1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

تاريخ الفيزياء

علماء الفيزياء

الفيزياء الكلاسيكية

الميكانيك

الديناميكا الحرارية

الكهربائية والمغناطيسية

الكهربائية

المغناطيسية

الكهرومغناطيسية

علم البصريات

تاريخ علم البصريات

الضوء

مواضيع عامة في علم البصريات

الصوت

الفيزياء الحديثة

النظرية النسبية

النظرية النسبية الخاصة

النظرية النسبية العامة

مواضيع عامة في النظرية النسبية

ميكانيكا الكم

الفيزياء الذرية

الفيزياء الجزيئية

الفيزياء النووية

مواضيع عامة في الفيزياء النووية

النشاط الاشعاعي

فيزياء الحالة الصلبة

الموصلات

أشباه الموصلات

العوازل

مواضيع عامة في الفيزياء الصلبة

فيزياء الجوامد

الليزر

أنواع الليزر

بعض تطبيقات الليزر

مواضيع عامة في الليزر

علم الفلك

تاريخ وعلماء علم الفلك

الثقوب السوداء

المجموعة الشمسية

الشمس

كوكب عطارد

كوكب الزهرة

كوكب الأرض

كوكب المريخ

كوكب المشتري

كوكب زحل

كوكب أورانوس

كوكب نبتون

كوكب بلوتو

القمر

كواكب ومواضيع اخرى

مواضيع عامة في علم الفلك

النجوم

البلازما

الألكترونيات

خواص المادة

الطاقة البديلة

الطاقة الشمسية

مواضيع عامة في الطاقة البديلة

المد والجزر

فيزياء الجسيمات

الفيزياء والعلوم الأخرى

الفيزياء الكيميائية

الفيزياء الرياضية

الفيزياء الحيوية

الفيزياء العامة

مواضيع عامة في الفيزياء

تجارب فيزيائية

مصطلحات وتعاريف فيزيائية

وحدات القياس الفيزيائية

طرائف الفيزياء

مواضيع اخرى

علم الفيزياء : الفيزياء الحديثة : علم الفلك : تاريخ وعلماء علم الفلك :

نيوتن والأسقف والدلو والكون

المؤلف:  جون جريبين

المصدر:  ثمانية احتمالات مستبعدة

الجزء والصفحة:  ص67 – ص76

2023-04-06

1102

جون جريبين

ثمانية احتمالات مستبعدة

ص67 – ص76

يبدو هذا موضعًا جيدًا للابتعاد عن علوم القرن الحادي والعشرين المتطورة، ونلتقط أنفاسنا بالنظر في احتمال مستبعد يميل أكثر إلى الفلسفة أو الميتافيزيقا أرهق عقل مفكّر بقدر إسحاق نيوتن.1 وإلى جانب نيوتن، تطلب الأمر أيضًا دلوا من الماء وحبلًا طويلًا وأسقفًا، ما يجعل الأمر يبدو وكأننا نستهل بمزحة، ولكنه في الحقيقة يؤدي إلى «حقيقة عميقة» عن طبيعة الكون، ساعدت ألبرت أينشتاين في وضع النظرية العامة في النسبية.

في الواقع، لست بحاجة إلى دلو كي تفهم محور اللغز. فهو يتجلى بوضوح في كل مرة تقلب فيها الكريمة في قهوتك وتشاهد الأنماط الجميلة الناتجة عن دوران القهوة. كيف «تعرف» الكريمة – والقهوة – أنها تدور في حركة دوامية؟ قد تخمن أن ذلك يرجع إلى حركتها عند جوانب الكوب. ولكن الإجابة أبعد من ذلك.

كان نيوتن أول من أدرك دلالات وتداعيات ذلك (وعلى حد علمي، تبادرت الفكرة إلى ذهنه وهو يشاهد دوران القهوة في الكوب؛ إذ كان شرب القهوة رائجًا للغاية في زمنه). لكن يبدو أن جاليليو كان أول شخص يشير إلى سمة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالكون، وهي أن تسارع الجسم، وليس السرعة التي يتحرّك بها، هو ما يكشف عن وجود القوى التي تؤثر على هذا الجسم. فنظرًا إلى الاحتكاك ومقاومة الرياح والمؤثرات الأخرى التي لا يمكن التخلُّص منها مطلقًا دائمًا ما توجد قوى خارجية على الأرض تحاول أن تبطئ سرعة الأجسام المتحركة. ولا بد من استمرار الدفع حتى يستمر في الحركة. ولكن في الفضاء، كما شاهدنا جميعًا في عمليات البث التلفزيوني من رُوّاد الفضاء، تستمر الأشياء في الحركة في خط مستقيم إلى أن تشعر بتأثير قوة ما. ولعل أقرب مثال على الأرض حتى نقرب الصورة هو حركة قرص هوكي الجليد السريعة عبر الجليد، أو (وهو أقل شبهًا في بعض الحركة بالحركة في الفضاء) القرص على طاولة لعبة الهوكي الهوائي. فالقرص في هاتين اللعبتين يبدو في الواقع أنه يستمر في التحرُّك في خط مستقيم وبسرعة ثابتة حتى تأتي قوة خارجية وتتداخل مع حركته. وقد كان نيوتن، من دون مشاهدة أي بث تلفزيوني على الإطلاق، هو من توصل إلى القانون الذي ينص على أن تسارع الجسم الناتج عن قوة ما يساوي تلك القوة مقسومة على كتلة الجسم، وتوسع في هذا (بمساعدة قانون الجاذبية الذي وضعه) لشرح مدارات الكواكب حول الشمس باللغة المعاصرة، يطلق على الإطار المرجعي الذي تتحرّك الأجسام بداخله بسرعة ثابتة ما لم تؤثر فيه قوى خارجية إطار الإسناد العطالي، وقد تبادر إلى عقل نيوتن فكرة حتمية وجود إطار إسناد عطالي أساسي – وهو معيار مطلق للسكون – يحدّده فضاء فارغ بشكل أو بآخر. وذهب إلى أن الأجسام تتحرك بسرعة ثابتة بالنسبة إلى الفضاء الفارغ ما لم تتسارع حركتها بفعل قوى خارجية.

توجد معضلة واضحة في هذه الفكرة. كيف لنا أن نعرف ماهية الفضاء الفارغ؟ لا يمكن دق مسمار في ذلك الفضاء، ومن ثم قياس كل السرعات بالنسبة إلى هذا المسمار. إذن كيف يمكن تحديد هذا المعيار المطلق للسكون؟ هذا هو الموضع الذي يتدخل فيه الدلو. فقد فگر نيوتن أنه يستطيع استخدامه لتحديد إطار الإسناد العطالي الأساسي، حسبما ذكر في كتابه العظيم «المبادئ»:2

إن التأثيرات التي تميّز الحركة المطلقة عن الحركة النسبية هي قوى الانحسار عن محور الحركة الدائرية ... فإذا كان هناك وعاء معلق في حبل طويل، يُسحب كثيرًا لدرجة تجعل الحبل يلتف وينحني بقوة، ثم يُملأ بالماء ويثبت في وضع الماء [ثم يُترك]؛ عندئذ، وبفعل حركة مفاجئة لقوة أخرى، يُلف في السكون مع الاتجاه المعاكس، وبينما يقوم الحبل بفك نفسه بنفسه ... سيكون سطح المياه مستويًا، كما كان قبل أن يبدأ الوعاء في التحرُّك؛ ولكن بعد ذلك سيبدأ الماء بفعل الوعاء الذي ينقل حركته إلى الماء تدريجيًّا في الدوران والانحسار شيئًا فشيئًا من الوسط، بينما يرتفع في جوانب الوعاء، محوِّلاً نفسه إلى شكل مقعر (كما رأيتُ)،3 وكلما زادت سرعة الحركة زاد ارتفاع المياه في الجوانب.

إذا أُمسك «الوعاء» فجأة بعد ذلك وبقي ساكنًا، ستستمر المياه التي بداخله في الدوران، وستظل ترتفع من الجوانب، ثم ستبطئ تدريجيًّا وتنبسط، مثل القهوة التي تقلبها في الكوب. لا يعنينا هنا الحركة النسبية للدلو والمادة السائلة، ولكن ما يعنينا هو نسبة الحركة المطلقة للمادة السائلة (حسبما ارتأى نيوتن) إلى الفضاء الفارغ. عند دوران الدلو مع سكون المياه، يكون السطح منبسطًا. أما عند دوران المياه مع سكون الدلو، يكون سطح الماء مقعّرًا. وعند دوران كليهما مع غياب أي حركة لأحدهما بالنسبة إلى الآخر، يكون السطح منحنيًا. في نسخة حديثة من التجربة، يمكن وضع كوب القهوة في منتصف طاولة دوارة ومشاهدته يدور. سيدور الكوب والسائل كلاهما، ولكن سيظل السائل يشكل سطحًا مقعرًا. فالسائل «يَعرف» أنه يدور ويتفاعل طبقًا لذلك. واضطر الفلاسفة الذين اعترضوا على حجة نيوتن وفكرة الفضاء المطلق استنادًا إلى أنه لا يمكن لشيء غير مرئي تماما أن يكون حقيقيًّا، إلى إيجاد طريقة أخرى لتفسير ما يجري في دلو نيوتن. واستغرق الأمر منهم 30 عاما، لكن بعد ذلك توصل جورج بيركلي؛ وهو أيرلندي ولد في عام 1685 (أي قبل عام من نشر كتاب «المبادئ») وترعرع وأصبح فيلسوفًا واقتصاديا ورياضيا وفيزيائيا وأسقفًا (ليس بالضرورة أن يكون بذلك الترتيب حسب كلمات إريك موركامب)، توصل إلى إجابة.4

قال بيركلي إنه لا بد من قياس كل أنواع الحركة بالنسبة إلى شيء ما. «الفضاء المطلق» الذي تحدّث عنه نيوتن لا شيء حرفيًّا، ولا يمكن إدراكه، ومِن ثُم لا يناسب الغرض هنا. وكما قال: لا يوجد فضاء حيث لا توجد مادة. وأشار إلى أنه لو قُضِي على كل شيء في الكون ما عدا جسم كروي واحد (ولنسمه الأرض)، فسيستحيل تصور أي حركة لتلك الكرة سواء الفضاء أو في مدار. فلن يكون ثمة شيء للقياس على أساسه، ومن ثم لن يكون للحركة معنى حتى لو كان هناك جسمان كرويان منبسطان تمامًا يدوران بعضهما حول بعض في مدار؛ فلن يكون ثمة طريقة لقياس تلك الحركة. لكن لنفترض أن السماء بنجومها الثابتة خُلقت فجأة وكنا في موقع يؤهلنا لتخيُّل حركات الأجسام الكروية بموقعها النسبي إلى مختلف أجزاء الكون. لذا يكفي أن يحل محل الفضاء المطلق فضاء نسبي يتحدد عن طريق السماء ذات النجوم الثابتة. ووفقًا لما ذكره الأسقف بيركلي، ترتفع القهوة التي تقلب في الكوب في الجوانب لأنها تعرف أنها تدور بالنسبة إلى النجوم البعيدة. يوجد مثال آخر يشاهده العديد من الناس في الوقت الحاضر. غالبًا ما تحتوي متاحف العلوم على نموذج كبير لبندول فوكو يتأرجح بحركة ثقيلة ذهابًا وإيابًا. يستمر هذا البندول في التأرجح في المستوى الإحداثي نفسه، بينما تدور الأرض تحته؛ لذا يبدو لنا الأمر وكأن المستوى الإحداثي للبندول يدور بينما نقف نحن ساكنين بلا حراك. إن البندول «يعرف» موقعه – حسب مصطلحات بيركلي – بالنسبة إلى النجوم الثابتة، ويبقي نفسه ثابتًا مستقرًا مقارنة بها وبالكون (كما نعلم في الوقت الحاضر) القابع خلف النجوم.

لكن كيف يعلم؟ ما التأثير الغامض الذي يمكن أن يصل عبر الفضاء ليؤثر في حركة المياه في دلو، أو بندول متأرجح، هنا على الأرض؟ نظرًا لعدم وجود إجابات على تلك الأسئلة، لم تلقَ فكرة بيركلي رواجًا واسعًا سواء في حياته أو خلال القرن ونصف قرن الذي أعقب مماته. لكنها انتعشت مرة أخرى في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على يد إرنست ماخ، الفيزيائي الذي خُلّد اسمه في العدد المستخدم لقياس السرعة بالنسبة إلى سرعة الصوت.

إرنست ماخ (وكالة ألامي).

ولد ماخ عام 1838 فيما كان يُعرف آنذاك بالإمبراطورية النمساوية المجرية. حصل على درجة الدكتوراه من جامعة فيينا، وأصبح أستاذًا في جامعة براغ في عام 1867 قبل أن يعود إلى فيينا عام 1895 وتُوفي في عام 1916، في العام الذي نشر فيه أينشتاين نظريته لعامة في النسبية، ولكن يوجد ما هو أكثر من تلك المصادفة التقويمية كي يرتبط بتلك النظرية. أثناء عمل ماخ في جامعة براغ عام 1883، نشر كتابه «الميكانيكا» الذي ارتقى فيه بلغز الحركة المطلقة إلى مستوى أعلى؛ إذ أنكر حقيقة كل من «الفضاء المطلق» أو «الزمن المطلق»، وكان لذلك أثر جوهري على أينشتاين وقت أن كان يضع النظرية العامة. كتب ماخ يقول إنه [عندما] نقول إن جسمًا ما يحافظ على اتجاهه وسرعته «في الفضاء» من دون تغيير، فإن تأكيدنا هذا ليس سوى إشارة مختصرة إلى «الكون بأكمله».5

قبل أن نبحث في العلاقة بين تلك الفكرة وبين النظرية العامة، توجد نقطة أخرى مهمة ينبغي أن نتناولها في الواقع يوجد نوعان من الكتلة يدخل أحد النوعين في معادلة نيوتن المتعلقة بالقوة والكتلة والتسارع. وهو عبارة عن قياس لمقدار مقاومة جسم يُدفع، وتسمى كتلة القصور الذاتي. أما النوع الثاني من الكتلة، فيحدد مدى قوة انجذاب جسم ما بفعل الجاذبية، ومدى قوة جذبه للأجسام الأخرى. وهذا النوع يسمى كتلة الجاذبية. تتناسب القوة التجاذبية للجذب بين جسمين مع حاصل ضرب كتلتي الجاذبية للجسمين في بعضهما ثم قسمته على مربع المسافة بينهما، فيما يُعرف بقانون نيوتن للتربيع العكسي للجاذبية. الشيء المثير للاهتمام هو تساوي كلتا الكتلتين؛ كتلة الجاذبية وكتلة القصور الذاتي لأي جسم. يمكن قياس كتلة الجاذبية لجسم ما عن طريق قياس قوة انجذابه بفعل الجاذبية (ببساطة بوزنه وهو منجذب إلى الأرض)، «أو» قياس كتلة القصور الذاتي عن طريق دفعه باستخدام قوة معروفة لمعرفة مدى سرعة تسارعه. وهذان الاختباران مستقلان بعضهما عن بعض تمامًا، ودائمًا ما يعطيان إجابة واحدة. وهذا يعني وجود علاقة قوية بين القصور والجاذبية. كما أنه شيء نرى تأثيره كل يوم؛ إذ إن تكافؤ الكتلتين هو السبب في سقوط الأجسام بالسرعة نفسها.

اعتقد نيوتن أن كتلة القصور الذاتي أساسية في أي جسم. ففي كون فارغ غير هذا الكون، سيكون لجسم كروي واحد كتلة القصور نفسها التي يملكها في الكون الذي نعيش فيه. استنتج ماخ أن كتلة القصور الذاتي ناتجة عن «النجوم الثابتة»؛ أي بسبب وجود كل المادة الأخرى في الكون. فلو انتزعت تلك النجوم، فلن يكون لتلك الكرة الأرضية المنعزلة كتلة قصور. وقاده هذا التفكير إلى استنتاج مثير للفضول، يتضمن الانتفاخ الاستوائي لكوكب الأرض الدوار.

في اللغة الدارجة يقال إن الانتفاخ الاستوائي ينتج عن قوة الطرد المركزي. كل علماء الفيزياء الذين يحترمون أنفسهم يكرهون هذا المصطلح؛ إذ لا يوجد شيء من هذا القبيل. فهي قوة خيالية ناتجة عن الحركة الدائرية ما يحدث في الحقيقة هو أن المادة على سطح الأرض بالقرب من خط الاستواء ستظل تتحرك في خط مستقيم لو لم تجذبها جاذبية الأرض إلى الداخل. تلك القوة الداخلية (القوة الجاذبة المركزية) هي التي تمنع الكوكب من الانشطار إلى أجزاء متفرقة، ولكن لو اخترع شخص ما آلة تلغي الجاذبية، فلن تطير الآلة إلى الخارج مثل سفينة الفضاء التي صنعها كافور في رواية إتش جي ويلز أول رجال على القمر، بل ستنحرف بعيدًا فوق نقطة تماس إلى سطح الأرض. ولو كان الكوكب يدور بسرعة كافية بحيث تنفصل الأجزاء عن خط الاستواء، كان هذا ما سيحدث لها. وأفضل تفسير للانتفاخ الاستوائي هو تفسيرها في إطار طاقة هذه الحركة وطاقة الجاذبية التي تنطوي عليها، ولكن نظرًا لأنني لا أريد الانجراف نحو تلك التفاصيل، ولأنني أفتقر إلى احترام الذات، سأرتضي باستخدام مصطلح قوة الطرد المركزي هنا. ما يهم هو أن الأرض تنتفخ عند خط الاستواء وهذا بسبب دورانها. وهنا كان الموضع الذي تدخل عنده ماخ مفسدًا كل شيء دون قصد. فما يهم هو الدوران «النسبي» على حد قوله. لا يهم إن كانت الأرض تدور والنجوم ساكنة، ولا إن كانت الأرض ساكنة والنجوم تدور حولها. ففي كلتا الحالتين سيحدث انتفاخ استوائي وعلى حد تعبيره «لا يهم إن كنا نعتقد أن الأرض تدور في مدارها أو تبقى ساكنة، بينما تدور النجوم الثابتة حولها». انتهز أينشتاين هذه الحزمة من الأفكار وأطلق على فكرة أن كتلة القصور هي نتاج وجود كل شيء في الكون مصطلح «مبدأ ماخ». لكن تلك الفكرة لم يستسغها الجميع؛ فقد استنكرها كل من فلاديمير ألييتش أوليانوف (المعروف أيضًا باسم لينين وبرتراند آرثر وويليام راسل.

يعتبر مبدأ التكافؤ – أي تطابق كتلة الجاذبية وكتلة القصور – أحد المحاور الأساسية في النظرية العامة للنسبية، وحاول أينشتاين أن يجعل مبدأ ماخ جزءًا من النظرية. فذهب إلى أن وجود هذا التطابق بين كتلة الجاذبية وكتلة القصور يرجع إلى أن قوى القصور الذاتي نفسها هي في الأصل قوى جاذبية.

يسهل طرح حجة غامضة دعمًا لهذه الفكرة (وهو ما يسميه علماء الفيزياء لأسباب واضحة «حجة التلويح»). تعمل الجاذبية في اتجاهين (بل في كل الاتجاهات، وهو المهم حقا). الأرض تجذب الإنسان إليها، ولكن الإنسان أيضًا يجذبها إليه. الأرض تجذب القمر، ولكن القمر أيضًا يجذب الأرض إليه؛ ومِن ثَم يدور كلاهما حول مركز الكتلة المشترك بينهما الذي يقع على مسافة 1700 كيلومتر تحت سطح كوكبنا، وليس في مركزها. إذا كانت النجوم الثابتة تصل بشكل أو بآخر إلى جسم هنا على الأرض باستخدام أصابع الجاذبية للتأثير في حركته، فمن المرجح إذن أن لذلك الجسم تأثيرًا مطابقًا يصل إلى تلك النجوم. عندما نحاول تحريك شيء ما عن طريق تدويره أو تسريع حركته في خط مستقيم، فإنه يتحرك عبر شبكة الجاذبية الكونية ويربكها مثل ذبابة تحاول الخلاص من شبكة عنكبوت. عندئذٍ لا بد أن تكون النتيجة تشويشًا ينتشر عبر الشبكة ويعود إلى النجوم (أو المجرات، من منظور أحدث) التي تعيد إرسال شيء أشبه برد فعل، أقرب إلى مصافحة كونية، في محاولة للحفاظ على الوضع الراهن ومقاومة التسارع وإنتاج القصور الذاتي.

تبدو الفكرة جيدة إلى أن نتذكر أنه لا توجد إشارات يمكنها التنقُل أسرع من الضوء. إذا دفعتُ القلم على مكتبي، فإنه «يعلم» على الفور أنني أدفعه، ويعلم مقدار المقاومة التي ينبغي إبداؤها لتلك الدفعة. أما الإشارات التي تتحرّك إلى الخلف والأمام عبر الفارغ الذي تحدَّث عنه نيوتن، فلن تفي بالغرض. لكن صورة أينشتاين للزمكان بوصفه نسيجًا مرناً رباعي الأبعاد تُغيّر فيه المادة شكل الفضاء، وتلك التغييرات في شكل الفضاء تخبر الأجسام المادية كيف تتحرك، فتعطينا تصوُّرًا مختلفًا، وطريقة لحل اللغز باستخدام معادلات النظرية العامة، بدلًا من مجرَّد التلويح بأيدينا بطريقة غامضة.

عندما كان أينشتاين يبحث عن نظرية للجاذبية، قرَّر منذ البداية أن يكون مبدأ ماخ جزءًا طبيعيًّا من النظرية العامة. عندما يأتي أناس مثلي يصفون سلوك الأجسام مثل النجوم النيوترونية الثنائية من حيث الانبعاجات في نسيج الزمكان، فإننا نتجاهل بقية الكون، ونزعم أن النجوم يدور بعضها حول بعض في زمكان ذي خلفية مسطحة بالكامل. لكن الزمكان في أي موقع – في الأساس – يتأثر بجاذبية كل جسم مادي في الكون؛ لأن نطاق الجاذبية ليس له حد معين. يوجد أيضًا تأثير خفي وغالبًا ما يُتجاهل يلعب دورًا هنا. إذا وضعنا وزنًا ثقيلا مثل كرة بولينج على لوح مرن مشدود مثل الترامبولين، فإنه يُحدث انبعاجا واحدًا. وإذا أزحنا الكرة ووضعنا أخرى في جزء مختلف من اللوح، فستُحدث انبعاجا مختلفًا. ولكن إذا وضعنا الكرتَين معًا، فلن يكون نمط الانحدارات الناتج مثل النمط الذي ينتج عن جمع الانحدارين المنفصلين معًا؛ ذلك أننا عندما نضيف الكرة الثانية، فإننا نضعها على لوح تغير شكله بالفعل بفعل وجود الكرة الأولى. فَلْنتخيل التعقيدات في شكل الزمكان الذي تسببه إضافة تأثيرات كل جسم مادي في الكون. ومِن ثُم فإن شكل الزمكان الذي تتحرك فيه النجوم النيوترونية الثنائية – أو أي أجسام – ليس أرضية لعب مستوية على الإطلاق من منظور الزمكان.

ينبغي أن تتضمن معادلات النظرية العامة في النسبية تأثيرات كل الكتل البعيدة التي تقاس عليها عمليات التسريع وقوى القصور وعمليات الدوران. وهي كذلك بالفعل. ولكن ثمة انحرافا هنا. إن معادلات أينشتاين لا ينتج عنها سوى تأثيرات ماخ الصحيحة في نوع واحد من العالم ألا وهو النوع الذي ينغلق فيه الكون. وظل البعض عقودًا من الزمن ينظرون إلى ذلك باعتباره خللا في نظرية أينشتاين؛ لأن علماء الفلك كانوا يعتقدون أن الكون مفتوح، بالمعنى الوارد في الاحتمال المستبعد الثالث. لكن الكون ينبغي أن يكون مغلقًا «فحسب». ومن الممكن أن يكون أقرب إلى التسطّح كما تود أن يكون، بشرط أن يكون على الجانب المغلق من الخط الفاصل. وتتناغم الفكرة الحديثة للتضخم والأدلة الواردة من الدراسات التي أُجريت على إشعاع الخلفية عن أن الكون يقترب من التسطّح على نحو غير واضح تناغما تاما مع هذا الشرط الذي تضعه النظرية العامة. وبدلًا من أن يكون الشرط عيبا، أصبح انتصارًا في الحقيقة!

هناك ما هو أفضل؛ إذ توجد بعض الأدلة التجريبية على أن ذلك النوع من التأثير في الزمكان الذي تنبأت به الأجزاء التي ساهم بها ماخ في النظرية العامة حقيقي. فبمجرد نشر النظرية العامة، استخدم اثنان من المنظرين معادلات النظرية لمعرفة كيف يمكن للتركيزات الموضعية للمادة – من حيث المبدأ – أن تُنتج مكافئًا موضعيًا لتأثير ماخ، ويسمى، الإطار المرجعي. في إحدى النسخ المعدلة لهذه الفكرة تتخيَّل أن جسمًا ما قد وضع داخل قوقعة دائرية كبيرة ومستوية تمامًا من المادة، وأن هذه القوقعة صُنعت بحيث تدور بالنسبة إلى المجرات البعيدة. إذا كان مبدأ ماخ صحيحًا بعدما أُدرج في النظرية العام للنسبية، فإن الجسم داخل القوقعة ينبغي أن يشعر بقوة صغيرة تحاول سحبه للدوران مع القوقعة. في نسخة أخرى من الفكرة، توضّح المعادلات أنه بالقرب من كتلة دوارة مثل الأرض، لا بد أن يكون هناك تأثير طفيف لسحب الإطار أيضًا. أُجريت الحسابات التي تتضمن سحب الإطار للمرة الأولى عام 1918، وذلك في إطار النظرية العامة في النسبية على يد عالمي الفيزياء النمساويين جوزيف لينس وهانز ثيرينج، ولكن التأثيرات التي تنباً بها كانت محدودة للغاية، لدرجة أنه لا أحد توقع قياس تأثير لينس – ثيرينج على الإطلاق. لكن على غير المتوقع قيس.

في عام 2004 أُطلق القمر الصناعي «مسبار الجاذبية بي» في داخل مداره حول الأرض، حاملًا أربعة أجهزة جيرسكوب في شكل كرات في حجم كرة تنس الطاولة تقريبًا، كل كرة مستديرة استدارة تامة لدرجة أقل من 10 نانومترات، ما يعني أنه لم تكن هناك حالات عدم انتظام أكبر من 40 ذرة ارتفاعًا. بمراقبة دوران أجهزة الجيرسكوب، قاس القائمون على التجربة من جامعة ستانفورد، تأثير سحب الإطار بقيمة 37.2 ± 72 مللي ثانية قوسية في السنة، مقارنة بالقيمة التي تنبأت بها النظرية العامة) وهي 39.2 مللي ثانية قوسية في السنة. ولم يكن هذا الانتصار سوى واحد من إنجازات القمر الصناعي مسبار الجاذبية ولكن قصته تستحق أن يُفرد لها كتاب آخر. المهم هنا أن التنبؤ قد بي ثبتت صحته، ما يشير إلى صحة مبدأ ماخ. ولكن قبل أن أترك قصة نيوتن والأسقف والدلو والكون، أود أن أشير إلى تنبؤ لم يُطرح البتة، لكن لو طرح لكان من الممكن أن يشير إلى صحة مبدأ ماخ منذ مائة عام.

تحاشيت أن أتناول مصطلحي «النجوم الثابتة» و«المجرات البعيدة»؛ لأنه حتى عشرينيات القرن العشرين كان ثمة اعتقاد بأن ما نعرفه الآن باسم مجرة درب التبانة هي الكون بأكمله – وهي جزيرة في الفضاء تحتوي على مئات المليارات من النجوم – وبعد ذلك تبين أننا نعيش في قرص مسطح من النجوم، وأن ثمة جزرًا أخرى مشابهة (بعضها على شكل قرص وبعضها غير ذلك خلاف مجرة درب التبانة. وأخيرًا ثبت أن مجرة درب التبانة هي عبارة عن مجرة متوسطة الحجم تماما، مثل المجرات التي تتخذ شكل قرص، ما جعلها مجرة نمطية في فئتها لكن لم يُعلن عن ذلك حتى نهاية القرن العشرين).6 إننا نعيش في جزء عادي من الكون. عند ذلك، ثبت أيضًا أن الكون يحتوي على مئات المليارات من المجرات الأخرى. لم يكن من الممكن أن يتنبأ بذلك. أم كان ممكنا؟

على الرغم من أن علماء الفلك الأوائل درسوا حزام الضوء عبر السماء الذي نسميه درب التبانة، واستنتجوا أننا نعيش في نظام نجمي يشبه عجلة الطاحونة أو حجر الجلخ، لم يتمكن العالم الأمريكي هارلو شابلي من ترسيخ ذلك على أساس علمي ثابت إلا في نهاية العقد الثاني من القرن العشرين، وذلك باستخدام أقوى تلسكوب في العالم، وهو التلسكوب العاكس 100 بوصة، والموجود في مرصد جبل ويلسون بكاليفورنيا. كان الأمر سيتطلب أجهزة تلسكوب أكبر وأفضل لتحديد المجرات الأخرى. لكن لو كان شابلي من أنصار مبدأ ماخ لربما تمكن من استنتاج وجودها.

بحلول عام 1920، بات واضحًا أن مجرة درب التبانة عبارة عن قرص مسطح يتكون من عدد لا يحصى من النجوم المنفصلة. لماذا المجرة مسطحة؟ ليس لأنها جسم صلب مثل حجر الجلخ، بل لأنها تدور. كيف تعرف المجرة أنها تدور؟ يوضّح لنا مبدأ ماخ أن السبب في ذلك هو حتمية وجود توزيع ما للمادة – بعد مجرة درب التبانة بمسافة بعيدة – ما يوفّر إطارًا مرجعيًّا يقاس عليه دوران مجرتنا. وسيكون التخمين الطبيعي حينذاك أنه إذا كانت مجرة درب التبانة عبارة عن جزيرة من النجوم فلا بد أن الكون مليء بجزر أخرى من النجوم؛ أي مجرات أخرى لو أن أحدًا قد أدرك تلك الصلة آنذاك، لربما لم يكن عمل إدوين هابل وغيره من العلماء الذي أثبت وجود مجرات أخرى وعن حجم الكون مفاجأة كبرى، ولاعتُبر أنه تأكيد على دقة كل من مبدأ ماخ والنظرية العامة في النسبية.

لم يحدث الأمر على هذا النحو مطلقًا، ولكنه أمر يدعو إلى التفكير في المرة القادمة التي تقلب فيها الكريمة في كوب القهوة. فعندما تفعل ذلك، ترتفع القهوة قليلا عند جوانب الكوب وتهبط قليلا في المنتصف. والاحتمال المستبعد هو أن القهوة تفعل ذلك لأنها تشعر بتأثير مئات الملايين من المجرات التي تبعد عنا بمئات الملايين من السنين الضوئية.

هوامش

(1) يعيد هذا الجزء النظر في بعض الأفكار التي طرحت في الطبعة الأولى من كتابي «بحث عن الانفجار العظيم، ولكنها لم تُطرح في الطبعات اللاحقة؛ إذ اعتبرت انحرافا مفرطًا عن الموضوع الأساسي للكتاب. ولكن بفضل المراجعة الملائمة، تبدو مناسبة تمامًا للطرح هنا.

(2) ترجمة نيوتن والاستشهاد المقتبس من بيركلي الوارد أدناه مأخوذين من كتاب «وحدة «الكون»، تأليف دينيس سياما، دار نشر فابر وفابر، لندن، 1959.

(3) ثمة نقطة مهمة. لقد نفذ نيوتن التجربة بالفعل، ولم تكن مجرد «تجربة فكرية» خيالية.

(4) سميت مدينة بيركلي بولاية كاليفورنيا، نسبة لاسمه تكريمًا له.

(5) التأكيد هنا من وضعه.

(6) انظر «ذا أوبزيرفاتوري»، المجلد رقم 118، الصفحات 208-201 (1998).