أبعد النّاس من العدل
المؤلف:
الحارث بن أسد المحاسبي
المصدر:
آداب النفوس
الجزء والصفحة:
ص 59 ـ 61
2025-05-05
786
وَأبْعد النَّاس من الْعدْل أشدّهم غَفلَة عَن هَذَا وأقلّهم محاسبة لنَفسِهِ وَأبْعد النَّاس من الْعدْل وأطولهم غَفلَة عَن هَذَا أشدهم تهاونًا بِهِ.
وَلَو عقلت من الَّذِي تراقب ثمَّ تقطّعت أعضاؤك قطعًا وَانْشَقَّ قَلْبك أوْ سحت فِي الأرض لَكُنْت بذلك محموقًا.
فَلَمَّا لم تعقل لم تَجِد مسّ الْحيَاء وَالْخَوْف فِي مراقبة الله تَعَالَى ومطالعته على ضميرك وَعلمه بِمَا تجلبه حواسّك على قَلْبك وَقدرته المحيطة بك ثُمَّ أَعرَضْت بعد ذَلِك كالمتهاون بِهِ الى مراقبة من لَا يطّلع على سرك وَلَا علم لَهُ بِمَا فِي ضميرك فَقلت: لَو اطّلع النَّاس على مَا فِي قلبِي لقلوني ومقتوني فمسك الْحيَاء وَالْخَوْف مِنْهُم حذرًا من نُقْصَان جاهك وَسُقُوط منزلتك عِنْدهم فَكنت لَهُم مراقبًا وَمِنْهُم خَائفًا وَمن مقتهم مشفقًا إِذْ لم تَجِد مقت الله لَك وَسُقُوط منزلتك وجاهك عِنْده ومقت الله أكبر.
ثمَّ إِذا عملت شَيْئًا من الطَّاعَات الَّتِي تقرّب الى الله زلفى فَإِن هم اطّلعوا عَلَيْهَا عقدت بقلبك حبّ حمدهم على ذَلِك وأحببت اتِّخَاذ الْمنزلَة عِنْدهم بذلك.
وَإِن كَانَ شَيْئًا يتَقرَّب بِهِ الى الله من طَاعَة بِعقد ضمير اَوْ اكْتِسَاب جوارح فَإِن كَانَ ذَلِك سرًّا أَحْبَبْت أَن يطّلعوا عَلَيْهِ ليحمدوك وَيقوم بِهِ جاهك.
فَلم تقنع باطّلاع الله (عزّ وَجلّ) وَلَا بثوابه فِي عمل السِّرّ وَلَا فِي عمل الْعَلَانِيَة وأنت قَانِع بذلك رَاضٍ بِهِ غافل متمادٍ معتز مخدوع وَكَانَت هَذِه الْحَالة عنْدك أحسن أحوالك وأحزم أمورك. وَلَو اسْتَغْنَيْت بِاللَّه وَحده وباطّلاعه عَلَيْك وبجزيل ثَوَابه لأهل طَاعَته ومحبّته لَهُم وتوفيقه لَهُم وتسديده إيَّاهُم وراقبته لأغناك ذَلِك عَمَّن لَا يملك لَك وَلَا لنَفسِهِ ضرًّا وَلَا نفعًا. وَقد رَضِي مِنْك بذلك وليتك تضبطه.
فأولى الْفَضَائِل بك وأنفعها لَك أن تكون نَفسك عنْدك دون قدرهَا وَأَن تكون سريرتك أفضل من علانيتك وَأَن تبذل للنَّاس حُقُوقهم وَلَا تَأْخُذ مِنْهُم حَقّك وتتجاوز عَمَّا يكون مِنْهُم وتنصفهم من نَفسك وَلَا تطلب الْإِنْصَاف مِنْهُم.
وَإِنَّمَا هُوَ التَّطْهِير ثمَّ الْعَمَل والتطهير أولى بِنَا من الْعَمَل.
الاكثر قراءة في العدل و المساواة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة