x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الفضائل

الاخلاص والتوكل

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

الإيثار و الجود و السخاء و الكرم والضيافة

الايمان واليقين والحب الالهي

التفكر والعلم والعمل

التوبة والمحاسبة ومجاهدة النفس

الحب والالفة والتاخي والمداراة

الحلم والرفق والعفو

الخوف والرجاء والحياء وحسن الظن

الزهد والتواضع و الرضا والقناعة وقصر الامل

الشجاعة و الغيرة

الشكر والصبر والفقر

الصدق

العفة والورع و التقوى

الكتمان وكظم الغيظ وحفظ اللسان

بر الوالدين وصلة الرحم

حسن الخلق و الكمال

السلام

العدل و المساواة

اداء الامانة

قضاء الحاجة

فضائل عامة

آداب

اداب النية وآثارها

آداب الصلاة

آداب الصوم و الزكاة و الصدقة

آداب الحج و العمرة و الزيارة

آداب العلم والعبادة

آداب الطعام والشراب

آداب الدعاء

اداب عامة

حقوق

الرذائل وعلاجاتها

الجهل و الذنوب والغفلة

الحسد والطمع والشره

البخل والحرص والخوف وطول الامل

الغيبة و النميمة والبهتان والسباب

الغضب و الحقد والعصبية والقسوة

العجب والتكبر والغرور

الكذب و الرياء واللسان

حب الدنيا والرئاسة والمال

العقوق وقطيعة الرحم ومعاداة المؤمنين

سوء الخلق والظن

الظلم والبغي و الغدر

السخرية والمزاح والشماتة

رذائل عامة

علاج الرذائل

علاج البخل والحرص والغيبة والكذب

علاج التكبر والرياء وسوء الخلق

علاج العجب

علاج الغضب والحسد والشره

علاجات رذائل عامة

أخلاقيات عامة

أدعية وأذكار

صلوات و زيارات

قصص أخلاقية

قصص من حياة النبي (صلى الله عليه واله)

قصص من حياة الائمة المعصومين(عليهم السلام) واصحابهم

قصص من حياة امير المؤمنين(عليه السلام)

قصص من حياة الصحابة والتابعين

قصص من حياة العلماء

قصص اخلاقية عامة

إضاءات أخلاقية

يوم رفع الأعمال وتذكير بالآخرة وحسابها.

المؤلف:  السيّد ابن طاووس.

المصدر:  الدروع الواقية.

الجزء والصفحة:  ص 267 ـ 280.

2023-12-10

561

أخبرني الشيخ حسين بن أحمد السوراوي، والشّيخ علّي بن يحيى الخيّاط الحلي، والشيخ أسعد بن شفروة الأصفهاني بإسنادي منهم رضي الله عنهم الذي قدّمته إلى جدّي السّعيد أبي جعفر محمد بن الحسن الطّوسي.

أخبرنا الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطار، عن محمّد بن أحمد بن قتادة، عن موسى بن جعفر البغدادي، عن علي بن أسباط، عن عبد الصمّد بن بشير، عن عنبسة بن نجاد، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه ‌السلام) يقول: «آخر خميس في الشّهر تُرفع فيه أعمال الشّهر» (1).

أقول: وقد رويت هذا الحديث بإسنادي إلى أبي جعفر محمّد بن بابويه، من كتاب العلل قال فيه: عن عنبسة العابد قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه‌ السلام) يقول: «آخر خميس في الشّهر تُرفعُ فيه الأعمال» (2).

أقول: ورويت هذا الحديث ايضاً بإسنادي إلى جدّي أبي جعفر الطوسي رحمه ‌الله، عن أحمد بن عبدون، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن شيبان القزويني من كتابه كتاب علل الشّريعة فقال فيه: قال عبد الصّمد بن عبد الملك: سمعتُ أبا عبد الله عليه ‌السلام يقول: «آخرُ خميس في الشّهر ترفع فيه الأعمال» (3).

وأقول: لَعلَ قائلاً يقول ـ أو يخطر بباله ـ أن كلّ يوم اثنين وخميس من كلّ أسبوع ترفع فيه أعمال العباد، فما وجه هذه الأحاديث في تخصيصها الخميس الآخر من الشّهر وهي صحيحة الاسناد؟

فالجواب: أنّ العرض من الأعمال ما هو جنس واحدٌ على التّحقيق من كلّ طريق؛ لأنّ الملكين الحافظين بالنهار يعرضان عمل العبد في نهاره كما يختصّان بِهِ، ومَلكي الليل يعرضان ما يعمله العبد في ليلة كما ينفردان به، وقد تقدّم حديث في الجزء الأول من هذا ـ كتاب المهمّات والتتمات (4) ـ في الفصل الرّابع عشر منه يتضمّن كيفية عرض الملكين الحافظين أيّام الدّنيا، ثمّ يوم القيامة تعرض تلك الأعمال عرضاً آخر بعد اجتماعها عَلَى تفصيلها وحقيقتها، فكذا لَعلّ كلّ يوم اثنين وكل يوم خميس من غير اخر الشّهر تعرض الأعمال فيها عرضا خاصّاً، أو من غير كشفٍ للملائكة ولا لأرواح الأنبياء (عليهم‌ السلام) في الملأ الأعلى، بل بوجه مستور عنهم بجملتها ثم تعرض أعمال كُلّ شَهرٍ آخر خميس فيه عرضاً عامّاً بتفصيل أعمال الشّهرِ بجملتها أو على وجه مكشوف للرّوحانييّن، وإظهار تلك الأعمال على صفتها.

أقول: أفَلا ترى لو انّ ملكاً استعرض كلّ يوم عمل صانع أو صاحب أو عبدٍ يعملُ شيئاً من المصنوعات في كلّ شَهر لخاصّته، ثم لما تكملت تِلكَ الاعمال أواخِر الشهر أراد عرضها دفعةً واحدة، وقد كان عَرفها قَبلَ ذلِكَ مَعرِفَةً واكِدَةً، وانَّما عَرضَها جُملَةً بَعدَ تَكميلَها في الشَّهرِ، إمّا لنفع صانعِها، أو اظهارِ كمال خدمتهِ واعمالِ سَعادَتِهِ إن كانَت الاعمال من المرضيات، وان كانت من أعمالِ الجَناياتِ فَلَعَلَّ الغَرَضَ في عَرضِها جُملةً عِندَ اجتماعِها بما فيها مِنَ السَّيئاتِ، لِيكُونَ أعذَرَ لمولاهُ في مَؤاخذَتِهِ لِعَبدِهِ عِندَ جنايَتِهِ، أو لِكَشفِ فَضلِ العَفوِ عَنهُ إن تَدارَكَهُ بِعفوه ورَحمَتِهِ.

أقولُ: وعلى كُلِّ حالٍ فَقد عَرَّفناك أوَ ذكَّرناكَ بهذِهِ الرواياتِ وَبَعضَ طُرقِها علَى التَّفصيلِ دُونَ الإجمالِ، وإذا لم تحصُل من ذلِكَ عَلى يَقينٍ، ولا تجريها مجرى أمثالها مِن الرِّوايات في فُروعِ الفِقهِ والدّينِ، فلا أقل أن يَكونَ الخطَرَ بها من جُملَةِ الضَّررِ المظنونِ، فَتَراعي عِند كُلِّ خميسٍ في آخِرَ شَهركَ ما عَملتَهُ فيه من أعمالِ ظاهِرِكَ وسِترِكَ، وتَذكُرُ اجتمَاعَهَا وكثرتها، ورُبّما لا تَعرِفُ عُيُوبها وَمَضرّتها؛ لأنَّ الإنسانَ في الغالِب لا يَعرِفُ عُيُوب نَفسِهِ عَلَى التَّحقيق، وإن رأى لها عَيباً فَإنَّهُ يَراهُ دُونَ ما يَراهُ عِندَ عَدُوّهِ أو عِندَ الرَّفيقِ.

وليكن عَلَيكَ من هذا الحديثِ آثارُ وُجوبِ التحرَّز عن الضَّرَرِ المظنونِ، ودَلائِلِ التَصديقِ، وما كُنتَ ما اهتَمَمتَ بحِفظِ أعمالِ الشَّهرِ المشارِ إليهِ، ولا خائِفٌ من عَرضِ أعمالِهِ في آخِر خميسٍ كما دلَّ النَّقلُ عَلَيهِ، وما كانَ ذلِكَ لِتَركٍ لمعرفةِ أعمالِك لِعُذرٍ مِن نِسيانٍ، أو سَبَبٍ يَقبَلهُ اللهُ جَلَّ جَلالُهُ من إعذارِ إهمالك، ولا لِعقُوبَةٍ قَضَت طَردَ الله جلَّ جَلالُهُ لَكَ عن محاسَبةِ في نَفسكَ مُعاملَتِهِ، فَقَد ذَكَرنا في عَمَلِ اليَومِ واللَّيلَةِ من هذا الكتابِ بَيان أنَّ اللهَ جلَّ جَلالُهُ قَد يخذُلُ بَعض العِبادِ العُصاة عن خِدمَتِهِ تارةً بالنّسيانِ، وتارَةً بالنّوم، وتارةً بِسَلبِ بَعضِ الألطافِ، عُقُوبةً لهم على مَعصيتِهِ.

أقول: فَإن كنتَ واثقاً ـ وهيهات ـ أنَّكَ سَلِمتَ في شَهرِكَ من الجناياتِ في سائِرِ الحركاتِ والسّكناتِ، فَاحمد اللهَ جلَّ جلالُهُ على توفيقِهِ وعنايَتِهِ، واسألهُ زيادَةَ السَّعادَةِ بِطاعَتِهِ. وإن كُنتَ تَعلَم أنَّكَ ما سَلِمتَ من التّقصيرِ، فَتُب من الآنِ تَوبَة نَصوحاً، يوافقُ بها السّر الاعلان. وإن لم يحضَر قلبكَ، ولا أطاعكَ هواكَ، وغَلَبتكَ نفسكَ ودُنياكَ، لِقِلَةِ معرفتكَ بِربّكَ، وجَهلكَ بِعَظيمِ ذَنبِكَ، من أن تَتُوبَ على التَّحقيقِ، فاسأل الله جلَّ جَلالُهُ بلسانِ حالِ الذُل لتَوفيق زوالِ أمراضِ دينِكَ، وأن يَزيدَ في يقينِكَ، فَإنَّكَ تجدهُ جلَّ جَلالُهُ أرحمُ بِكَ من كُلِّ شفيقٍ، واطلُب منهُ أن يَعفُو عَنك عَفوَ الرَّحمةِ المضاعَفَة بِغيرِ معاتَبَةٍ ولا مُواقفةً، وأن تَعذّر منكَ طَلَبَ العَفو على صِفاتِ الذِّلَة والعُبُوديَّةِ، فَقَد رَغَبتكَ ونَفسكَ إلى أخذِ القودِ مِنكَ بيدِ عَدلِ القُدرةِ الإلهيَّةِ.

وَقَد شَرَحنا لَكَ ذلِكَ عِند المحاسَبَةِ لِلحَفَظَةِ الكرامِ في الجزء الأوَّلِ من عَمَلِ اليومِ والليلةِ فاعمَل بما هناكَ من المهامِ، فَقَد عَرَفتَ من نَفسِكَ الضَّعف عَن يَسيرٍ من الهوانِ، وعن الكلمة اليَسيرةِ تَقعُ في حقِّكَ من إنسانٍ، فكيفَ تكونُ إذا فضحتكَ ذُنوبكَ بَينِ أهلِ المغاربِ والمشارِق الّذينَ كنتُ تُوثِرهُم على الخالِقِ الرّازِقِ، وتَستُر حالكَ عنهم، وتَقدّم رضاهُم على رِضا مَولاكَ الذي هُوَ واللهِ أهَمُّ منكَ ومنهم. ثمَّ ترى نفسكَ وقد خرجَ من يديكَ رضا مولاكَ، وما نَفَعَكَ أهلُ دُنياكَ، وشمتَ بك حُسّادكَ ومن يُريدُ أذاك، وصِرتَ في أسرِ الغضبِ وهول الهلاكَ. أما عَرفْتَ مقالَ مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وَهُوَ جَهينة الخبرِ بما تنتهي أحوالُ العبادِ إليه: «واعلَموا أنّهُ ليس لهذا الجلدِ الرَّقيقِ صبر على النّارِ، (فارحموا نُفوسَكم فإنّكم قد جرّبتموها) (5) في مصائِبِ الدّنيا فَرَأيتم جَزَعَ أحدكم من الشَّوكةِ تُصيبُه، والعَثرة تدمِيه، والرَمضاءُ تحرِقُهُ. فكيفَ إذا كان بين طابقين من نارٍ، ضجيع حَجَرٍ وقرين شيطانٍ؟ اما عَلِمتُم أنَّ مالِكاً إذا غَضِبَ عَلَى النّارِ حَطَمَ بَعضها بَعضاً لِغَضَبهِ، وإذا زَجَرَها تَوَثّبت بينَ أبوابها جزعاً من زَجرَتِهِ؟ أيّها اليفنُ (6) الكبير الّذي قَد لهزَهُ القَتيرُ (7)، كيف أنت إذا التَحمت أطواقُ النّيرانِ بعظامِ الأعناقِ (ونَشبتِ) (8) الجوامِع حتّى أكَلت لحومَ السّواعِد» (9).

أقول: فَهَل هذا مّما يقدر الإنسانُ على احتمالِهِ، أو يُهَوِّن العاقل بأهوالِهِ؟! وهَبكَ ما تصدِّقُ بِذلكَ، أما تجوَّزُ تجويراً أن يكون اللهَ جَلَّ جَلالُهُ صادِقاً في وعيدِهِ ومَقالِهِ؟! فَلأيّ حالٍ ما تَستَظهِرُ لنفسك حَتَّى تسلِمَ من عذابهِ ونكالهِ ؟!

أقُولُ: ولَقَد ذَكره أبو محمّدٍ جَعفَر بن أحمدٍ القُمّي في كتابِ زُهدِ النَّبي صلوات الله عليه وآله (انّ جبرئيل (عليه ‌السلام) جاء إلى النّبي صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) (10) من اللهِ عزّ وجَل ما فيه بَلاغٌ. وهذا جَعفر بن أحمدٍ عَظيم الشأن من الأعيانِ، ذَكَرَ الكراجكيّ في كتابِ الفهرستِ أنَهُ صَنَّفَ مائتين وعشرينَ كتاباً بِقُم والرَّي، فقال: حَدَّثنا الشريفُ أبو جعفرٍ محمّد بن أحمد العَلَوي رحمه ‌الله، قالَ: حَدَّثني عَلي بن الحسنِ شاذانِ، حَدَّثنا محمّد بن علي بن الحسن، حدّثنا أبي، حدّثنا أبو حفصٍ، حَدَّثنا عصمة بن الفَضل، حَدَّثنا يحيى، عَن يُوسِفُ بن زيادٍ، عن عَبد الملكِ بن الاصبهاني، عَن الحسنِ قال: جاءَ جبرئيل إلى النَّبي صلوات الله عليه وآله في ساعَةٍ ما كانَ يأتيهِ فيها، فَجاءهُ عِندَ الزّوالِ وهو مُتغَيّر اللونِ، وكَانَ النَّبيّ صَلواتُ الله عليهِ وآلِهِ يَسمعُ حسَّهُ وَجَرَسَهُ، فَلَم يَسمَعْهُ يَومَئِذٍ، فقال له رسول الله صلى‌ الله‌ عليه ‌وآله: «يا جبرئيلَ مالي أراكَ جِئتني في ساعةٍ ما كنت تجيئني فيها، وأرى لَونكَ متغيّراً، وكُنتُ أسمع حِسَّكَ وجَرَسكَ ولم أسمعه اليومَ؟».

فقالَ: «إنّي جئتُ حين أمَرَ اللهُ بمنافِخِ النّار فوضعت على النَّارِ، والّذي بَعَثَكَ بالحقَّ نبيّاً ما سمعتُ مُنذُ خُلِقتُ النَّار».

قال: «يا جبرئيلَ (أخبرني) (11) عن النّار وخَوِّفني بها».

فقال: « انَّ اللهَ خَلَقَ النّارَ حينَ خَلَقَها فأبراها فَأوقَدَ عَليها ألفَ عامٍ حَتَّى اسوَدَّت، فَهي سوداءُ مظلمةُ لا يضيء (جمرها ولا ينطفئ لهبها) (12) والذّي بَعثَكَ بالحقِّ نَبيّاً، لو أنّ مِثلَ خرقِ الإبرة خَرَجَ منها على أهل الأرض لاحترقوا من عن (13) آخِرِهم، ولو أنّ رَجلاً اُدخلَ جَهَنّم ثم اُخرج منها لمات أهل الأرض جميعاً حين يَنظُرون إليه لما يرونَ به، ولو أنَّ ذراعاً من السّلسلةِ الّتي ذكر اللهُ في كتابهِ وُضِعَت على جميع جبال الدُّنيا لذابت من عند آخِرِها حتّى تَبلُغَ الأرض ثمَّ ما استقلَّت أبداً، ولو أنَّ بعض خُزّانِ جهنّمَ التّسعة عشر نظر إليه أهل الأرض لماتوا حين ينظرون إليهِ من تشوِّه خلقهِ، ولو أنّ ثوباً من ثياب أهلِ جَهَنَّم عُلِّقَ بينَ السّماءِ والأرضِ لماتَ أهل الأرض من نَتنِ ريحِهِ».

فقال رَسوُل الله (صلى ‌الله ‌عليه‌ وآله ‌وسلم): «حَسبُكَ يا جبرئيلَ، لا أتصدّع فأمُوتُ» وأكبَّ وأطرقَ يبكي.

فقال جبرئيل: «لماذا تَبكي وأنت من الله بالمكانِ الّذي أنت به؟».

قال: «وما مَنعَني ألاّ أبكي وأنا أحَقُّ بالبكاء، أخاف ألاّ أكون عَلَى الحال الّتي أصبَحتُ عليها».

فلَم يَزالا يبكيان حَتّى ناداهما ملكٌ من السّماء: «يا جبرئيل ويا محمّد، إنّ الله قد آمَنكما مِن أن تَعصيا فيعذّبكما» (14).

وقال ـ ايضاً ـ أبو محمد جعفر بن أحمد القمي في كتاب زهد النّبي صلوات الله عليه وآله، فيما رواه عن عَمرو بن خالد، عن زيد بن علي عليه‌السلام، عن أبيه، عن جدّه، عن علي عليه‌السلام قال: «ربّما خوّفنا رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول: والّذي نفس محمّد بيده لو أنّ قطرةً من الزّقّوم قطرت على جبالِ الأرض لساخَت أسفَل سَبع أرضين ولما أطاقته، فكيف بمن هو طعامه؟! ولو أنّ قطرةً من الغسلين أو من الصّديد قطرت على جبال الأرض لساخَت أسفَل سبع أرضين ولما أطاقَته، فكيفَ بمن هو شرابُه؟! والّذي نَفسي بيدِهِ لو أنّ مقماعاً واحداً ممّا ذكره الله في كتابه وضع على جبال الأرض لساخَت إلى أسفَل سَبع أرَضينَ ولما أطاقته، فكيف بمن يُقمَعُ به يوم القيامةِ في النّار؟» (15).

وقال ـ ايضاً ـ مؤلف كتاب زُهد النّبيّ صلوات الله عليه وآله قال: لمّا نزلَت هذه الآية على رسول الله (صلى ‌الله‌ عليه ‌وآله): (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ) (16) بكى رسول الله صلّى عليه وآله بكاءً شديداً وبكى أصحابه، ولا يدرون ما نزل به جبرئيل عليه ‌السلام، ولم يستطع أحد من أصحابه أن يكلّمه، وكان رسول الله (صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله) إذا رأى فاطمة فرح بها، فانطلق بعض أصحابه إلى باب فاطمة وبين يديها شيء من شعير وهي تطحن وتقول: «ما عند الله خيرٌ وأبقى». قال: فقال: السلام عليك يا بنت رسول الله. فقالت: وعليك السّلام، ما جاء بكَ؟ قال: تركت رسول الله (صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله) باكياً حزيناً، ولا أدري ما نزل به جبرئيل. فقالت: تنحّ [من] بين يديّ أضم إليّ ثيابي وأنطلق إلى رسول الله لعلّه يخبرني بما نزل به جبرئيل. قال: فلبست فاطمة شملةً من صوف خلقاناً، قد خيطت باثني عشر مكاناً من سعف النّخل، فلمّا خرجت فاطمة عليها ‌السلام نظر إليها سلمان رضي ‌الله‌ عنه فوضع يده على رأسه وهو ينادي: (واحزناه) (17) إنّ قيصر وكسرى لفي السّندس والحرير، وابنة محمّد عليها شملة من صوفٍ قد خيطت باثني عشر مكاناً بسعف النّخل. فلمّا دخلت فاطمة (عليها ‌السلام) على رسول الله قالت: يا رسول الله، إنّ سلمان تعجَّبَ من لِباسي، فَوَالذّي بعثك بالحقّ نبيّا مالي ولعليّ منذ خمس سنين إلاّ (مسك) (18) كبشٍ، تَعلفُ عليه بالنّهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناهُ، وإنّ مرفَقَتنا (19) لمن أدم حَشوها ليف النَّخلِ. قال النّبيّ (صلى الله عليه وآله): يا سلمان، ويح ابنتي فاطمة، لَعلّها تكون في الخَيل السّوابِق. قالت: يا رسول الله، فدتك نفسي يا أبَه، ما الَّذي أبكاك؟ قال: كيف لا أبكي وقد نزل جبرئيل بهذه الآية: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} (20) قال فسقَطَت فَاطمَة على وَجهها وهي تقول: الوَيلُ ثمّ الوَيل لمن دَخَل النّار. قال: فَسَمع ذلكَ سلمان فقال: يا ليتني كنتُ كبشاً لأهلي فأكلوا لحمي ومزقوا جلدي ولم أسمع بذكر النّار. وقال عمّار: يا ليتني كنتُ طائراً في القفار ولم يكن عليّ حساب ولا عذابٌ.

 ثم خرج عليٌّ (عليه ‌السلام) وهو يقولُ: ياليتني لم تلدني اُمّي، ويا ليت السِّباع مزّقت لحمي ولم اسمع بذكر النّار ثمّ وضع يده على راسه (وجعل يبكي و) (21) يقول:

وا بُعد سفراه، وا قلّة زاداه، في سفر القيامة يذهبون، وبين الجنّة والنّار يتردّدون، وبكلاليب النّار (يتخطفون) (22)، مرضى لا يعاد سقيمُهم، وجرحى لا يداوى جريحهم، ولا يفكّ أسيرهم، ولا يعاد مريضهم، ولا يجار (قتيلهُم) (23) من النّار يأكلون، ومن النّار يشربون، وبين أطباق النّيران يتقلّبون.

فلقيه بلال فقال: يا أمير المؤمنين ما لي أراك باكياً؟ قال: الويل لي ولك يا بلال إن كان مصيرنا إلى النّار، ولباسُنا بعد القطن والكتان نلبس من مقطّعات النّيران. الويل لي ولك يا بلال إن كان معانقُنا بعد الأزواج نقرن مع الشياطين في النّار. ثمّ تفرّقا(24).

أقول: ولقد رأيت في أحاديث النَبيّ (صَلَواتُ الله عليه وآله) ما سيأتي الإشارة إليه، وأنّ أهل النّار إذا دخلوها وعجزوا عن أنكالها وأهوالها، ورأوها كما قال زين العابدين (صلوات الله عليه): لا تبقي على من تضرّع إليها، ولا ترحم من استعطفها واستبتل إليها، ولا تقدر على التخفيف عمّن خشع لها واستسلم إليها، تلقى سكانها باحَرَّ ما لَديها من أليمِ النّكال، وشديد الوبال.

وفي الحديث عن النبّيّ (صلوات الله عليه وآله) كما أشرنا إليه أنّهم يعرفون أنّ أهل الجنّة في نعيم عظيم فيؤمّلون أن يطعموهم أو يسقوهم ليخفَّ عنهم بعض العذاب الأليم، كما قال جلّ جلاله: (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ المَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) (25) قال: « فَيحبسُ عَنهُم الجوابُ أربَعينَ سَنَةً، ثمَّ يجيبونهم بلسان الاحتقار والتّهوّن (إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ) (26) فَيَرون أنَّ الخزنَة عِندهُم يشاهدونَ ما قد نزل بهم من المصائب فيؤملون أن يجدوا عندهم (فرجاً) (27) بسبب من الأسباب، فقال الله جلّ جَلالُه: (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ) (28).

ففي الحديث: أنّهُم يُعرِضُون عنهم في الجوابِ أربعين سنة ثمّ يجيبونهم بعد خيبة الآمال (قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ) (29) فإذا ايسوا من خزنة جهنم رجعوا إلى مالك مقدّم الخزّان وقالوا لعلّه أرحم بهم من الخرنة، ولعلّه يخلصهُم من ذلك الهوان، وأمّلوا أن يشفع لهم، وتعلّلوا بعسى وليت ولعلّ ذلك يكون (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) (30) فروي في الحديث: أنّه يعرض عنهم في الجواب أربعين سنةً ثمّ يجيبهم وقد هلكوا في العذاب الهون فيقول لهم: (إِنَّكُم مَّاكِثُونَ) (31).

فإذا أيسوا من مالك رَجعوا إلى مولاهُم المالك، الَّذي كان أهون شيء عندهم في دنياهم، وكان قد آثر كُلّ واحد منهم عليه هواه مدّة الحياة، وقد كان قرّر عِندهُم بالعقل والنّقل أنّه أوضح لهم على يد الهداة سبيل النجاة، وعرّفهم بلسان الحال أنّهم الملقون بأنفسهم إلى دار النّكال والأهوال، وأنّ بابَ القبول يغلق عن الكفّار بالممات أبدَ الآبدين، وكان يقول لهم أوقات كانوا في الحياة الدنيا من المكلّفين بلسان الحال الواضح المبين: هب أنّكُم ما صدقتموني في هذا المقال، أما تجوزون أن اكون من الصادقين؟ فكيف تُقدِمُونَ عَلَى أن تعرضوا عنّي إعراض من يشهدُ بتكذيبي وتكذيب من صدّقني من المرسلين والعارفين؟ وهلاّ تحرّزتم من هذا الضّر (المحذَّر) (32) الهائل؟ أما سمعتم بكثرة المرسلين وتكرار الرّسائل؟ ثمّ كرّر جل جلاله مواقفتهم وهم في النّار ببيان المقال فقال (أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ) (33) فقالوا (رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ) (34) فَيُعرضُ الله جَلّ جَلالُهُ عنهُم في الجواب، لأنَّ جوابَهُ جلّ جلالُهُ كان كما قلناهُ قد تَقَدّمَ في الدُّنيا أيّام كانَ يَدعُوهُم إليه ببيان المقالِ ولِسان الحالِ، ويُبالغ في الخِطاب وهُم لا يلتفتون إليه بسببٍ من الأسباب، فيبقون أربعين سنةً في ذلّ الهوان، وعذاب النّيران، لا يجابون ولا يكلّمون، ثم يجيبهم بعد أربعين سنة فيقول جلّ جَلاله (اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ) (35).

قال: فعند ذلك ييأسون من كلّ فَرَج وراحةٍ، وتُغلق أبوابُ جَهَنَّمَ عليهِم، وتدومُ لَديهم مآتمُ الهلاكِ والشّهيق والزَّفير والصّراخ والنّياحة.

أقول: فهل هذا أو بَعضُهُ مماّ يجوز التّهوينُ به لذوي الألباب، ولو كان الإنسان شاكاً في الحساب أما يجوز صدق الانبياء والمرسلينَ؟ ما هذه المصيبة الهائلة الغفلة أيُّ مسكين؟ وكأنّي ببعض الغافلين يقول: هذا العذابُ لِلكافرين، ويعتقد أنّه من المصدّقينَ الموقنين المؤمنين، وهو يرى من نفسهِ أنّ وعُود اللهِ جلّ جلاله عنده أضعف الوُعُودِ، وأنّه لا يسكن إليها إلاّ بشيء عنده موجودٌ. وأنّ وَعدَ بعض العباد أقوى في نفسه من وعد سلطان المعاد. ويرى أنّ وعيد الله جلّ جلاله أهون من كلّ وعيد، وأنّه لو توعّده سلطان ببعض هذا التّهديد عجز عن الصّبر والسّكون، وهجر رقاد العيون، وتوصّل في رضاه بأبلغ ما يكون.

وقد شرحنا لك فيما ذكرناه عند ركعة الوتر في الجزء الثّاني من كتاب فلاح السّائل ونجاح المسائل، فانظُر ما هناك، وما عمل الله جلّ جلاله معك من الإحسان، وما عملت في الجواب من التهوين والاستخفاف بنفسك والعصيان. وهناك تعلم هل أنت من أهل الإيمان أو من أهلِ الكفران. وانظر فيما ذكرناه في ذلك المكان من الدّواء فداويه عقلك وقلبك بغاية الإمكان، فلا بدّ لك من يوم تموت فيه وترمى في بئر النّسيان والهوان (36).

أقول: ولكن قل الآن إن كنت من أهل الإيمان، ما روينا بعض معناه عن الإمام الطّاهر محمّد بن عليّ الباقر عليه وعلى وأبنائه الصّلاة والسّلام والتّحيّة والإكرام: اللّهُمَّ إنّكَ وهبتنا أجل شيء عندك وهو الإيمان بك من غير سؤال، فلا تحرمنا ما دون ذلك من الغفران مع المسألة والابتهال، فأنت الذي يغني علمه عن المقال، وكرمه عن السؤال.

أقول: وما روي عن الصّادق صلوات الله عليه أنّه يمحو ذنوب قائله ويتمّ النعمة عليه: يا من وعد فوفى، وتوعد فعفى، صلّ على محمّد وعلى أهل بيته الطّاهرين، واغفر لمن ظلم وأساء واعتدى، ولا اهلك وأنت الرّجاء (37).

أقول: ثمّ قل ما في معناه:

يا مَنْ إذا وقفَ الوفودُ ببابهِ *** إلهي شريدَهُمُ عنِ الأوطانِ

أنا عبدُ نعمتِكَ التي ملأتْ يدي *** وربيبُ مَغناكَ الذي أغناني

جِزتُ الملوكَ ومَنْ يؤمّلُ رفدهُ *** ووقفتُ حيثُ أرى الندى ويَراني

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه المصنف في محاسبة النفس: 24 نقلاً عن كتاب العلل للقزويني.

(2) رواه الصدوق في علل الشرائع 381 / 3.

(3) رواه المصنف في محاسبة النفس: 24.

(4) أي تتمّات مصباح المتهجد «للشيخ الطوسي» والتي جعلها السيد ابن طاووس عشرة اجزاء سماّها ب‍ «المهمّات والتتمّات»، فالإقبال في أعمال السنة و«الدروع» في اعمال ايام الشهر، و«جمال الاسبوع» في اعمال الأيام السبعة، و «فلاح السائل» في اعمال اليوم والليلة... انظر: الذريعة 8: 146.

(5) في نسخة «ك»: وقد جربتم، وأثبتنا ما في نسخة المجلسي وهي الموافقة لما في نهج البلاغة.

(6) اليفن: الشيخ الكبير. الصحاح ـ يفن ـ 6: 2219.

(7) لهزه القتير: أي خالطه الشيب لسان العرب ـ لهز ـ 5: 407.

(8) في نسخة «ك»: وتشبثت، وأثبتنا ما في نسخة المجلسي وهي الموافقة لنهج البلاغة.

(9) خطبة امير المؤمنين في نهج البلاغة 2: 135 / خطبة 178، ونقله المجلسي في البحار 8: 306 / 68.

(10) اثبتناه من نسخة «ن».

(11) أثبتناه من نسخة المجلسي حيث لم ترد في نسختي «ك» و«ن ».

(12) في نسخة « ك »: لهبها ولا لهبها، واثبتنا ما في نسخة « ن ».

(13) في نسخة « ك »: من عند، وما اثبتناه من نسخة « ن » والبحار.

(14) نقله المجلسي في البحار 8: 305 / 64.

(15) نقله المجلسي في البحار 8: 302 / 61.

(16) الحجر 15: 43 ـ 44.

(17) في نسخة «ك» واحرباه لي من محمد، واثبتنا ما في نسخة «ن».

(18) في نسخة «ك »: مثل، وفي نسخة «ن»: مشك، واثبتنا ما في نسخة المجلسي وهو الصواب، والمسك (بالفتح) الجلد.

(19) المرفقة: المتكأ والمخدة. لسان العرب 10: 119.

(20) الحجر 15: 43 ـ 44.

(21) اثبتناه من نسخة «ن».

(22) في نسخة «ك»: يختطفون، واثبتنا ما في نسخة «ن».

(23) كذا، ولم ترد في نسخة «ن».

(24) نقله المجلسي في البحار 8: 303 / 62.

(25) الأعراف 7: 50.

(26) الأعراف 7: 50.

(27) اثبتناها من نسخة «ن».

(28) غافر 40: 49.

(29) غافر 40: 50.

(30) الزخرف 43: 77.

(31) الزخرف 43: 77.

(32) في نسخة «ك»: المجوز، وأثبتنا ما في نسخة «ن».

(33) المؤمنون 23: 105.

(34) المؤمنون 23: 106 ـ 107.

(35) المؤمنون 23: 108.

(36) نقله المجلسي في البحار 8: 304 / 63.

(37) روى الكفعمي صدر الحديث في مصباحه: 79.