x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الإسلام وأثره في موضوعات الشعر

المؤلف:  شوقي ضيف

المصدر:  تاريخ الادب العربي - العصر الاسلامي

الجزء والصفحة:  ص:176-182

25-4-2021

3594

الإسلام وأثره في موضوعات الشعر

طبيعي أن يؤثر الإسلام في موضوعات الشعر الأموي، وهو تأثير يقوي ويضعف حسب نفسية الشعراء، إذ كان بينهم من تعمقه الإسلام ومن لم يتغلغل الى أعماقه. على أنهم جميعا كانوا يستظلون بظلاله، وكان من حولهم الوعاظ والنساك يذيعون في مختلف الأجواء عبير وعظهم ونسكهم، سواء في المساجد الجامعة أو في مقدمات الجيوش الغازية. وكانوا ما يزالون يحدثون الناس عن البعث

177

والثواب والعقاب ونعيم الجنة وعذاب النار داعين دعوة واسعة الى التقوي والزهد في متاع الدنيا. وترامت من هذه المواعظ ومن القرآن الكريم وأحاديث الرسول وأقوال الصحابة الأولين أشعة كثيرة نفذت الى نفوس الشعراء وانعكست في أشعارهم على اختلاف موضوعاتها.

وقد أشرنا في غير هذا الموضع الى ما أصاب الغزل بتأثير الإسلام من براءة وطهر وصفاء ونقاء عند شعراء نجد وبوادي الحجاز وعند فقهاء المدينة ومكة. مما هيأ لظهور الغزل العذري بل لشيوعه، وكأنما أضفي الإسلام على المرأة وعلاقاتها بالرجل عند هؤلاء الشعراء ضربا من القدسية، أحاطها بهالة من الجلال والوقار، فإذا الشاعر لا يدنو منها إلا في احتياط، بل إذا هو يري دونها صعابا أي صعاب، فيتحول الى نفسه يشكو ما أصابه من تباريح الحب وأوصابه شكوي تشف عن ألمه وعذابه في حبه، وهي شكوي يضرع فيها أحيانا الى ربه على شاكلة قول جميل (1):

إلي الله أشكو لا الى الناس حبها … ولا بد من شكوي حبيب يروع

ألا تتقين الله فيمن قتلته … فأمسي إليكم خاشعا يتضرع

فيارب حببني إليها وأعطني ال‍ … مودة منها أنت تعطي وتمنع

ونري الغزلين جميعا عذريين وغير عذريين يستلهمون في غزلهم بعض الأفكار الإسلامية كفكرة العفو والغفران، يقول عمر بن أبي ربيعة (2):

فديتك أطلقي حبلي وجودي … فإن الله ذو عفو غفور

وقد مضي غير شاعر يردد فكرة الإثم في القتل وعقاب الله لقاتل النفس المؤمنة، ونري الفرزدق يفصل هذه الفكرة تفصيلا في إحدي مقطوعاته، فيقول (3):

يا أخت ناجية بن سامة إنني … أخشي عليك بني إن طلبوا دمي

فإذا حلفت هناك أنك من دمي … لبريئة فتحللي لا تأثمي (4)

فلئن سفكت دما بغير جريرة … لتخلدن مع العذاب الألأم

 

178

ولئن حملت دمي عليك لتحملن … ثقلا يكون عليك مثل يلملم (5)

وإذا كان الفرزدق توسع في فكرة القتل على هذا النحو، فأضاف إليها الاستثناء من اليمين وما ينتظر القاتل في غير جناية من عذاب الآخرة فإن وضاح اليمن يستغل فكرة الحلال والحرام ويشفعها بفتوي الترخص في اللمم، يقول (6):

إذا قلت يوما نوليني تبسمت … وقالت معاذ الله من فعل ما حرم

فما نولت حتي تضرعت عندها … وأعلمتها ما رخص الله في اللمم

وواضح أنه يقصد باللمم النظرة وما يماثلها. وكل ذلك جاء وضاحا ومن ذكرناهم بتأثير الإسلام الذي كان يخالط قلوبهم، فإذا ألفاظه وأفكاره نمتزج بمعاني الحب وألفاظه.

وإذا تحولنا الى المديح وجدناه يتحول في كثير من جوانبه الى تصوير الفضيلة الدينية في الممدوح، ووثق هذا التصوير في مديح الخلفاء والولاة أن الحكم والدين كانا مرتبطين ارتباطا لا تنفصم عراه، فمضي الشعراء يتحدثون عن تقواهم وأنهم يقيمون ميزان العدالة السماوية بين الرعية. ونشب صراع حاد بين الأمويين من جهة والخوارج والشيعة من جهة ثانية في الحاكم الاعلى للمسلمين وما ينبغي أن يتحلي به من صفات دينية. ولم يلبث شعراء بني أمية أن نفذوا من ذلك الى تمجيد الأمويين ورسم إطار ديني لكل منهم، وكان عمر بن عبد العزيز مثالا حقا للحاكم الأموي التقي، فأكثر الشعراء من رسم إطار التقوي الذي يطيف به وبحكمه، على شاكلة قول كثير (7):

وصدقت بالفعل المقال مع الذي … أتيت فأمسي راضيا كل مسلم

وقد لبست لبس الهلوك ثيابها … تراءي لك الدنيا بكف ومعصم

وتومض أحيانا بعين مريضة … وتبسم عن مثل الجمان المنظم

 

179

فأعرضت عنها مشمئزا كأنما … سقتك مدوفا من سمام وعلقم (8)

تركت الذي يفني وإن كان مونقا … وآثرت ما يبقي برأي مصمم

وأضررت بالفاني وشمرت للذي … أمامك في يوم من الشر مظلم

وهو لا يصور في عمر التقوي فحسب، بل يصور فيه أيضا الزهد والإعراض عن الدنيا وفتنتها ومتاعها الزائل الذي يغر الناس من حوله. وتتسع هذه الصورة في مديح الشيعة لأئمتهم على نحو ما نجد في هاشميات الكميت وفي شعر أيمن بن خريم إذ يقول في بني هاشم (9):

نهاركم مكابدة وصوم … وليلكم صلاة واقتراء

وليتم بالقران وبالتزكي … فأسرع فيكم ذاك البلاء

وعلي نحو ما تأثر المديح بالإسلام ومثاليته الروحية تأثر الهجاء، إذ أخذ الشعراء يهجون خصومهم بانحرافهم عن الدين، فأطالوا في وصفهم بالفسوق والبغي والطغيان كقول جرير في آل المهلب (10):

آل المهلب فرطوا في دينهم … وطغوا كما فعلت ثمود فباروا

ودائما يرمي شعراء الشيعة الأمويين بالظلم وانتهاك الحرمات وتعطيل أحكام الدين وابتداع ما لم يأت به كتاب ولا سنة من مثل قول الكميت (11):

لهم كل عام بدعة يحدثونها … أزلوا بها أتباعهم ثم أوحلوا

كما ابتدع الرهبان ما لم يجئ به … كتاب ولا وحي من الله منزل

تحل دماء المسلمين لديهم … ويحرم طلع النخلة المتهدل

واشتد لهب الهجاء-كما قدمنا في غير هذا الموضع-بتأثير العصبيات، ولم يكد ينج منه خليفة ولا وال ولا شريف، بل حتي القراء كان يتعرض لهم الشعراء، وخاصة إذا رأوهم يداجون أولي الأمر، فكانوا يرمونهم بالنفاق وأنهم

 

 

180

ليسوا صادقين فيما يظهرون من تقوي وصلاح، على شاكلة قول ذي الرمة ساخرا من إحدى طوائفهم (12):

أما النبيذ فلا يذعرك شاربه … واحفظ ثيابك ممن يشرب الماء

قوم يوارون عما في صدورهم … حتي إذا استمكنوا كانوا هم الداء

مشمرين الى أنصاف سوقهم … هم اللصوص وهم يدعون قراء

ولعلنا لا نبعد إذا قلنا إن شعر الحماسة كأن أقوي في تأثره بالإسلام من شعر الهجاء والمديح، إذ كان ينظم أكثره في الجهاد، ومعروف أنه كان دائما في صفوف المحاربين قصاص ووعاظ يحثونهم على الاستشهاد في سبيل الله، حتي يفوزوا برضوانه، ومن ثم تحولت بعض القطع الحماسية التي نظمت في خراسان الى مواعظ خالصة، كقول نصر بن سيار (13):

دع عنك دنيا وأهلا أنت تاركهم … ما خير دنيا وأهل لا يدومونا

واكثر تقي الله في الأسرار مجتهدا … إن التقي خيره ما كان مكنونا

واعلم بأنك بالأعمال مرتهن … فكن لذاك كثير الهم محزونا

وامنح جهادك من لم يرج آخرة … وكن عدوا لقوم لا يصلونا

فاقتلهم غضبا لله منتصرا … منهم به، ودع المرتاب مفتونا

وواضح أن نصرا يزهد في الدنيا ومتاعها الفاني بما يذكر من هلاك الأهل، ويدعو الى التقوي في السر والخلفاء مذكرا باليوم الآخر وما ينبغي أن يتخذ له من ذخر الجهاد والذب عن دين الله، وبيع النفس في محاربة أعدائه.

وكانت حرب الخوارج حربا دينية خالصة، أما هم فآمنوا بأنهم على الحق وأن المسلمين من غيرهم خرجوا على حدود الله وأنه ينبغي جهادهم حتي يعودوا الى حياض الشريعة. وبنفس الصورة كان يراهم المسلمون من خصومهم ويرون جهادهم فرضا مكتوبا. وبذلك كانت أشعار الطرفين تغمس غمسا

181

 

في العقيدة الدينية، فهم إنما يحاربون من أجلها وفي سبيلها، ونحس كأنما غاية كل خارجي أن يقتل حتي يكتب في سجل المستشهدين.

وكان شعر من حاربوهم يسيل بالدعوة للاستبسال في الحرب وجهاد هذه الفرقة التي زاغت في رأيهم عن طريق الهدي، ومن خير ما يصور ذلك قول كعب الأشقري في ملحمته الطويلة التي وصف فيها قتال المهلب للأزارقة وقضائه عليهم (14):

إنا اعتصمنا بحبل الله إذ جحدوا … بالمحكمات ولم نكفر كما كفروا

جاروا عن القصد والإسلام واتبعوا … دينا يخالف ما جاءت به النذر

وكان كثيرون يقتلون في هذه الحروب، فكان الشعراء يندبونهم ندبا حارا، مازجين ندبهم بما ينتظرهم من نعيم الخلد. كقول الضحاك بن قيس يرثي بهلولا الصفري الذي خرج لعهد هشام بن عبد الملك وقتل (15):

يا عين أذري دموعا منك تهتانا … وابكي لنا صحبة بانوا وإخوانا

خلوا لنا ظاهر الدنيا وباطنها … وأصبحوا في جنان الخلد جيرانا

وتعم هذه الروح الدينية في مراثي من قتلوا من العلويين منذ على بن أبي طالب، وقد تحول مقتل الحسين منذ حدوثه الى عويل وتفجع رهيب. وكان من يرثون الأمويين يستشعرون هذه الروح في مراثيهم، كقول جرير في عمر بن عبد العزيز (16):

حملت أمرا عظيما فاصطبرت له … وقمت فيه بأمر الله يا عمرا

بل لقد طبع الرثاء عامة بطوابع هذه الروح وما يطوي فيها من التسليم لله والرضا بقضائه، فكل نفس ذائقة الموت، وهو حتم في رقاب العباد، وعليهم أن يتذرعوا إزاءه بالصبر الجميل.

182

 

وعلي هذه الشاكلة كان الإسلام يؤثر في نفسية الشعراء، وانعكس هذا التأثير على الموضوعات المختلفة التي نظموا فيها حتي وصف الصحراء، فإننا إذا قرأنا هذا الوصف عند ذي الرمة أحسسنا أن قلبه يمتلئ بالرحمة والشفقة والعطف البالغ على الحيوانات.

وليس هذا كله جميع ما أثر به الإسلام في الشعر الأموي، فإنه فجر ينبوعا، كان قد أخذ يسيل منذ ظهور الإسلام على ألسنة بعض الشعراء، ولكن سيله لم يبلغ ما بلغه في هذا العصر، ونقصد ينبوع الزهد وما يطوي فيه من الدعوة للعمل الصالح. وسنري في غير هذا الموضع كثرة الشعراء الذين تدفق على لسانهم هذا الينبوع الغزير، بحيث أصبح موضوعا قائما بنفسه، وبحيث أخذ فريق من الشعراء الذين لم يعرفوا بزهد يستظهرون صورا إسلامية كثيرة في شعرهم، بل حتي نجد الفرزدق المستهتر ينظم قصيدة في إبليس الرجيم (17). ولم يصطبغ الشعر وحده بالمثالية الدينية وما يرتبط بها من معان، فقد جاراه الرجز في هذا الاصطباغ حتي لنجد رجازا كثيرين يبدءون أراجيزهم بحمد الله، وقد يمضون فيتحدثون عن خلق السموات والأرض، وكثيرا ما يضيفون أدعية وابتهالات لربهم.

والحق أن الإسلام أثر أثرا واسعا في نفوس الشعراء، وهو أثر ما زال يتعمق نفرا منهم حتي انقلبوا وعاظا يعظون الناس ويذكرونهم باليوم الآخر وما ينتظرهم من الثواب والعقاب، وهم في أثناء ذلك يتحدثون عن الموت وما تخرم من قرون بعد قرون، كما يتحدثون عن الدنيا ومتاعها الزائل مصورين طريق النجاة وأنه يقوم على التقوي والعمل الصالح ومجانبة كل خلق ردئ من مثل الكبر والبخل والخيانة، والتحلي بكل خلق كريم من مثل التواضع والجود والأمانة.

 

_________

(1) ديوان جميل تحقيق حسين نصار ص 117.

(2) ديوان عمر (نشر شوارتز) رقم 40 بيت 5.

(3) ديوان الفرزدق (طبعة الصاوي) 2/ 778.

(4) تتحلل من اليمين: تستثني.

(5) يلملم: جبل على مرحلتين من مكة.

(6) أغاني 6/ 328.

(7) ديوان كثير (طبعة الجزائر) 2/ 123.

(8) مدوفا: مزيجا.

(9) أغاني (ساسي) 21/ 6.

(10) ديوان جرير (طبعة الصاوي) ص 219.

(11) الهاشميات ص 123.

(12) ديوان ذي الرمة (طبعة كمبريدج) ص 661.

(13) طبري 5/ 433.

(14) طبري 5/ 125.

(15) طبري 5/ 460.

(16) الديوان ص 304.

(17) الديوان 2/ 769.

 

 شعار المرجع الالكتروني للمعلوماتية




البريد الألكتروني :
info@almerja.com
الدعم الفني :
9647733339172+