العهد العثماني الثاني في مكة
المؤلف:
احمد السباعي
المصدر:
تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع
الجزء والصفحة:
ج2، ص 595 - 600
2-12-2020
1753
العهد العثماني الثاني
محمد بن عبد المعين للمرة الثانية :
عاد محمد بن عبد المعين بن عون من مصر في عام ١٢٥٦ الى ينبع فالمدينة بعد ان مر بمواطن حرب وعمل على اقرار احوالها وقد أشرف أثناء ذلك على ترحيل الجيش المصري الذي يعسكر في مواطن حرب ثم تابع سيره الى المدينة وأقام فيها أشهرا رتب في أثنائها أعمالها الادارية على اساس الحكم العثماني الجديد.
وكان ابنه عبد الله قد سبقه في هذه الأثناء الى مكة وقام بشؤون امارتها نائبا عنه ولما وافت أشهر الحج من السنة نفسها وصل محمد بن عون الى مكة فشرع في تنظيم ترحيل الجيش المصري منها.
وصدرت اليه أوامر العثمانيين بتعيين عثمان باشا شيخ الحرم المدني في ادارة الحامية بجدة مع اضافة مشيخة الحرم المكي اليه وتوجيه مشيخة الحرم المدني الى شريف بك مدير المدينة سابقا فانتقل عثمان باشا الى جدة وباشر اعماله الجديدة فيها وأناب عنه في مشيخة الحرم المكي عبد الله بن محمد بن عون امير مكة.
وتشكلت لجنة على اثر هذا لتصفية الاموال المصرية في الحجاز فاحصت جميع الأرزاق والمهمات والذخائر الموجودة بها للمصريين وقومت ذلك بأثمانه وأبقته في الحجاز بعد ان تعهد العثمانيون بقبوله مما تستحق لدى مصر من الخراج المقرر عليها للعثمانيين.
وبحثت اللجنة موضوع المرتبات التي رتبها محمد علي باشا لكبار (صورة مرسوم اثرى ويبدو من قراءته انه احد المراسيم التى اصدرها عبد المطلب الى امراء النواحى بمناسبة توليته وقد وجد ممزقا فى الأطراف التى لم تظهر الكتابة فيها) الأشراف وغلال الصدقة التي خصصها للمحتاجين في مكة فاستقر أمرها على بقائها كما كانت بعد تحويلها الى الخزانة العثمانية وقد وافق الخليفة على هذا الاجراء وأقره كاملا (١).
ولادة عون الرفيق :
وفي هذه الأثناء ولد للشريف محمد بن عبد المعين ابن عون ابنه الشريف عون الرفيق وذلك في اواخر ذي الحجة عام ١٢٥٦ في بيت بالشامية يقال له دار الجيلاني (2) وهو اليوم مستودع للكتب التي وقفتها الحكومة بجوار بازان الشامية وظل الوفاق تاما بين الامارة ووالي الأتراك في جدة عثمان باشا عدة سنوات ثم نمي الى عثمان باشا ان بعض الأشراف المختصين بجباية الزكاة يتلاعبون بأموال الخزينة فأغلظ لهم القول فاستاء محمد ابن عون من ذلك فبدأ الخلاف بين السلطتين واشتدت وطأته في عام ٦٠ و ١٢٦١ ثم انتهت الاخبار الى تركيا فأمرت بعزل عثمان باشا من ولايته ووجتها الى شيخ الحرم المدني في عام ١٢٦٣ وقد مات عثمان على اثر وصول الخبر وتسلم الاعمال في جدة شريف باشا (3).
قتال نجد :
وفي العام نفسه ١٢٦٣ توجه محمد بن عبد المعين بن عون على رأس جيش مقاتل الى نجد بامر من العثمانيين لقتال امام الرياض فيها فيصل بن تركي ، فلما انتهى الى القصيم توسط اهل القصيم في الصلح بين الفريقين وقبل امير الرياض ان يدفع للخليفة في تركيا خراجا سنويا قدره عشرة الاف ريال.
وفي عام ١٢٦٥ و ١٢٦٦ أنعم العثمانيون على عبد الله وعلي والحسين وعون ابناء محمد بن عون باوسمة ثم منحوهم رتبة الوزارة.
قتال عسير :
ونشبت بعض الفتن في عسير ثم في اليمن فأمرت الدولة العثمانية محمدا بن عون ان يقود جيوشها في مكة لتأديب العصاة فسير ابنه عبد الله الى بني عسير فعقدوا معه صلحا في عام ١٢٦٥ ثم سار بنفسه على جيش الى اليمن ففتح مدنها واحتل صنعاء عاصمتها وأقام تنظيمها بالشكل الذي أراده العثمانيون وذلك في السنة نفسها عام ١٢٦٥ (4).
الاوقاف السلطانية :
وتولى الحكم في غيابه أثناء حرب اليمن حسيب باشا الوالي التركي فعني بامور الشرع كثيرا واستعان في احكامه بمجلس يضم رجال الافتاء من المذاهب الاربعة الا انه ما لبث ان اختلف معهم فقد اراد الوالي انتزاع الاوقاف السلطانية من ايدي الناس الذين استولوا عليها بالفراغات الشرعية فلم يمكنه العلماء من ذلك (5) واصر مفتي مكة السيد عبد الله المير غني على مخالفته فعزله وولى منصبه السيد محمد الكتبي فلم يوافقه فيما اراد وتطور الخلاف بينه وبين العلماء ثم انتهى الى بحث دار بالصفا كان قد بناها عبد الله بن عقيل شقيق السيد اسحاق بن عقيل في فراغ من الاوقاف السلطانية ، فلما شعر عبد الله بخطورة المسألة استكتب العلماء والاعيان مضبطة ضد الوالي وفر من ليلته الى تركيا حيث اتصل بالخليفة وقدم شكواه فأمر الخليفة بعقد مجلس من العلماء فأفتوا بعدم جواز انتزاعه فصدر أمر الخليفة بمنع الوالي من انتزاع الأوقاف كما صدر أمر شيخ الاسلام باعادة المفتي المعزول في مكة ، وقد حمل عبد الله بن عقيل الاوامر الى مكة فامتثل الوالي لها ثم ما لبث ان عزل من وظيفته في اواخر عام ١٢٦٦ وتولى مكانه عبد العزيز باشا الملقب «آقة باشا» (6)
وفي منتصف عام ١٢٦٧ تلقى «آقة باشا» أمرا من دار السلطنة بترحيل محمد بن عون وأبنائه الى تركيا فبلغهم ذلك فامتثلوا للأوامر وغادروا مكة متوجهين الى تركيا ، وبذلك انتهت امارة محمد بن عون للمرة الاولى بعد ان اقام ٢٤ سنة.
وأقام «آقة باشا» الشريف منصورا بن يحي من ذوي زيد وكيلا للأمارة الى ان يصدر أمر الخليفة في ذلك ثم رأى ان يرشحه لدى السلطنة فكتب بذلك الى الخليفة وأرفقه بمضبطة موقعة من الأشراف والعلماء ، الا ان دار السلطنة لم توافق على ترشيح منصور بن يحي واختارت لامارة مكة عبد المطلب بن غالب (7).
والغريب ان مؤرخي مكة لم يتعرضوا لذكر السبب الذي من اجله عزل محمد بن عون من امارة مكة بعد خدماته الطويلة للعثمانيين وبعد الذي تجلى من رضائهم عنه في منح أبنائه أوسام الشرف وألقاب الوزارة ، والذي أظنه أن عبد المطلب الذي ابت عثمانيا توليته قبل محمد بن عون ارضاء لمحمد علي باشا صاحب مصر استطاع بعد ان عادت الحجاز الى عثمانيا ان يسدد مساعيه في دار السلطنة حتى ظفر بعزل محمد بن عون وتوجيه الامارة اليه.
وفي أثناء اقامة أولاد محمد بن عون بالاستانة ولد للشريف علي بن محمد ابن عون ولد في عام ١٢٧٠ أسموه «الحسين» وهو ملك الحجاز فيما بعد وصاحب النهضة العربية كما سيأتينا (8).
عبد المطلب بن غالب للمرة الثانية :
وانتهى عبد المطلب الى مكة في ذي القعدة من عام ١٢٦٧ فباشر أعمال امارته للمرة الثانية على إثر نزوله في داره بالقرارة (9) وعندما أهل عام ١٢٦٨ توجه لتأديب بعض العصاة في ديار حرب فأطاعوه وتركوه يبني في ديارهم بعض التحصينات وهي قلعة بدر وقلعة الحمراء وقلعة الخيف وقلعة بئر عباس ، وقد اقام بعض العساكر فيها لحماية تلك الجهات (10).
وما لبث أن اختلف مع عبد المطلب «آقة باشا» الوالي العثماني فاستطاع ان يثبت أخطاء آقة باشا ويرسل بها الى دار السلطنة ويستصدر امرها بعزله وتولية احمد عزت باشا امير الحج الشامي وكان من أصدقاء عبد المطلب وذلك في اواخر عام ١٢٦٩ واحمد عزت هو اول من بنى دارا في الزاهر بجوار شهداء فخ وجعلها منتزها له ، ثم ما لبث عبد المطلب ان اختلف مع احمد عزت فاستصدر امرا من الاستانة بعزله وقد تولى مكانه كامل باشا في رجب سنة ١٢٧٠ (11).
ويذكر الدحلان (12) ان من اهم أسباب الخلاف بين عبد المطلب وولاة الأتراك أن الولاة كانوا يتصلون بشيخ السادة اسحق العلوي ويستشيرونه في أمورهم بمقتضى توصيات خاصة تصلهم من كبار رجال السلطنة في تركيا وان شيخ السادة المذكور كان صديقا حميا للشريف محمد بن عون فكان يسعى في دار السلطنة بالتوصية على شيخ السادة وضرورة استشارته فلما شعر عبد المطلب بذلك اشتد عداؤه لشيخ السادة وقد عزله من منصبه ثم ما لبث أن أمر بالقبض عليه في بستانه بالهجلة وارساله الى الطائف فلما علم الوالي التركي كامل باشا ندب بعض الخيالة لادراكه في طريق الطائف فلم يستطيعوا الى ان يقول وقد عزر شيخ السادة على اثر وصوله ثم سجن في القلعة بالمثناة يومين ثم توفي فجأة فاتهم عبد المطلب بوفاته فزعزع ذلك من مكانته.
_______________
(١) خلاصة الكلام للسيد أحمد زيني دحلان ٣١١
(2 و 3) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»
(4) خلاصة الكلام ٣١٤
(5) الأصل في الفراغات الشرعية ان أصحاب بعض الدور الموقوفة كانوا يفرغون أي يملكون الانتفاع بها ما دام الدار قائما فاذا هدم عاد الملك لصاحبه الأول.
(6) خلاصة الكلام ٣١٥
(7 و 8) افادة الأنام «مخطوط»
(9) تذييل شفاء الغرام للشيخ عبد الستار الصديقي ٣١٣
(10) تاج تواريخ البشر للشيخ محمد سعيد الحضراوي «مخطوط»
(11) خلاصة الكلام ٣١٦
(12) المصدر نفسه ٣١٧
الاكثر قراءة في مكة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة