق «إفيكراتس» في خيبة الحملة؛ وذلك أنه عندما اقترح القائد الفارسي أن ينتظر تجمع كل القوات الفارسية للزحف نحو الجنوب؛ فإنه كان بوصفه القائدَ الأعلى العام قد أراد — بطبيعة الحال — أن يفيد من أحد عناصر النصر التي تُعد من أهم الأُسس لهذا الجيش، وأعني بذلك: تفوقه في عدد جنوده على الجيش المصري، وبعد ذلك إذا لم يكن هناك شيء يبرر الشكوك التي كانت تحوم حول مطامح «إفيكراتس» الشخصية، وهي التي نسبها إليه «فارنابازوس»، فإنه يجب علينا أن نُوافق على أن مثل هذه الشكوك كانت طبعية في نظر القائد الفارسي بدرجة لا بأس بها؛ وذلك لأن «إفيكراتس» لم يكن إلا مغامرًا ورئيس جُنُود مرتزقة لا مواطنًا أثينيًّا، وقد كان كل ما يمتاز به هو أنه قد أصبح في حروب في «تراقيا» صهر ملك قوي وسيد ميناء بحرية، حصنها واستعمرها، (راجع: Grote XIV, pp. 257-8)، وقد كان من المحتمل أن «إفيكراتس» يحلم بأن تتوج أعماله في «مصر» بأن يُصبح بعد ذلك صاحب مؤسسة غنية بعد انتصاره، وحتى إذا فرضنا أن «إفيكراتس» كان يُريد أن يقوم بالحرب على المصريين على رأس جُنُوده المرتزقين؛ فإنه كان في ذلك مخلصًا وخاضعًا للتعليمات العسكرية، والآن يتساءل المرءُ هل كان في مقدور «فارنابازوس» أن يفهم إلحاح «إفيكراتس» في ذلك؟ ولكن إذا عرفنا عادات القُوَّاد الفُرس وما جُبلت عليه نفوسُهُم وقتئذٍ من جُبن وتردُّد، وكذلك إذا عرفنا أنهم كانوا مجبَرين على إخفاء مسئولياتهم وراء أوامر عليا تصدر لهم من قبل مَلِكهم العظيم؛ لفهمنا — بدون كبير عناء — لماذا كان «فارنابازوس» مندهشًا من إلحاح «إفيكراتس»، أو بعبارة أخرى: من مرءوس كان يرفض أوامر رئيسه؛ ومن ثم نجد للقائد الفارسي كل العذر في أن يشك أو يكون على وشك الشك في مطامع «إفيكراتس» وحبه لنفسه.
وأخيرًا لدينا اعتبارٌ آخرُ عن الغرض الذي كان يرمي إليه «فارنابازوس» وهذا الغرض قريبٌ من الاعتبار السالف الذكر؛ وذلك أنه كان يرى محافظة على شرف الجيش الفارسي أنه لا ينبغي أن تفتح «مصر» ثانية بما تظهره الجنود الهيلانية من مهارة ونشاط، وبخاصة عندما يكون الفضل راجعًا إلى «إفيكراتس» وجنوده المرتزقين في الاستيلاء على الحصن الذي بفتحه دخلت الجنود الفارسية أرض «مصر»، ومن ثم فكر فيما يحيق بسمعة الفرس إذا استولت الجنودُ المرتزقة وحدهم على عاصمة الملك ونهبوها! وعلى أية حال فإن مقاومة «فارنابازوس» للقائد «إفيكراتس» مهما كانت خاطئة في مجموعها في عدم نيل النجاح النهائي، فإنه يمكن تفسيرها بأسباب مقبولة، أما عن مسئولية «إفيكراتس» فسنرى أنها لم تسمح كلها بسبب رفض مقترحه في توجيه الجيش الذي كان يقوده.
والواقع أنه لم يكن قد فقد كل شيء عندما قام الخلاف بين القائدين؛ وذلك لأن الزحف على «منف» بالسير من طريق البحر واقتحام الفرع المنديسي، ثم المناقشات التي تلتْ ذلك؛ لم تكن تشغل زمنًا طويلًا، وأنه قبل حُلُول الفيضان كان هناك وقت متسع يسمح بالقيام بعمليات حربية طويلة مثمرة، وهذا هو نفس ما يظهر لنا مما ذكره «ديودور» في هذا الصدد؛ إذ يقول: إن المصريين كان لديهم وقتٌ طويلٌ هامٌّ، بفضله تهيأت لهمُ الفرصةُ أن يضعوا في «منف» حامية كافية للدفاع عنها (راجع: Diod. XV, 43, 2)، وقد واصل العدو بعد ذلك مجهوداته العظيمة فقام بتدمير الحصن، الذي كان على رأس الفرع المنديسي، وقد كان ذلك هو الكسب الوحيد الجبار الذي ظفر به العدو، وقد حدثتْ هناك بعضُ مناوشات، ولكن المصريين — في النهاية — تغلبوا على العدو، (راجع: Ibid. XV, 43, 3).
وقد مضى وقتٌ طويلٌ بين الاستيلاء على الحصن المنديسي ومجيء الفيضان الذي بحلوله شُلَّتْ حركةُ الحملة الفارسية، وهذا الوقت لم يفد منه الغزاة، ومن ثم نفهم أن سبب خيبة الحملة لم يأتِ من أن الفرس لم يقوموا بها إلا عند مجيء الفيضان، بل لأنه كان في مقدور «نقطانب» مدة بضعة الأسابيع التي تقع بين الاستيلاء على حصن «منديس» وحلول الفيضان أن يجمع جيشه ويهاجم العدو، فهل يا ترى يقع جزء محس من المسئولية في هذا على «إفيكراتس»؟ والواقع أن الإنسان لا يمكنه بأية حال أن يفصل بصفة قاطعة في مثل هذا السؤال، ولكن هناك بعض ملحوظات لا بد من إبدائها في هذا الصدد، وذلك أن المؤرخ «ديودور» لم يحدثنا فيما كتبه قط عن الجنود المرتزقة — وهم الذين تحدثنا بوضوح وجلاء عن الدور الذي لعبوه في الجزء الأول من الحملة — والدور الذي لعبوه في حصار «منف» الذي سبق الفيضان، وإنه لَمِمَّا يُدهش أن نجد هؤلاء المشاة الخفيفي الحركة والمسلحين بأسلحة دفاع جبارة والمدربين على الهجوم الهائل؛ لم يفلحوا في هزيمة المصريين وكسر شوكتهم، ومن جهة أخرى نعلم أن القائد «فارنابازوس» بعد عودته من «آسيا» أخذ حنقه يشتد على «إفيكراتس»، وأخيرًا أخذ يتهمه عند الآثينيين بأنه كان السبب في خيبة الحملة (راجع: Ibid. XV, 43, 5 & 6)، على أن هذا التوبيخ لا يُمكن أن يكون له معنًى أو قيمة إلا إذا كان «إفيكراتس» قد أظهر بعد الخلاف الذي حدث بينه وبين «فارنابازوس» بعضَ التراخي في عزيمته، أو ما يَدُلُّ على سوء قصد، وقد يحتمل أن ذلك قد جاء مِن نُصحه لجنوده بالإضراب عن القتال، أو أنه وافق على ذلك، ولكن إذا كان هؤلاء الجنود المرتزقون قد أظهروا في أثناء حصار حصن «منف» نفسَ النشاط الذي أظهروه في أول الحملة، وإذا كان رئيسُهُم المباشر قد قادهم إلى الواقعة بعزم وحزم ناسيًا — أو متناسيًا — الخلافات الحديثة التي وقعت بينه وبين قائده الأعلى؛ فماذا تعني إذن اتهامات الشطربة «فارنابازوس» لقائده القديم، وكذلك التوبيخات التي كالها له بعد العودة من «مصر» بالخيبة؟
ويلوح أنه يجوز للإنسان أن يعارض في أن ذلك كان محاولة من «فارنابازوس» أن يخلِّص نفسه من فضيحة الهزيمة أو يلقي تبعتها على فردٍ آخر، وإذا كان هذا الشطربة قد قصد اتهام «إفيكراتس» أمام الملك العظيم فإن اتهامه لا يُمكن أن يُحكم عليه إلا بأنه زورٌ وبهتان، وقد وجدناه يجرح عدوه مباشرة وبعد ذلك وجه كلامه إلى الآثينيين طالبًا منهم تعويضًا؛ وذلك لأن «أثينا» قد وعدت بعمل تحقيق في هذا الصدد ومعاقبة المتهم، إذا كان هناك ما يُبرر ذلك (راجع: Ibid. XV, 43, 6)، وتدلُّ الظواهر على أن «فارنابازوس» كان يحمل بين جنبيه حقدًا دفينًا، وهذا الحقد لا يمكن تفسيرُهُ لا بما حدث في أول الحملة عندما لمع اسم «إفيكراتس» فيها بأعماله الحربية الباهرة، ولا بالخلاف الذي تَوَلَّدَ مِن رفض «فارنابازوس» رأى «إفيكراتس» وحسب، بل زاد الطين بلة — على ما يظن — أنه في الوقت الذي مَرَّ بين رفض مقترحاته وبين حلول الفيضان؛ نجد أن «إفيكراتس» بدلًا من أن يساعد رئيسه بكل دقة ونشاط قد عارض مجهوداته أو عضدها بفتور، وهنا على ما يظهر من وجهة مسئوليات القائد الآثيني كانت النقطةُ الضعيفةُ حقًّا التي يؤاخذ عليها في خلال الحملة، ولكن ليس لدينا أيُّ دليل قاطع يُمكن أن يثبت عليه ذلك.
ولَمَّا كان الفرسُ قد أُوقفوا عند حدهم بهجوم مضاد قام به المصريون، وأن الجنود المرتزقة قد خذلوهم على ما يحتم بعدم مد يد المساعدة؛ فإنهم كانوا في طريقهم إلى هزيمةٍ فاصلة على يد الطبيعة، وعلى أيَّة حال فإنه مما يظهر لدينا مدهشًا لأول وهلة أن الفرس قد تركوا أنفسهم يؤخذون على غرة بماء الفيضان، وبخاصة عندما تعلم أنهم قبل ذلك كانوا قد سيطروا على «مصر» أكثر مِن قَرن من الزمان، ولكن مما يلفت النظر هنا أن «مصر» كانت منذ ثلاثين — سنة 405–374ق.م — مستقلة عن الملك العظيم ودولته، وقد كان هذا الوقت كافيًا ليجعل الفرس يفقدون ما كان لديهم من خبرة شخصية تمكنهم من تحديد زمن الفيضان وانتظامه العظيم وتقلُّباته ومدته وأهميته الدقيقة، ولدينا فقرةٌ فيما كتبه المؤرخ «ديودور» تعضد هذه النظرية؛ وذلك أنه في خلال الثورة التي قام بها أهلُ مدينة «صيدا» على الفُرس عام 350ق.م عندما كان الملك «تنسي» يتفاوضُ في أمر خيانته مع الملك وعرضه عليه الاشتراك معه في شَنِّ حربٍ على «مصر»، وقد قدم «تنسي» للملك أكبر خدمة، وهي معرفتُهُ البالغة الدقة بإقليم نهر النيل، (Ibid. XV, 43, 2).
وعلى ذلك فإنه من المحتمل جدًّا أن أهل الفرس كانوا لا يعرفون إلا معلومات مبهمة جدًّا عن جغرافية «مصر» وبوجه خاص عن مجرى هذا النهر العظيم ونظامه، ومن ثم يفسر الإنسانُ بيُسْر وسُهُولة أن القُوَّاد الفرس الذين كانوا قائمين بالحملة على «مصر» في عام 374ق.م، بدلًا مِن أن يعودوا القهقرى في أوائل شهر يونية بجيوشهم، وهو الشهر الذي يبتدئ فيه الفيضان، والذي بحلوله يقطع منه الرجاءُ من كسب أيِّ انتصارٍ حاسمٍ سريع، قد فاجأهم الفيضان على غرة وبخاصة بطبيعة ارتفاعه ومدة فيضانه، ولم يتقهقر الفرس إلا عندما بلغتِ الحالُ أشدها، وكاد الفيضان يقضي عليهم، ويحدثنا «ديودور» عن هذه النقطة بدقة عظيمة كافية لفهم الحالة (Ibid. XV, 43, 4).
على ذلك مكث القتال زمنًا طويلًا حول التحصينات، وكانت ريح الشمال قد حلتْ فعلًا وأخذتْ تَشتَد، وبدأ النيلُ في الارتفاع شيئًا فشيئًا إلى أن وصل إلى نهاية شاطئيه، وأخيرًا أخذت المياهُ تغمر الإقليمَ المجاور، وكان النهر دائمًا يحمي «مصر» بدرجة عظيمة بزيادته الغزيرة، ولكن الفرس لأجل أن يعودوا القهقرى انتظروا حتى منتصف شهر سبتمبر، وهو التاريخُ الذي يصل فيه النيلُ إلى منتهى زيادته، أو على الأقل يصلُ إلى درجةٍ عظيمةٍ في فيضانه، والواقعُ أنهم كانوا قد اضطروا أمام تدفُّق المياه الجارفة إلى الانسحاب.
وعلى ذلك تقرر التقهقُر، وقد عاد الجيش إلى «آسيا» (راجع: Ibid. XV, 43, 5)، بلا شك في منتصف شهر أغسطس أو أوائل سبتمبر، على أن فصل الحرب لم يكن قَطُّ قد انتهى، وقد عسكر الجيشُ — بلا شك — على مقربة من «عكة»، وهناك بدأتْ من جديدٍ المشاحنات بين «فارنابازوس» و«إفيكراتس»، وقد كان غضب الأول على الثاني للسبب الذي ذكرناه آنفًا شديدًا جدًّا لدرجة أن «إفيكراتس» كان يرتعد؛ خوفًا على حياته، وبخاصة أنه كان يذكر ما حدث للقائد «كونون» بخوف وفزع، ومن أجل ذلك وَلَّى هاربًا في الخفاء إلى «أثينا» على ظهر سفينة (راجع: Diod. XV, 43, 5)، ومع ذلك فإن حقد «فارنابازوس» على «إفيكراتس» كان لا يزال مُتَّقِدًا؛ ولذلك فإنه لَمَّا كان يعد «إفيكراتس» دائمًا مبعوث «أثينا» لمساعدة الفرس على «مصر»، أوفد إلى «أتيكا» سفراء مكلَّفين باتهام هذا القائد بالخطأ الذي ارتكبه، وهو كما يقول «إن «مصر» ظلت حرة»، ولَمَّا كانتْ «أثينا» في تلك الفترة في حرب مستمرة مع «أسبرتا»؛ فإنها قد تكونُ في حاجة إلى وساطة مَلِكِ الفُرس أو إلى مساعدته المالية، وعلى ذلك فمن المحتمل أنَّ ذلك كان السببَ الذي مِن أجله لم تجسر «أثينا» على أن تغطي بصراحة وبدون تردُّد منها قائدَها العظيم «إفيكراتس» أمام الاتهامات الفارسية التي نُسبت إليه، وقد أعلن رسميًّا أن المأمورية التي كان كلف بها «إفيكراتس» قد ربطت بلاده بعهود مع ملك الفرس، وعلى ذلك فإن الوفد الذي أرسله «فارنابازوس» قد أجيب على ما أُرسل من أجله بأن الموضوع سيُفحص، وأنه إذا وجد «إفيكراتس» مذنبًا فإنه سيعاقب، وبهذه الكيفية نجد أن «أثينا» نظريًّا قد عُدَّتْ بين أعداء استقلال «مصر»، وتَدُلُّ جدية بل على العكس نجد أنه في ربيع عام 373ق.م قد عين قائدًا حربيًّا شواهد الأحوال على أن «إفيكراتس» لم يظهر عليه أنه كان مهمومًا بصورة (راجع: Ibid. XV, 43, 6).
وبعد ذلك بعام نراه قد خلف القائد «تيموتيوس Timotheos» رئيسًا للأسطول الأثيني العظيم الذي كان يحارب «لاسيدمون»، ولكن «أثينا» بعملها هذا لم تكن تريد قطع علاقتها مع الفرس، وكذلك لم تظهر بأنها كانت تعارض «مصر» في طلب استقلالها.
هذا، ونجد أنه بعد المحاكمة التي أكدتْ طرد القائد «تيموتيوس» من قيادة الأُسطول الأثيني وإسناده إلى «إفيكراتس»، دخل الأول في خدمة ملك الفرس؛ وذلك أنه — كما يُقال — قد مثل أمام ملك الفرس الذي كان في حَرْبٍ مع «مصر»، وحصل من أجل ذلك على كل ما كان قد حصل عليه «إفيكراتس» من قبله من موافَقة شعبه، وقد كانت مغادرته للانضمام إلى الجيش الفارسي في عهد حكومة «أستيوس Asteios» (حوالي مايو 372ق.م).
وقد وجدنا أن «تيموتيوس» كان لا يزال في خدمة الفرس في عهد حكومة «أكستنيس» فيعام 373–371ق.م، وعلى ذلك فإن إقامته في الجيش الفارسيِّ كانت قد امتدَّ أَمَدُها، ولم يُحدثنا «ديودور» ولا الخطب التي ألقيتْ ضد «تيموتيوس» عن أي تفصيلٍ خاصٍّ بهذه الحملة الجديدة التي قام بها الفرسُ على «نقطانب» الأول، هذا فضلًا عن أننا لم نجد أن الجيش الفارسي الإغريقي قد قام في أيَّة جهة بزحفٍ على «مصر»، والظاهرُ أن كل ما حدث كان ينحصر في قيام بعض مناوراتٍ واستعداداتٍ ليستْ هامة في معسكر «عكة» بقيادة «تيموتيوس» وقواد ملك الفرس بالاشتراك سويًّا.
وعلى أية حال نجد أن «نقطانب» الأول قد أمضى في سلام وحرية مدة الثماني عشرة سنة التي حكمها 379–361ق.م، والواقع أنه قد قُضِيَ على أزمة عام 374ق.م بالفشل من جانب الفرس لأسباب منوعة؛ أولًا: طول مدة التعبئة الفارسية التي كان يعرقلها تردُّد القيادة العُليا، مما سمح للفرعون أن ينظِّم على مهل مقاومته للعدو في الدلتا، وقد كان توقُّف العمليات الحربية بعد سُقُوط قلعة «منديس» يرجع إلى قرار «فارنابازوس» ومِن ثم هُيئت الفرصةُ للمصريين أن يعاودوا الكَرَّة بالهجوم بقوة وشدة متناهيتين، ومِن المحتمل كذلك أنَّ تراخيَ «إفيكراتس» وعدم رغبته في قيادة الجيش بسبب رفض القائد العام الفارسي مقترحاتِه، كان السببَ في فشل الحملة، والسببُ الحاسم في نجاة «مصر» هو فيضانُ النيل الذي جعل أية حركة حربية على «مصر» ضربًا من المستحيل، وهذه هي المرةُ الوحيدةُ التي نرى فيها — في خلال هذه القصة — أن النصر كان في المعسكر المعادي للإغريق.
ولكن إذا استثنينا أن «مصر» قد نالت سلامتها بسبب النظام الدفاعيِّ الذي سَلَّحَها به فيما سبق القائدُ «خابرياس» الأثيني؛ فإن الجنود المرتزقين لم يهزموا في واقع الأمر؛ وذلك لأن أعمالهم الباهرة في بداية الحرب لم يمحها إلا الكبرياءُ الوطنيُّ والخوفُ السياسيُّ الذي أظهره «فارنابازوس» قائدهم الأعلى، وكذلك قد يرجع إلى حِقْدِ رئيسهم المباشر «إفيكراتس» على القائد الأعلى «فارنابازوس».
هذه نظرةٌ عاجلةٌ عن حروب «نقطانب» الأول لصد الفُرس عند محاولتهم كرة أُخرى احتلال البلاد.
.............................................
1- ومما هو جديرٌ بالملاحظة هنا أن كتابة اسم الملكين «نخت نبف» و«نخت-حر-حبت» اللذَين وُجدا على الآثار المصرية بهذه الصورة قد كتبهما المؤرخ «مانيتون» وغيره من كُتَّابِ الإغريق بلفظة «نقطانبيس Nektanibis» أو «نقطانبس» (380–362ق.م)، وذلك للاسم الأول، و«نقطانبوس» (360–343ق.م)، للاسم الثاني، وقد كان تحديد زمن هذين الملكين والتمييز بينهما في الأزمان السابقة أهم مسألة عند علماء الآثار المصرية بالنسبة للأسرة الثلاثين. وقد وضع في الأصل «نخت نبف» الملك «نقطانبيس» الأول، و«نخت-حر-حبت» للملك «نقطانبوس» الثاني، ولكن مُنذ عهد الأثري «مريت» قد عكس هذا الترتيب السابق على حسب ما استنبط من الترتيب الذي وُجد لعجول «أبيس» ومن ثم أصبح «نخت-حر-حبت» = «نقطانبيس» الأول، و«نخت نبف» = «نقطانبوس» الثاني.
ولكن الأثري «شبيجلبرج» برهن فيما كتبه عن الحوليات الديموقراطية منذ 1914 «نقطانب» الأول، و«نخت-حر-حبت» هو «نقطانب» الثاني. والبرهان الذي أوردتْه الحوليات الديموطيقية عن هذين الملكين كان عن مؤسس الأُسرة الثلاثين؛ أي «نخت نيف». أما عن الثاني؛ أي الذي حكم منذ 343-342، وهو الملك الذي فر أمام الفرس إلى بلاد «أثيوبيا» (كوش) فقد ذكر عنه الحاكم الذي أتى به (Spiegelberg Demotiche Chronik p. 6). وفضلًا عن ذلك نجد أساس معبد «هيبس» الذي أقامه «نخت-حر-حبت» اسم «نخت-نبف» في ودائع الأسرة، وهذا يدل على أنه أقدم الملكين، وقد جاء في قطعة حجر منقوشة بالديموطيقية ومستخرجة من «وادي حمامات» (راجع: L.D. XI 69 No. 162) أن موظفًا في عهد الملك «نخت-حر-حبت» قد خدم الميديين (أي الفرس) والأونيين (أي المقدونيين) (راجع: Spiegelberg Ibid, p. 694/No. 332) اقرنْ كذلك ما جاء في «ادورد مير». (Ed. Meyer kl. Schr. III, p. 74f)، عندما أشار إلى هذا الموضوع قائلًا إن كتابة اسم «نقطاتبيس» تعني أن الإغريق في بادئ الأمر كانوا يعلمون اسم «نخت نبف»؛ وعلى ذلك فإن كتابته «نقطانبيس» موافقة جدًّا، أما كتابة اسم «نخت-حر-حبت» بكلمة «نقطانيبوس»، فإن ذلك من باب القياس لكتابة اسم «نقطانيبيس»، اقرن فضلًا عن ذلك ما كتبه «أرنست مير» (راجع: A.Z. 67, (1931) pp. 68–70). والخلاصة أن هذه المسألة برمتها قد أصبحت واضحة منذ زمن الأثري «شبيجلبرج»، ومع ذلك يجب الاعتناء واليقظة البالغة للذين يشتغلون بالتاريخ المصري القديم في القرن الرابع قبل الميلاد؛ إذ قد خلط كثيرًا بين اسم «نخت نيف» و«نخت-حر-حبت». فقد استعمل الأول محل الثاني والعكس بالعكس، وبخاصة فيما كتبه المؤرخ «شور» في هذا الصدد عند كلامه عن المملكة البطلمية (راجع: Schur, Zur Vorgeschichte des ptolemäerreiches. Klio. 20/1926, p. 270–308).
2- ولكن بعد سقوط «تاخوس» نرى أن جيشًا مؤلفًا من مائة ألف مقاتل كانوا سائرين لمحاربة «نقطانب» الثاني بقيادة مدع (راجع: Diod. XV, 92, 3, Piutarth Agisilas) ولكن هؤلاء الجنود لم يكونوا إلا جماعة غير منظمة لا جيشًا قائمًا، هذا فضلًا عن أن عددهم كان أَقَلَّ بكثيرٍ من الجيش الذي كان يقودُهُ «فارنا بازوس» في عام 374ق.م.