1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : الأدب : الشعر : العصر الاسلامي :

الخطب الوعظية والوصايا

المؤلف:  د. ابتسام مرهون الصفار

المصدر:  أثر القرآن في الأدب العربي في القرن الأول الهجري

الجزء والصفحة:  ص: 167-174

2025-05-08

46

الخطب الوعظية والوصايا:

إنّ معظم خطب الرسول(ص) كانت خطبا لأجل الدعوة وتبين مبادئها وحث الناس على الالتزام بها وكذلك الامر مع الخلفاء الذين كثيرا ما كانوا يخطبون الناس بخطب وعظية كلها دعوة وحث للناس على الالتزام بمناسك الدين وتقوى الله في السر والعلانية لانهم كانوا يرون نصيحة الامة ونهيها عن عمل الباطل واجبا مفروضا على عاتقهم. أما خطب الامام علي فقد كثرت فيها هذه المعاني وكثيرا ما كان يقف ليذكر الناس بعاقبة الحياة الدنيا وانها لا تغر الا ضعيفي الايمان كما يذكر ثواب المجاهدين والصابرين وكان لابد للإمام علي ان يذكر هذه المعاني ويؤكدها في عصر كثرت فيه حوادث الفتن والشغب وتكالبت الفرق والاحزاب للحصول على المكسب الدنيوي والاستيلاء على الخلافة وتلاعبت الاهواء في تصرفات الكثير من الناس. فكان التأكيد على هذه النواحي يعيد إلى النفوس اطمئنانها ويكبح من هوى بعضها وسنأتي على ذكر نماذج كثيرة في عرضنا للصور القرآنية التي تأثر بها الخطباء وخطب بعض الخلفاء الامرين خطبا وعظية أكدوا فيها المعاني الاسلامية وواجبات المرء تجاه ربه. فقد خطب سليمان بن عبد الملك لما أفضى الأمر اليه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم قال: الحمد لله الذي ما شاء صنع وما شاء أعطى وما شاء منع وما شاء رفع أيها الناس ان الدنيا دار غرور وباطل وزينة وتقلب بأهلها تضحك باكيها وتبكي ضاحكها وتخيف آمنها وتؤمن خائفها وتثري فقيرها وتفقر مثريها ميالة بأهلها. عباد الله اتخذوا كتاب الله اماما وارضوا به حكما. واجعلوه لكم هاديا ودليلا فانه ناسخ. ما قبله ولا ينسخه ما بعده واعلموا عباد الله انه ينفي عنكم كيد الشيطان ومطامعه كما يجلو ضوء الشمس الصبح اذا أسفر وادبار الليل اذا عسعس. ثم نزل واذن للناس بالدخول عليه (1). وعرف الخليفة عمر بن عبد العزيز بتقواه وشدة خشيته من الله وكثرت خطبه التي تعكس هذه الناحية في نفسه وقد مر بنا ذكر خطبته عند بيعته. وقيل إنه خطب بخناصرة خطبة لم يخطب بعدها غيرها حتى مات رحمه الله وذلك انه قال بعد ان حمد الله واثنى عليه: أيها الناس انكم لم تخلقوا عبثا ولم تتركوا سدى وان لكم معادا يحكم الله بينكم فيه فخاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء وحرم الجنة التي عرضها السموات والارض واعلموا ان الامان غداً لمن خاف الله اليوم وباع قليلا بكثير وفانيا بباق وحين انهى خطبته بكى فتلقى دموع عينيه بطرف ردائه. ثم نزل فلم ير الا على تلك الاعواد حين قبضه الله الى رحمته (2) وتضاف الى خطب الولاء والخلفاء الوعظية خطب النساك والعباد الذين طوعوا أنفسهم لخدمة الجماعة ونصحها وتزويدها بالمواعظ وقد عدد الجاحظ جملة من النساك والعباد منهم الحسن البصري  ومطرف عبدالله الحرشي ومؤرق العجلي وبكر بن عبدالله المزني ومحمد بن واسع الازدي (3). ثم يقول مقدما الحسن على هؤلاء فاما الخطب فانا لا نعرف أحدا يتقدم الحسن البصري فيها وهؤلاء ولن لم يسموا خطباء فان الخطيب لم يكن يشق غبارهم (4). كما ذكر جملة من خطبه الوعظية نجتزئ منها قوله: يا ابن آدم بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعا يا ابن آدم إذا رأيت الناس في الخير فنافسهم واذا رأيتهم في الشر فلا تغبطهم به. الثواء ها هنا قليل والبقاء هناك طويل امتكم آخر الأمم وانتم آخر امتكم وقد أسرع بخياركم فماذا تنتظرون (5). لقد كان لمواعظ الحسن وخطبه الاثر الكبير في نفوس سامعيها فكثيرا ما أبكى الولاة أو القادة اضافة الى نساك الناس وعوامهم من ذلك ما يذكر عن عمر بن هبيرة الفزاري انه حين ولى العراق ايام يزيد بن عبد الملك استدعى الحسن البصري ومحمد بن سيرين والشعبي فقال لهم ...واخذ عليهم الميثاق بطاعته واخذ عهدنا بالسمع والطاعة. وقد ولّاني ما ترون مكتب الي بالامر من امره أعرف في تنفيذه الهلكة فاخاف ان اطيعه غضب الله وأن عصيته لم أمن سطوته فما ترون؟ فقال ابن سيرين والشعبي قولا فيه تقية وكان ابن هبيرة لا يستشفى دون ان يسمع قول الحسن فلما تكلم الحسن قال: يا ابن هبيرة خف الله في يزيد ولا تخف يزيد في الله أن الله يمنعك من يزيد وأن يزيد لا يمنعك من الله فلما اكمل خطبته بكى عمر بن هبيرة بكاء شديدا ثم اجازهم واضعف جائزة الحسن (6). اما الوصايا فقد اختلفت معانيها ايضاً باختلاف الموصين والغرض الذي تقال لأجله الوصية من ذلك وصية الرسول (ص) قبيل وفاته وذلك انه بعد أن دعا المسلمين كثيرا قال اوصيكم بتقوى الله وأوصى الله بكم وقد استخلفه عليكم واودعكم اليه اني لكم نذير وبشير ألا تعلو على الله في بلاده وعباده فانه قال لي ولكم تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الارض ولا فسادا والعاقبة للمتقين وقال: أليس في جهنم مثوى للمتكبرين (7) اما وصايا الحرب والجهاد فان فيها مثلا اسلامية وفيها حكم القائد أو الخليفة وخبرته العسكرية فكثيرا ما كان الخلفاء يوصون امراءهم وقادتهم على الجيوش بوصايا.

وتدخل ضمن هذه الوصايا وصايا الآباء والامهات لا بنائهم في الفتوح الاسلامية وأشهر ما يذكر هنا هو الوصية الرائعة التي أوصت بها الخنساء ابناءها الاربعة وهي تدفعهم الى القتال ليلة القادسية وتذكرهم بالثواب الذي ينتظرهم ان هم جاهدوا في سبيل الله وقتلوا واستشهدوا تقول :انكم اسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين ووالله الذي لا اله الا هو انكم لبنوا رجل واحد وامرأة واحدة ما خنت اباكم ولا فضحت خالكم ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم وقد تعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين وان الدار الباقية خير من الدار الفانية أما وصايا الخلفاء لمن بعدهم فقد اختلفت باختلاف شخصياتهم ...: وأوصى عبد الملك بن مروان بني أمية فقال: ( بني أميه ابذلوا نداكم وكفوا أذلكم وأعفوا أذا قدرتم ، ولا تبخلوا أذا سئلتم فان خير المال ما افاد حمدا أو نفى ذما ) (8) . وهناك وصايا الاشخاص والافراد وهى وصايا فردية قد تكون بدافع حب الأب لابنه أو بتطوع رجـل لآخر يسدى اليه نصيحة والنصيحة كما يقولون من الدين قال عبد الله بن شداد يوصي ولده: أرى داعي الموت لا يقلع وأرى من مضى لا يرجع لا تزهدن في معروف فان الدهر ذو صروف وكم من راغب قد كان مرغوبا اليه وطالب أصبح مطلوبا اليه (9) وقد ذكر الجاحظ ان عبد الملك بن مروان كتب وصية زياد بيده وأمر الناس بحفظها وتدبر معانيها (10). ودخل أبو جعفر محمد الباقر بن علي زين العابدين عليه السلام على عمر بن عبد العزيز فقال: يا أبا جعفر اوصنى فقال: (أوصيك أن تتخذ صغير المسلمين ولدا وأوسطهم أخا وكبيرهم ابا. فارحم ولدك وصل اخاك ومر أباك. وإذا صنعت معروفاً فربه (11) وهكذا وجدت الخطابة مجالاً آخر من المجالات التي تنشط وتقوى فيها دواعيها وهي الوعظ وتذكير الناس أمور دينهم ودنياهم وقد كان هذا الغرض من أول أهداف الخطابة في صدر الاسلام حيث سخرت الخطابة لخدمة الدعوة ومبادئها ثم تطورت بعد ذلك الى ذكر احداث الامة والمناقشة وعرض الآراء ثم وجد بعد ذلك من كان يخطب خطبة يوقفها على الوعظ وارشاد الناس كما مر بنا في خطب الناس أما الوصايا فهي كما بنا ايضا مثلت عهود الخلفاء لمن بعدهم أو عهودهم لقادتهم وأمراء جيوشهم أما وصايا الافراد فهي استمرار للوصايا التي كانت تقال في العصر الجاهلي الا انها دخلت فيها بعض القيم الاسلامية ومبادئ الدين الجديد الذي اكده الموصون.

 

________________

(1) مروج الذهب 3 : 175

(2) البيان والتبيين 2 : 121 عيون الاخبار 2 : 246، تاریخ الطبري: 8 : 140 العقد الفريد 4 : 95 وخناصرة بلدة من أعمال حلب وانظر موعظة له في اللطائف والظرائف: 109 .

(3) البيان والتبيين 1: 353

(4) ن. م 1: 353

(5) ن. م

(6) عيون الاخبار 2: 343. مروج الذهب 3: 201 أمالي المرتضى 1: 159 وفيات الاعيان 1: 355 ...

(7) تاریخ ابن خلدون 2: 267.

(8) البيان والتبيين 1: 388. الاماني 2: 29.

 (9) البيان والتنين 2: 113. الامالي 2: 202.

 (11) ن. م

 

EN