x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

عوائق في طريق التمتع بالحياة

المؤلف:  هادي المدرسي

المصدر:  كيف تتمتع بحياتك وتعش سعيداً

الجزء والصفحة:  ص131ــ146

8-8-2022

1218

لكي تحقق السعادة، فلا بد أن ترفع عن الطريق عوامل الشقاء. ذلك أن المشكلة قد تكون في افتقادها لمقتضيات السعادة، وقد تكون في وجود عوائق في طريقها.

إن عوائق السعادة قد تكون نفسية، وقد تكون ثقافية، وقد تكون في مجمل العادات والتقاليد، فمثلاً الحرص، والحقد، والحسد، والطمع عوائق نفسية، تمنع صاحبها من أن يتمتع بحياته ويرتاح في دنياه، بينما الفوضى، والكسل والخمول والجهل هي عوائق ثقافية، أما العادات والتقاليد التي تسبب التعاسة لأصحابها فهي كثيرة ومتنوعة.

وقبل أن نستعرض بعض عوائق السعادة، لا بد من توضيح حقيقة هامة وهي أن السعادة والتعاسة هي طوع إرادة الإنسان، فأنت الذي تختار أحدهما لنفسك، وترفض الاخر، وحتى لو افترضنا أن ظروفاً قاهرة فرضت عليك التعاسة مثلاً، فإن باستطاعتك أن تنعم بالسعادة وتغير تلك الظروف أو تتجاوز أثرها عليك.

فمن كان الخوف دافعاً له إلى سلوك طريق معين مثلاً، فإن باستطاعته أن يقهر الخوف ويمتنع عن الاستمرار في ذلك الطريق.. غير أن الأمر بحاجة إلى إرادة وتعميم، وهما في اختيارك إذا قررت ذلك، فإذا كنا نتحدث هنا عن عوائق السعادة فليس باعتبارها أموراً قسرية لا بد من الاستسلام لها، بل اعتبارها عقبات لا بد من تجاوزها، كما أن من يريد تسلق قمة جبل فلابد أن يعرف العقبات التي يمكن أن تعترض طريقه، فيستعد لتجاوزها، وفيما يلي بعض العوائق في طريق السعادة.

أولا: الحقد والضغينة والحسد

ما رأيت شخصاً سعيداً، إلا وكان في صفاء مع الناس، ولا يحمل حقداً على أحد، ولا ضغينة ضد أحد، ولم يكن حسوداً، أما التعساء فهم مثقلون عادة بهذه الصفات، يقول الإمام علي عليه السلام: «خلو الصدر من الغل والحسد من سعادة المرء»(١).

إن الحقود يثقل ضميره بالاحقاد، فلا يمكنه أن يرى مباهج الحياة، أما الحسود فلا يمكنه أن يتمتع بالنعم التي أنعمها الله عليه لأنه يقارنها دائماً بما يملك الاخرون، وهو يتآكل من داخله، ومن هنا فإن الحقد والحسد من العوائق الكبيرة أمام السعادة.

ثانياً: التسليم للشقاء باعتباره قضاءً وقدراً

بعض الناس يظن أن الله تعالى خلق الناس ليعذبهم لا ليرحمهم.. وأن الشر هو الأمر الطبيعي، وليس الخير، وأن الشقاء قضاء الله على البشر، إذن فمن الطبيعي أن يكون أحدنا مكتئبا وتعيساً وغاضباً ومثقلا.

بينما الحقيقة أن حالة الإنسان الطبيعي هي العافية والسعادة، أما الشقاء والتعاسة فهي الطارئة.. فربنا خلقنا ليرحمنا، وكما جاء في الحديث القدسي: «يا عبادي إني لم أخلقكم لأربح عليكم، بل لتربحوا علي».

ثالثاً: الاعتقاد بان كل المشكلات جذورها في الماضي الذي لا يمكن التأثير عليه

ومن هنا فإنه ربما كان شرط السعادة الأول موقفنا من الزمن، فالأشخاص الذين نعدهم سعداء يبدون عموماً مكتفين بحاضرهم، لذلك نجدهم دائماً منشغلين ومرحين ومنفتحين ومشدودين إلى اللحظة الراهنة بدلاً من انشدادهم إلى الماضي عبر الندم أو إلى المستقبل عبر القلق، لكنهم مع ذلك، يربطون الأوقات بعضها ببعض ولا يتبدلون كثيراً من يوم إلى آخر ويشعر المرء منهم أن الماضي والمستقبل والولادة والموت، بالنسبة إلى هؤلاء ، يكمل أحدها الآخر كما هي الدائرة.

أما إذا اعتقد أحد بأن جذور كل مشكلاته في الماضي، وأنه لا يمتلك أية قدرة على تغيير هذا الماضي، فإنه سوف يعيش دائماً في حالة من خيبة الامل، لأنه إذا كان والداك قاسيين أو أعوزهما الفهم والإدراك في تربيتك في الصغر، فلقد كانا هكذا وأنت لا تستطيع تبديل ما حدث، لكن مفتاح حل مشكلاتك الحالية هو الآن في يدك، فأبدأ بمحو آثار المسكنة والشفقة عن نفسك التي تجعلك تلوم الماضي على آفات الحاضر، فمهما يكن ماضيك، فإن عليك أن تتخذ القرارات الآن إذا كنت ترغب في أن تصبح أسعد حالاً.

إن البعض يعلل سبب شقائهم الحالي بكونهم الطفل الأوسط من أفراد الأسرة، أو أنهم عاشوا في أحياء فقيرة، أو أنهم ولدوا في فترة اقتصادية قلقة، فالناس يفتشون عن أعذار لتفسير سلوكهم الانهزامي، وجميع «العوامل الخارجية» هي بالطبع من هذا القبيل.

رابعا: إعطاء العوامل الخارجية التأثير الأكبر على الحياة

صحيح أن للعوامل الخارجية تأثيراً على حياتنا، ولكن السعادة تنبع من القلب وتأثير الآخرين على قلوبنا ليس مطلقاً، فمن قرر أن يكون سعيداً فسيكون كذلك بالرغم من كل العوامل الخارجية المحيطة به، ومن كان ينظر إلى الجوانب المشرقة في الحياة فهو قادر على تجاوز كل التأثيرات السلبية القادمة إليه من خارج ذاته.

خامساً: ترك المشاكل حتى تكبر، بدل حلها في البداية

فأنت إذا واجهت المشاكل أول ظهورها، فهي عادة تختفي، أما إذا تركتها وشأنها، فهي تتراكم بعضها فوق بعض مثل كرة الثلج، والذين يتيحون لكرة مثل هذه أن تتكون في حياتهم يتبعون مبدأً بسيطاً هو الآتي: «عندما تواجهك مشكلة، انتظر، بدل أن تفعل شيئاً حيالها»، في الحياة الزوجية، مثلاً، تنتظر اشهراً وحتى سنوات قبل أن تعبر عن غيظك من أمر أو آخر، وهكذا يتراكم الضغط الذي لا يلبث أن يفجر العلاقة الزوجية.

سادساً: صنع المشاكل ثم التورط فيها

بعض التعساء مبتلى بعادة سيئة هي صنع المشكلة، ثم التورط في حلها، وإنها لعادة كل الحمقى في التاريخ، وحسب الحديث الشريف فإن «المؤمن لا يسيء ولا يعتذر.. والأحمق كل يوم يسيء ويعتذر»(2).

فمن أراد أن لا يبتلى بالمشاكل فلا يصنعها منذ البداية، أو لا يدخل فيها.. ذلك أن هنالك طريقتين للتخلص من المشاكل:

الأولى: تجنب المشاكل، قبل وقوعها.

الثانية : محاولة حلها، بعد أن تقع.

وفي وسع الإنسان أن يختار أحدهما، ولا شك أن الطريقة الأولى أفضل وأيسر وأرخص أيضاً.. أما الطريقة الثانية فقد لا تكون مضمونة.

هذا في المشاكل التي لا دخل لك فيها، أما المشاكل التي تصنعها أنت فإن المسؤول عنها ليس غيرك.

سابعاً: استيراد المشاكل

أنت تمتلك من المشاكل ما تكفيك، فلا تستورد مشاكل الآخرين، ولا تعتبر مشكلة غيرك مشكلتك.

يقول أحد الكتاب :

«لدي صديق يرفض بعناد أن يقرّ بوجود مشاكل في حياته، ومرة كنت معه في السيارة حين وقف عند إشارة مرور حمراء على مفترق طرق، وأطلق سائق كان وراءنا العنان لزمور (نفير) سيارته لأنه شاء تجاوز الإشارة، فقلت لصديقي: يبدو أن هذا الشخص مستاء من وقوفك أمامه، لكن صديقي انتظر الإشارة الخضراء ونظر إلى كل ناحية قبل أن يكمل طريقه، وقال: إنها قضيته. أما قضيتي فهي أن أتأكد من سلامة العبور قبل أن أقوم بأي حركة، إن صديقي يرفض النظر إلى الأمور كما لو كانت مشاكل».

ولكن إذا عكسنا موقفه، أمكننا أن ننسج حياة ملأى بالعقد والصعوبات، هب أن أحداً لا يحبك، وافترض أنك أنت المسؤول عن ذلك، وستجد أنه لن يطول بك الوقت حتى تقلق إلى حد المرض وأنت تقول: «إن مشكلتي لكبيرة حقا» أجل! توهم أنها مشكلتك!.

إن في وسع الإنسان تجنب المشكلة كما في وسعه خلقها، والخيار في ذلك متروك له.

ثامناً: البحث عن تحقيق المستحيل

خيال الإنسان مجنح، فهو يطير به إلى أعلى ما يمكن تصوره في الحياة، فأي فقير يمكنه أن يتخيل أنه سيصبح مليونيراً بين ليلة وضحاها، والمشكلة تبدأ حينما يجعل أحدنا تخيلاته أهدافاً لنفسه ثم يبدأ بالشعور بالتعاسة كلما فشل في تحقيقها.

فمن أتعس الناس أولئك الذين يتمتعون بمقدرة خاصة على تصور المستحيلات، وإذا شئت أن تحصد الخيبة، فازرع أهدافاً لا يمكن بلوغها.

لقد نقل لي أحد الأصدقاء أنه زاره صديق له في مكان أقامته في دولة أوربية، فساله سبب زيارته فقال: «جئت للاستجمام، وأريد أن أعالج زوجتي التي تعاني من بعض الأمراض المزمنة، وأرغب في تعلم الطيران، كما أنني مصمم على تعلم لغة أجنبية قبل أن أعود، وإذا أمكن فإنني أريد الدخول في دورة تدريبية في الكمبيوتر».

فقال له صديقه: «وكم المدة التي تريد فيها البقاء ههنا» .

فقال: (أسبوعان، أو ثلاثة!).

وفي الحقيقة فإن من يغرس المستحيل لن يحصد سوى الخيبة.. ومن يريد تحقيق كل ما يمر بخاطره من دون بذل المساعي اللازمة، ولا انتظار الزمان المطلوب، فهو من يغرس المستحيل في حياته.

تاسعاً: استبدال الاوضاع الجيدة بأسوأ منها

حينما تكون أمورك جيدة، فدعها كما هي عليه، فمن يخرب ما هو صالح في سبيل أن يجعله أصلح، قد يفشل في ذلك.

إنك تمتلك الكثير من الأمور التي تحتاج إلى لإصلاح، فلماذا تعمد إلى ما هو صالح لكي تجعله أصلح؟.

لنفترض أن علاقتك بأولادك وزوجتك حسنة، فلا تحاول أن تبدأ بانتقادها، وكأنك تحاول أن تجعلها أحسن.. فإن تعزيز ملكة الانتقاد لديك، يؤدي إلى التذمر والجدل، وهو ما يولد هوة سحيقة بينك وبينهم.

عاشراً: التمتع بإجهاد الذات وتعذيبها

هنالك أناس ينتحرون بالتدريج، فمع سبق إصرار وتصميم يعمدون إلى إرهاق أنفسهم وتعذيبها.

فمثلاً تعمد الأم إلى خلق أعمال إضافية لنفسها، مثل إعادة غسل ما غسلته سابقاً، أو إعادة ترتيب أمور البيت أو ما شابه ذلك في الوقت الذي تكون هي مرهقة بالأعمال.. ثم تعقب على ذلك بقولها: «لا أحد يهتم بي، فأنا مسجونة ضمن جدران البيت، وأعمالي أكثر من شعر رأسي» ترى من قال لها أن تفعل كل ذلك؟.

إن إحراق الذات طوعاً لا خير فيه سوى توليد مشاعر السوء فضلاً عن أنه يجعل الآخرين يهربون من صاحبه، الأمر الذي بدوره يزيد من مشاعر السوء.

حادي عشر: التشاؤم

من يتوقع الأمور السيئة دائماً، فهو يبتلى بها عادة. ذلك أن روح التشاؤم تجذب إليها المشاكل.. كما تجذب الفاكهة الفاسدة الميكروبات الضارة.

فلنفترض أنك تريد السفر، فإذا توقعت فيه المشاكل، فأنت سوف تصادفها، أما إذا توكلت على الله تعالى، واعتمدت عليه فإن المشاكل ليس لا تصادفك أحياناً، بل ستكون سهلة على الحل إذا حدثت.

فمن يتوقع المشكلة فسوف يتأخر عن موعد السفر، ثم يخسر موعد الطائرة، ثم يقع في مشكلة عدم وجود محل فارغ على الطائرة الثانية، وهكذا إلى أن يلغي رحلته.. كل ذلك لأنه توقع السوء والشر..

إننا جميعاً قد جربنا هذه الحالة، فلماذا لا نجرب العكس؟.

ثاني عشر: محاولة إرضاء الآخرين باي ثمن

ليس مطلوباً منك إرضاء الجميع ذلك أن «رضا الناس غاية لا تدرك» كما يقول المثل.

إن السعادة لا تأتي عن طريق التساؤل الدائم عما إذا كنت تفعل الصواب في نظر الآخرين، فإذا أنت دأبت باستمرار على تحليل كل كلمة تصدر من الآخرين بحقك، أو كل حركة تصدر عنهم، فقد يفوتك حقاً ما أنت طالبه.

افعل ما يرضي ربك وضميرك، واطمئن إلى أن أصحاب الضمائر سيرضون عنك أيضاً وهذا يكفي.

ثالث عشر: الاستسلام للعادات السيئة

يظن البعض أن العادة لا يمكن التخلص منها، أو أن ذلك يأخذ وقتاً طويلاً جداً، فإذا كان مبتلى بعادة النرفزة، فهو يقول: (لا فائدة من محاولة التغيير فهذه هي عادتي).

وفي الحقيقة فإنك إذا كنت تتوقع أن تستغرق عملية التغيير وقتاً طويلاً، فإنها ستفعل، أما إذا تدبرت حياتك وعشتها لحظة بلحظة بدلاً من تدبيرها لسنوات عدة مرة واحدة، فإنك ستتمكن من التغلب على مشكلاتك.

يقول أحد المؤلفين: «لقد كنت كالمسعور وسط ازدحام حركة السير، اصرخ وأصيح كلما توقفت السيارات أو تحركت إلى الوراء، وقررت على الفور في إحدى اللحظات أن أبدل من سلوكي، فما كان مني إلا أن نفذت القرار بيسر وبساطة»، وأنا لا أقصد بهذا أن التغيير كله ينجز في طرفة عين، غير أني أرجو من القارئ أن يسقط الآن من فكره ذلك الاعتقاد القائل بأن عليه الانتظار طويلاً قبل أن يتمكن من تبديل طباعه، والخطوة الأولى على طريق الحل هي أن يقنع المرء نفسه بأن المسألة تسير كما يرام، وفي استطاعته تحقيقها.

رابع عشر: التظاهر بالتعاسة والشقاء

لا يتظاهر أحد بشيء إلا وتطبع به، فمن تظاهر بالسعادة أصبح سعيداً، ومن تظاهر بالتعاسة أصبح تعيساً.

إن من يتأفف ويتذمر ويتبأس سوف يصاب بالحزن والكآبة، أما من يحمد الله تعالى على كل حال فهو يوشك أن يصبح سعيداً لأن من يبتسم للحياة تبتسم له الحياة..

أما من يواجه الحياة بوجه عبوس، فليس من حقه بعد ذلك أن يطالبها بالابتسام، فالحياة تعطيك ما تعطيها، وهي في ذلك آلة التسجيل إنها تسمعك ما أسمعتها، فإذا قلت لها خيراً قالت لك الخير، وإذا قلت لها شراً أعادت إليك الشر.

وهنا نتذكر قصة ذلك الطفل الذي كان يلعب مع رفاقه لعبة الذئب والحملان، وكان دوره أن يكون ذئباً ، فأخذ يعوي بشكل مخيف، ولم تمر فترة قصيرة إلا وبدأ يخاف من نفسه، وعاد إلى بيته فزعاً مرعوباً..

وكما في الأطفال كذلك في الكبار، إن التظاهر بالشيء يؤدي إلى التطبع به.

فإذا شعرت بأي سبب من الأسباب، بأنك تعاني من التعاسة فاطرد هذا الشعور من طريق التظاهر بخلافه، ولا تدع البسمة تفارق شفتيك، فسرعان ما تجد السعادة طريقها إلى قلبك.

وتذكر أنك لا تستطيع أن تفكر بشيئين متناقضين في آن واحد، فلا تستطيع أن تكون غاضباً ومسروراً في وقت واحد، فأما أن يطرد السرور الغضب، وأما أن يحدث العكس، فإذا شعرت بالتذمر والبؤس فاقذفه عبر التفكير في أمور تجب لك السعادة.

خامس عشر: المخاوف

الخوف هو من أكثر عوائق السعادة انتشاراً بين الناس..

ويقول أهل الخبرة:

إن الخوف يقف وراء معظم الاضطرابات النفسية التي يعاني منها بنو البشر، وقد ظهرت مئات من الدراسات تهدف إلى تخليصهم من كل ما ينجم عنه، ويتعلق به من عواطف، ولكن لو ملكنا الشجاعة الكافية في مواجهة الحقيقة لتقبلنا فكرة استحالة الخلاص من الخوف، فيجب أن نتوقعه كجزء لا يتجزأ من واقعنا النفسي، والذي نستطيعه فقط هو التكيف معه، حتى لا يحرجنا ويزيد من اضطراباتنا.

وبما أن مشاعر الخوف متشابهة فمن الصعب غالباً أن نميز بين الخوف من واقع ملموس وذاك الذي اكتسبناه عادة لنا، سواء كانت نفسية أو ذهنية أو بدنية، دعنا نكتشف بعض المخاوف المشتركة التي يعاني منها الإنسان، فمن المهم أن نعتقد بأن الخوف لا يصيب أحداً دون الآخر بل هو صفة عامة، فالملايين يشاركونك نفس الشعور بالذنب أو القلق أو الخطيئة، وهذا الاعتقاد بذاته مفيد في تجاوز المشكلة.

ويبدأ الخوف أحياناً بالظهور في سن مبكرة فيصيب الرضيع في مهده، ويقول البعض أن المخاوف الوحيدة التي تولد مع الطفل هي رهبة الأصوات الحادة والسقوط، أما البقية فتأتي بعد حين، وذلك بإهمال والديه له وعدم تمييزهم وخشونتهم فيولد عنده شعوراً بعدم الأمان، ومن الجائز أن يكون هذا متعمداً حتى يجبروه على طاعتهم.

والخوف الذي يبدو مضخماً عند الطفل هو خشية والديه، وقد يفاجأ الوالدان إذا عرفا سبب الخوف الناشئ في نفس الطفل، ليس من خلال الوسائل العلنية كالعقاب والتأنيب ولكن بأشكال القيود التي وضعت لمصلحته في الأساس وذلك لأنهم لم يتفهموا حاجاته ورغباته، فيصير هذا الخوف حاجزاً مصمتاً يفصل بين الطفل ووالديه.

وهناك نسبة من الأطفال تفضل البقاء خارج المنزل، إما لخوف الطفل من تقلب مزاج والديه وتوبيخهما المفاجئ له من غير سبب يعلمه، أو لأنه يكتوي بنار الغيرة من عطف والديه المسبوغ على أخ له، أو أخت، شاعراً بإهماله ونبذه.

ونقص الأمان النفسي هذا ينعكس على شكل توتر، فإما أن يصير مستبداً في مدرسته، حتى يعوض عن إهمال أهله له في البيت أو أن يصاب بعقدة الحقارة.

ومن الغريب أن يعاني الكبار من مشاكل تعود أصولها إلى مراحل الطفولة الأولى، نضرب مثلاً على هذا بشخص قاسى من شظف العيش في طفولته الأمر الذي ترك بصماته محفورة في الذاكرة، وبعد أن كبر وتنامت ثروته، تمادى في البذخ الفاحش والاهتمام بالمظاهر الزائفة بدون وعي منه ولا حساب، وهذا كله فقط حتى يعوض عقدة النقص التي استبدت به منذ الطفولة.

وفي حالة أخرى أصيبت فتاة بتوتر شديد بسبب خوفها من الظلام، وقد كان الخوف عائداً إلى حادث تعرضت له في صغرها ليلا، وكان من غير المجدي أن يقال لها في هذه المرحلة لا تخافي واهدئي، فنصحت أن تحمل معها مصباحاً دائماً حتى تطمئن إلى أنها تستطيع تبديد الظلمة متى أرادت، وبهذا زال عنها الخوف والتوتر.

ومن المحتمل أن المخاوف الكامنة ذات الجذور البعيدة تكون قد نمت بسبب ضعف جسماني يمنع الطفل من حرية الحركة، مسبباً له توتراً وتزعزعاً في ثقته بنفسه، فلا تستعاد هذه الثقة إلا إذا عولجت أعضائه وهكذا.

وكذلك الخوف من الافتقار للموهبة في فترة المراهقة، فهو إحساس شائع بين المراهقين، فيبرز على شكل توتر عضلي، وهو عادة سر دفين لا يباح به، وحين يصير المراهق شاباً يخاف بينه وبين نفسه من اختيار المهنة المناسبة، لإحساسه بالقصور وعدم التكافؤ فيصبح واحداً بين الألوف الذين يرغبون بكل بساطة في الحصول على أية مهنة مهما كانت، وأمثال هؤلاء كثيرون، فبعد أن وصلوا إلى أواسط أعمارهم، وجدوا فجأة أنهم غير مرتاحين في حياتهم وغير راضين عما حققوه، ويتملكهم إحساس بأن السنين تمضي من دون أن يحصلوا على نور بسيط من تطلعاتهم وآمالهم، ولكن من الطبيعي أن النتيجة لا تأتي قبل التجربة، فلماذا أنت خائف؟.

إن كل إنسان نجح في المجال الذي يحبه أو العمل الذي يرغبه بدأ من حيث أنت الآن، ومن غير أن يعلم أبداً نتيجة تجربته تلك، ولهذا يجرؤ على التخمين كيف ستكون مقدرته على تحقيق هدفه.

إن خيبة الأمل والإحباط الذي يأتي بعد العزوف عن عمل تحبه ومن غير محاولة لإيجاده يخلق توتراً لا براء منه، ولكن الفرصة لم تفت بعد، أحفر في جوف نفسك حتى تصل إلى جذور خيبة الأمل واكشف عن رغباتك القابعة في أعماق ذاتك، فإذا لم يكن باستطاعتك أن تمارس ما أحببت على شكل مهنة أو وظيفة فلا أقل من ممارسته كهواية، ومن يدعي أن الأوان قد فات، فهو مكابر يتخلق أعذاراً.

هناك من بدأ دراسة الطب في الأربعينات من عمره ومن درس علوم أخرى في السبعينات، وإذا أخلصت لهوايتك بكل طموح واستمتاع، فستصب فيها كل إمكانياتك الخلاقة والتي كانت تسير في غير مجراها، وستجد أن حياتك قد زادت ثراء، وكثيراً ما صار البعض خبراء في هواياتهم واستمروا في جني ثمار جهودهم فيها حتى بعد أن تقاعدوا عن أعمالهم ومهنهم الأصلية، وهناك قلق شائع آخر بين المراهقين، وهو التناقض في المعتقدات والمبادئ، فقد يستطيع الأطفال التعبير عما يجيش في صدورهم، أما حين يكبروا يضطروا إلى كبت هذه التناقضات لكي لا يتعرضوا للوم أو عقاب، وهذا ما يتجسد على شكل توتر ذهني أو بدني، ولو ناقشوا أمورهم مع متعاطف متفهم لأفكارهم ومشاعرهم، لانزاحت عنهم كل آثار القلق والتوتر.

والخوف من الاضطرابات المالية، وذلك إن الاضطراب في تصريف الأمور المالية هو عامل رئيسي وراء عدد لا يحصى من الأمراض كالقلب وقرحة المعدة والتهاب المرارة وغيرها كثير، كما أنها وراء كثير من حالات الانهيار العصبي، فالقلق المستمر وعدم الثقة في الرصيد المالي أو الضمان الاجتماعي، أو المقدرة على موازنة احتياجات المستقبل مع الموارد المالية، كل هذه عوامل ضغط مستمر لا فكاك منها، ويصعب إنهاء المشكلة عملياً بين ليلة وضحاها، ولهذا لا يبحث الموضوع أملاً في تغير الظروف ومن غير أن يقدم الجهد اللازم لأحداث ذلك التغيير، ومع أن هذا الجهد لن يكون أكثر مشقة من إرهاق التفكير المتواصل والقلق من المجهول، فلا الراحة الجسدية تريح الذهن ولا المهدئات تجدي نفعاً، ولا تمارين الاسترخاء العضلي تخفف من الحيرة في تدبر الأمور، فلو تعاملت مع الوضع مباشرة بدلاً من الاستسلام له لوجدت أن ترتيب الأمور المالية ذو فائدة عظيمة لنفسك وذهنك وجسدك، حتى لو تنازلت في أن تحيا حياة أبسط من تلك التي تعودت عليها، فهذا سيعوضك عن القلق الدائم، وتكون بصحة ونوم ومزاج أفضل.

ثم هنالك أيضاً الخوف على العائلة، وهذا خوف منتشر عند ذوي الأعمار المتوسطة، فيخاف العائل على أسرته التي يتحمل مسؤولية تمويلها، ويؤرقه كيف ستستمر الأمور إذا مرض، وماذا سيحدث لهم من بعده وهكذا، وهذا الشعور جانب من شعور عام بعدم الأمان، والخوف من المجهول، وهنا تصادفنا مسالة قد لا يتقبلها الكثيرون، فقد أشرت في البداية أن تخلصنا من مشاعر الخوف تماماً أمر بعيد المنال، فلا بد إذاً من التعايش معه، وأحب أن أذكر أن الأمن الذي ينشده كل فرد أصبح حلماً لا يتحقق في عصر القنبلة الذرية، فالأب كثير التفكير في مستقبل أبناءه، حيث أنه يحاول أن يمدهم بالأمان مالياً ونفسياً وجسدياً، ولكن هدفه مستحيل، لماذا؟ لأن هذا العالم لا يمنح السلام الأبدي، فالتقلبات السياسية، والحروب، والأعاصير، والهزات الاقتصادية وغيرها تلغي ما ندعوه استقراراً .

إن تجارب الماضي في اختفاء دول وسقوط إمبراطوريات والملايين الذين أضحوا فجأة بلا مأوى تثبت هذا القول، ولكن حين يلجاً الأب إلى تعليم ابنه وسائل التكيف مع الخوف باكتساب الأمن الحقيقي ألا وهو القوة الداخلية التي تأتي من توكله على الله والثقة بالنفس والاعتماد على طاقاته الخاصة بدلاً من أموال أبيه والوقوف على قدميه وليس أقدام غيره، بالإضافة إلى تعلم مهنة أو حرفة يعتمد عليها في قضاء شؤونه، بهذا فقط يصير في مأمن من تقلب الأيام وجور الزمن ويستطيع تسخير الظروف في صالحه.

هذا بشكل عام، أما عن النساء فإن الخوف ينقسم إلى شقين، الأول هو ذلك الخوف العميق الذي يعتري كل النساء تقريباً عند سن الأربعين، بسبب القلق من تغير الشكل العام والاضطرابات، ولذا سمي بسن اليأس أي فقدان الأمل في استعادة الشاب الآفل، وبالرغم من العلاجات المعروفة كالجراحات التجميلية، والتمارين وتزيف السن، إلا أنها قد تؤثر على الآخرين فقط، أما ضحية الخوف من الكهولة فلن تخدع إلا نفسها.

ويساعد الطب كثيراً في اجتياز هذه المرحلة بأقل صعوبة تذكر نفسياً وبدنياً، ولكن ما لا يجدي معه الدواء هو الخوف من تقدم السن، وعلاجه الوحيد الاقتناع بأن العمر لا يتوقف أبداً عن التقدم، فهذه حقيقة لا مفر منها وتنطبق على كل كائن حي، وحين تقتنع المرأة أن النهار مهما كان جميلا لا ينفي غروب الشمس في نهايته، سيمكنها بعد هذا أن تقلب مخاوفها الساكنة في الأعماق إلى مرح وإقبال واستمتاع باللحظة الآنية فقط.

فشباب الروح، والإحساس، والتصرف هو لب الحياة وجوهرها ولكن من الخطأ أن تقدم المرأة على هذا كما لو أنها تفعل شائناً أو تخدع الاخرين، بل تمارس لعبة البقاء بكل وعي وصراحة وتقبلها كتحد مستمتعة بها، إن مظاهر الكهولة تنبثق من الداخل اولاً، والتوتر يزيد منها، لذا لا بد من المرونة في بدنها وعقلها حتى تبدو اكثر شباباً ومرحاً.

المرأة الجميلة ليست جذابة بالضرورة، فتمعن في الوجوه لتكشف ذلك البون الشاسع بين الجمال والجاذبية، فالشخصية الجذابة هي التي تنبض بالحياة والحيوية المتدفقة، أما إذا حاولت التستر على مخاوفك، فستعمل على تدمير نفسك بصمت، لأنها تجعلك متوتراً غير محبوب، واجه الأمور وتقبلها لتستعد في كل لحظة تحيا بها، وستقتنع بعد فترة أن السن لا يقيّم بالوقت بل الكيفية التي تحيا بها، ولو ملكت المرأة الشجاعة الكافية لاكتشفت أن علاقاتها الإنسانية تتوسع وتتشعب بمقدار ما تفقد من جمالها كل يوم.

أما عند الرجل فإن هناك مخاوف يشترك فيها معظم الرجال، وهي ترقب الوصول إلى سن الكهولة والتقاعد، أو عدم المقدرة على العمل بحزن وأسى، وبالرغم من بعض الضمانات الاجتماعية وغيرها إلا أن عقدة الخوف تسيطر على النفس وتثيرها.

وليس هناك أصعب من أن نصل إلى سن الشيخوخة بلا قلق أو وجل يعترينا، ولكن بدلاً من رفض هذه الفكرة كلياً، يجب أن نتعلم مواجهتها، وليس الخجل منها أو التهرب من ذكرها ومقاومة المحتوم، أو اعتبار المشكلة غير موجودة أصلاً .

يجب أن نتدرب على الحديث عن سن الكهولة بكل هدوء، وأن نبحث عن وسيلة نستخدمها في ممارسة الهوايات كالزراعة مثلاً والاجتماع مع الاصدقاء، حتى نحمي أنفسنا من التوتر النفسي والذهني، في هذه الفترة الحرجة.

وعلى كل حال فإن المخاوف مشاعر لا مهري منها في كل نفس، وبما أن منعها أمر مستحيل فمن الأجدى أن نتكيف معها بذكاء، حتى نسيطر عليها ولا نكون لها ضحية، والسلوك الذي يجب أن تسلكه هو أن تفرغ الخوف بالحركة، دعنا نفترض أنك تلقيت إنذاراً بالاستغناء عن خدماتك في العمل، فنزل عليك كالصاعقة نظراً لحاجتك الماسة للمال، طبعاً صدمة غير متوقعة، فماذا تفعل؟.

إذا كنت إنساناً عاقلاً فسترفع رأسك عالياً وتبتسم لزملائك، ولكن في لواعج نفسك أنت منقبض خائف من مستقبل غامض، وكلما حاولت خنق تلك الأحاسيس زادت ثورة واضطراماً.. ماذا تفعل إذاً؟.

يجب عليك أن تحافظ على رباطة جأشك، مع الحرص على إيجاد مخرج للمشاعر الحبيسة فيما بعد وبأقرب فرصة، والوسيلة المثلى كي تستأصل هذا التوتر هي الحركة، فبالمشي مسافة طويلة، أو باللجوء إلى بعض التمارين البدنية يمكنك أن تدفع الخوف عن مهاجمة أعصابك، وإلا فشاهد فيلماً ليزول التوتر عبر الأحداث الجديدة فيه، أو حادث صديقاً متفهماً يخفف عنك ويكون أكثر واقعية في تقييم موقفك.

سادس عشر: الملل

إن للملل مضاعفات لا تقتصر على الإحباط النفسي فقط، ولكن تتعداها إلى الأضرار البدنية والذهنية، فحين يهاجم الملل فرداً، يعتريه فتور الهمة والعصبية والإرهاق والخمول، وهو ببساطة حالة ذهنية تترعرع في معزل عن الظروف الخارجية، بل هي موقف العقل من هذه الظروف، والحياة بمتعة إذا أردت اعتبارها كذلك، كما يمكن مقاومة الملل مثله مثل بقية التحديات في الحياة اليومية بملاحظة الأحداث الصغيرة والتفاعل معها بدلاً من إهمالها، وبممارسة الهوايات وبناء العلاقات الجيدة وتطويرها، يجب أن تبعد الملل عن نفسك وإذا وجدتك في مجموعة لا تشاركها ميولها وحديثها ولا تعتقد في آرائها، فاقض وقتك بمراقبة حركاتهم وتعابير وجوههم ونبرات أصواتهم، بدلاً من الضجر والتبرم الذي لا طائل تحته.

إن الملل عدو لك فاهزمه قبل أن ينتصر عليك.

أما كيف تفعل ذلك ؟ فبأن تعمل شيئاً، فالملل يدب إلى قلبك كلما وجده فارغاً، فإذا انشغلت بشيء ما فلا مجال للملل، يقول المثل: «العمل أحد مفاتيح السعادة»، لأن العمل يخرجك من قوقعتك ويدخلك في العالم.

أما عندما تكون وحدك من دون أي عمل، فلا تجد ما تبني أو تهدم، فسوف تكون كئيباً أو حزيناً، إن الفراغ يقضم القلب، ولا انفع من العمل لطرد الملل.

سابع عشر: التفكير السلبي

إذا أردت أن تمنع العادة من أن تجد طريقها إلى قلبك، فاجعل تفكيرك سلبياً، تذكر الأوقات التي ظلمت فيها والظروف التي عاملك فيها الآخرون بقسوة، ولا تنسى أن تقول لنفسك: «إن الجميع بلا استثناء يسيئون فهمي ومعاملتي»، ولا تدع الأفكار المرحة تجد لها مكاناً في حياتك، وكلما فكرت في مواطن قوتك اطمسها وركز على نقاط الضعف، ولا بد من أن يكون لهذا التفكير السلبي قوة هائلة في توليد القلق والهم والكآبة لديك.

إن الإنسان قادر على توليد المشاكل والأمراض لنفسه، كما هو قادر على حل المشاكل ومعالجة الأمراض، فالذي يوجه تفكيره نحو السلبيات فهو سيجلب لنفسه التعاسة والشقاء، أما الذي يوجهه نحو الإيجابيات فإنه يجلب لها السعادة.

_______________________________

(1) غرر الحكم ودرر الكلم.

(2) ميزان الحكمة. 

 شعار المرجع الالكتروني للمعلوماتية




البريد الألكتروني :
info@almerja.com
الدعم الفني :
9647733339172+