الآثار الثّقافيّة لمؤتمر الحجّ العظيم
المؤلف:
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
المصدر:
نفحات القران
الجزء والصفحة:
ج10 ، ص246- 248.
27-08-2015
2237
من
العبادات التي لها تأثيرٌ مهم في تربيّة المسلمين ونشر العلم والمعرفة ووحدة
الصّفوف وقوة شوكة المسلمين هي مراسم الحجّ ، التي يجتمع فيها كل سنة الملايين من
المسلمين من شتى بقاع الأرض في مؤتمر عظيم فيتعلمون في هذا المؤتمر شتى أنواع
العلوم والمعارف وفي كلّ الجهات الماديّة والمعنويّة.
والنّكتة
المهمّة هنا هي أنّ الإشتراك في هذا المؤتمر العالمي واجب على كلّ مُسلم يستطيع
الحج مرّةً واحدة في العمر ، وأمّا باقي المرّات فهي مستحبة ، ولا فرق في هذا
الحكم بين المسلمين ، فالحج واجب على
الرّجل وعلى المرأة ، والشّاب والشّيخ ، والأبيض والأسود والمتعلم والجاهل ، ولهذا
نجد كلّ سنة مجموعة عظيمة من كبار الشّخصيات العلميّة والثّقافيّة والسّياسيّة
والاقتصاديّة من المسلمين بين صفوف الحجّاج يتشرفون بزيارة بيت اللَّه الحرام ، وفي
طول المدّة الّتي يقضونها في مكة والمدينة وسائر المشاهد والمواقف يلتقي بعضهم
بالبعض الآخر فيتبادلون العلوم والمعارف والمعلومات والأخبار فيما بينهم.
وفي
الآونة الأخيرة وبعد وقوف المسلمين على أهميّة هذا الاجتماع المعنوي العظيم نجد
أنّ علماء الدّول الإسلاميّة المختلفة يعقدون المؤتمرات المصغرة والموسعة على هامش
مؤتمر الحجّ العظيم ، فيلتقون ويتبادلون العلوم والمعارف والثّقافات عن هذا
الطريق.
يذكر
القرآن الكريم جملة مختصرة في بيان فلسفة الحجّ حيث يقول :
{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ
} (الحج/ 28).
وللمفسرين
كلام طويل في تفسير معنى كلمة (منافع) ولكن من الواضح أنّهُ لا يوجد حدٌّ لمفهوم
هذا اللفظ ، فيشمل كلّ المنافع والبركات المعنويّة والماديّة والنّتائج السّياسيّة
والثّقافيّة والاجتماعيّة.
وقد
سأل الرّبيع بن خيثم الإمام الصّادق عليه السلام عن تفسير هذه الكلمة ، فبيّن له
الإمام عليه السلام أنّها تشمل المنافع الدنيويّة والأخرويّة (1).
وفي
رواية أخرى عن الإمام الصّادق عليه السلام يجيب فيها هشام بن الحكم عن فلسفة الحجّ
، فيشير الإمام عليه السلام إلى عدّة أبعاد مهمة ، منها تعرف مسلمي العالم بعضهم
على البعض الآخر ، ثُمّ المنافع الاقتصاديّة ، ثُمّ إيجاد كثير من مجالات العمل في
إطار موسم الحجّ ثم يشير عليه السلام إلى آثاره الثّقافيّة ويقول : «ولِتُعْرَفَ آثارُ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه و آله وتُعْرَفَ أخْبارُهُ ويُذْكَرَ وَلا يُنْسى» (2).
وعلى
أيّة حال ، فلو أنّ أحداً دقّق وتأمل في جزئيات مراسم الحجّ ، وخاصة إذا شاهد تلك
المراسم عن قرب ، فإنّه سيقف على أهمّية البعد الثّقافي والتّربوي للحجّ بنحو يقل
نظيرُهُ.
نعم ،
فالحجّ يمكن أنْ يكون مؤتمراً سنوياً ثقافيّاً عظيماً- بل مؤتمرات- فيلتقي العلماء
من كل أنحاء العالم الإسلامي في الأيّام التي يتواجدون فيها في مكة المكرمة ، فتُتبادَل
الأفكار والإبداعات الّتي يحملونها فيما بينهم مضافاً إلى آثار الحجّ المعنويّة
الخاصّة.
وفي
الفترات المظلمة لحكومة السّلاطين الظّالمين والطّغاة الّذين لم يفسحوا المجال
لانتشار العلوم والمعارف الإسلاميّة ، كان المسلمون يستفيدون من الظّرف الّذي يتاح
لهم في موسم الحجّ لحلّ الكثير من مشاكلهم ، وبالإلتقاء بأئمة الهدى عليهم السلام
وكبار علماء الإسلام ، حيث كانوا يطّلعون على المعارف والقوانين الإسلاميّة وسنة
النّبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله ، وعندما يعودون إلى بلادهم ، يعودون وهم
يحملون رسالات مهمّة في الأخلاق والثّقافة وشتى العلوم.
________________________
(1) تفسير نور الثّقلين ، ج 3
، ص 488.
(2)
وسائل الشيعة ، ج 8 ، ص 9 ، ح 18.
الاكثر قراءة في قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة