x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
الكتابة
المؤلف: شوقي ضيف
المصدر: تاريخ الادب العربي - العصر الاسلامي
الجزء والصفحة: ص:129-136
8-4-2021
2829
الكتابة
نوه الإسلام بالكتابة وفضلها منذ أول آية نزلت على الرسول صلي الله عليه وسلم، فقال جل شأنه: {{اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم}} ومن تمام هذا التنويه القسم بالقلم في قوله تعالي: {{ن والقلم وما يسطرون}} وبالكتاب في قوله سبحانه: {{والطور وكتاب مسطور في رق منشور}} وتتردد في القرآن كلمات اللوح والقرطاس والصحف في مثل قوله تبارك وتعالي: {{بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ}}، وقوله: {{قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسي نورا وهدي للناس تجعلونه قراطيس}} وقوله: {{رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة}}
وعمل الرسول عليه السلام جاهدا على نشر الكتابة بين أصحابه، حتي لنراه يجعل فداء بعض أسري قريش ممن حذقوا الكتابة عشرة من صبيان المدينة (1)، وقد حث القرآن على استخدامها في المعاملات، يقول عز سلطانه: {{يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين الى أجل مسمي فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق}}
ومن غير شك كانت هي الوسيلة الى نشر القرآن وتعلمه، فقد كان الصحابة يكتبونه، حتي يتحفظوه.
130
وكان هناك جماعة من الكتاب يكتبون آياته-كما قدمنا-بين يدي الرسول من مثل عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب وزيد ابن ثابت. وكان يكتب له في حوائجه خالد بن سعيد بن العاص ومعاوية ابن أبي سفيان. وكان يكتب ما بين الناس المغيرة بن شعبة والحصين بن نمير، كما كان يكتب بينهم في قبائلهم ومياههم عبد الله بن الأرقم والعلاء بن عقبة الحضرمي. وكان حنظلة بن الربيع يخلف كل كاتب من كتاب الرسول إذا غاب، فغلب عليه لقب الكاتب (2).
ومعني ذلك كله أن الكتابة أخذت منذ هذا العصر تستخدم على نطاق واسع لا في كتابة القرآن فحسب، بل في كتابة كل ما يهم المسلمين في معاملاتهم وعقودهم. وكان الرسول عليه السلام يستخدمها في جميع مواثيقه وعهوده، كذلك كان الخلفاء الراشدون من بعده، وتكتظ كتب الحديث والتاريخ والأدب بهده العهود والمواثيق، سواء منها ما كان على لسان الرسول وما كان على لسان خلفائه. وقد استطاع محمد حميد الله الحيدرآبادي أن يجمع طائفة ضخمة منها سماها «مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الراشدة» وقد قدم لها ببحث عن مقدار الثقة بها، وجمهورها مما لا يرقي إليه الشك. وهي تفتتح بالكتاب الذي كتبه الرسول حين نزل المدينة بين المهاجرين والأنصار واليهود المقيمين بها. ونقف قليلا عند هذا الكتاب لنبين أهمية هذه الوثائق ومدي تطويرها للنثر الكتابي عند العرب، فقد أخذ هذا النثر يحمل تشريع دولة الإسلام الجديدة وما يطوي فيه من تعاليم الدين الحنيف وحدوده وفرائضه وأول ما يلقانا في هذا الكتاب أن جميع أهل يثرب: «أمة واحدة من دون الناس» وهي أمة لا ترتبط بروابط النسب المعروفة في القبيلة وإنما ترتبط بروابط الدين. وعلي هذه الأمة أن تتعاون ضد كل من يبغي عليها منها أو من غيرها، وأن تكفل في داخلها مبادئ السلام كما تكفل حماية الجار ونصرة المظلوم. ومن تبعها من غير دينها له النصرة والأسوة إلا من ظلم وأثم. وهي أمة
131
يعلوها سلطان الله الذي يرد إليه وإلي رسوله كل اختلاف وكل حدث أو اشتجار يخاف شره.
والكتاب بذلك كله يرينا تكوين الجماعة الإسلامية والعلاقات التي تربط بين أفرادها، وهو يوضح هذه العلاقات في داخل العشائر كدفع الدية والولاء، كما يوضح العلاقات بين أعضاء الجماعة الكبري التي يشرف عليها الله ورسوله، وهي علاقات وثقتها روابط الدين توثيقا شديدا، بحيث أصبح كل ما يدعو الى اشتجار مرده الى هذا الدستور الديني الجديد، الذي يلغي الفوارق القبلية، ويقيم العدل والمساواة، ولا يدع للناس حق الأخذ بالثأر، بل يرده الى الله ورسوله، فلا ثأر يجر ثأرا بل عقاب عادل بالمثل في القتل وغير القتل.
ونمضي في تلك الوثائق فنقرأ المعاهدة التي كتبها الرسول بينه وبين قريش عام الحديبية (3) والتي نصت على وضع الحرب عن الناس عشر سنين، ذمة لا تنكث «وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخله ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه». ونقرأ بعد ذلك كتابه الى يهود خيبر ثم قسمة أموالها. وتتوالي كتبه الى الملوك يدعوهم الى الإسلام والتصديق برسالته، وممن دعاه النجاشي ملك الحبشة وهرقل ملك الروم والمقوقس صاحب مصر.
وكما يكتب الى الملوك يكتب الى أساقفة الشام وأمرائها وولاة شرقي الجزيرة من قبل كسري، وكذلك جنوبيها. وقد يكتب الى القبائل نفسها. وتلقانا معاهدته مع أهل نجران (4)، وفيها يبين ما عليهم من خراج ثم يقول: «ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أموالهم وأنفسهم وملتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير. ولا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته. وليس عليهم دية ولا دم جاهلية. . . ومن سأل منهم حقا فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين».
وعلي هدي هذا الكتاب كانت كتب أبي بكر وعمر التي كتباها الى أهل البلاد المفتوحة. وتلقانا بعد ذلك عهوده الى الأمراء الذين أبقاهم على إماراتهم في
132
القبائل وفي اليمن، كما تلقانا عهوده الى من كان يرسل بهم لتعليم الناس في آفاق الجزيرة شئون دينهم، وما ينبغي أن يأخذوه منهم من الزكاة، وقد يرسل بذلك الى بعض أمرائهم. ومن خير ما يصور هذه العهود كتابه (5) الى عامله باليمن، وفيه يأمره بتقوي الله والأخذ بالحق وأن يعلم الناس القرآن ويفقههم فيه كما يعلمهم أوامر الدين ونواهيه وما فرض عليهم من الحج الى بيته المقدس ومن الصلاة، وإيتاء الصدقات ويرسم له حدودها على الزروع والثمار والأنعام والأغنام وأن من زاد خيرا فهو خير له.
وعلي هذا النحو اتسعت الكتابة على عهد الرسول، إذ أصبحت تؤدي تعاليم الدين الحنيف، وكل ما أقامه لصلاح الجماعة الإسلامية وسعادتها، وكل ما فرضه من معان إنسانية في معاملة من يدخلون في لوائه وفي ذمة الله وعقده.
ويتولي أبو بكر الصديق مقاليد خلافة الرسول، ويرتد كثير من العرب، فيجند لهم الجيوش ويبعث مع قادتها بكتاب مفتوح يدعو الناس فيه الى الاعتصام بدين الله وأن من استجاب وكف وعمل صالحا قبل منه وأعين عليه، ومن أبي فلن يعجز الله وقوتل حتي يقر بالحق. وأتبع ذلك بعهد لأمراء الأجناد ضمنه نفس هذه المعاني وأن يستوصوا بالمسلمين في حسن الصحبة ولين القول.
وما زال يتراسل معهم حتي رئب الصدع. وتتحول الأجناد بأمرائها الى الفتوح، فيكتب لهم ناصحا على نحو ما كتب لخالد بن الوليد (6). وتلقانا له منذ هذا التاريخ كتابات وعهود مختلفة كان يرسل بها الى رؤساء الأجناد في البلاد المفتوحة. وكان آخر ما كتبه عهده لعمر، وفيه يقول: «إني استعملت عليكم عمر بن الخطاب فإن بر وعدل فذلك علمي به ورأيي فيه، وإن جار وبدل فلا علم لي بالغيب، والخير أردت، ولكل امرئ ما اكتسب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون».
وولي عمر، فتمت في عهده فتوح إيران والشام ومصر، ومع كل بلد تفتح كان أمراء الأجناد يكتبون لأهلها العقود والعهود، وكان عمر لا يني
133
عن مراسلتهم في كل ما يهم من الأمر، سواء فيما يتصل بالحرب وتنظيم الجيوش أو فيما يتصل بمعاملة أهل البلاد المفتوحة وما يعطي لهم من عهود، وعهده لأهل إيليا (بيت المقدس) الذي أشرنا إليه في غير هذا الموضع مشهور، وفيه يقول (7):
«هذا ما أعطي عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيليا من الأمان: أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها: أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا من شئ من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيليا معهم أحد من اليهود. وعلي أهل إيليا أن يعطوا الجزية. . وعلي ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين». وواضح أن عمر ترسم في هذا العهد عهد الرسول صلي الله عليه وسلم لنصاري نجران. وعلي نحو ما كان يستلهم صنيع الرسول في عهوده كان يستلهم وصاياه لولاته في سياسة الناس ومعاملتهم بإحسان، ومن خير ما أثر عنه في هذا الجانب رسالته الى أبي موسي الأشعري واليه على البصرة، وهي تمضي في البيان والتبيين على هذا النحو (8):
«بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة، فافهم إذا أدلي إليك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لانفاذ له. آس بين الناس في مجلسك ووجهك، حتي لا يطمع شريف في حيفك، ولا يخاف ضعيف من جورك. البينة على من ادعي، واليمين على من أنكر. والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما. ولا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك، وهديت فيه لرشدك، أن ترجع عنه الى الحق، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل. الفهم الفهم عند ما يتلجلج في صدرك، مما لم يبلغك في كتاب الله ولا في سنة النبي صلي الله عليه وسلم.
اعرف الأمثال والأشباه، وقس الأمور عند ذلك، ثم اعمد الى أحبها الى الله وأشبهها بالحق فيما تري. واجعل للمدعي حقا غائبا أو بينة أمدا ينتهي إليه، فإن أحضر بينته أخذت له بحقه، وإلا وجهت عليه القضاء، فإن ذلك أنفي للشك
134
وأجلي للعمي وأبلغ في العذر. المسلمون عدول بعضهم على بعض إلا مجلودا في حد أو مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا (9) في ولاء أو قرابة، فإن الله قد تولي منكم السرائر، ودرأ عنكم بالبينات والأيمان. ثم إياك والقلق والضجر والتأذي بالناس والتنكر للخصوم في مواطن الحق، التي يوجب الله بها الأجر، ويحسن بها الذخر، فإنه من يخلص نيته فيما بينه وبين الله تبارك وتعالي، ولو على نفسه يكفه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين للناس بما يعلم الله منه خلاف ذلك هتك الله ستره وأبدي فعله. والسلام عليك».
والرسالة وثيقة مهمة فيما ينبغي أن يكون عليه الحاكم قاضيا أو غير قاض من الرفق برعيته ومعاملة جميع أفرادها على قدم المساواة. وعمر يضع فيها أسس النظر في الادعاء وفي الصلح بين المتخاصمين، ويفتح الباب واسعا أمام من يقضي في شأن من شئون الرعية ويتبين خطأ قضائه أن يرجع فيه. وما يلبث أن يضع للحاكم الأصول التي يصدر عنها في أحكامه، وهي الكتاب والسنة فإن لم يجد فيهما ما ينير له الحكم اجتهد برأيه معتمدا على القياس. ويجعل للمدعي أمدا ينتهي إليه. ويقول إن الأصل في المسلم أن يكون عدلا، إلا أن تنتفي عدالته فلا تصح شهادته. ويوضح للحاكم قاضيا أو غير قاض موقفه من الخصوم فلا يتأذي بهم ولا يتنكر لهم. وقد ترك وصية (10) للخليفة من بعده تعد دستورا رفيعا للحكم، سواء فيما يتصل بحكم المسلمين أو حكم أهل الذمة وما ينبغي أن يؤخذوا به من الرفق.
وفي الحق أننا لا نصل الى عهد عمر حتي تصبح الكتابة جزءا أساسيا في أعمال الدولة، وحتي تتضمن كل تعاليمها وكل ما رسمته للمسلمين وأهل الذمة من العلاقات السياسية والاقتصادية في الخراج وقسمة الغنائم وكل ما يتصل بالأنظمة في الشعوب المفتوحة. وعمر في ذلك كله يستلهم القرآن والسنة النبوية، ويستشير أصحابه في كل ما يأخذ من أمر ويدع، وهو في ثنايا ذلك يجتهد ويفتح الباب لاجتهاد أصحابه. فإذا قلنا بعد ذلك إن الكتابة رقيت في العصر رقيا بعيدا لم نكن مغالين. إذ وسعت كل الحاجات السياسية التي جدت،
135
وكل ما أعطي للمسلمين المحاربين والشعوب المفتوحة من حقوق.
وقد مضي فاتحو الثغور في عهد عثمان يكتبون عهودهم لمن يغلبون عليهم أو يدخلون في طاعتهم دون حرب مقتدين بما رسمت العهود في عهد عمر وأبي بكر، وكان عثمان يكتب أحيانا الى ولاته في الحرب والسلم. وخلفه على فكثرت الحاجة بحكم حروبه الى مكاتبات مختلفة بينه وبين الخارجين عليه. ومن أهم ما كتب حينئذ وثيقة (11) التحكيم بينه وبين معاوية.
وواضح من ذلك كله أن الكتابة تطورت تطورا واسعا في هذا العصر، فقد تعددت الموضوعات التي تناولتها والتي لم يكن للعرب بها عهد قبل الإسلام ورسالة صاحبه النبوية، إذ أخذت تحمل مجموع النظم الجديدة التي قامت عليها دولة الإسلام العتيدة. وكان الرسول عليه السلام هو الذي ذللها لتحمل هذه النظم، وخلفه عليها قواد الجيوش في عهودهم للبلاد المفتوحة وخلفاؤه الذين فصلوا هذه النظم وطابقوا بينها وبين حاجات المسلمين من جهة وحاجات من غلبوا عليهم من جهة أخري، ولعمر من بينهم في ذلك القدح المعلي إذ ساعدت كتبه الكثيرة في الفتوح وإلي الولاة على أن ينال النثر الكتابي كل ما كان ينتظره زمن الخلفاء الراشدين من تطور ونهوض.
_________
(1) طبقات ابن سعد ج 2 ق 1 ص 14.
(2) الوزراء والكتاب للجهشياري (طبعة الحلبي) ص 12.
(3) مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي والخلافة الراشدة (طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر) ص 13
(4) مجموعة الوثائق السياسية ص 80.
(5) مجموعة الوثائق السياسية ص 104.
(6) مجموعة الوثائق السياسية ص 227.
(7) مجموعة الوثائق السياسية ص 268.
(8) البيان والتبيين 2/ 48 وما بعدها.
(9) ظنينا: متهما.
(10) البيان والتبيين 2/ 46.
(11) مجموعة الوثائق السياسية ص 281.