x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الإفتاء بغير علم

المؤلف:  الشيخ توفيق بو خضر

المصدر:  شواهد أخلاقية

الجزء والصفحة:  ص157ــ164

2024-01-02

562

يعتبر إصدار الفتوى من أخطر المراحل التي يمكن أن تصدر عن أي إنسان مهما كان مقامه، حتى لو وصل إلى أعلى المراتب فإن العلماء كانوا يفرون من الفتيا كفرارهم من الأسد، ويحذرون بعضهم بعضا من الفتيا، إلا أن هناك من يتهاون في هذا الأمر، ويعتقد أنها مجرد إطلاق كلمة في الهواء مباح، أو محرم، أو جائز، أو واجب وهكذا كلمة تقال. ويسعى في ذلك أن لا يوصف بالجهل وعدم معرفته بالدين، لذلك يتساهل في إطلاق الفتوى وكأنها شربة ماء، ومن هنا جاء التحذير القوي في ذلك على لسان الشريعة، حيث جاءت أحاديث متعددة في هذه المضامين منها:

ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله): «من أفتى الناس بغير علم كان ما يفسده من الدين أكثر مما يصلحه»(1).

وقال (صلى الله عليه وآله): «من أفتى الناس وهو لا يعلم الناسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك»(2).

ويقول الإمام الباقر (عليه السلام): (من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه)(3).

ولذلك فإن مقام الإفتاء منصب هام لا يتصدى له إلا العالم. والعالم هو الذي وصل إلى مرتبة عالية من العلم أي أصبح مجتهداً والاجتهاد علم يحتاج إلى بذل طاقات كبيرة ليصل الإنسان إلى تلك المرتبة، وأكثر من ذلك يقول العلماء إن الفتوى لا تتوقف فقط على الوصول إلى مرتبة الاجتهاد بل يحتاج الإنسان إلى أكثر من الوصول إلى مرتبة الاجتهاد أن يمتلك فطنة، أن يمتلك فهماً اجتماعيا، أن يكون على دراية بأوضاع الناس، وبفهم مقتضيات الزمان والمكان لماذا؟ لأن الفتوى التي تصدر من العالم لا يدري الناس هل هذه الفتوى صدرت بلحاظ الحكم الأولي، أم بلحاظ الحكم الثانوي؟

فقد يكون الشيء بعنوانه الأولي واجب أو مباح فينقلب إلى الحرام بالحكم الثانوي. مثال ذلك الصوم، إذا جاءك إنسان مريض وسألك قائلا هل يجوز لي أن أصوم وأنا مريض؟

البعض يفكر قليلا فيرى أن هذه المريض يستطيع أن يتحمل المرض، لكن بما أنه يستطيع ولو بمشقة فتجعله يصوم. فيذهب هذا الشخص بجوابك ويصوم ثم يتأثر بصومه. حينها من يتحمل خطأ هذه الفتوى وذلك لأن هذه الفتوى التي أعطيته إياها خاطئة لأن الإنسان إذا مرض وجب عليه الإفطار وذلك لأن الرخصة له على شكل عزيمة يعني يجب عليه أن يفطر وصومه هذا الواجب يتحول إلى حرام من الناحية الشرعية ولا يمكن أن يتقرب إليه العبد بفعل محرم. ولكن الناس وللأسف ينظرون ويحللون ويشخصون من خلال نظرهم غافلين عن الخصوصيات وبعض الحيثيات التي يلاحظها الفقيه لذلك يستعجلون في الحكم وإعطاء الجواب للناس.

ضوابط الإفتاء:

إن معرفة الحكم وحده لا يكفي في أن تفتي الناس وتخبرهم بالحكم، وذلك لما قلنا من وجوب ملاحظات الحيثيات الكثيرة، مضافا إلى وجوب تحلي المفتي بالتقوى. والاحتياط الشديد مع مراعاة تعارض الأدلة والترجيح بينها وغيره، وهذا لا يمكن لأي إنسان عادي أن يتمكن منها. بل حتى بعض العلماء مع وجود العلم لديه وقدرتهم على الإفتاء إلا أنهم يتوقفون عن ذلك، ومن طريف ما يذكر أنه بعد وفاة أحد العلماء ذهب الناس إلى عالم آخر كان من أبرز تلامذته علماً، وهو السيد محمد الفشاركي، أستاذ الشيخ عبد الكريم الحائري مؤسس الحوزة العلمية في قم، جاءوا إلى هذا العالم قالوا له مولانا سيدنا نريد أن نقلدكم. اطرحوا رسالتكم العملية.

قال لهم: لا.

فردوا عليه: ألست أنت أبرز تلاميذ أستاذك، وأكثر إحاطة بالمباني الفقيهة لديه، كما أنكم تمتلكون قدرات علمية كبيرة تجعلكم الأعلم.

فوافقهم على ما قالوا ولكن أعتذر وقال: لا أقدر أن أتصد لهذا الموقف.

قالوا له: لماذا؟

قال: لأن ليس عندي قدرة لفهم وتشخيص المواقف من النواحي الاجتماعية.

قال له: إذن لمن نرجع؟

قالوا: ارجعوا للشيخ محمد تقي الشيرازي هذا عنده فهو فطن وخبير يستطيع أن يشخص لكم الأمور.

قالوا له: يمكن تكون أعلم منه.

قال: أنا يمكن أن أكون أعلماً، ولكني لست أولى فلابد من الرجوع لذاك العالم.

ونحن حينما نتساءل عن سر تصرفه نجد لأن الفتوى لا تحتاج إلى علم فقط، بل تحتاج إلى فهم وتشخيص وقدرة إدارية، ولذلك السيد الإمام رحمه الله يقول: من الشؤون والمقتضيات التي لابد أن تتوفر للعالم الفقيه، أن يكون لديه علم بمقتضيات الزمان والمكان ثم يقول رحمه الله إن الزمان والمكان لهما دخل في تشخيص الحكم الفقهي، والوظيفة العملية للمكلفين.

لهذا نرى أن الروايات تحذر من الفتوى، الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: «خصلتين مهلكتين تفتي الناس برأيك أو تدين بما لا علم»(4) ويقول النبي (صلى الله عليه وآله): «أجرئكم على الفتوى أجرئكم على النار".

ملاحظة الزمان والمكان في الفتوى:

تعتبر فتوى المرجع الكبير السيد محمد الشيرازي بتحريمه للتنباك من أقوى الفتاوي التي صدرت من قبل العلماء تدل فيها على ملاحظة الزمان والمكان. وهذه الفتوى لها صدى كبير جدا، وتأثير خطير على النظام الاقتصادي في إيران وبريطانيا في ذلك الوقت(5).

ولما رأت بريطانيا أن مصالحها مهددة بالخطر، فكرت في طريقة أخرى تجعل من فتوى السيد الشيرازي غير قوية، ولذلك سعت من خلال الارتباط ببعض العملاء لها، أو السذج إلى التوجه إلى النجف للمرجعية الكبرى التي توازي مرجعية الشيرازي كي يحثونه على الإفتاء بفتوى تخالف فتوى المجدد الشيرازي وبذلك تضعف قوتها، وتسبب إرباكاً في أوساط الناس بين من يقول: إن مرجعي لم يحرم، وآخر يحرم، فيقعون في نقاش وخلاف يضعف الجوهر الأساسي لفتوى المجدد الشيرازي.

ذهب الوفد الذي شكلته بريطانيا إلى الشيخ زين العابدين المازندران فدخلوا عليه وسلموا وقالوا له مستفهمين: أحلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام؟

قال لهم الشيخ: نعم، حلاله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام لا أحد يستطيع أن يحلل أو يحرم إلا ما يريده الله تبارك وتعالى، التحليل والتحريم بيد من؟ بيد المشرع.

قالوا له: ألم يكن التبغ حلالا في السابق؟

فأجابهم: نعم حلال.

قالوا له: إذن التبغ كان حلالاً ما هي العلة التي جعلت السيد محمد حسن الشيرازي يفتي بالحرمة ويصبح حراماً، ألم يتغير حلال محمد؟

قال لهم: نعم، حلاله حلال ولكن الأحكام الشرعية على قسمين فتارة الحكم له عنوان أولي، وأخرى الحكم له عنوان ثانوي وشرح لهم كيف تتحول الأحكام بحسب العناوين من الحلال الواجب يتحول إلى حرام، وفتوى السيد الشيرازي جعلت التبغ بالعنوان الثانوي حرام ويجب على الجميع ان يتركوا التبغ لما فيه من عناوين ثانوية توجب سيطرة المستعمر على المسلم وهو حرام؛ لأنه في ضرر الإسلام والمسلمين.

وبذلك رجع الوفد خائباً؛ لأنه لم يحقق غايته وهدفه، كل ذلك بسبب الوعي اللازم الموجود عند المرجعية الشيعية ووعي في الفقاهة وفي فقاهة الزمان والمكان.

متى يطلق عل العالم فقيها؟

أولا: أن يربط الناس بالله سبحانه وتعالى ويكون غير موجب لقنوط الناس من رحمة الله. عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه؟ قالوا بلى، قال (عليه السلام): من لم يرخص الناس في معاصي الله ولم يقنطهم من رحمة الله ولم يؤمنهم من مكر الله ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى ما سواه»(6).

ويقول (عليه السلام): «الفقيه كل الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله ولم يؤيسهم من روح الله ولم يؤمنهم من مكر الله»(7).

ثانياً: أن يفقه ويفهم كلام أهل البيت (عليهم السلام) عنه (عليه السلام): يقول «أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا»(8).

ويقول (عليه السلام): «لا يكون الرجل منكم فقيها حتى يعرف معاريض كلامنا»(9).

ويقول (عليه السلام): «إن والله لا نعد الرجل من شيعتنا فقيها حتى يُلحن له فيعرف اللحن»(10)، أي يفهم مقصود كلامنا.

ولأن الفقيه له مرتبة عظيمة، نجد أن الرسول (صلى الله عليه وآله) يقول: «فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد»(11) ولكن أي فقيه؟

أن الفقيه الذي يفهم كلام أهل البيت (عليهم السلام) والذي يعرف لحن قولهم وبذلك يخرج الناس من الضلالة إلى الهدى، ومن الجهالة إلى العلم ولذلك يكون أعظم شيء على الشيطان هو الفقيه.

عن النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله): «ما من شيء أقطع لظهر إبليس من عالم يخرج في قبيلة»(12).

___________________________

(1) عوالي اللئالي 4: 65.

(2) عوالي اللئالي 4: 75.

(3) بحار الأنوار 2: 118.

(4) بحار الأنوار 75: 252.

(5) كانت هناك اتفاقية بين بريطانيا آنذاك كدولة وبين إيران، هذه الاتفاقية كان فيها إخلال بموازين المصلحة العائدة إلى إيران فالفوائد الكبرى تجتنيها بريطانيا، لأنها تشتري التنباك من المزارعين الإيرانيين باخس الاثمان ثم تعود وتبيعه عليهم بأغلى الأسعار فيوجب ذلك إخلالا بالاقتصاد الإيراني.

(6) تحف العقول: 204.

(7) عيون الحكم والمواعظ: 55.

(8) بصائر الدرجات: 349.

(9) معاني الاخبار: 2.

(10) بحار الأنوار 51: 112.

(11) عوالي اللئالي 18:1.

(12) كنز العال148:10.