x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

تأمل العوالم

المؤلف:  هادي المدرسي

المصدر:  كيف تبدأ نجاحك من الحد الأدنى؟

الجزء والصفحة:  ص107ــ114

24/10/2022

1004

قلت له: لنسبق الزمن وننظر إلى العوالم، ألا تنظر إلى الآخرة؟

قال: وهل يمكننا أن نراها، أليست الآخرة بعيدة؟

قلت: أبداً، إنها ليست بعيدة حتماً، فأنت وهي كقاب قوسين أو أدنى.

قال: كيف ذلك؟

قلت: أنظر، مهما كانت آمالك عريضة فإن عمرك قصير، ولا يسمح لك بأن تحقق كل طموحاتك في الحياة، ولكن تفكيرك الإنساني يجرك إلى أمل بعيد تتصور فيه أنك خالد في هذه الدنيا وإن الحياة باقية من غير زوال.. وإن كنت ترى بعقلك إنها لم تبق للذين سبقوك.

قال: ولماذا لا أكون مستثنى من هذه القاعدة، صحيح أن أبي قد مات، ولكن لماذا لا أبقى أنا؟ وصحيح أنه مات أخي، ولكنني مختلف عنه؟

قلت: ألم يمت زملاؤك أيضاً؟

قال : ومن قال إنني سألحق بهم؟

قلت: أنظر يا أخي إن الدنيا والعمر هما طول الزمن الأرضي، وأما الآخرة فلا حدود لطول زمانها، إلا أنها قريبة من الإنسان كقرب اللحد إلى الميت، فلا فرار من الموت ولا هروب من العاقبة، والعاقل هو من لا يهمل آخرته لدنياه، ولا يفرط بهما معاً، وإنما يعمل لهما جميعاً.

وأضفت: إن الحياة مثل دولاب نصفه في النور ونصفه الثاني في الظلام، وهو يدور من دون إرادة من البشر.. النصف الغائب كالرجل الغائب لا يدوم غيابه ولا يطول لأنه موجود في النصف الثاني من الليل المظلم الذي سرعان ما سيلحقه النور، نحن لا نراه ولكنه يرى نفسه، ويرى الذين سبقوه، وعندما تعود الساعة إلى نصف النهار ويجتمع الناس كافة سترى الجميع يواجهون أعمالهم، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وما أقرب الموت إلى الإنسان وما أبعد الإنسان عن التفكير فيه.

لقد جُبِل الإنسان على الضعف فمنه ولد وعليه يموت، وبين الولادة والموت هو أسير النقصان والعجز، ولا ينفك هذا النقص عنه إلا بالتقرب إلى الله سبحانه وطلب العون منه.

قال: لكن الإنسان لا يشعر عادة بالعجز؟

قلت: من أدلة العجز عند ا لإنسان هو شعوره بالوحدة والوحشة عند التفرد، وهذه صفة الجزئي الذي لا يتكامل إلا بعد أن تتحد أجزاؤه الأخرى، فإذا ضل الطريق في الصحراء، شعر أنه وحيد والكون من حوله فارغ، وإذا سار في ظلام دامس شعر أن الظلام سيهجم عليه بين الحين والآخر.

إن هذا الخوف من الوحدة لا يمكن علاجه إلا بالإيمان بالله، والإحساس بحضوره في كل آن، لأن القرآن الكريم يقول: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد:4].

الإنسان يخاف الوحدة ولكنه يولد معها ويموت معها، ويخاطبه القبر قائلاً: أنا بيت الوحدة.. أنا بيت الوحشة!

قال: ماذا نفعل حتى لا تلفنا الوحشة؟

قلت: أن نسير في الطريق المطمئن المؤدي إلى النفس المطمئنة التي يخاطبها ربها: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: 27، 28].

والاطمئنان هنا لا يحصل إلا بالعمل الصالح، لأنه إراحة للضمير وسكن للنفس، والانسان بحد ذاته لا يعرف قيمة العمل الصالح إلا بمقدار ما يعرف من ظاهر الحياة الدنيا، حيث لا يحصل المؤمنون على جزاء أعمالهم فيها وإنما في عالم الآخرة.

إن العمل الصالح يا صاحبي، هو أنيس المؤمنين في دنياهم، وهو الحبل الرابط بينهم وبين الله سبحانه وتعالى، فهم لذلك لا يشعرون بالوحدة لأن الله معهم في كل وقت، من لحظة الولادة إلى لحظة الوفاة، وبعد ذلك في عالم البرزخ والقيامة.

كل الناس يموتون ويحشرون فرادى، سواء السادة أو العبيد، الحكام أو المحكومون، ولا يأخذون معهم غير أعمالهم، مجردين من كل قواهم الدنيوية، فالملوك لا يأخذون جيوشهم ولا أسلحتهم الفتاكة معهم إلى القبر، وسيتخلى عنهم أعوانهم وأقرب المقربين إليهم، فهم سيكونون بمفردهم هناك أسراء أعمالهم.. فأهل الخير سيكونون قرناء الخير، وأهل الشر سيكونون قرناء الشر.

فالوحشة الحقيقية هي وحشة الباطل التي يشعر الإنسان معها بالوحدة الموحشة، مقطوع الجذور والأصول، لا يجد من يتكلم عليه في الشدائد والملمات... ويوم الندم الأكبر {يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} [الفرقان: 27].

إذن.. الوحشة هي شعور نابع من مقاربة الشر، كما أن الاطمئنان شعور نابع من مقاربة الخير، وهذه عوالم متضادة متقاربة: متضادة في حقيقتها ومتقاربة في زمنها، فالفاصلة الزمنية التي تفصلنا عن العوالم ضئيلة جداً!

قال: هل لك أن تذكر عملا واحداً يمكنني أن أتسلى به في الوحدة؟

قلت: من أهم الأعمال الصالحة قراءة القرآن الكريم، فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي الأعمال أفضل عند الله؟

فقال: «قراءة القرآن، وأنت تموت ولسانك رطب من ذكر الله»(١).

وقد روى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«قراءة القرآن في الصلاة أفضل من قراءة القرآن في غير الصلاة، وقراءة القرآن في غير الصلاة أفضل من ذكر الله تعالى، وذكر الله - تعالى ـ أفضل من الصدقة، والصدقة أفضل من الصيام، والصيام جُنّة من النار»(٢).

وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا أردتم عيش السعداء، وموت الشهداء، والنجاة يوم الحسرة، والظل يوم الحرور، والهدى يوم الضلالة، فادرسوا القرآن، فإنه كلام الرحمن، وحرز من الشيطان، ورجحان في الميزان»(3).

_________________________________

(١) بحار الانوار, ج ٩٢, ص 49.

(٢) المصدر، ج ٩٢، ص ٢٠.

(3) المصدر، ج ٩٢، ص ١٩.