x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

النابغة الجعدي

المؤلف:  شوقي ضيف

المصدر:  تاريخ الادب العربي - العصر الاسلامي

الجزء والصفحة:  ص:100-106

8-6-2021

4337

 

النابغة (1) الجعدي

هو عبد الله (2) بن قيس من بني جعدة العامريين، ولد بالفلج جنوبي نجد، ولما شب اضطرب فيما يضطرب فيه قومه من حروب، ويقال إنه ظل ثلاثين عاما في الجاهلية لا ينطق الشعر ثم تفجر على لسانه، فسمي النابغة لنبوغه فيه بأخرة، ويقال إن نبوغه فيه إنما كان في الإسلام.

والنابغة الجعدي في جاهليته مثل لبيد يتغي بمفاخر قومه وانتصاراتهم في حروبهم ويهجو خصومهم وخاصة بني أسد الذين قتلوا أخا له في بعض حروبهم مع قبيلته، وقد بكاه كثيرا، ومن بكائه فيه قصيدته التي يؤبنه فيها بقوله (3):

فتي كملت أخلاقه غير أنه … جواد فما يبقي من المال باقيا

فتي تم فيه ما يسر صديقه … على أن فيه ما يسوء الأعاديا

ويقال إنه كان يفد بشعره على اللخميين في الحيرة. ولما أخذت وفود العرب تفد على الرسول صلي الله عليه وسلم معلنة إسلامها وفد عليه مع قومه سنة تسع للهجرة وأنشده قصيدة يقول فيها:

101

 

بلغنا السماء مجدنا وجدودنا … وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرا

فقال له الرسول الكريم: فأين المظهريا أبا ليلي؟ فأجابه: الجنة. وأعجب الرسول بشعره ومنطقه، فقال له: لا يفضض الله فاك (4).

ويظن أنه لم يرجع مع قومه الى منازلهم، بل أقام في المدينة مهاجرا، حتي إذا كانت الفتوح خرج مع العرب ميمما نحو الشرق والفرس مجاهدا في سبيل الله ونشر الدعوة المحمدية. وقد أخذ يضيف الى رائعته التي أنشدها الرسول أبياتا كثيرة، تصور حياته في الإسلام وابتغاءه رضوان الله بجهاده وتقواه جميعا يقول (5):

أتيت رسول الله إذ جاء بالهدي … ويتلو كتابا كالمجرة نيرا (6)

وجاهدت حتي ما أحس ومن معي … سهيلا إذا مالاح ثمت غورا (7)

أقيم على التقوي وأرضي بفعلها … وكنت من النار المخوفة أوجرا (8)

وعاد الى المدينة وتشوق الى منازل قومه في البادية، فاستأذن عثمان في الإلمام بهم فأذن له، حتي إذا نشبت الحروب بين على ومعاوية وجدناه في صفوف على بصفين، يرجز بخصومه وينظم الأشعار في مديحه وهجاء معاوية من مثل قوله (9):

قد علم المصران والعراق … أن عليا فحلها العتاق (10)

إن الألي جاروك لا أفاقوا … لهم سياق ولكم سياق

قد علمت ذلكم الرفاق … سقتم الى نهج الهدي وساقوا

إلي التي ليس لها عراق … في ملة عادتها النفاق (11)

 

102

ولعل هذا هو الذي جعله يصطدم بكعب بن جعيل شاعر معاوية.

ويروي أنه لما قتل على وتحولت الخلافة الى معاوية كتب الى مروان عامله على المدينة أن يأخذ أهله وأمواله، فاستعطفه بأبيات ألانت قلبه فعفا عنه.

ونراه يقف دائما مع قومه، حتي ليضطر أبو موسي الأشعري والي البصرة لعمر أن يضربه أسواطا، وكأنما كانت فيه بقية من عصبيته الجاهلية. ولا نشك في أن هذه البقية فيه هي التي دفعته الى الاصطدام بأوس ابن مغراء، ويقول ابن سلام إنه غلب عليه ولم يكن إليه في الشعر ولا قريبا.

ونزل مع قومه بأصبهان، وهناك نراه يتهاجي مع سوار بن أوفي القشيري، وتتصدي له زوجه ليلي الأخيلية، ويغلبان عليه جميعا. وهما أيضا لم يكونا إليه في الشعر، وربما كان لتعمق الإسلام في نفسه أثر في تلك الهزائم، إذ كان يتحرج من المضي في الهجاء المقذع، ويقول ابن سلام إن الأخطل هجاه بأخرة. ولما دعا ابن الزبير لنفسه في أواخر خلافة يزيد بن معاوية قدم عليه في مكة ومدحه بقصيدة رائعة يقول فيها (12).

حكيت لنا الصديق لما وليتنا … وعثمان والفاروق فارتاح معدم

وسويت بين الناس في العدل فاستووا … فعاد صباحا حالك الليل مظلم

وأثابه ابن الزبير ثوابا جزيلا. وعاد الى أصبهان، غير أنه لم يلبث أن توفي بها عن سن عالية سنة خمس وستين. وهو بلا شك من المعمرين، غير أن الرواة بالغوا في ذلك حتي قالوا إنه أقدم من النابغة الذبياني وأنه عمر مائة وثمانين سنة بل تزيد، مستشهدين بما أضيف إليه من مثل قوله (13):

تذكرت شيئا قد مضي لسبيله … ومن عادة المحزون أن يتذكرا

نداماي عند المنذر بن محرق … أري اليوم منهم ظاهر الأرض مقفرا

والمنذر بن محرق هو المنذر بن ماء السماء الذي قتل في بعض حروبه مع الغساسنة سنة 556 للميلاد، ولا شك في أن هذا الشعر مصنوع عليه.

 

103

ومن المحقق أن النابغة كان أحد الشعراء الذين استضاءوا بالإسلام وتعاليمه الروحية، وقد خرج يجاهد في سبيل الله، وهو يتلو القرآن آناء الليل وأطراف النهار، فكان طبيعيا أن يستلهمه في شعره. وهو من هذه الناحية من خير الأمثلة على أثر الإسلام في شعر المخضرمين ومدي هذا الأثر، إذ عبر في غير قصيدة عن خشية الله وتقواه من مثل قوله (14):

منع الغدر فلم أهمم به … وأخو الغدر إذا هم فعل

خشية الله وأني رجل … إنما ذكري كنار بقبل (15)

وهو دائم الحديث عن نعمة الله عليه بالإسلام، وتحوله من ظلمات الوثنية الى أضواء الدين الحنيف، يقول (16):

عمرت حتي جاء أحمد بالهدي … وقوارع تتلي من القرآن

ولبست مل الإسلام ثوبا واسعا … من سيب لا حرم ولا منان (17)

وليس كل ما نجده عنده من أثر الإسلام أبياتا مفردة تتخلل قصائده، فإن له موعظة بليغة رواها غير راو، وهي تطرد على هذا النمط (18):

الحمد لله لا شريك له … من لم يقلها فنفسه ظلما

المولج الليل في النهار وفي اللي‍ … ل نهارا يفرج الظلما

الخافض الرافع السماء على ال‍ … أرض ولم يبن تحتها دعما (19)

الخالق البارئ المصور في ال‍ … أرحام ماء حتي يصير دما

من نطفة قدها مقدرها … يخلق منها الأبشار والنسما

ثم عظاما أقامها عصب … ثمت لحما كساه فالتأما

ثم كسا الرأس والعواتق أب‍ … شارا وجلدا تخاله أدما (20)

104

 

والصوت واللون والمعايش وال‍ … أخلاق شتي وفرق الكلما

ثمت لا بد أن سيجمعكم … والله، جهرا، شهادة قسما

فائتمروا الآن ما بدا لكم … واعتصموا إن وجدتم عصما

في هذه الأرض والسماء، ولا … عصمة منه إلا لمن رحما

يا أيها الناس هل ترون الى … فارس بادت، وخدها رغما (21)

أمسوا عبيدا يرعون شاءكم … كأنما كان ملكهم حلما

أو سبأ الحاضرين مأرب إذ … يبنون من دون سيله العرما

فمزقوا في البلاد واعترفوا ال‍ … هون وذاقوا البأساء والعدما (22)

وبدلوا السدر والأراك به ال‍ … خمط وأضحي البنيان منهدما (23)

والنابغة في مطلع هذه العظة يثني على الله بما هو أهله، مقررا إيمانه بوحدانيته وأنه لا شريك له، ونحس أنه يستعير لفظه من الذكر الحكيم، فهو يستهل قوله بكلمة «الحمد لله» ولا يلبث أن يستلهم مثل قوله تعالي: {إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون»}. ويتحدث في البيت الثاني عن نظام الكون المنبئ عن قدرة الله وجليل صنعه له وتقديره على نظام بديع، مستعيرا من القرآن نفس لفظه في قوله جل وعز: {{قل اللهم مالك الملك. .} {.}

{بيدك الخير إنك على كل شيء قدير تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل}}

وفي البيت الثالث مضي ينظم قوله تعالي: {{الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها}} وخرج في البيت الرابع من خلقه للكون الى خلقه للإنسان واستمر ينظم مثل قوله جل وعز: {{ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين}} وهو يمضي فيتحدث عن البعث والنشأة الثانية محذرا مخوما. وما يلبث أن يتحدث عن

105

 

القرون والأمم البائدة مكملا بذلك العظة والعبرة، بالضبط على نحو ما نقرأ في القرآن من حديث عما أصاب الأمم الباغية من هلاك، وقد اقتبس منه ما جاء فيه عن دولة سبأ اقتباسا تتطابق فيه الألفاظ واقرأ قوله تعالي: {{لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال. .} {فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل ذلك جزيناهم بما كفروا. .} {وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق}}، فإنك تجده قد نظم الآيات الكريمة في أبياته الثلاثة الأخيرة.

وأكبر الظن أنه قد اتضح اتضاحا لا لبس فيه أن أهل نجد والبوادي كان مثلهم مثل أهل الحواضر حين دخلوا في الإسلام فقد تمثلوه وتألقت أضواؤه في صدورهم وفي أشعارهم، حتي لتتحول جوانب منها الى مواعظ خالصة ينفرون فيها الناس من الدنيا ونعيمها الفاني، حاثين لهم على التزود بالتقوي والعمل الصالح.

 

 

_________

(1) انظر في ترجمة النابغة: الشعر والشعراء 1/ 247 وابن سلام ص 103 وما بعدها والأغاني (طبعة دار الكتب) 5/ 1 وما بعدها وأسد الغابة 5/ 2 والاستيعاب ص 320 والإصابة 6/ 218 وأمالي المرتضي 1/ 263 والمعمرين ص 64 والخزانة 1/ 512 والموشح ص 64. وقد جمعت ماريا نالينو أشعاره ونشرتها في روما سنة 1953.

(2) اختلف المؤرخون في اسمه هل هو عبد الله ابن قيس أو قيس بن عبد الله أو حبان بن قيس.

(3) الشعر والشعراء 1/ 252 والديوان ص 123.

(4) أغاني 5/ 8

(5) أغاني 5/ 9 والديوان ص 33 وما بعدها.

(6) المجرة: مجموعة من النجوم الصغيرة ينتشر ضوءها فيري كأنه بقعة بيضاء.

(7) غور النجم: غاب.

(8) أوجر: خائف.

(9) أغاني 5/ 31 والديوان ص 133.

(10) المصران: الكوفة والبصرة. العتاق: الكريم.

(11) التي ليس لها عراق: التي لا تعرف لها غاية.

(12) الكامل للمبرد (طبعة رايت) ص 704 والديوان ص 137.

(13) أغاني 5/ 6

(14) الديوان ص 81 وانظر الحيوان 3/ 504.

(15) القبل: النشز من الأرض يستقبلك ورأس كل أكمة أو جبل.

(16) الديوان ص 137 وأمالي المرتضي 1/ 266.

(17) مل الإسلام: من الإسلام. سيب: عطاء. حرم: مناع.

(18) الشعر والشعراء 1/ 253 وانظر الديوان ص 102.

(19) دعم: دعائم وعمد.

(20) العواتق: جمع عاتق وهو المنكب.

(21) رغم الخد: كناية عن الذل.

(22) اعترفوا الهون: عرفوه.

(23) السدر والأراك: شجر لا ينتفع بثمره الخمط: ثمر الأراك أو هو نبت مر.

 

 شعار المرجع الالكتروني للمعلوماتية




البريد الألكتروني :
info@almerja.com
الدعم الفني :
9647733339172+