التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
الريازة
المؤلف: أنستاس ماري الكرملي.
المصدر: خلاصة تاريخ العراق منذ نشوئه إلى يومنا هذا.
الجزء والصفحة: ص 118 ــ 125.
2024-01-11
1257
الرِّيازة العربية — ويُسميها بعضهم الريازة الإسلامية، ويُسميها الأندلسيون الرِّيَازة المغربية — هي فن البناية العربية الحادثة بعد الهجرة، وقد ظهرت ميزتها في العهد العباسي ثم زادت رونقًا في زمن عبد الرحمن الأموي الأندلسي في الأبنية التي رفعها في قرطبة؛ فإنه جلب من القسطنطينية رَازَةً مهرة، وأرسل قُسطنطين — قيصر الروم يومئذٍ — إلى الخليفة المذكور بمائة وخمسين عمودًا من الرخام النادر لقصر الزهراء، والزهراء كانت حظية الخليفة، وقد لاحظ أحد علماء الفرنسويين، وهو المسيو جيرو دي برانجي، أنه كان ببلاد الأندلس ثلاثة أعصُر متعاقبة: عصر يبتدئ من القرن الثامن وينتهي في القرن العاشر، ومزيته تقليد الأبنية الرومانية تقليدًا حذو القذة بالقذة، وكان رازته البناؤون الذين كانوا في ديار الشام ومصر والعراق الذين بقَوا على حب الخلافة الأموية، فغادروا من أجلها بلاد الشرق إلى بلاد الأندلس، وكان الروح العربي قد تجلى في أصحابه كل التجلِّي، «وكان أعظم فرحهم — على ما قاله المسيو رينو — أن يُكثِروا من الأشياء التي كانت قد أثَّرت على أنظارهم في وطنهم الذي نشئوا فيه.» وأراد الخليفة عبد الرحمن الذي خطَّ بيده رسم جامع قرطبة أن يكون جامعه شبيهًا بالجامع الذي شيَّده أهل بيته في دمشق الفيحاء، وأن يفوق زخرفه وبهاؤه زخرف وبهاء الجامع الذي كان يُقيمه العباسيون آنئذٍ في بغداد دار السلام. وقد وصف أوسابيوس القيصري في كتابه «ترجمة قسطنطين» الأبنيةَ التي شادها هذا القيصر، وكان فيها أفنية واسعة وأروقة عالية، وشاذروانات تقذف مياهها إلى بُعدٍ شاسع، ومقاصير حسنة الهندام مُعدة لإيواء القسوس وخَدم الدين. فلا جرم أن هذه المصانع كانت أمثلة لما بُني من الجوامع في ديار الشام وفلسطين ومصر، على ما لاحظه رَازَةُ العصر النوابغ من أهل الغرب بعد أن قابلوا أبنيةً بأبنيةٍ، ولا سيما لأنهم يعلمون أعمار تلك الأبنية وما سبق أحدها الآخر؛ ففي الجوامع التي عُمِّرت في تلك الأزمان تكثُر الفسافس (1) البوزنطية. وفي سنة 965م كانت الزخارف اليونانية الفنية بنقوشها وأنواع زينها لا تُرضي أصحاب الفن؛ لميل أنفسهم إلى ما هو أرقى منها وأوقع في النفس، فأخذوا يبحثون عن زخارف زاهية، وشرعوا يُكثرون من دقائقها، فأصبح شكل العقود غزير التخاريم والمنعرجات المختلفة، كما يُشاهد هذا الأمر في قرطبة في مسجد «كابلة» فلافشيوسا الذي أُنشئ في خلافة الحاكم (سنة 965م)، وهذا هو العصر الثاني من عصور الريازة العربية. أما عصرها الثالث فهو الذي حدث بعد سقوط خلافة قرطبة؛ وذلك أن عرب الأندلس دانوا للمسلمين الإفريقيين، فانحطَّ شيئًا فشيئًا الروح العربي، فنشأ في الصنائع والفنون الراقية مزية جديدة، سمَّاها أحد المحدثين من أصحاب الفن — وهو العلامة جيرو دي برانجي — «الريازة الإسلامية المغربية، أو الأفريقية»؛ إذ ترى في تلك البناية قيام العقد اليوناني الثقيل الساذج بجنب عقد بيضي الشكل كثير الرشاقة أو قليلها، على ما يبدو لك ذلك في مختلف الأبنية، ويتلو التزين البوزنطي المنتظم التخريمات والتزويقات الغريبة الأشكال التي سمَّاها العلماء «الزخارف العربية»، كما أسلفنا الكلام عنها، وأُبدلت فسافس الزجاج والرخام بفسافس الكاشاني (أو الكاشي) الزاهية الألوان على أشكال صور بديعة أدخلها الفن الجديد طِبقًا لأوضاع هندسية مُتقنة كل الإتقان. ويُشاهَد أيضًا على جُدران الأبنية تزيينات من الستوق مُفرَّغة إفراغًا حسنًا، وهي إذا جاورت بقية أجزاء التزويقات والتحسينات تفعل فعلًا عجبًا في الرائي. وزمن هذا العصر الذي هو أزهى عصور الريازة الإسلامية هو المائة الثانية عشرة، في عهد دولة الموحدين الذين كان يمتد صولجان مُلكهم من بلاد الأندلس إلى القسم الشمالي الشرقي من أفريقية، وأجمل أمثلة هذه البناية تُرى في إشبيلية، وكانت يومئذٍ حاضرة دولة الموحدين؛ فمن هذه الأبنية: «الجيرلدة»، وبقايا الجامع الذي حُوِّل كنيسة، وهي قائمة إلى يومنا هذا، وبعض جهات من القصر؛ فهذه الأبنية على اختلافها شُيِّدت في خلافة المنصور. وممَّا ميَّز هذا العصر عن أخويه المذكورَين: الكتابات، والمقام الرفيع الذي صار لها في ذلك الأوان؛ إذ اتُّخذت بمنزلة زينة زُينت بها العمارات على اختلاف غاياتها فرارًا من اتخاذ الصور عليها. إلا أن الكتابات في نظر رَازَةِ الإفرنج ليست إلا بمنزلة الأمور الثانوية لا غير. ثم انتقلت هذه الحالة إلى حالة أخرى أرقى منها، إلا أنها كانت آخرَ رمق تلك الدولة، وكانت غرناطة مباءة هذا الرقي. وأغلب الأمثلة التي يُشار إليها بالبنان أُنشئَت في «الحمراء». قال المسيو رينو الذي استشهدنا بكلامه غير مرة: «إذا كانت الأبنية هي لسان حال الأمم وينطق بأخلاقهم وعاداتهم وعمرانهم، فليس من بناء ينطق بتلك الأمور كلها مثل «الحمراء»؛ فإنك ترى فيها عنوان أُمَّة تُحب الفراغ، وتعشق اللهو، وتُغرَم بالأنس، وتتفرَّغ للملاهي على ما كانت عليها في ذلك الزمن.» هذا؛ وخارج الأبنية الإسلامية ساذج، يكاد يكون عاريًا من الزينة، وليس فيه من النوافذ إلا الشيء اليسير، وهذه النوافذ مسدودة بالمشربيَّات التي يُسميها العراقيون المشبكات، وهي تنمُّ عن أن مَن يجلس وراءها يحبُّ التطلُّع على الناس بدون أن يُشرف عليه أحد، وهو أمر معروف في المتحضرين من العرب، وقد اشتهر بذلك نساؤهم، خاصةً لوجود دار خاصة بهن تُسمى الحرم؛ ولهذا لم يكن يومئذٍ في غرناطة من المباني العمومية سوى المساجد والمدارس والحمامات، وفي هذه المصانع نفسها لا ترى في ظاهرها الزينة والبهرجة والزخارف، بل تراها في داخلها فقط، بخلاف ما يُشاهَد في الأبنية اليونانية والرومانية، فإن الزينة كانت تُرى على الخارج وفي الداخل منها، ولكن العرب اعتبروا ظاهر البناء بمنزلة القشرة للثمرة، فلا اعتداد بقشرة إذا كانت الثمرة حسنة. أما دُور خواص المسلمين في الأندلس فإنها تشبه الدُّور التي تُرى في يومنا هذا على سواحل أفريقية؛ فإنك ترى مدخلها مشروعًا على الطريق، ولا تصل ساحة الدار إلا من بعد أن تمُر بدهليز (يُسميه العراقيون: المجاز، والرومان: أتريوم). وفي فناء الدار يكون غالبًا شاذروان (يُسميه أهل الشام: نوفرة، أو فَسْقِيَّة)، وحوله صفوف من أشجار النارنج والبرتقال، وحول الفِناء رواق مفتوح (واسم الرواق عند العراقيين: الطارمة) بعواميد لطيفة دقيقة، ومن هذا الرواق تصير إلى الحُجَر أو الغُرَف المنتظمة حول الشاذروان. وإذا فحصنا البناية العربية في بلاد الشام ومصر حيث لم يتبدل فيها إلا ما رقَّاه الفن، نرى فيها فروقًا تُميزها عن بناية عرب الأندلس، وريازة مغاربة أفريقية؛ فجوامع ديار مصر مثلًا تدل على معرفة واغلة في فن تعادُل الأجسام، واختيار المواد اللازمة للبناء، أما تزيينهم للأبنية واتخاذ الكتابات المزخرفة فالظاهر أن ليس في مصر القاهرة معهد يفوق أو يُجاري الحمراء في الأندلس. ما تقدَّمَ بسطه هو نظر عام في أبنية المسلمين في ديار الغرب. أما في الشرق فإن الريازة الفارسية أثَّرت كل التأثير على الريازة الإسلامية، بل أكثر مما أثَّرت عليها الريازة الرومية؛ ففي البناية الفارسية من الأشكال المتلاعبة ما أنشأ في نفوس العرب المشارقة طَرْزًا خاصًّا بهم، يمتزج فيه الطَّرْز الرومي بالطَّرْز الفارسي، فاكتظَّت في الجوامع القبب البيضية والمخروطة، على حدِّ ما كان يُرى في مصانع الفُرس والهنود القديمة، وقد اقتبسها من الشرق بُناة الروس ورَازَتُهم، فازدانت المآذن بأحواضٍ مُسننة، وشرافاتها ناتئة داخلة على طِبقِ ما يُرى اليوم في بعض الأبنية القديمة في ديار فارس. وامتدت قسي الفتحات على شكل عِقْد مبالغ فيه، وارتفعت بيضية الشكل حادَّتها، وازدانَت بتقاطيع وتزاويق عديدة تتميز بينها تلك القبيبات المُعلَّقة، كأنها أنصاف أجراس مُستديرة، وتكاد تتذبذب في الهواء لِما فيها من حُسن أسلوب الوضع ورشاقة الأشكال، وهي التي سمَّاها الإسبانيون: «مدياس نارنخاس»؛ أي أنصاف النارنجات. وقد اتخذ العرب في أبنيتهم الحجارة المنحوتة والإشكنج، (2) وربما ناوبوا بين طبقة من هذا وطبقة من تلك، أو بين طبقة من الحجارة وطبقة من اللياط، واتخذوا بمهارة ما سمَّوه التعبئة، وهي ضرب من الملاط ممزوج بحصًى، كانوا يُفرغونه بين الألواح الراكبة ثخن الحائط الذي يُريدون بناءه، فإذا صلبت تلك التعبئة يُغشُّونها بطلاءٍ رقيق يدفع عنه الرطوبة. أما الأبنية المستديرة فقد ندُر وجودها عند مسلمي العرب. وكانت أبراجهم مُربعة كما تُشاهد في ميادين آرل في فرنسة، وكانت بعض الأحيان مُثمَّنة الزوايا. أما إذا أردت أن تُشاهد أمثلة بناء الفن العربي فعليك ببلاد الأندلس، وإفريقية، وسورية، وصقلية، وفي بعض مدن جنوبي فرنسة. وأما البناية في العراق فهي على طَرْزين: طَرْز سبق الإسلام، وطَرْز عقبه؛ فالطرز السابق الإسلام كان يقرُب من الطَّرز الفارسي الساساني، مع شيءٍ من الطَّرز الرومي، وكان أغلب بُناته العرب النصارى، فكانوا يعنون بتشييد الحصون والقصور والبِيَع والأديرة، ولم يبقَ في ديارنا من تلك الأبنية إلا ما يُسمى اليوم بالأُخَيضر، بقرب شفاثا، أو بجوار النجف، وما الأخيضر على رأي بعضهم إلا تصحيف: الأُكيدر؛ أي قصر الأكيدر، وهو صاحب القصر وبانيه، ويوافق هذا الرأي أن محله يُوافق كل الموافقة ما وصفه ياقوت عن قصر ومنازل في دومة الحيرة، وهي غير دومة الجندل، وكلتاهما للأكيدر. وهذا بعض ما قاله الحموي: «فأما دومة (الجندل)، فعليها سور يُتحصن به، وفي داخل السور حصن منيع يُقال له «مارد»، وهو حصن أُكيدر الملك ابن عبد الملك … السكوني الكندي … وكان نصرانيًّا. ونقض أكيدر الصلح … فأجلاه عمر (رضي الله عنه) من دومة في مَن أجلى من مُخالفي دين الإسلام إلى الحيرة، فنزل في موضعٍ منها قُرب عين التمر، وبنى به منازل، وسمَّاه دومة، وقيل: دوماء، باسم حصنه بوادي القُرى، فهو قائمٌ يُعرف، إلا أنه خراب «. قُلنا: وهذا القصر قائمٌ إلى يومنا هذا، وقد وصفه المسيو لويس ماسنيون الفرنسوي في رحلته، ووصفته أيضًا أحسن وصف الخاتون الكريمة «المِس جرترود لوثيان بل» الشهيرة في بلادنا، وقد فصَّلَت هذا الوصف في كتابها الموسوم «من مراد إلى مراد»، وذكرت عنه فوائد جزيلة، وصوَّرته على اختلاف جوانبه وحُجَره، فجاء التصوير أحسن مثال له ولمن يُريد أن يُشاهده بدون أن يذهب إليه، فعلى مَن يُريد الوقوف على كل ذلك أن يُراجع الكتاب المذكور. ومن القصور السابقة للإسلام: الخورنق، والسدير، ولهما أطلال باقية في جوار النجف أيضًا. وهناك غيرها من القصور كبارق، وسنداد، والحاري، وكان هذا من أبدع ما بُني؛ فقد نقل المسعودي في مروج الذهب: أن بعض ملوك الحيرة من النعمانية من بني نصر، أحدث بنيانًا في دار قراره، وهي الحيرة، على صورة (جيش) الحرب وهيئته للهجته بها وميله نحوها لئلَّا يغيب عنه ذكرها في سائر أحواله، فكان الرواق مجلس الملك، وهو الصدر، والكمان ميمنة وميسرة، ويكون في البيتين اللَّذين هما الكمان مَن يقرب منه من خواصه، وفي اليمين منهما خزانة الكسوة، وفي الشمال ما احتيج إليه من الشراب. والرواق قد عمَّ فضاؤه الصدر والكمين والأبواب الثلاثة على الرواق، فسُمِّي هذا البنيان إلى هذا الوقت «بالحيري بكمين»، إضافة إلى الحيرة. (ا.ھ. المقصود من إيراده.) قُلنا: وسمَّى بعضهم هذا النوع من البناء: السدلي، والسدير، كما أشار إليه لُغَويُّو العرب. وأما الأديرة التي بنَتها العرب قبل الإسلام فكثيرة، ذكر شيئًا منها ياقوت في معجمه، وخصَّ منها بالتفصيل دير هند الصغرى، ودير هند الكبرى، ونحن نذكر هنا بعض ما قاله عن دير هند الكبرى، قال: «وهو أيضًا بالحيرة (كدير هند الصغرى)، بنَته هند أم عمرو بن هند، وهي هند بنت الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار الكندي، وكان في صدره مكتوب: بَنَت هذه البيعةَ هند بنت الحارث بن عمرو بن حجر، الملكة بنت الأملاك، وأم الملك عمرو بن المنذر، أمة المسيح، وأم عبده، وبنت عبيده في مُلْك ملك الأملاك خسرو أنو شروان في زمن مارافريم الأسقف؛ فالإله الذي بنَت له هذا الدير يغفر خطيئتها، ويترحَّم عليها وعلى ولدها، ويقبل بها وبقومها إلى أمانة الحق، ويكون الله معها ومع ولدها الدهر الداهر.» انتهى. ومن الأديرة القديمة الشهيرة دير العاقول، قال عنه ياقوت: «هو دير عظيم شبيه بالحصن المنيع، وعليه سور عظيم عالٍ مُحكم البناء، وفيه مائة قلاية لرُهبانه، وهم يتبايعون هذه القلالي بينهم من ألف دينار إلى مائتي دينار، وحول كل قلاية بُستان فيه من جميع الثمار، وتُباع غلة البُستان منها من مائتي دينار إلى خمسين دينارًا، وفي وسطه نهرٌ جارٍ.» ا.ھ. هذا وصف شيء من أبنية العرب قبل الإسلام. وأما بعد الإسلام فإن طَرْز البناء أصبح مُركَّبًا من الطَّرْز الفارسي والطَّرْز الرومي على ما أسلفنا القول. وقد بنى العباسيون في العراق أبنيةً كثيرة، كان أغلبها جوامع وقصورًا، وفي نحو آخر خلافتهم عُنوا بإقامة المدارس. وقصورهم كانت كثيرة وكان أكثرها في بغداد وفي سامراء؛ فمنها القصر الحسني، والخلد، والتاج، والثريَّا، وقصر السلام، والقصر الأبيض، والرقَّة، والحيز، والعروس، والمختار، والوحيد، والجعفري المحدث، والغريب، والشبدان، والبرج، والصبح، والمليح، وقصر بستان الإيتاخية، والتل، والجوسق، وبركوارا، (ويُروى: بركوان، وهو خطأ)، والقلائد، والفرد، (ويُروى: الغرد، وهو خطأ)، والماحوزة، (ويُروى: الماجوزة، وهو خطأ)، وهو القصر بالمتوكلية أيضًا، والبهو، واللؤلؤة، والجعفري، والمعشوق، وهذا وحده موجود منه شيء في سامرَّا. وأما من قصور العباسيين في بغداد فإنه لا يوجد سوى بقايا من قصرٍ على دجلة، يُقال إنه بقايا التاج، وهو ما يُرى في القلعة الحالية التي كانت في عهد الأتراك (الطوبخانة)؛ ففيها من المحاسن وآيات الزخرف ما يدل على أن رَازَةَ ذلك العهد بلغوا أبعد الشأو في فنهم. ومادة البناء هي الآجر، أو الطاباق، قد أحسنوا شيَّه ونقشه وزُخرفه، حتى إذا وُضعت الآجرة بجانب الآجرة الأخرى أختها إلى أختها نشأ من مجموعها جميعًا نقوش وزخارف عربية تأخذ بمجامع القلوب وتُسكر الألباب، وقد صوَّرها أحد مهندسي الفرنسويين، وهو المسيو فيوله، فكتب عنها رسالة وصف فيها ما لتلك البدائع من الروائع، وأطنب في الكلام عن صانعيها. ومما صبر على أنياب الزمان بعض رُدهات وأبهاء المدرسة المستنصريَّة، وهي التي اتُّخذت مخزنًا للممكس (للكمرك) في عهد الترك. وقد أخذت هذه البقايا تتداعى؛ لأن التورانيين لم يُعنوا بترميم ما كان يخرب منها. وقد صوَّر المسيو فيوله المذكور عدة أقسام من هذا البناء الفخم الضخم، ونشرها أيضًا فان مكس فان برشم، والألمانيَّان سارَّه وهرتسفلد، والمسيو لويس ماسنيون. وقد قُرئ على باب الخان الذي يُجاور الممكس الكتابة الآتية: قد أنشأ هذا المحل رغبةً في أن الله لا يُضيعُ أجر مَن أحسن عملًا، وطلبًا للفوز بجنَّات الفردوس التي أعدَّها للذين آمنوا وعملوا الصالحات نُزُلًا، وأمر أن تُجعل مدرسة للفقهاء على المذاهب الأربعة سيدنا ومولانا إمام المسلمين، وخليفة رب العالمين، أبو جعفر المنصور المستنصر بالله أمير المؤمنين، شيَّد الله معالم الدين بخلود سلطانه، وأحيا قلوب أهل العمل بتضاعيف نِعمه وإحسانه، وذلك في سنة ثلاثين وستمائة، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله. وقد وصف المسيو فيوله المذكور رسم هذه المدرسة في القديم، وكيفية تقسيم رُدهاتها، فلا حاجة إلى إعادة كلامه هُنا لضيق مجال كتابنا هذا. ومما بقي إلى يومنا هذا منارةُ سوق الغزل، وكانت تُسمى قبل نحو نصف قرن «منارة جامع الخلفاء»، إلا أن متولي الأوقاف بنَوا بجانبها سوقًا يُباع فيه الغزل، فعُرفت السوق بسوق الغزل عند العوام، وبها اشتهرت المنارة. ولا جرم أن هذه المئذنة كانت في جامعٍ كبير سعته المحلة التي بُنيت في موضعه، ولا يُعرف على التحقيق بانيها؛ إذ الآراء متضاربة فيها، إلا أنها تتفق على كونها من بناء العباسيين الأولين. وقد حاول العجم في سنة 1048ھ/1638م هدمها قبل أن تسقط المدينة بيد السلطان مراد الرابع بإطلاق المدافع عليها، فلم ينجحوا في سعيهم الذميم، إنما توصلوا فقط إلى كشط الجانب الغربي منها كما يُرى ذلك إلى يومنا هذا. ولما وصل الإنكليز بغداد ورأوا ضعف أُسسها — إذ كان العوام تعبث بها دائمًا — أصلحوها كما يجب؛ حفظًا لهذا الأثر الجليل. هذا أهم ما يُقال مما بقي من مصانع الخلفاء العباسيين في عهدنا هذا.
.............................................
1- الفسافس: جمع فُسيفساء، وهي حصًى صغيرة ملوَّنة، إذا وُضعَت إحداها بجانب أختها بمقدار معلوم ينشأ منها تصاوير ونقوش مختلفة.
2- الإشكنج: كلمة معروفة عند العراقيين، ويُراد بها صغار الحجار تُتخذ حشوًا في البناء، وهي لا توجد في معاجم اللغة مع أنها قديمة، وقد ذكرها الجاحظ في كتاب البخلاء (ص121)؛ إذ يقول: «وما كان من إشكنج فهو مجموع البناء» ا.ھ. والكلمة فارسية الأصل، وهي فيها بهذا المعنى.