1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

التوحيد

النظر و المعرفة

اثبات وجود الله تعالى و وحدانيته

صفات الله تعالى

الصفات الثبوتية

القدرة و الاختيار

العلم و الحكمة

الحياة و الادراك

الارادة

السمع و البصر

التكلم و الصدق

الأزلية و الأبدية

الصفات الجلالية ( السلبية )

الصفات - مواضيع عامة

معنى التوحيد و مراتبه

العدل

البداء

التكليف

الجبر و التفويض

الحسن و القبح

القضاء و القدر

اللطف الالهي

مواضيع عامة

النبوة

اثبات النبوة

الانبياء

العصمة

الغرض من بعثة الانبياء

المعجزة

صفات النبي

النبي محمد (صلى الله عليه وآله)

الامامة

الامامة تعريفها ووجوبها وشرائطها

صفات الأئمة وفضائلهم

العصمة

امامة الامام علي عليه السلام

إمامة الأئمة الأثني عشر

الأمام المهدي عجل الله فرجه الشريف

الرجعة

المعاد

تعريف المعاد و الدليل عليه

المعاد الجسماني

الموت و القبر و البرزخ

القيامة

الثواب و العقاب

الجنة و النار

الشفاعة

التوبة

فرق و أديان

علم الملل و النحل ومصنفاته

علل تكون الفرق و المذاهب

الفرق بين الفرق

الشيعة الاثنا عشرية

أهل السنة و الجماعة

أهل الحديث و الحشوية

الخوارج

المعتزلة

الزيدية

الاشاعرة

الاسماعيلية

الاباضية

القدرية

المرجئة

الماتريدية

الظاهرية

الجبرية

المفوضة

المجسمة

الجهمية

الصوفية

الكرامية

الغلو

الدروز

القاديانيّة

الشيخية

النصيرية

الحنابلة

السلفية

الوهابية

شبهات و ردود

التوحيـــــــد

العـــــــدل

النبـــــــوة

الامامـــــــة

المعـــاد

القرآن الكريم

الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)

الزهراء (عليها السلام)

الامام الحسين (عليه السلام) و كربلاء

الامام المهدي (عليه السلام)

إمامة الائمـــــــة الاثني عشر

العصمـــــــة

الغلـــــــو

التقية

الشفاعة والدعاء والتوسل والاستغاثة

الاسلام والمسلمين

الشيعة والتشيع

اديان و مذاهب و فرق

الصحابة

ابو بكر و عمر و عثمان و مشروعية خلافتهم

نساء النبي (صلى الله عليه واله و سلم)

البكاء على الميت و احياء ذكرى الصاحين

التبرك و الزيارة و البناء على القبور

الفقه

سيرة و تاريخ

مواضيع عامة

مقالات عقائدية

مصطلحات عقائدية

أسئلة وأجوبة عقائدية

التوحيد

اثبات الصانع ونفي الشريك عنه

اسماء وصفات الباري تعالى

التجسيم والتشبيه

النظر والمعرفة

رؤية الله تعالى

مواضيع عامة

النبوة والأنبياء

الإمامة

العدل الإلهي

المعاد

القرآن الكريم

القرآن

آيات القرآن العقائدية

تحريف القرآن

النبي محمد صلى الله عليه وآله

فاطمة الزهراء عليها السلام

الاسلام والمسلمين

الصحابة

الأئمة الإثنا عشر

الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

أدلة إمامة إمير المؤمنين

الإمام الحسن عليه السلام

الإمام الحسين عليه السلام

الإمام السجاد عليه السلام

الإمام الباقر عليه السلام

الإمام الصادق عليه السلام

الإمام الكاظم عليه السلام

الإمام الرضا عليه السلام

الإمام الجواد عليه السلام

الإمام الهادي عليه السلام

الإمام العسكري عليه السلام

الإمام المهدي عليه السلام

إمامة الأئمة الإثنا عشر

الشيعة والتشيع

العصمة

الموالات والتبري واللعن

أهل البيت عليهم السلام

علم المعصوم

أديان وفرق ومذاهب

الإسماعيلية

الأصولية والاخبارية والشيخية

الخوارج والأباضية

السبئية وعبد الله بن سبأ

الصوفية والتصوف

العلويين

الغلاة

النواصب

الفرقة الناجية

المعتزلة والاشاعرة

الوهابية ومحمد بن عبد الوهاب

أهل السنة

أهل الكتاب

زيد بن علي والزيدية

مواضيع عامة

البكاء والعزاء وإحياء المناسبات

احاديث وروايات

حديث اثنا عشر خليفة

حديث الغدير

حديث الثقلين

حديث الدار

حديث السفينة

حديث المنزلة

حديث المؤاخاة

حديث رد الشمس

حديث مدينة العلم

حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه

احاديث متنوعة

التوسل والاستغاثة بالاولياء

الجبر والاختيار والقضاء والقدر

الجنة والنار

الخلق والخليقة

الدعاء والذكر والاستخارة

الذنب والابتلاء والتوبة

الشفاعة

الفقه

القبور

المرأة

الملائكة

أولياء وخلفاء وشخصيات

أبو الفضل العباس عليه السلام

زينب الكبرى عليها السلام

مريم عليها السلام

ابو طالب

ابن عباس

المختار الثقفي

ابن تيمية

أبو هريرة

أبو بكر

عثمان بن عفان

عمر بن الخطاب

محمد بن الحنفية

خالد بن الوليد

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

عمر بن عبد العزيز

شخصيات متفرقة

زوجات النبي صلى الله عليه وآله

زيارة المعصوم

سيرة وتاريخ

علم الحديث والرجال

كتب ومؤلفات

مفاهيم ومصطلحات

اسئلة عامة

أصول الدين وفروعه

الاسراء والمعراج

الرجعة

الحوزة العلمية

الولاية التكوينية والتشريعية

تزويج عمر من ام كلثوم

الشيطان

فتوحات وثورات وغزوات

عالم الذر

البدعة

التقية

البيعة

رزية يوم الخميس

نهج البلاغة

مواضيع مختلفة

الحوار العقائدي

* التوحيد

* العدل

* النبوة

* الإمامة

* المعاد

* الرجعة

* القرآن الكريم

* النبي محمد (صلى الله عليه وآله)

* أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)

* فضائل النبي وآله

* الإمام علي (عليه السلام)

* فاطمة الزهراء (عليها السلام)

* الإمام الحسين (عليه السلام) وكربلاء

* الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

* زوجات النبي (صلى الله عليه وآله)

* الخلفاء والملوك بعد الرسول ومشروعية سلطتهم

* العـصمة

* التقيــة

* الملائكة

* الأولياء والصالحين

* فرق وأديان

* الشيعة والتشيع

* التوسل وبناء القبور وزيارتها

* العلم والعلماء

* سيرة وتاريخ

* أحاديث وروايات

* طُرف الحوارات

* آداب وأخلاق

* الفقه والأصول والشرائع

* مواضيع عامة

العقائد الاسلامية : التوحيد : اثبات وجود الله تعالى و وحدانيته :

المنهج القرآني في الاستدلال على وجود الخالق

المؤلف:  محمد حسن آل ياسين

المصدر:  أصول الدين

الجزء والصفحة:  ص30-79

4-08-2015

1738

[لابد من الرجوع] الى القرآن الكريم لنقرأ ما تضمنه من براهين و نقف على ما جاء في طياته من أدلة و شواهد على هذه الحقيقة الخالدة.

 كان اهتمام القرآن بهذا الامر و بتكرير البراهين عليه بمختلف الوسائل و الاساليب يفوق اهتمام كل الكتب السماوية المنزلة، بل لا نجد فيها ما نراه في القرآن من دلائل و شواهد، و ايقاظ و تنبيه للعقول الجامدة الجاحدة.

و لعل السبب في ذلك ان التوراة لم تكن مهتمة بإقناع الملحدين و المرتابين، لأنها كانت تخاطب اناسا يؤمنون بإله اسرائيل و لا يشكون في وجوده. فكان اهتمامها كله منصبا على تحذير هؤلاء من غضب الآله و من عاقبة الايمان بغيره و تذكيرهم بوعده ووعيده ان نسوا او تماهلوا في واجباتهم.

وكذلك الاناجيل لم يكن بينها- حين ظهورها- و بين المذاهب الاسرائيلية نزاع على وجود اللّه تعالى، بل كان كل الخلاف منصبا على نفاق الرؤساء و الكهان و استغلالهم الدين و الشعائر في الاثراء و كسب المال و تحصيل الجاه.

و لما ظهر الاسلام و نزل القرآن كان الناس في اختلاف كبير من هذه الناحية، فملحد و مشرك و تابع توراة و انجيل، و لكل منهم رأيه الخاص في الرب و طريقة العبادة، فكان لا بد للقرآن ان يولي هذه الناحية اهتمامه الكبير، لان المخاطبين بالدعوة الاسلامية في حاجة ماسة لا قناعهم بالأمر و ارشادهم الى طريق الصواب.

ثم لما كان الاسلام خاتم الاديان و القرآن خاتم الكتب و كان مقدرا لهذا الدين و هذا الكتاب الاستمرار في تنظيم شئون الناس من الناحية العقائدية و الدنيوية الى يوم القيامة، كان لزاما على القرآن ان يعنى بهذا الجانب كل العناية، فيقيم الادلة الثابتة على وجود اللّه تعالى، و يلفت انظار الملحدين و المشككين و الجهال الى خالق الكون و الى آثاره العظيمة الجبارة الدالة على وجوده و كماله- عز وعلا- ويغلق الطريق دون‏ تسرب الشبهات الطارئة بما يورده من ادلة العقل وشواهد الآثار.

وهكذا توجهت كل الآيات القرآنية المعنية بهذا الموضوع الى عقل الانسان توقظه من سباته برفق، و تسير به نحو الغاية بتؤدة، و ترشده الى الطريق السوي بلين و يسر، و تبسط امامه شواهد الخلق و آثار الصنعة بجلاء ووضوح، و تنبهه على دقائق الكون وحقائقه بحكمة وهدوء، و توصله الى نتائج هذه الجولة بكل أناة و قناعة و يقين.

{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164] { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ } [آل عمران: 190].

لقد توجهت مجموعة من الآيات الشريفة الى البرهنة على وجود اللّه تعالى من طريق التأمل في خلق الانسان وما ضمنه‏ هذا الخلق من تعقيدات و شئون لا يمكن ان تكون بلا قدرة قادر و تصميم خالق.

{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة: 58، 59] {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: 5 - 7]

{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35] {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} [الروم: 20].

 {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ } [النحل: 78]

فماذا تضمن خلق الانسان من عجائب و غرائب و شواهد على وجود اللّه تعالى؟

يقول العلم الحديث:

إن الإنسان يتكون في أصله من خلية واحدة، و هذه الخلية هي وحدة البناء في كل مخلوق. و كل خلية تدثر نفسها بجدار رقيق غير حي، يحدد لها شكلها و كيانها، ثم يحيط بها من داخل هذا الجدار غشاء حي شفاف رقيق غاية الرقة، هو الذي يتحكم في دخول جزئيات الى الخلية أو خروج جزئيات منها.

و ندخل بعد ذلك الى ساحة تتكدس فيها بلايين فوق بلايين من الجزيئات الكيميائية المختلفة. الا ان لهذه الجزيئات اقدارا في عالمها ذات حدود، فمنها ما هو صغير لا يزيد على كونه ذرتين (كجزيئات ملح الطعام)، او ثلاث ذرات (كجزيئات الماء)، أو اربعا، او خمسا، او عشرا، او مائة، او الفا، حتى نصل الى جزئيات يتكون كل منها من عشرات الالوف من الذرات (مثل الجزيئات البروتينية و الوراثية) وفي هذه الساحة تتفاعل آلاف الانواع من الجزيئات في‏ وسط مائي لتبني انواعا و تهدم اخرى، حسبما تتطلبه عمليات الحياة، و كأن في داخل هذه الساحة الدقيقة مصنعا كيميائيا حيويا تجري فيه العمليات بسرعة و كفاءة تعجز امامها امكانيات البشر. فنحن لا نستطيع حتى الآن ان نبني جزئيا بروتينيا متوسطا، في حين ان الجزيء نفسه في داخل خلية حية لا يمكث تصنيعه الا ثواني معدودات.

و ليست صناعة البروتين هنا وحدها في الميدان فهناك آلاف من العمليات الكيميائية المختلفة تجري في كفاءة و دقة و نظام تحت اشراف حازم من ادارة الخلية او هيئتها الحاكمة، و هي ادارة كيميائية، قوامها جزئيات عملاقة.

و في نواة الخلية او ادارتها الحاكمة ترسم و تخطط عظائم الامور.

و تضم الخلية جزئيين اثنين هما اثمن ما في الحياة و اعقد ما فيها:

اولهما: حامض له اسم كيميائي طويل (حامض دي اوكسي ريبونيوكليك) و يطلق عليه من باب الاختصار اسم (ح. د. ن).

و ثانيهما: حامض آخر اسمه (حامض ريبونيوكليك) و يطلق عليه اختصارا أيضا اسم (ح. ر. ن).

ان (ح د ن) يشبه (ح ر ن) في كل شيء إلا تغييرا طفيفا في (ح ر ن). و من هذا التغيير الكيميائي او السياسة الكيميائية اصبح هناك من له السلطة كلها في عالم الخلية فالجزئيات الوراثية (ح د ن) هي السيد في عالمها و (ح ر ن) اقل منها درجة. و ان اعظم حدث في حياة الخلية هو الطريقة التي يضاعف بها (ح د ن) السيد، جزئياته و يخلق منها صورة طبق الأصل منه، و ان هذه الصورة تستمر في الانسان ملايين السنين دون ان تتغير، و كذلك تستمر في الحمار والضفدعة.

ومن اجل هذا كان انسان و حمار و ضفدعة. فصفات كل مخلوق مرسومة و مقدرة على جزئيات (ح د ن).

و يقوم (ح د ن) بارسال مبعوثه (ح ر ن) لكي يخلق جزئيات اخرى عملاقة؛ يكون لها السيطرة على الجزيئات الاقل منها شأنا، و هذه يكون لها السيطرة على جزئيات اقل و اقل، حتى نصل الى الجماهير الجزيئية الكثيرة التي تدخل في المعمعة.

و هذه الخلية الواحدة العملاقة التي يتكون منها الانسان‏ هي التي توجد الصلب من العظام و نصف الصلب من الغضاريف و الرخو من اللحم، و هي نفسها تكون اللزج من الانسجة و السائل من الدماء، و تكون- بالآخرة- الانسان كله بكل اعضائه و اجزائه و جوارحه، و منها ينشأ الطويل و القصير و الابيض و الاسود على السواء. و هذه الخلية عبارة عن حياة معقدة امكن للعلم ان يكتشف تركيبها و يقيس حركتها و يحلل مادتها و طريقة انقسامها، اما سر الحياة فيها فهو ما وقف العلم و العلماء عنده يعترفون بأن هنا اللّه.

وهذا الجنين في بطن أمه كيف يتغذى و كيف يتنفس و كيف يقضي حاجاته و كيف تفرز اجهزته و كيف روعي في الحبل السري الذي يربطه بأمه ليتغذى به أن يحقق غرضه، بلا طول قد يسبب تخمر الغذاء فيه قبل وصوله الى الجنين، او قصر قد يؤدي الى اندفاع الغذاء إليه بما قد يؤذيه؟

وعند ما يبلغ الحمل نهايته تفرز غدد الانثى افرازات كثيرة متعددة الاغراض، منها ما يساعد على انقباضات الرحم و تقلصاته، و منها ما يسهل عملية انزلاق الجنين، و منها ما يعمل على مساعدة المولود في ان يكون نزوله بالوضع الطبيعي.

و باعتبار ان الثدي غدة فهو يفرز في نهاية الحمل و بدء الوضع سائلا ابيض يميل الى الصفرة، و من عجيب الصنع ان هذا السائل عبارة عن مواد كيميائية ذائبة تقي الطفل من عدوى الامراض. و في اليوم التالي للولادة يبدأ اللبن في التكوين، و من تدبير المدبر الاعظم ان يزداد مقدار اللبن الذي يفرزه الثدي يوما بعد يوم، بل ان تركيب اللبن تتغير نسب مكوناته و تتركز مواده، فهو يكاد يكون ماء به القليل من النشويات و السكريات في اوّل الامر، ثم تتركز مواده فتزيد نسبته النشوية و السكرية و الدهنية فترة بعد اخرى.

و بتزايد نمو الطفل تبدأ الأسنان في الظهور لتهيئة الطفل لتناول الطعام، و الاسنان نفسها تعتبر آية من آيات وجود اللّه، فهي تختلف من قواطع في وسط الفم و قرب فتحته لقطع الطعام، الى أنياب بجانبها للمعاونة في تمزيقه، ثم أضراس صغيرة فكبيرة على كل جانب لهرس و طحن الطعام. و قد حاول العلماء جاهدين عند محاولة صنع الاسنان الصناعية ان يستنبطوا طريقة اخرى او يغيروا من وضع الاسنان فاعترفوا بقدرة الخالق عند ما قرروا ان ابدع و اكمل نظام يمكن للأسنان أن أتكون عليه هو النظام الطبيعي، فلذلك صنعوا «أطسم» الاسنان على شاكلة الاسنان الطبيعية.

و عند ما يحجب الطفل عن الرضاعة و يبدأ في الاكل تظهر آيات اللّه اكثر فأكثر بما يشاهد من جليل الصنع على تهيئة الانسان بما يحقق له حفظ حياته، فنجد في فم الانسان فتحات الانف الداخلية و فتحة التنفس في اوّل القصبة الهوائية و فتحة البلعوم اوّل القناة الهضمية، و يقول العلم: ان أية ذرة من غبار تضل طريقها و تصل الى القصبة الهوائية لا بد ان تطرد، و ما السعال الا محاولة لطرد غبار وصل الى القصبة الهوائية، فكيف تدخل- اذن- البلعة الغذائية الى فتحة القناة الهضمية و لا تدخل في فتحة القصبة الهوائية برغم تلاصق فتحتيهما، علما بأن اي ذرة من الغبار- فضلا عن الأكل و الشرب- تقتحم القصبة الهوائية تفضي الى الموت. نعم: تدفع اللهاة الى أعلى عند البلع و يسد ما يسمى ب «اللسان الصغير» طريق التنفس حتى تدخل البلعة الغذائية، و لم يحدث ان أخطأ هذا اللسان الصغير في عمله على الرغم من انه ينظم المرور في هذه المنطقة و بين هذه الفتحات آلاف المرات في كل يوم.

و يتم هضم الغذاء اي تحويله من مواد صلبة معقدة الى‏ اخرى سائلة سهلة الامتصاص بعمليات دقيقة غاية الدقة تقوم خير دليل على وجود اللّه، فكل ما يأكله الانسان من صلب و جامد وسائل و لزج و مر و حلو و ثقيل و خفيف و حريف و لادع و ساخن و بارد، كلها تهضم بمواد واحدة و طريقة واحدة، و هذه المواد التي يتغذاها الانسان على اختلافها يتلقاها جسم الانسان فيدفعها في طريقها المرسوم لتصب عليها الغدد افرازاتها الحمضية و عصارتها ذات التركيز المقدر الذي لو قل قليلا لما هضم الطعام و لو زاد زيادة طفيفة لاحترق الجسم.

و تدخل البلعة الغذائية في الفم فتبدأ اولى مراحل الهضم، و ذلك بخلط الغذاء باللعاب الذي تفرزه الغدد اللعابية. و هذا اللعاب اوّل مراتب الهضم لاحتوائه على خميرة خاصة، و هو يساعد على خفض درجة حرارة الطعام ان كان ساخنا و كسر حدة برودته ان كان مثلجا، كما انه عامل اساسي في معادلة المواد الحريفة و تخفيف اثر التراكيب اللاذعة، و تنزلق بعد ذلك اللقمة او البلعة مختلطة باللعاب الى البلعوم فالمري ثم المعدة التي تفرز حامض الكلورودريك ذا النسبة الخاصة المعدة بعناية، فتبلغ درجته من أربعة الى خمسة في الألف، و لو زاد تركيز هذا الحامض على ذلك زيادة طفيفة لا حرق‏ انسجة المعدة حرقا تاما. و تتوالى بعد ذلك الافرازات و العصارات في مختلف اجزاء الجهاز الهضمي الكبير، فهذه عصارة الامعاء، و تلك افرازات الصفراء و البنكرياس و غيرها، و كلها افرازات تلائم حالة الغذاء الذي وصل إليها.

و يقول العلم ان هذه العصارات التي تفرزها المعدة و الامعاء، و كذلك المخاط الذي يبطن جدرها، من العوامل الرئيسية في مواجهة غزو الميكروبات: العصارات توقف نشاطها، و المخاط يقف حائلا بينها و بين الانسجة الرقيقة حيث يمنع تقدمها و يوثقها كتافا حتى يلقيها الى الخارج مع فضلات الطعام.

و لم تعرف الا منذ سنين قليلة وظائف الغدد المسماة بالغدد الصماء، تلك المعامل الكيماوية الصغيرة التي تمد الجسم بالتركيبات الضرورية، و التي تبلغ من قوتها ان جزءا من بليون جزء منها لو اختل لا حدث آثارا في الانسان. و هي مرتبة بحيث ان افراز كل غدة يكمل افراز الغدة الاخرى، و ان اي اختلال في افرازها قد يبلغ حد الخطورة اذا دام مدة من الزمن.

و من أعجب ما يلفت النظر ما قرره العلم من ان للأمعاء الدقاق التي يبلغ طولها ستة امتار و نصف حركتين لا اراديتين:

الاولى حركة خلط مستمر هدفها مزج الطعام بمختلف عصارات الامعاء و خمائرها مزجا تاما حتى يكون الهضم عاما، و الحركة الثانية: عرض الطعام المهضوم على اكبر مساحة ممكنة في الامعاء كي تمتص منه أكبر قدر ممكن، ثم يأتي بعد ذلك دور الهضم في الامعاء الغلاظ التي تفرز آخر اجزاء المواد المهضومة حتى لا تخرج من الجسم الا الفضلات التي لا فائدة منها للإنسان.

و في جسم الانسان بالإضافة الى هذه المواد الكيميائية المعقدة و المختلفة ميكروبات و جراثيم و بكتريا، و يقول المختصون: انه اذا زاد عدد نوع منها عن المقدر له أو قل عمل نوع آخر او اختلفت نسبة هذه الاحياء بعضها لبعض فان ذلك يؤدي الى الهلاك.

و هذه الاحياء تفرز افرازات و تقوم بنفسها بتحويل الغذاء العسر الى يسر و الصعب الى سهل و المعقد الى بسيط و الضار الى نافع. و لمعرفة ماهية هذه الاحياء يكفي ان نعلم ان العلماء قد قدروا عدد الموجود منها بالمعدة بحوالي مائة الف في السنتيمتر المكعب الواحد.

و يغلف الجسم ستار محكم بديع هو الجلد، و على الرغم من كونه ذا مسام تفرز الماء الى خارج الجسم فإنها لا تمتص الماء الى داخل الجسم مطلقا. و لما كان الجلد معرضا لهجمات الميكروبات و الجراثيم التي تسبح في الجو فقد تم تسليحه بإفرازات قادرة على قتل تلك الميكروبات، أما اذا تغلبت الجراثيم و اجتازت منطقة الجلد فهنا تبدأ عملية حربية منظمة تسرع إليها فرقة حراس الحدود و تضرب حصارا شديدا حول عدوها المغير فإما ان تهزمه و تطرده خارج الجسم و اما ان تندحر و تموت هذه الفرقة فتتقدم فرقة اخرى و اخرى و هكذا حتى النصر، و هذه الفرق هي كريات الدم التي يبلغ عددها حوالي ثلاثين الف بليون كرة بين بيضاء و حمراء، فاذا رأيت بثرة حمراء و فيها صديد على الجلد فأعلم ان صديدها اشلاء فرق ماتت في سبيل اداء واجبها، و ان الاحمرار هي كريات دم في صراع مع عدو غادر.

و اذا اردنا ان نتريث قليلا عند الجلد لنعرف اهميته و دوره و عجائب الصنعة فيه فان اوّل ما يثير الانتباه انه اكبر عضو في الانسان، و تبلغ مساحته- في انسان بالغ متوسط الحجم- حوالي ثلاثة آلاف بوصة مربعة «ما يقرب من مترين‏ مربعين»، و تنتشر في كل بوصة مربعة منه عشرات من الغدد الدهنية؛ و مئات من الغدد العرقية؛ و مئات اخرى من نهايات خلايا عصبية: و عدة اقدام من الشعيرات الدموية؛ و ملايين من الخلايا.

و مهما قيل عن نعومة البشرة و استواء ملمسها؛ الا انها في الواقع ليست كما تراها العين المجردة، فلو نظرنا إليها بعيون ميكروسكوبية تكبرها لنا آلاف المرات لظهرت البشرة و كأنما هي تلال صغيرة متموجة من وراء تلال؛ و بينها تتوزع حفر صغيرة كأنها فتحات الآبار: فتحات تخرج دهونا لتزييت سطح البشرة و تنضح عرقا هو بمثابة جهاز للتكييف اذا اشتدت درجة الحرارة، و تبرز منها شعيرات كسيقان النباتات.

و على سطح البشرة- و من خلال العين الميكروسكوبية- تستطيع ان ترى عوامل التعرية بوضوح. و عوامل التعرية هذه نعرفها في عالمنا المنظور من خلال ما يحدث في الجبال و الصخور و الشواطئ من تآكل بفعل الزمن؛ او ان شئت الدقة بفعل ما تتعرض له من الاحتكاك مع جزئيات الهواء و الماء او الرمال المحملة في الاعاصير او لاختلاف درجة الحرارة .. الخ.

و كذلك تتعرى بشرتنا عن طريق الاحتكاك الحادث بينها و بين ما نلبسه؛ او عن طريق حلاقة او تمشيط او غسل او هرش او دعك؛ أيا كان نوعه و قوته او ضعفه. و النتيجة اننا نرى التعرية في بشرتنا على هيئة قشور رقيقة من الصعب ان نراها بعيوننا، و لكننا لو فحصناها بميكروسكوب لوجدناها خلايا قد فقدت حياتها و تركت عالمها الذي كانت تحميه الى غير رجعة.

و يفقد الجلد الملايين من هذه الوحدات يوميا، و لو سارت عملية الفقد دون تعويض لظهر الانسان كالمسلوخ، و اذن فلا بد لهذا الفقد المستمر من تموين و تعويض لتعبئة المزيد من خلايا جديدة تحل محل الذاهب و المفقود. و تقوم آخر طبقة من البشرة بمهمة التموين و التعبئة هذه، و لا تكف عن ذلك ما دامت في المخلوق حياة، و هي تنتشر و تغلف كل الجسم بغلالة رقيقة جدا هي طبقة واحدة من خلايا شابة لا تهرم ابدا و لا تتوقف عن الانقسام مطلقا، و الشعيرات الدموية من تحتها تغذيها دائما؛ لتعبئ كل يوم ملايين جديدة من الخلايا و تدفع بها الى الخارج.

و مما يجب ان لا ننساه و نحن نتحدث عن جسم الانسان بأن جزء من اذنه انما هو سلسلة من نحو أربعة آلاف حنية (قوس) دقيقة معقدة، متدرجة بنظام بالغ، في الحجم و الشكل. و يمكن القول بأن هذه الحنيات تشبه آلة موسيقية، و هي معدة و مصممة بحيث تلتقط و تنقل الى المخ، بشكل ما، كل وقع صوت او ضجة، من قصف الرعد الى حفيف الشجر.

و هكذا نجد فيما سلف و في غيره من عجائب اجهزة الانسان في سمعه و بصره و شمه و ذوقه و عظمه و عصبه و غدده و عضله و دورته الدموية و كليته ما يدهش الفكر و يقيم الف دليل و دليل على ان هذا النظام الدقيق في هذا الجسم لم يخلق عشوائيا و لم يوجد صدفة و لم يحدث نتيجة حركة المادة الصماء العمياء المتخبطة.

و يحسن بنا ان نختم هذا الحديث بوقفة عند أعجب جهاز اكتشفه العلم الحديث في جسم الانسان، و هو «الكروموسومات».

الكروموسومات خيوط دقيقة تدثرها النواة بغلاف رقيق يفصلها عما حولها، و كأنها بهذا تريد ان تتفرغ لمهمتها الاساسية التي وجدت من اجلها، و لكن هذا الغلاف لا يمنع‏ الا مدادات و التموين من المركبات الكيميائية الاخرى التي تندفع إليها مما حولها من السيتوبلازم لتبني بها جزئياتها، و لتتخلق منها جزئيات اخرى تتطلبها عمليات الحياة.

و تتركب الكروموسومات من جزئيات (د. ن. أ) او سمها الجزيئات الوراثية، التي تورثك طولك و قصرك، و لون شعرك و عينيك و جسمك، و فوق كل هذا آدميتك، ثم هي التي تترابط لتخلق من الحصان حصانا و من القرد قردا، و هي التي تجعل المخلوقات تتسلسل بالصورة نفسها و تصبح شبيهة لأسلافها منذ ملايين السنين، فلا ترى الانسان يلد حمارا، و لا الحمار قردا، و لا تعطي الاشجار طيورا بدل الازهار.

كل تلك الصفات تكمن في (د. ن. أ).

اما طريقة بناء هذا الجزي‏ء فطريقة فذة رائعة، فهو مبني على شكل سلم لولبي حلزوني كله من ذرات متراصة تتجمع مرة لتكون سكرا خاصا اسمه ريبوز لا يعرف العلماء كيف يتخلق و لا من اين يجيء، و هذا يرتبط مع جزأي من الفوسفات، و يتكرر دوران هذا السلم اللولبي حول نفسه (سكر و فوسفات) ملايين المرات، و لا بد له ان يدور و يدور.

ودرجات هذا السلم الطويل من أثمن ما عرفه عالم الكيمياء، فهي تتكون من اربع قواعد هي: آدينين، و ثيمين، و غوانين، و سيتوسين، و ترتبط الاولى بالثانية دائما لتصنع سلما، و الثالثة بالرابعة- دائما أيضا- لتصنع سلما آخر، و هكذا.

اما لما ذا لا يتبادل الاول مع الثالث او الرابع في تكوين سلم؟ و ما الذي يمنعه من ذلك؟

تمنعه من هذا هندسة الدوران، و المسافات و الزوايا، فلكل منها حيز محدد يجب ان تحل فيه دون غيره.

و لعل اجلى مظاهر العظمة و الروعة في هذه العملية ذلك الذي يحدث فيها عند ما تريد تخليق جزأي جديد، فان ذلك السلم اللولبي الحلزوني يبدأ يدور حول نفسه عكسيا عشرة ملايين دورة ينتهي به الامر الى شيء اشبه بالشريط او الحبال غير المجدولة، و لم يتوصل العلم حتى الآن الى معرفة سر القوة او الطاقة التي تجعله يدور ليفك نفسه من لفاته.

و بقدرة قادر ينشق هذا السلم من نصفه شقا طوليا، كأنه شق بمنشار، و تنشق ملايين الدرجات السلمية كذلك من‏ منتصفها، و عندئذ يبدأ اعظم حدث في عملية تخليق الجزي‏ء، فتندفع من خلال جدار النواة الى الداخل جزئيات او احجار بنائية: سكر و فوسفات و آدينين و ثيمين و غوانين و سيتوسين، و كلها ما عدا الفوسفات تتخلق و تتكون بطريقة سحرية، ثم تجري و تدور حول انصاف السلالم (او الدرجات) و يعرف كل جزأي صغير من هذه الجزيئات مكانه و زواياه، فبعضها يكمل انصاف السلالم و بعضها يكون الطرف الثاني الجديد لهذه الانصاف، و عند ما تكتمل العملية يتكون طرف جديد لكل نصف و تبدأ عملية (سكر و فوسفات) ليحدث لدينا سلمان كاملان او جزئيان ضخمان، ثم تبدأ عملية عشرة ملايين دورة جديدة في كل سلم ليلف نفسه كالخيط المغزول و تليها عملية عشرة ملايين دورة أيضا في الاتجاه العكسي ليفك نفسه و لينقسم مرة اخرى، فينتج جزئيا جديدا، و هكذا دواليك.

و جزئ (د. ن. أ) ليس خاصا بالإنسان ، و انما هو موجود في كل كائن حي من الميكروب الى الحشرة الى الفيل الى الحيات. انها الوحدات الاساسية التي تدخل في تركيب و تناسق جزئيات الحياة، و لقد اثبت التحليل الكيميائي ان‏ القواعد التي بنته و شيدته لا تختلف في تراكيبها في كل الكائنات الحية. اذن، فلما ذا اختلفت الكائنات بصورها التي نراها اليوم؟

يذهب بعض العلماء الى ارجاع سر هذا الاختلاف الى كمية جزئيات (د. ن. أ) التي تكون الامشاج و الى نظام القواعد الاربع التي سبق ذكرها في تراكبها خلال ذلك السلم الطويل.

و مع ذلك فلم يقل احد ما يقنع و يرضي.

ان عددا من العلماء الذين تفرغوا لدراسة «حل لغز الحياة» قد كتبوا و الفوا و بحثوا و كثيرا ما استعملوا في التعليل كلمات «ربما» و «نفترض» و «لعل» و ما زالوا حتى اليوم يكررون هذه الالفاظ لان اسرار الحياة لم يكشف عنها الغطاء.

ان في النواة كروموسومات، و الكروموسومات تتكون من جينات او مورثات، و المورثات ينضوي تحت لوائها جزئيات (د. ن. أ)، و جزئيات (د. ن. أ) تكونها جزئيات. اصغر، و الجزيئات الأصغر تكونها ذرات. انه بناء في داخل بناء في داخل بناء في داخل بناء.

 

و اتجهت مجموعة اخرى من الآيات الشريفة الى البرهنة على وجود اللّه تعالى من طريق بيان خلق الحيوان و ما اشتمل عليه من دقة و نظام لا يمكن تحققهما عفويا و على سبيل المصادفة و الاحتمال مطلقا.

{وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } [النور: 45].

{وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ} [فاطر: 28]

{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: 38]

{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ} [الملك: 19]

{وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 5، 8] .

 

يقدر العلماء فصائل الحيوان بأكثر من مليوني فصيلة.

و الاماكن التي تعيش فيها هذه الفصائل مختلفة، منها البر و منها البحر، و للبر و البحر مجالاته المختلفة لسكنى الحيوانات المختلفة، و قد اختلفت اجهزة هذه الحيوانات تبعا لذلك اختلافا كبيرا، بحيث تلائم البيئة التي تعيش فيها، و الغذاء الذي يتوفر لها.

و الفم هو اوّل مراحل الهضم، و قد صمم تصميما عظيما يدل على عظمة مصممه و موجده. فالحيوانات المفترسة كالآساد و الذئاب و ما كان على شاكلتها من الحيوانات التي تعيش في الصحارى و الفلوات و لا غذاء لها الا ما تفترسه من كائنات لا بد لها من مهاجمتها، فقد زودت بأنياب قاطعة و اسنان حادة، و لما كانت في هجومها محتاجة الى استعمال عضلاتها كانت لا رجلها عضلات قوية سلحت بأظافر و مخالب حادة و حوت معدها الاحماض و المواد الهاضمة للحوم و الطعام.

ومن الحيوانات اصناف تعيش على المراعي، و يعنى بها الانسان فيوفر لها غذاء قوامه النباتات و الشجيرات و الحشائش و قد صممت اجهزتها الهاضمة بما يتناسب مع البيئة، فأفواهها واسعة نسبيا، و قد تجردت من الانياب القوية و الاضراس الصلبة، و اعطيت بدلا منها الاسنان التي تكون ميزتها القضم و القطع، فهي تأكل الحشائش و النباتات بسرعة، و تبتلعها بسرعة دفعة واحدة. و قد صنع لهذه الاصناف اعجب اجهزة للهضم، فالطعام الذي تأكله ينزل الى الكرش و هو مخزن له، فاذا ما انتهى عمل الحيوان و جلس للراحة ذهب الطعام من الكرش الى تجويف آخر، ثم عاد الى الفم ليمضغ ثانية مضغا جيدا، حيث يذهب بعد ذلك الى تجويف ثالث ثم رابع. و كل‏ هذه العملية الطويلة اعدت لفائدة الحيوان، و يقول العلم:

ان عملية الاجترار ضرورية و حيوية، لان العشب من النباتات العسرة الهضم لما يحتويه من الالياف (السليلوز) الذي يغلف جميع الخلايا النباتية، و لهضمه يحتاج الحيوان الى وقت طويل جدا، فان لم يكن مجترا و بمعدته مخزن خاص لضاع وقت طويل في الرعي يكاد يكون النهار كله دون ان يحصل الحيوان من تلك الاعشاب على ما يشبعه، و لأجهد نفسه في عمليات التناول و المضغ. و سرعة الاكل و تخزينه ثم اعادته بعد ان يحصل على شيء من التخمر هي التي تجعل من هذه المواد غذاء نافعا محققا لأغراضه.

اما الجهاز الهضمي للطيور فانه يختلف اختلافا كبيرا عن جهاز الاصناف السالفة الذكر، اذ يمتد من رأس كل طائر جزء صلب خال من الاسنان عظمي التركيب هو المنقار الذي يستخدم في التغذية بدلا من الفم و الشفتين و الاسنان عند سائر الحيوان، فيبتلع الطير غذاءه بلا مضغ.

و تختلف مناقير الطيور باختلاف انواع غذائها، فالطيور الجارحة ذات منقار قوي مقوس حاد لتمزيق اللحوم، بينما تكون للبط و الإوز مناقير عريضة منبسطة كالملعقة او المغرفة توائم‏ البحث عن الغذاء في الطين و الماء، و على جانب المنقار زوائد صغيرة كالإسنان لتساعد على قطع الحشائش. اما الدجاج و الحمام و باقي الطيور التي تلتقط الحب من الارض فمناقيرها قصيرة مدببة بالشكل الذي يؤدي الغرض.

و من اعمق النواحي التي نستطيع ان نلمس بها التصميم و التنظيم العظيم للخلق ما نشاهده في ارجل الحيوانات: فتلك التي من خصائصها الجر و الجري و الحمل نرى ان ارجلها قوية مصممة لتساعدها على الجري السريع، كما تنتهي كل رجل بحافر صلب يحمي الرجل مما قد يصيبها من كثرة الجري او و عورة الطريق.

اما البقر والجاموس فأرجلها قصيرة قوية تنتهي بأظلاف صلبة مشقوقة لتساعدها على السير في الاراضي الزراعية اللينة، بينما ارجل الجمل تنتهي بأظلاف مشوقة تحتها وسادة لينة سميكة تسمى «الخف» لتمنع القدم من الغوص في الرمال، و على ارجله كذلك أربطة من جلد خشن تحميه من الحصى و الرمال عند ما يبرك.

و اقدام الطيور تختلف كذلك باختلاف طبيعتها، فالطيور التي تتغذى على اللحوم نجد لقدميها مخالب قوية حادة، و هي منثنية بما يساعدها في القبض على الفريسة، كالصقر و النسر، و أما تلك التي تتغذى على الحبوب كالدجاج و الحمام فأقدامها ذات اظافر مدببة تصلح للنبش في الارض. و الطيور التي يستلزم امر تغذيتها البحث عن غذائها في الماء تتصل اصابعها بغشاء جلدي تستعمله كالمجداف في سباحتها.

و من عجائب الخلقة الالهية ما نجده في الضفدعة، فان لسانها اطول لسان لكائن حي تقريبا، اذ يبلغ طوله نصف طولها، و قد اعد بما عليه من مواد لزجة لصيد الذباب، فهي تقف حتى يقرب منها الذباب فاذا بها تمد لسانها ليلتصق به عدد من الذباب الذي يعتبر غذاءها الرئيس.

و من اعجب ما يلاحظ في الضفدعة انها لما لم يكن لها عنق تستطيع ان تحرك رأسها بواسطته لترى ما حولها فقد هيئت لها عيون بارزة تتحرك في كل الاتجاهات.

و من طريف ما يؤكده العلم حاليا ان معظم الحيوانات الثديية تمتاز بحاسة شم قوية حادة و حاسة بصر ضعيفة، بخلاف الطيور فإنها ذات بصر قوي و شم ضعيف، و ما ذلك‏ الا لان الاولى تهتدي الى غذائها الذي يكون دائما على الارض بحاسة الشم، بينما الطير وهو في السماء بحاجة الى حدة في بصره ليرى غذاءه من بعد مرتفع.

اما المحار العادي فله عيون عدة تشبه عيوننا كثيرا، و هي تلمع لما لها من عاكسات صغيرة لا تحصى، و يقال انها تساعدها على رؤية الاشياء من اليمين الى فوق. و هذه العاكسات غير موجودة في العين البشرية. فهل رتبت للمحار تلك العاكسات لأنه لا يملك كالإنسان قوة ذهنية؟ و لما كان عدد العيون في الحيوانات يتراوح بين اثنتين و عدة آلاف، و كلها مختلفة، فهل كانت الطبيعة على هذه الدرجة الكبيرة من التضلع في علم المرئيات!!

و للسمك حاسة غريبة هي حاسة تفادي الاصطدام بالصخور و الحواجز في ظلمات البحار. و قد قرر العلماء بعد دراستهم لهذه الظاهرة انهم رأوا في السمك خطا طوليا على جانبيه، و هذا الخط عند ما يلاحظ بالمجهر يرى انه مجموعة اعضاء دقيقة حساسة الى درجة كبيرة، تحس بوجود حاجز او صخرة من اختلاف ضغط الماء نتيجة اصطدامه بالحاجز، فتغير السمكة طريقها.

واما الخفاش فقد ادهش العلماء امره، فهو عند ما يطير في ظلام الليل لا يصطدم بمبنى او شجرة او اي شيء من الاشياء البارزة في طريقه و قد قام احد العلماء الإيطاليين بالتحقق من هذه القدرة، فعلق في سقف غرفة عددا من الحبال، و في نهاية كل حبل جرس صغير يدق اذا لامس الحبل شيء، ثم اعتم الغرفة اعتاما كاملا و اطلق خفاشا فيها، و طار الخفاش و دار في الغرفة مرارا و لم يدق اي جرس، و معنى ذلك انه لم يصطدم بأي حبل من تلك الحبال المعلقة في الغرفة. و كان خلاصة ما استنتجه العلماء من هذه الظاهرة ان هذا الحيوان يرسل اهتزازات ترد إليه بالتصادم مع اي جسم يقابله فيحس به، و ان طريقة معرفته و احساسه بالعقبات هي نفس طريقة الرادار بالذات.

و اما الجمل فهو كذلك مفعم بآيات العظمة الالهية، بالشكل الذي يعطينا الفهم الكامل لما ارشدنا اللّه تعالى إليه بقوله: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } [الغاشية: 17].

و لما كان مجال عمل هذا الحيوان و عيشه هو الصحراء فقد خلق قادرا على اكتناز ما يكفيه من الطعام و الشراب لمدة طويلة في سنامه لكي يستطيع مجابهة جوع الصحراء و عطشها، كما خلقت له- لهذا الغرض- تلك الاهداب الطويلة التي تلتف حول عينيه و التي هي اشبه ما يكون بشبكة تحمي عينيه من ذرات الرمال عند هبوب العواصف الرملية، و في الوقت نفسه يستطيع الرؤية من خلال تلك الشبكة فلا يضطر الى اقفال عينيه كما نفعل عند انتشار الغبار.

و كذلك رجله ذات الخف الملائم للسير في الرمل بلا غوص فيه، و انفه الذي يستطيع التحكم في فتحته اثناء العواصف ليمنع دخول الرمال فيه، و شفته العليا التي خلقت مشقوقة لكي تساعده على أكل نباتات الصحراء التي غالبا ما تكون اشواكا.

و اما النمل ففيه من آيات اللّه الشيء الكثير، و قد اوتي من الفهم و الصبر و الحس ما لا يتصوره المتصور عند مشاهدة حجمه و جسمه الصغير، و لعل مدينته من ابرز المدن التي تستحق الدراسة و الامعان، لما فيها من دقة بالغة و تعاون عجيب و نظام رتيب متناه في الدقة و الادراك.

وفي بعض انواع النمل، يأتي العاملون منه بحبوب صغيرة لا طعام الآخرين في خلال فصل الشتاء. و ينشئ النمل ما هو معروف بمخزن الطحن، و فيه يقوم النمل الذي اوتي افكاكاً كبيرة معدة للطحن، بأعداد الطعام للمستعمرة، و يكون هذا هو شغلها الوحيد.

و هناك انواع من النمل تدفعها الغريزة الى زرع اعشاش للطعام في ما يمكن تسميته بحدائق الاعشاش، و تصيد انواعا معينة من الدود و اليرق و منها يأخذ النمل افرازات معينة تشبه العسل ليكون طعاما لها.

و النمل يأسر طوائف منه و يسترقها. و بعض النمل حين يصنع اعشاشه، يقطع الاوراق مطابقة للحجم المطلوب، و بينما يضع بعض عملة النمل الاطراف في مكانها، تستخدم صغارها لحياكتها.

فكيف يتاح لذرات المادة التي تتكون منها النملة كما يزعمون ان تقوم بهذه العمليات المعقدة؟؟!

و للحيوان- بعد ذلك او قبله- لغة للتفاهم و التخاطب و كان القرآن المجيد قد لفت الانظار الى ذلك حين نزوله، حيث جاء فيه قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل: 18] ، ثم جاء العلم بعد نزول هذه الآية بقرون و قرون ليثبت هذه الحقيقة بالمشاهدة و الاطلاع.

و لغة كل فصيلة من فصائل الحيوانات تختلف عن الاخرى، فهذه هي الدجاجة- و هي اكثر الحيوانات معاشرة لنا- تصدر في بعض الاحيان اصواتا خاصة مميزة، فنرى صغارها تقبل في سرعة تلتقط معها الحب، ثم تصدر اصواتا اخرى خاصة فاذا بالصغار تهرول الى العش في لحظة.

و النحلة اذا عثرت على حقل مزهر عادت الى الخلية و ما ان تتوسطها حتى تتحرك بطريقة خاصة فاذا بالنحل يندفع إليها و يسير خلفها الى حيث تهديه النحلة الى الزهور.

و يقول احد العلماء: انه اجرى اختبارا على النمل، حيث شاهد نملة خارجة لوحدها من جحرها، فأخذ ذبابة و لصقها على فلينة بدبوس و القاها في طريق النملة، فما ان عثرت عليها حتى اخذت تعالجها بفمها و ارجلها مدة تزيد على العشرين دقيقة تيقنت بعدها بعجزها، فعادت ادراجها الى‏ حجرها، و بعد ثوان معدودة خرجت النملة تتقدم مجموعة من النمل من اخواتها حتى انتهت بهم الى الذبابة، فوقعوا عليها يمزقونها تمزيقا، و عاد النمل الى جحره و كل منهم يحمل جزءا من الذبابة. فالنملة الاولى كانت قد رجعت الى زميلاتها و لم يكن معها شيء قط، فكيف استطاعت ان تخبر باقي النمل بأنها وجدت طعاما سائغا ما لم يكن قد تم ذلك بلغة خاصة؟

و قد لوحظ ان اسراب الفيلة لا تكف لحظة عن غمغمة طالما هي تسير في رهط، فاذا تفرقت الجماعة و سار كل فيل على حدة انقطع الصوت.

و اصوات الغراب متميزة تمييزا واضحا، فنعيبه اكبر دليل على الخطر، و هو يصدره ليحذر ابناء جنسه، بينما يصدر في اثناء المرح اصواتا اخرى تقرب من القهقهة.

و ليست اللغة وقفا على انواع الحيوان السالفة الذكر، بل ان لكل صنف من اصناف الحشرات لغة أيضا، فالعنكبوت- مثلا- يتخذ من خيوطه وسيلة للتحدث مع انثاه، فيقف الذكر على طرف الشبكة و يجذبها، فتخرج الانثى لاستقباله او ترد عليه بأن تجذب هي الخيوط بطريقة مخالفة، و كأنهما يتبادلان حديثا تليفونيا خاصا.

واذا عدنا الى الدجاج لنقرأ في دنياه شواهد الصنعة الالهية لرأينا العجب العجاب، و حسبنا من كل ذلك ان نطلع على الحقيقة الآتية:

خطر لعالم أمريكي ان يستفرخ البيض بلا حضانة الدجاج، وذلك بأن يضع البيض في نفس الحرارة التي يحصل عليها البيض من الدجاجة الحاضنة له، فلما جمع البيض ووضعه في جهاز التفريخ نصحه فلاح ان يقلب البيض بين آونة و اخرى، اذ انه رأى الدجاجة تفعل ذلك، فسخر منه العالم وافهمه ان الدجاجة انما تقلب البيض لتعطي الجزء الاسفل منه حرارة جسمها، اما هو فقد احاط البيض بجهاز يشع حرارة ثابتة لكل اجزاء البيضة. و استمر هذا العالم في عمله حتى جاء اوان الفقس و جاوز ميعاده و لم تفقس بيضة واحدة، و اعاد التجربة بعد ان طبق كلام الفلاح فصار يقلب البيض، حتى اذا ما جاء موعد الفقس خرجت الفراريج.

و آخر تعليل علمي لتقليب البيض ان الفرخ حينما يخلق في البيضة ترسب المواد الغذائية في الجزء الاسفل من جسمه، فاذا بقي بدون تحريك تتمزق اوعيته، و لذلك فان الدجاجة لا تقلب البيض في اليوم الاول و الاخير، فهل يمكن للدجاجة ان تفهم هذه الاسرار لو لا الالهام الذي عجز الانسان عن معرفته؟

و بهذا الالهام- و به وحده- تتحرك ثعابين الماء و تهاجر تلك الهجرة الغريبة الملفتة للنظر، فان تلك المخلوقات العجيبة متى اكتمل نموها هاجرت من مختلف البرك و الانهار قاصدة تلك الاعماق السحيقة جنوبي برمودا، و هناك تبيض و تموت. اما صغارها تلك التي لا تملك وسيلة لتعرف بها اي شيء سوى مكانها الذي هي فيه، فإنها تعود ادراجها و تجد طريقها الى الشاطئ الذي جاءت منه امهاتها، و من ثم الى كل نهر او بحيرة او بركة صغيرة، بعد ان تكون قد قاومت التيارات القوية و ثبتت للأمداد والعواصف و غالبت الامواج المتلاطمة على كل شاطئ. و عند ما يكتمل لها النمو يدفعها قانون خفي الى الرجوع حيث ولدت بعد ان تتم الرحلة كلها. فمن اين ينشأ الحافز الذي يوجهها لذلك؟ لم يحدث قط ان صيد ثعبان امريكي في المياه الاوروبية او صيد ثعبان ماء اوروبي في المياه الامريكية. والشيء الملفت للنظر جدا ان نمو ثعبان الماء الاوروبي يكون ابطأ من غيره سنة او اكثر، و ذلك تعويضا عن زيادة مسافة الرحلة التي يقطعها. ترى هل الذرات المادية الصماء ان توحدت في ثعبان ماء كان لها من حاسة التوجيه و عمق الوعي و قوة الإرادة ما يصنع كل ذلك؟؟!!.

و بهذا الالهام أيضا- وبه وحده- تصنع الطيور التي تؤخذ صغيرة من اعشاشها، حين تكبر اعشاشا على نمط ذلك و بدون اي اختلاف.

و بهذا الالهام كذلك- وبه وحده- تعوض بعض الحيوانات ذاتيا ما تفقده من اجزاء جسمها. كسرطان البحر الذي اذا فقد مخلبا عرف ان جزءا من جسمه قد ضاع، فيسارع الى تعويضه بإعادة تنشيط الخلايا و عوامل الوارثة. و متى ما تم ذلك كفت الخلايا عن العمل، لأنها تعرف بطريقة ما ان وقت الراحة قد حان.

و هكذا الامر في «كثير الارجل» المائي، فانه اذا انقسم الى قسمين، استطاع ان يصلح نفسه عن طريق احد هذين النصفين. و انت اذا قطعت رأس «دودة الطعم» تسارع الى صنع رأس بدلا منه. و نحن نستطيع ان ننشط التئام الجروح، و لكن متى يتاح للجراحين ان يعرفوا كيف يحركون الخلايا لتنتج ذراعا جديدة، او لحما، او عظاما، او اظافر، او اي جزء آخر؟!!.

اما عالم الحشرات فان التأمل فيه مما يثير الدهشة البالغة و العجب الكبير، و لعل وقفة صغيرة عند «المعرفة الغريزية» لدى الحشرات تكفينا عناء التفصيل و التطويل.

ان «حشرة ابي دقيق» تختار اوراق الكرنب لتبيض عليها مع انها لا تتغذى على الكرنب و لا تحتاج له، و انما تقودها الى ذلك معرفة غريزية باطنة فالبيض سوف يفقس و سوف تخرج ديدان صغيرة لا تأكل سوى الكرنب، فيجب ان تبيض هذه الحشرة على ورق الكرنب ليجد الصغار ما يأكلونه. و مع ذلك فحشرة ابي دقيق لا تعرف هذه المسألة معرفة عقلية واعية.

وزنبور الطين يصطاد الدودة و يضعها في حفرة في الارض كنوع من اللحم المحفوظ ثم يبيض عليها بيضة واحدة، ثم يضعها في العش و يمضي باحثا عن حصاة، حتى اذا وجدها حملها بين ذراعيه و اغلق بها باب العش. و تفقس البيضة لتجد اليرقة الصغيرة طعامها جاهزا بين يديها.

و البعوضة التي تضع بيضها على سطح الماء فتزود كل بيضة بكيسين من الهواء تطفو بهما على السطح هل تعرف قوانين ارشميدس؟

والحشرة التي يسمونها في علم الحشرات «قاذفة القنابل» و التي تتهادى امام الحيوانات المفترسة دون خوف او وجل، حتى اذا فتح احدها فمه ليلتهمها ضغطت على كيس في بطنها فامتزجت في لحظة افرازات ثلاث غدد تحتوي على مادة الهيدروكينون و فوق اكسيد الهيدروجين و انزيم خاص.

و يؤدي اختلاط الثلاثة الى تفاعل شديد و خروج غاز لاسع كريه الرائحة فيفر الحيوان المفترس رعبا. هل اخذت هذه الحشرة دبلوما في الكيمياء من كامبريدج.

و الحشرات التي تنصب الفخاخ من خيوط الحرير.

و الحباحب التي تضيء بالليل لتجذب البعوض ثم تأكله.

و حشرات الماء التي تسبح في الماء بأذرع كالمجاذيف و تطير في الهواء بأذرع مجنحة.

و الفراشات التي تكون اجنحتها مغطاة بقشر مكون بعضه من الواح جد رقيقة من مادة شفافة. و ينفذ الضوء و ينعكس بلون ازرق جميل. و لو حدث تغيير بمقدار جزء من عشرة آلاف جزء من البوصة، في سمك غشاء الجناح الذي للفراشة، لتغير ذلك الضوء او ذهب كلية.

وخلاصة القول: ان في دنيا الحيوان من العجائب و الغرائب- و كلها شواهد الخلق و الابداع و الصنع المتقن- ما لا يمكن حصره بصفحات كهذه الصفحات، و ما ذاك الا {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } [النمل: 88] تعالى عما يقول المنكرون الجاحدون علوا كبيرا.

وهناك مجموعة من الآيات المباركة تكفلت البرهنة على وجود اللّه و ايجاده من طريق الحث على التأمل في دنيا النبات، و انزال الماء من السماء، و عجائب الافلاك و السماوات و الارض، حيث لا يمكن وجود كل ذلك و خضوعه لمثل هذه السنن و القوانين من تلقاء نفسه.

{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا} [الواقعة: 63 - 65] .

{أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ } [الواقعة: 71، 72].

{وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 99] {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى } [طه: 53] .

{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا} [النمل: 60].

 

النبات عالم قائم بذاته، ما زال العلماء المختصون به مستمرين على دراسته، و ما زالوا يشاهدون في كل يوم جديدا لم تسبق لهم معرفته.

وفصائل النبات تقرب من نصف مليون في العدد، و هي مختلفة في التراكيب و التزاوج و الاعمار الى ابعد الحدود. و من النبات- من ناحية العمر- ما يعمر اياما. و منه ما يعمر سنين، و منه ما يعمر اضعاف اضعاف عمر الانسان.

و ينبت النبات عموما من بذرة تتوافر لها ظروف خاصة اهمها حيوية الاجنة فيها، و تحافظ البذور على حيويتها لمدة طويلة، و يجب توافر الماء الضروري للنبات و الحرارة المناسبة- و كل بذرة تنبت في درجة حرارة معينة- كما ان الهواء ضروري له لأنه كائن حي يعيش و يتنفس.

و اذا استنبتت البذرة و خرج الجنين الحي مكونا جذرا صغيرا بدأ يتغذى من الغذاء المدخر في البذرة حتى يستطيل عوده و يضرب في الارض ليأكل منها، شأنه في ذلك شأن الجنين في الانسان و الحيوان يتغذى من أمه و هو في بطنها، ثم من لبنها، ثم يستقل عنها و يعتمد على نفسه في غذائه، فهل غير اللّه اودع في البذرة الحياة؟

اما جهاز النبات الغذائي فيعتمد أولا على الجذور. و هي اوّل اجزاء جهاز النبات الغذائي، و يختلف بعضها عن بعض‏ اختلافا بينا بالنسبة الى اختلاف حاجات النبات، فهناك الجذور الوتدية و الدرنية و الليفية الهوائية و التنفسية، و كل هذه الاشكال و الاختلافات انما خلقت لتتوائم مع امكان حصول النبات على حاجته من الغذاء.

و تنمو الجذور و عليها الشعيرات الجذرية التي تمتص المحاليل الارضية فتنتقل العصارة الى اعلى، و بهذه الطريقة يتغذى النبات و ينمو، و لا بد لنموه من وجود الضوء و الماء و العناصر الاخرى الضرورية كالكاربون و الاوكسجين و الفسفور و الكبريت و عديد غيرها.

و النبات يتنفس من طريق اوراقه التي هي رئاته فيأخذ الاوكسجين و يطرد ثاني اوكسيد الكاربون، مثله في ذلك مثل الانسان و الحيوان، و يصحب تنفس النبات ارتفاع في درجات الحرارة، و يتم التنفس ليلا و نهارا، الا انه في النهار غير ظاهر النتيجة بالنسبة لعملية التمثيل الكاربوني التي يجريها النبات بسرعة اكثر من عملية التنفس، فيخرج الاوكسجين و يمتص ثاني اوكسيد الكاربون.

و قد دلت الابحاث على ان عملية التمثيل الكاربوني كفيلة وحدها باستهلاك ثاني اوكسيد الكاربون الموجود في الكون لو ان الامر اقتصر عليها، و لكن الخالق العظيم جعل الكائنات الحية الاخرى تخرج في تنفسها ثاني اوكسيد الكاربون، كما ان الاجسام الميتة في تحللها تخرج هذه المادة أيضا، و كذلك بعض التفاعلات الاخرى.

و لم يترك امر استهلاك و انتاج هذه المادة حرا يحتمل الزيادة و النقصان، بل قضت حكمة الخالق ان تكون نسبة ثاني اوكسيد الكاربون في الجو دائما من ثلاثة الى أربعة اجزاء في كل عشرة آلاف جزء هواء. و ان هذه النسبة ينبغي ان تكون ثابتة على الدوام لاستمرار عمران الكون، و لم يحدث قط - مهما اختلفت عمليات الاستهلاك و عمليات الانتاج- ان اختلفت هذه النسبة ابدا.

و يقول بعض العلماء:

ان الاوكسجين لو كان في الهواء بنسبة 50% مثلا او اكثر بدلا من 21% فان جميع المواد القابلة للاحتراق في العالم تصبح عرضة للاشتعال لدرجة ان اوّل شرارة من البرق تصيب شجرة لا بد ان تلهب الغابة حتى لتكاد تنفجر. و لو ان نسبة الاوكسجين في الهواء قد هبطت الى 10% او اقل فان الحياة ربما طابقت نفسها عليها في خلال الدهور، و لكن في هذه الحالة كان القليل من عناصر المدنية التي الفها الانسان- كالنار مثلا- قد توافرت له.

أما الماء فهو في طليعة المواد الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها مطلقا لسائر الكائنات الحية {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء: 30]، فهو مصدر رئيسي من مصادر الحياة، و قد حث القرآن المجيد على التأمل في هذا السائل العظيم و ضرورته و أهميته، بل طلب من الناس ان يدركوا من ايجاد الماء و تهيئته على سطح الكرة الارضية دليل وجود الخالق المبدع و ايجاده للكائنات كلها.

{ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} [الواقعة: 68 - 70] {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: 24]

و يقول العلماء: ان البحار اساس الماء العذب و مصدره، و ماء البحر المالح لا تطيق الكائنات الحية الارضية استعماله، و بالتالي لا يصلح للمحافظة على حياتها، و لذلك هيأ الله تعالى لعباده و سائر مخلوقاته عملية التصفية و التقطير بواسطة المطر، و اصبح المطر هو الناقل لماء البحر من واقعه المالح الاول الى واقعه العذب الجديد.

و هكذا انزل الله تعالى من السماء ماء {فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} [البقرة: 164] ، و لو شاء لأبقاه اجاجا مالحا على حقيقته الاولى كما قال جلّ و علا. هذا مع العلم بأن الملوحة ضرورية لماء البحر ضرورة العذوبة لنا، و ذلك لان البحر و ان كان من حيث العمق و السعة بالغا حدا كبيرا جدا، و لكنه- على الرغم من ذلك- مغلق محدود و ماؤه راكد واقف، و لو لم يكن مالحا لتعفن و فسد على مرور السنين و الاعوام.

و للماء- فوق ذلك و بعده- كثير من الخواص الاخرى ذات الاهمية البالغة و التي اذا نظر الانسان إليها في مجموعها وجدها تدل على التصميم و التدبير. فالماء يغطي نحو ثلاثة ارباع سطح الارض، و هو بذلك يؤثر تأثيرا بالغا على الجو السائد و درجة الحرارة. و لو تجرد الماء من بعض خواصه لظهرت على سطح الارض تغيرات في درجة الحرارة تؤدي الى حدوث الكوارث. و للماء درجة ذوبان مرتفعة، و هو يبقى سائلا فترة طويلة من الزمن، و له حرارة تصعيد بالغة الارتفاع، و هو بذلك يساعد على بقاء درجة الحرارة فوق سطح الارض عند معدل ثابت و يصونها من التقلبات العنيفة، و لو لا كل ذلك لتضاءلت صلاحية الارض للحياة الى حد كبير، و لقلت متعة النشاط الانساني على سطح الارض بدرجة عظيمة.

و للماء خواص اخرى فريدة في نوعها، و تدل كلها على ان مبدع هذا الكون قد رسمه و صممه بما يحقق صالح مخلوقاته.

فالماء هو المادة الوحيدة المعروفة التي تقل كثافتها عند ما تتجمد، و لهذه الخاصية اهميتها الكبيرة بالنسبة للحياة، اذ بسببها يطفو الجليد على سطح الماء عند ما يشتد البرد، بدلا من ان يغوص الى قاع المحيطات و البحيرات و الانهار و يكون تدريجيا كتلة صلبة لا سبيل الى اخراجها و اذابتها. و يكون الجليد الذي يطفو على سطح البحر طبقة عازلة تحفظ الماء الذي‏ تحتها في درجة حرارة فوق درجة التجمد، و بذلك تبقى الاسماك و غيرها من الحيوانات المائية حية، و عند ما يأتي الربيع يذوب الجليد بسرعة.

و يمكننا ان نشير الى كثير من خواص الماء الطريفة الاخرى: فله مثلا توتر سطحي مرتفع يساعد على نمو النبات بما ينقله إليه من المواد الغذائية التي بالتربة، و الماء اكثر السوائل المعروفة اذابة لغيره من الاجسام، و هو بذلك يلعب دورا كبيرا في العمليات الحيوية داخل اجسامنا بوصفة مركبا اساسيا من مركبات الدم، و للماء ضغط بخار مرتفع على مدى واسع من درجات الحرارة، و مع ذلك فانه يبقى سائلا على طول هذا المدى المتسع اللازم للحياة.

و البحار آية من آيات اللّه الكبرى، و فيها من اصناف الكائنات الحية اكثر مما هو موجود على اليابسة. و تختلف هذه الكائنات الموجودة فيها اختلافا كبيرا، ابتداء من تلك الحيوانات الصغيرة التي يوجد في المتر المكعب الواحد عشرات الالوف منها، و انتهاء بتلك الحيتان الضخمة المزودة بالأنابيب الحادة و القوى غير المتصورة التي تستطيع بواسطتها مهاجمة المراكب بل تحطيمها، و صدق العلي العظيم حيث يقول:

{ وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [النحل: 14].

ولو عدنا الى التأمل في هذه السماء الزرقاء المحيطة بنا و الى ما يسبح فيها من كرات و كواكب و الى ما يتلألأ على صفحتها من نجوم و أقمار.

لو تأملنا و فكرنا في ذلك لسيطر علينا العجب و لعاد الطرف خاسئا و هو حسير، و لهذا نجد القرآن المجيد يحثنا على النظر في ذلك لنصل منه الى النتيجة الخالدة الكبرى، و هي ان كل هذه العجائب لا يمكن ان توجدها صدفة متخبطة او احتمال موهوم او مادة عمياء:

{ أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} [الأعراف: 185] .

{قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 101].

{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ } [ق: 6] .

{اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد: 2].

{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47].

{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى } [فاطر: 13] .

ان مجموعتنا النجمية تشمل مائة بليون نجمة تقريبا. منها ما يمكن رؤيته بالعين المجردة، و منها ما لا يرى الا بالمجاهر و الاجهزة، و منها ما يحس العالم الخبير بوجوده دون ان يستطيع رؤيته، هذه كلها يعج بها الفلك الغامض البعيد، و لا يوجد اي احتمال لاقتراب مجال مغناطيسي لنجم من مجال نجم آخر، الا كما يحتمل تصادم باخرة في البحر الابيض‏ المتوسط بأخرى في المحيط الهادي يسيران باتجاه واحد و سرعة واحدة.

و يقرر العلم ان سرعة الضوء هي (186) الف ميل في الثانية و من النجوم ما ترسل ضوئها فيصل إلينا بسرعة و منها ما يصل في شهور، و منها ما يصل في سنين، فكم بذلك يبلغ اتساع الكون؟

فهل هذا كله حدث مصادفة و بلا قصد و تدبير؟ و هل هذا كله مستغن عن الموجد؟ و هل باستطاعة المادة العمياء الصماء ايجاد كل ذلك و تنظيمه بهذه الدقة؟

{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [لقمان: 11].