x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
المحبة والرحمة في البيت
المؤلف: الأستاذ مظاهري
المصدر: الأخلاق البيتية
الجزء والصفحة: ص163ــ173
2024-06-26
548
إنّ المحبة تشبه بعض الشيء قانون الجاذبية في هذا العالم، هذا القانون الذي يقوم العالم بأسره على أساسه، مثلما تقوم الأسرة والبيت على أساس المحبة والرحمة.
لو سُلب قانون الجاذبية من هذا العالم ـ ابتداءً من الذرّة وانتهاءً بالمجرّة ـ لاختلّت النظم القائمة فيه، ولساد الفناء في مجمل عالم الطبيعة.
فإذا ما انعدمت المحبة في المنزل، وبين أفراد الأسرة الواحدة فسوف تنفلت عرى الالفة، ويؤول المنزل إلى قبر يملأه العذاب الشديد، لأن الدار الخالية من المحبة لا يمكن أن تكون فيها حياة حقيقية، لا يمكن أن يكون فيها إلاّ الموت، الموت التدريجي المقرون بالعذاب.
وبناء على ذلك منح الباري تعالت أسماؤه في وقت تشكيلها عنايةً خاصة ورحمة منه ولطفاً حتى يسكن الواحد إلى الآخر:
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].
هل تعلمون أن لكل بناء ملاطاً ـ وهو ما يوضع من الإسمنت ونحوه بين قطع الطابوق أو الحجر لتماسكها ـ وأن ملاط الزواج وتشكيل الأسرة هو المحبة والود والألفة؟.
قال الرسول الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم:
(ما بُنِي في الإسلام أحبَّ إلى الله عز وجل من التزويج)(1).
أما الآن فسنبحث في مسألتين: الأولى: ما هي المسائل التي يمكن أن تبعثر المحبة في البيت، بل ويمكن أن تقتضي عليها بالمرة.
المسألة الثانية: ما هي القضايا التي تساعد على ترسيخ عرى المحبة في البيت.
1ـ الحدّة:
إن أول شيء يمكن أن يُذهب المحبة من البيت إلى غير رجعة هي الحدة، الاختلاف، الغضب، وهذه كلها لا تبقي على الألفة والانسجام والودّ في البيت العائلي.
فإذا ما ردّت المرأة على زوجها بحدّة، اشتعلت نار الغضب، وإذا ما تفاقم الأمر بدت العداوة والبغضاء لتصل في نهاية الأمر إلى كسر زجاجة المحبة، وحينها تبدل المحبة بالنفور، وهذا ما تفعله الحدّة في أغلب الأحيان، ناهيك عن مسألة القياس التي يستعملها بعض الرجال فهي الأخرى تُميت المحبة في كلا القلبين، وتبدل الألفة بالنفور، كأن يقول الرجل لامرأته: إنك لا تجدين شيئاً بالمرة، وإن جارتنا فلانة أفضل منك بكثير حيث يقول زوجها بأنها امرأة جيدة، وطاهية ماهرة و.. و...
إن مثل هذه العبارات تنزل على رأس المرأة، كالصاعقة التي تهوي على زرع يابس بالإضافة إلى تهيئة القلب لأن يكون قاسياً من جرّاء الحقد الذي جلبته تلك العبارات، وقد أكد علماء النفس على هذه القضية فحرّموا مقارنة الزوجة بغيرها من النساء، وتنكّروا للتحدث إليها على هذه الشاكلة، لأن المرأة لا يمكن أن تنسى هذه العبارات ما دامت حيّة، وإذا أراد الشخص أن يشطب على تلك العبارات فسوف يحتاج على جهد إضافي للوصول إلى قلبها ثانيةً.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
(قول الرجل للمرأة إنِّي أحبّك لا يذهب من قلبها أبداً)(2).
إن مسألة الضرب والبذاءة لا ترتبط بما نبحث فيه أصلاً، وأكرر مقولتي التي طالما ذكَّرت بها إخواني وهي، إذا جرى السبّ والشتائم على لسان رجل أو امرأة ـ والعياذ بالله ـ فسيعرف الجميع بأن هذا الرجل وتلك المرأة لا يتمتعون بشخصية إسلامية ولا إنسانية بالمرة، وأن الله تباركت أسماؤه، ورسوله الكريم (صلى الله عليه وآله) يمقتان مثل هؤلاء الأفراد.
(كان للإمام الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) صديقٌ لا يكاد يفارقه، إذا ذهب مكاناً، فبينما هو يمشي معه في الحذَّائين ومعه غلامٌ له سنديٌّ يمشي خلفهما، إذْ التفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرات فلم يره، فلما نظر في الرابعة، قال: يا ابن الفاعلة أين كنت؟ قال: فرفع أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) يده فصكَّ بها جبهة نفسه، ثم قال: سبحان الله تقذف أمَّهُ؟ قد كنتُ أرى أنَّ لك ورعاً فإذا ليس لك ورع؟ فقال: جعلت فداك إن أمَّةُ سنديّة مشركة، فقال: ما علمت أن لكل أمةٍ نكاحاً، تنحَّ عنّي، قال: فما رأيته يمشي معه حتى فرّق الموت بينهما)(3).
من هذا نفهم بأن الرجل الذي يسبّ ابنه، أو امرأته حتى ولو كان هناك قصورٌ منهما فهو مغضبٌ لله جلَّت صفته، وأن المرأة التي تشتم زوجها أو ابنها لا ينبغي لها أن تتوقع من الباري تعالى غير الغضب، وأن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وفاطمة الزهراء (عليها السلام)، والأئمة الأطهار (عليهم السلام) غاضبون عليها، وأن السبّ أو الشتم سيتجسد في عالم البرزخ ليضحى رفيقاً للسبّاب، ويتجسد أيضاً يوم القيامة على شكل حيوان مفترس يلتهمه ولا يموت.
قال الإمام الباقر محمد بن علي عليه السلام:
(دخل يهودي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعائشة عنده فقال: السَّامُ عليكم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): عليكم، ثم دخل آخر فقال مثل ذلك، فرد عليه (صلى الله عليه وآله) كما ردّ على صاحبه ثم دخل آخر فقال مثلَ ذلك فردّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما ردّ على صاحبيه فغضبت عائشة فقالت: عليكم السام والغضب واللعنة يا معشر اليهود يا إخوة القردة والخنازير فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا عائشة إن الفحش لو كان ممثلاً لكان مثال سوء، إنَّ الرفق لم يُوضع على شيءٍ قطّ إلاَّ دانه ولم يُرفع عنه قطّ إلا شانه، قالت: يا رسول الله أما سمعت قولهم: السام عليكم؟ فقال: بلى! أما سمعت ما رددت عليهم؟ قلتُ: عليكم، فإذا سلّم عليكم مسلم فقولوا سلام عليكم، وإذا سلم عليكم كافر فقولوا: عليك)(4).
قال تعال في محكم كتابه المجيد:
{يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا} [آل عمران: 30].
لذا يجب على المسلم أينما كان، وكيفما كان، أن يكون مؤدباً، ملتزماً، يُدرك ما يقول، وهذا ما يوصي به الإمام الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام) أصحابه دائماً، فالمعلم لا يجدر به أن يكون لعّاناً ولا بذيئاً مع تلاميذه، والزوجة يجب عليها أن تبتعد عن السبّ والشتيمة، وكذا الولد عليه أن ينتبه لهذه المسألة الحساسة والمهمة، وليعلم الجميع بأن المسلم ليس بلعّان ولا طعّان ولا فاحش ولا بذيء.
أما بالنسبة للضرب فهو الآخر حاله كحال السبّ والشتم والبذاءة في الكلام، وأن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) نهى عنه كثيراً، وهدد الرجل الضارب لزوجته بسبعين ضربة سوط من يد مالك جهنم في يوم القيامة لأن الضرب ليس من شأن المسلم الحقيقي، ليس من عمل الإنسان الواعي، ومن فعل ذلك، رجلاً كان أو امرأة عُدَّ أحمق ووضيعاً، وعليه نخرج من هذا البحث لأن البذاءة والضرب تميت القلوب، بعد أن تُذهب المحبة منها.
سأل رجل النبيّ صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: (أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الزوجة ولا تقبّح، ولا تهجر إلاَّ في البيت)(5).
قال الإمام الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام):
(قال الله تعالى: من أهان لي وليًّا فقد أرصد لمحاربتي)(6).
يجب على المسلم أن يصبر على زوجته إذا رأى منها بعض ما لا يعجبه من تصرفها، ويعرف لها ضعفها بوصفها أنثى، فوق نقصها باعتبارها إنساناً، ويعرف لها حسناتها بجانب أخطائها ومزاياها إلى جوار عيوبها وفي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
(لا يفرك ـ أي لا يبغض ـ مؤمن مؤمنةً إن سخط منها خلقاً رضي منها غيره)(7).
وكما أوجب الإسلام على الزوج الاحتمال والصبر على ما يكره من زوجته أُمرت الزوجة هي الأخرى أن تعمل على استرضاء زوجها بما عندها من قدرة وسحر، وحذّرها أن تبيت وزوجها غاضب.
وإن المرأة التي تقول لزوجها: إننا لم نرَ خيراً في هذه الدار تحبط بقولها ذاك كل أعمالها، وكذا بالنسبة للرجل الذي يقول لزوجته: إنني لم أرّ منك خيراً مذ تزوجتك.
يجب علينا جميعاً الانتهاء عن إهانة بعضنا لبعض، وخصوصاً النساء اللواتي تتحين بعضهنّ الفرص لإهانة أزواجهنَّ أمام أخواتهنَّ أو صديقاتهنَّ أو ما شابه ذلك.
إن التجريح والإهانة على قسمين: قسم يزول من القلب سريعاً، وهو ما ينقلب على صاحبه في القبر إلى عقرب ينهش أصابع يده ورجله ثم يزول؛ وقسم آخر يكون التجريح كالسيف البتّار ضربته عميقة، وهذا ما ينقلب في القبر على عقرب ينهش جسم الشخص البذيء إلى يوم القيامة، ويقال في الخبر إن مثل هذه العقارب أشد لسعاً من نار جهنم.
رأى أحدهم في المنام عالماً معروفاً كان قد توفي منذ زمن، فسأله عن وضعه؟ فأجاب: الحمد لله، فأنا أمتلك هنا حديقةً غناء، ولي من الحور العين الكثير، وقد بُنِيّ لي قصرٌ لا يمكن أن يحلم به من كان في الحياة الدنيا، وإن الملائكة لتروح وتذهب في قصري وهي لي خادمة، ولكنني حينما أصحو صباحاً، لا أصحو إلاّ على لسعة عقربٍ يأتيني كل صباح فيبقى الألم في رجلي إلى الصباح التالي ليبادرني بلسعةٍ جديدة.
فسأله صاحبنا: ما الذي فعلته في دنياك؟.
فأجاب: اسأت إلى أحدهم في القول، واستهانت عليّ المسألة فنسيت أن استغفر وأتوب من تلك الإساءة، ولو كنت قد استغفرت وتبت لكنت قتلت هذه العقرب التي ما فتأت تأتيني كل يوم.
إن ماء التوبة يمكن ان يغسل كي شيء وإنه يمكن أن يذهب بالحقد والضغينة من قلب المهان، ولكن الويل لمن لا يتوب ولا يعرف الاستغفار، والأنكى من ذلك أنه يفتخر ويقول: لا استطيع الجلوس في البيت هادئاً ما لم أسمع زوجي عبارتين تغيظانها!.
هل تعلمون ماذا تعني هاتان العبارتان؟ إنهما عقربان! الأول سيلتقيه في ليلة القبر الأولى، والثاني سيرافقه إلى يوم الحشر الأعظم.
إن البعض من النساء تحاول جاهدة أن تسيء لفظاً لزوجها، وحالما تنتهي من تجريحها له تقول: الآن سكنت عاصفتي، وللتوّ سكن فؤادي!.
كلا، يا سيدتي إن فؤادك لم يسكن ويهدأ بعد، كونك هيأت لنفسك ثعباناً يؤذيك في قبرك إلى يوم يبعثون، وإن هذا الثعبان يراه في الدنيا من كانت له عينٌ بصيرة، إنه ملتفٌ حول رقبتك ألا تنظرين إليه؟ إنك على ما يبدو لم تشاهديه بعد، ولا عجب في الأمر فستشاهدينهُ في ليلة القبر الأولى، أو قد تشاهدينه حينما يأتي ملك الموت عزرائيل لقبض روحك، حينها تصبح بصيرتك حديداً بعد أن يكشف الغطاء لك، فالحذر الحذر من التجريح واللمز، وإن من يعيب على الناس إنما يوجه إليهم وخزةً بسيف، أو طعنةً برمح، بل ربما كانت وخزة اللسان أشد وأنكى وقد قيل:
جراحات السنان لها التئام ولا يلتام ما جرح اللسان
إن الذي يجب أن ينتبه إليه الرجل والمرأة بشدة هو الابتعاد عن التجريح، وتحقير بعضهم البعض، وخاصة أمام الآخرين، لأن الآخرين سوف يخرجانهما من أعينهم، بالإضافة إلى ضربها لعرى المحبة والألفة والانسجام، وإذا ما حدث ذلك انقلب الحب إلى بغض وضغينة، وعندها يبرُز الكره ويصير الدار كالقبر الذي تلتهب فيه النار، لذا أرجو من الجميع أن لا يكونوا حادّين في تعاملهم مع أزواجهم.
طلع رسول الله (صلى الله عليه وآله) منبره يوماً وسأل من كان في مسجدة عن أوثق عُرى الإسلام؟ أي ما هي المسائل التي توجب نجاة البشر فقال أحدهم: الصلاة يا رسول الله، وقال آخر: الصوم، وقالت ثالث: الزكاة، واجاب رابع، بأنه الجهاد في سبيل الله تعالى، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
(أوثق عرى الإسلام أن تحبّ في الله، وتبغض في الله)(8).
فالذي يحب امرأته في الله ناجٍ لا محالة، ليس كالذي يحبّها من أجل إرضاء شهوته، لأن مثل هذا الحب ليس من الرجولة في شيء، وإنه حب حيواني، وإن إرضاء الشهوة هو أحد الفوائد الصغيرة في تشكيل الأسرة.
فالرجل عليه أن يحبّ زوجته، هذا إذا اعتبر نفس مسلماً، وكذا المرأة ينبغي لها أن تحب زوجها في الله إذا كانت تدّعي الإسلام، بالمرأة يجب أن تفتخر إذا كان زوجها مجروحاً بسبب دفاعه عن الإسلام، وتفتخر إذا استشهد في سبيل إعلاء كلمة الله جلّت صفاته، أو استشهد ابن لها على هذا الطريق الصائب.
أما بالنسبة للرجل فيجب عليه أن يفتخر إذا كانت زوجته علوية من نسل الرسول (صلى الله عليه وآله) أو نسل عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، وإذا كانت تصلّي وتصوم وتنفق في سبيل المولى تعالت أسماؤه.
يقول محمد بن الحكيم ـ وكان شيخاً مسناً متفتح الضمير محنّي الظهر يستند على عصاً له ـ يقول: جئت إلى الإمام الهمام الباقر محمد بن عليّ (عليه السلام) فسلّمت عليه وطلبت أن أجلس إلى جنبه، فلم يأبَ عليّ ذلك، فجلست إليه وقلت له: يا بن رسول الله أنا من اصحابكم، واعلم أن حلالكم حلال وحرامكم حرام، وإنني أحبكم وأواليكم، وأعادي من يعاديكم فهل أنا من الناجين؟.
فقال الإمام (عليه السلام) بعد أن تفتحت أساريره: لقد قال أحدهم لأبي الإمام السجاد علي بن الحسين (عليه السلام) مثلما قلت لي وسأله مثلما سألتني فأجابه: بأنه سيرى الرسول (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) وفاطمة الزهراء (عليها السلام) والحسن والحسين عليهما السلام حينما تبلغ نفسك هذه ـ وأشار إلى حنجرته ـ وعند الصراط، وعند الحوض.
وما إن سمع محمد بن الحكيم هذا الخبر حتى شرع بالبكاء وطلب من الإمام (عليه السلام) أن يعيد عليه الخبر، فما كان من الإمام (عليه السلام) الباقر إلاَّ أن يعيد عليه الخبر، وعندها غُشي عليه، وحينما افاق مدّ يديه إلى الإمام الباقر (عليه السلام) ليتبرّك بيديه وبجسمه؛ بعد ذلك طلب الرجل من الإمام (عليه السلام) الإذن بالرحيل ليذهب من حيث أتى فتابعه الإمام (عليه السلام) بنظره حتى غاب عن الأنظار ثم التفت إلى أصحابه وقال: من أراد منكم أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة فلينظر لذلك الرجل، ثم قال عليه السلام:
(ما شيعتنا إلاّ من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع والتخشع وأداء الأمانة وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة والبرّ بالوالدين وتعهد الجيران من الفقراء وذوي المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن، وكف الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناء عشايرهم في الأشياء)(9).
فالمتقي والمطيع لله تباركت أسماؤه لا ينبغي له أن يكرّه نفسه إلى الآخرين من خلال غضب أو عصبيّة، لأن ذلك يوجب الحقد والضغينة، ويمنع صعود الدعاء إلى السماوات العلى، ويذهب البركة من الدار، ومن المدينة، ومن البلد، فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم عسى الله تعالى أن يرحمنا ويرحمكم.
إن من علائم المؤمن أن يحب للآخرين ما يحبّ لنفسه، ويكره لهم ما يكرهه لها.
قال الإمام الهمام الباقر محمد بن عليّ (عليه السلام):
(قولوا للناس أحسن ما تحبّون أن يقال لكم، فإنّ الله يبغض اللعّان السبّاب الطعّان على المؤمنين، الفاحش المتفحش، السائل الملحف، ويحبّ الحيي الحليم العفيف المتعفف)(10).
إن الحضانة مسألة ليست بالهيّنة، وذا أردت أن تطمئن لما اقول فلا بأس عليك أيها الرجل أن تجرّب ذلك لمدة ساعة أو ساعتين لترى بنفسك صعوبة القضية.
إنك لا تستطيع أن تقوم بدور الحاضن في البيت لمدة يوم كامل، وإذا ما كانت دارك فيها بعض السلالم فستطلع يوماً مائة مرة لتهيئة الطعام أو لترتيب وضع الأطفال، وهذا ما تفعله زوجتك يومياً.
وإذا كان لا بدّ لنا من قول فسنقول لك: عليكم بمساعدة زوجتك في المنزل، وإذا رفضت ذلك فسنقول لك: هل أنت أفضل من امير المؤمنين وسيد الوصيين عليّ (عليه السلام) الذي كان يعين الزهراء عليها السلام في أعمال المنزل والدليل على ذلك تلك الرواية التي جاء في مقدمتها، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل دار أمير المؤمنين (عليه السلام) فرآه ينظف عدساً، بينما كانت ابنته البتول عليها السلام تمارس عملاً بيتياً آخر.
وكان الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله يحلب الشاة، ويخبز الخبز، ويساهم في أغلب أعمال المنزل، وهذا ما ثبتته الأخبار والروايات المتواترة.
إن المنزل يحتاج إلى من يصرف عليه، وأن الرجل يخرج صباحاً إلى عمله ليلتقي بهذا وذاك، ويتعامل مع الناس ويداري نفسياتهم ليحصل في نهاية المطاف على مقدارٍ من المال يصرفه على أسرته، وعند رجوعه في المساء إلى المنزل يتوقع أن يحصل على قدرٍ كاف من الراحة والهدوء، ليديم عمله في اليوم التالي، فإذا ما كنت أيتها السيدة عابسة الوجه، غاضبة، غير متبسّمة، تشكين إليه هذه وتلك، فسوف يزداد تعباً بالإضافة إلى تعبه الذي جاء به إلى البيت.
وأنت أيها الرجل إذا ما رأيت زوجتك على هكذا حال، تبسّم في وجهها بالرغم من مشاكلك وتعبك وعنائك، فمثلما لا تحبّ أن تراها عابسة الوجه، فهي الأخرى تكره أن تراك غير باسم، فما تحبّه من غيرك عليك أن تعمل به ابتداءً حتى تحصل عليه، فإن فعلت ذلك ملأت البركة دارك، وأصابتك رحمةٌ من الله واسعة، وغشتك الرأفة الإلهية في الدنيا والآخرة إن شاء الله تعالى.
قال الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام):
(لا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال وهنّ: صيانة نفسها عن كلّ دنس حتى يطمئن قلبه إلى الثقةِ بها في حال المحبوب والمكروه، وحياطته ليكون ذلك عاطفاً عليها عند زلّة تكون منها، وإظهار العشق له بالخلابة، والهيئة الحسنة لها في عينه)(11).
_________________________________
(1) وسائل الشيعة/ ج14، ص3.
(2) وسائل الشيعة/ ج14، ص10.
(3) أصول الكافي/ ج4، ص16.
(4) أصول الكافي/ ج4، ص464.
(5) أبو داود وابن حبان في (صحيح).
(6) أصول الكافي ج4، ص41.
(7) صحيح مسلم بن الحجاج ـ باب النكاح.
(8) كنز العمال خ 24656.
(9) تحف العقول ص216.
(10) تحف العقول ص220 ط. بيروت.
(11) بحار الأنوار ج78، ص237.