مستقبل الصحافة الورقية
يتبنى خبراء الإعلام رؤية متشائمة لمستقبل الصحف والمجلات المطبوعة. ويرى عملاق الصحافة روبيرت مردوك أن الصحافة الورقية سوف تختفي بحلول عام 2020 ويقول مؤلف كتاب "النهاية الحتمية للإعلام الورقي" فيليب ماييرز ان آخر مطبوع ورقى سيصدر في عام 2043.
كما تشير الدراسات الخاصة بمستقبل الصحافة الورقية إلى أن الصحافيين أنفسهم يعتقدون أن أنها ستكون أقل أهمية في الحياة العامة في السنوات القادمة. ولكننا نعتقد ان تزايد قوة وفاعلية الصحافة الالكترونية، لا يعني بأي حال من الأحوال انقراض الصحافة الورقية المطبوعة في المستقبل المنظور، فما يحدث غالبا أن الوسائط الأكثر ، الحداثة لا تؤدي بالضرورة إلى انقراض الوسائل القديمة. فالصحافة الرقمية لا تلغي دور الصحافة الورقية وأنهما يمكن ان يتعايشا مع بعضهما البعض، خاصة وان لكل منهما قارئه الخاص به ومصدره في استقاء الاخبار. ومن متابعتنا للصحافة الرقمية وجدنا أن الجزء الأكبر من محتواها، سطحي، مما يؤدي الى قمع حب الاستطلاع الذهني لدى الشباب، لأنهم يسبحون على سطح بحر المعلومات من دون نزول الى الأعماق، حيث المعرفة الحقيقية. أما قارئ الصحف الورقية فهو يبحث عن المعلومات المعمقة والتفاصيل الدقيقة وكل ما ينمي تفكيره ويثري ثقافته. لم ينته بعد زمن الصحف الورقية في العصر الحاضر ولن ينتهي قريباً كما يزعم المتشائمون، ولكن على الصحف تأهيل نفسها للعصر الرقمي والاطلالة على العالم بنسخ إلكترونيه لها على الأنترنت لأن المواقع الالكترونية هي نافذة الصحافة الورقية للقراء. ثمة مفارقة بالغة الدلالة على حيوية الصحف الورقية وهي كثيراً ان الصحف من التي بدأت بداية إلكترونية فقط، توجهت بعد ذلك إلى الطباعة الورقية، ويبدو أن العلاقة المتبادلة بين الوسيلتين الورقية والرقمية ماضية الى مزيد من التجسير والتكامل رغم المنافسة الشديدة القائمة حاليا بينهما.
وتجربة موقع "ويكليكس". وهو احد اشهر المواقع الالكترونية العالمية دليل آخر على ان الصحافة الورقية ما زالت مؤثرة جدا، رغم كل ما يقال عن سطوة الأنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي على وجه الخصوص، فالوثائق السرية التي نشرها الموقع المذكور اتسع تأثيره كثيراً، بعد لجوء صاحب الموقع "جوليان أسانج" إلى كبريات المؤسسات الصحفية في جميع دول العالم لنشر ما بحوزته من وثائق في صحفها المطبوعة بشكل ورقي لاسيما في بريطانيا، وقد احدث هذا النشر ضجة كبرى اهتزت لها الحكومات في شتى انحاء العالم وبخاصة الفاسدة منها. وهذا دليل آخر على أن الصحافة الرقمية لن تكون بديلا عن الصحافة الورقية في المستقبل المنظور على الأقل، وان الوقت يزال مبكراً للحديث عن اختفاء الصحف المطبوعة قريبا. الصحافة المطبوعة ما زالت رائجة في الكثير من دول العالم وفي مقدمتها دول العالم النامي. وتبقى مسألة جوهرية في غاية الأهمية لا يمكن تجاهلها أو التقليل من شأنها بأي حال من الأحوال، وهي ان الصحافة الالكترونية تفتقر الى الديمومة التي تتصف بها المطبوعات الورقية وان معظم ما نعرفه عن ماضي البشرية مدون بطرق مختلفة على الأشياء المادية: الأختام الأسطوانية وأوراق البردي والأحجار والجلود ومن ثم الورق ولولا هذا التدوين لضاع تأريخ البشرية ولم يكن بوسع العلماء تفكيك طلاسم اللغات القديمة المندثرة. والأسوء من ذلك ان التراث الرقمي - ان صح التعبير يمكن تغييره او تحريفه بسهولة خلافا للآثار المادية للتأريخ. وثمة امكانية للوقوف على أي تغيير أو تحوير أو تشويه في الآثار المكتوبة ومنها المطبوعة، أما في النصوص الالكترونية فلا يمكن اكتشاف ذلك أبدا الصحافة الورقية عصية على الموت، ولا يزال هناك عدد غفير من الناس وبضمنهم أصحاب ألمع العقول البشرية وخيرة المثقفين، الذين تربطهم علاقة عاطفية بالورقة والقلم ولا يمكنهم الاستغناء عن الصحافة المطبوعة والنشر الورقي طيلة حياتهم، أضافة الى مئات الملايين من القراء الذين لم يكتشفوا بعد العالم الرقمي ولا يتعاملون الا مع الورق.
الاكثر قراءة في الصحف
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة