تعد مشكلة تلوث مياه الآبار الجوفية بمركبات المواد العضوية السامة، وعناصر الفلزات الثقيلة المسرطنة، التي يأتي على رأس قائمتها عنصر الزرنيخ ومركباته، أبرز المشاكل والتحديات البيئية التي يواجهها العالم اليوم وكما يؤكد الشكل (11 – 1)، فإن مشكلة تلوث المياه الجوفية لا تخص فقط بلدان العالم الأقل نموا مثل بنغلادش ونيبال وحدهما، ولكنها تعد مشكلة عالمية تضرب البلدان المتحولة مثل الصين والهند والنامية مثل الأرجنتين والبرازيل. كما يمتد كذلك أثر هذه المشكلة ليشمل عددا كبيرا من بلدان العالم الصناعي المتقدم مثل بعض دول أوروبا وأستراليا. وتتجسد هذه المشكلة بشكل مفزع في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يعتمد نحو 50 في المائة من السكان على طبقات المياه الجوفية الطبيعية لتوفير احتياجاتهم اليومية من المياه العذبة. وكما هو مبين بالشكل (11 – 1) فإن المياه الجوفية الموجودة في عدة مناطق بالولايات الواقعة قرب الساحل الأمريكي الغربي يرتفع تركيز عنصر الخارصين فيها عن مستوى 200 ألف ميكروغرام في اللتر الواحد! ومن المؤسف ذكره، أن محاولة تنقية هذه المياه باستخدام الطرق التقليدية لفصل عناصر الفلزات الثقيلة أو المركبات العضوية السامة عنها، تعد عملية معقدة باهظة التكاليف حيث يحتاج تنفيذها إلى عدة مئات المليارات من الدولارات، هذا علاوة على طول الفترة الزمنية التي تحتاج إليها، والتي قد تمتد إلى سنوات وعقود عديدة.

الشكل (11– 1) خريطة العالم السياسية موزعة عليها نسب وجود عنصر الخارصين السام في المياه الجوفية للدول، مُقدرة بوحدة الميكروغرام في اللتر الواحد ⁽²⁾.

 وخلال العقدين الأخيرين ومع زيادة الاهتمام بالمواد النانوية والتعرف على خواصها واستخداماتها المستقبلية، أظهرت حبيبات بعض العناصر الفلزية وبعض عناصر أشباه الفلزات ذات التكافؤ الصفري –Zero valence Metals، وعلى الأخص فلز الحديد صفري التكافؤ Fe⁰ قدرة كبيرة على معالجة المياه الملوثة، وذلك عند تدني مقاييس أقطارها إلى أقل من عشرة نانومترات. ويتيح تصغير الحبيبات لذرات الحديد القابعة داخل الحبيبة أن توجد بصورة مكثفة على سطح الحبيبة، مما يعظم من نشاطها. وتقوم حبيبات الحديد النانوية بمهام تخليص المياه من مركبات الهالوجينات السامة لمركبات الكلور، مثل رباعي كلوريد الكربون CCl₄، وذلك عن طريق تكسير جزيئات المركب ونزع عنصر الكلور منه وتحويل المركب إلى مركبات عضوية بسيطة غير ضارة بالبيئة. كما تقوم حبيبات الحديد النانوية بانتزاع عنصر الأكسيجين من جميع أكاسيد النيتروجين NO_x السامة الموجودة بالمياه الملوثة وتحريرها من عنصر النيتروجين الذي ينطلق في صورة نيتروجين جوي يماثل نظيره الموجود بالهواء الجوي تماما.

ولا يقتصر دور حبيبات الحديد النانوية على ما سبق فقط، بل يمتد دورها الحيوي إلى تنقية المياه الملوثة من عناصر الفلزات الثقيلة، مثل الزرنيخ As، وأكسدته وتحويله إلى صورة كيميائية غير ضارة ⁽³⁾.

___________________________________________
هوامش

(2) Hemda Garelick and Huw Jones. Chemistry International, Vol 30 (2008) pp.312-319.

(3) S.R. Kanel, et al. Environmental Science and Technology, Vol 39 (2005) pp. 1297-1299.

مواضيع ذات صلة

القضايا الأخلاقية المتعلقة بتكنولوجيا النانو

التغيرات الاجتماعية المصاحبة لتقنية النانو

اتساع فجوة المعرفة في علم تقنية النانو

قضايا النشر والمنافسة العلمية

تكنولوجيا النانو في الدول العربية والشرق أوسطية

تكنولوجيا النانو والعالم النامي

مخاطر النانو بين الهاجس والحقيقة

هل للنانو وجه آخر؟

المكاسب العائدة من النانوتكنولوجي على المجتمع المدني

براءات الاختراع لحماية منتجات النانو

منتجات النانو بالأسواق

الاستثمار في تكنولوجيا النانو