في عهد محمد علي باشا
تمهيد : لا بد لنا من أن نقدم بكلمة مختصرة بين يدي البحث الخاص بعلاقة محمد علي باشا بمكة لنعرف شيئا عن تكوين حكومة محمد علي في مصر.
ولا بد لذلك من استعراض الحوادث من عهد محمد علي بك الكبير «بلوط» الى عهد محمد علي باشا جد العائلة الخديوي السابقة في مصر.
ويبدأ تاريخ محمد علي بلوط بثورته في مصر على حكومة العثمانيين وكان من قواد جيشها وذلك سنة ١١٨٠ وكنا قد رأينا في عام ١١٨٣ه الاشراف من ذوي بركات يستمدون عونه ضد خصومهم من ذوي زيد في مكة على اثر انتصاراته في مصر فيندب لنصرتهم بعض جيوشه على النحو الذي اسلفناه في عهد العثمانيين الأول.
وقد ظل هذا القائد على أمره في مصر حتى توفي سنة ١١٨٧ فتولى الامر بعده ابنه أبو الذهب الى أن نشبت الاضطرابات بينه وبين بعض مناوئيه على الحكم وعمت الفوضى في البلاد ونهبت بعض بيوت الأوروبيين فتذرع الفرنسيون وجردوا حملة قوية على مصر واستطاعت هذه الحملة بعد مناوشات طويلة بينهم وبين مصر أن يحتلوها بحجة اقرار الأمن سنة ١٢١٣ وقد فصلت تواريخ مصر أحداث ذلك في فصول مطولة لسنا في سبيلها في هذا البحث.
وظل حكم الفرنسيين في مصر الى عام ١٢١٦ ثم أجلاهم عنها جيش أرسله العثمانيون لاستخلاصها منهم وبجلائهم عاد الحكم فيها الى العثمانيين تحت ولاية خسرو باشا.
ولم يدم أمر العثمانيين طويلا لأن الفتن ما لبثت أن نشبت بين الجيش الفاتح ورؤسائه بسبب تأخير الرواتب ، ثم تطور الامر في اوائل عام ١٢٢٠ حتى عمت الفوضى البلاد.
وفي هذه الاثناء كان محمد علي باشا ـ جد العائلة الخديوية السابقة في مصر ـ يقيم مع رجال الجيش في رتبة وكيل لرياسة احدى فرق الجيش فلما رأى ازدياد الفوضى عمد مع فرقته من الالبان الى امتلاك القلعة وأقام فيها ساهرا على اخماد الفتن وأدرك رؤساء العسكر وأعيان البلاد أن من الخير أن يلتفوا حوله لانقاذ البلاد من الفتن ثم ما لبثوا أن أجمعوا على اختياره لولاية مصر ونادوا باسمه في البلاد في صفر من السنة نفسها ثم كتبوا بذلك الى السلطة العثمانية فوافاهم التأييد.
الا أن بعض مماليك الاتراك عز عليهم ذلك فاتصل بعضهم بالانكليز ليتوسطوا لهم لدى الباب العالي في نقل الولاية اليهم فنجحت الوساطة وأرسلت الدولة العثمانية اسطولا مسلحا لعزل محمد علي فثار بعض أعيان مصر ضد ذلك العزل وكتبوا الى دار السلطنة يطلبون تأييد محمد علي فوافتهم الموافقة في العام نفسه ١٢٢١.
واستاء الانكليز لفشل وساطتهم فأرسلوا اسطولهم الى الاسكندرية فتملكها ثم تقدم الانكليز الى رشيد فانهزموا ثم اتفقوا على الصلح مع محمد علي باشا وعادوا الى بلادهم وبقيت مصر تحت ولاية محمد علي.
وعلى هذا فكر محمد علي في ضرورة تقوية الجيش وترقيته شؤون البلاد فأسس المصانع الحربية وبنى المدارس وأصلح احوال الزراعة والتجارة وخطا بمصر خطوة جريئة نحو التمدن والحضارة.
وفي هذه الاثناء كلف العثمانيون محمد على باشا بارسال حملة الى الحجاز لاجلاء السعوديين عنها فتردد بعض الشيء كما ذكرنا الى ان مكن لنفسه في مصر ثم حشد جيشه من الأتراك والمصريين وأرسله تحت قيادة ابنه طوسون لاستخلاص الحجاز في عام ١٢٢٦ فلم ينجح كما اسلفنا وعاد الى القصير ينتظر امداد والده ، ليستأنف كرته على السعوديين.
وقد جهز له أبوه جيشا في آخر شهر المحرم عام ١١٢٧ فاستطاع أن يستأنف به احتلال ينبع ويجعل منها مستقرا لقيادته يتلقى فيها الامدادات من أبيه ويترتب خططه الهجومية.
ومن ثم شرع يكتب سرا الى غالب في مكة وكبار مشايخ حرب ورؤساء القبائل حتى استوثق من معاونتهم وحتى جاءت الأنباء من غالب في مكة أنه سيعمل مع جانبه لنصرتهم ضد السعوديين.
واخذت قيادة الجيش المصري تصب أموالها وهداياها للعربان في ينبع والبوادي صبا ، فمن ذلك أنهم أعطوا كبير مشايخ حرب مائة ألف ريال فرنساوي لتوزيعها على القبائل وقد خصه من ذلك ثمانيه عشر ألف ريال ورتبوا له رواتب شهرية كانت تصرف له دون ابطاء فخفت قبائل حرب لمساعدة المصريين وتقدم رجالهم امام الجيش حتى أدخلوهم المدينة في ٢ ذي القعدة من السنة المذكورة عام ١٢٢٧ بعد أن قبضوا على أميرها السعودي علي ابن مضيان (١).
زحف فريق من الجيش من ينبع الى جدة فوصلها في أوائل المحرم ١٢٢٨ وقد احتلها بمساعدة الأيدي التي كانت تعمل في الخفاء للشريف غالب وبذلك هربت حامية قلعة جدة من النجديين ثم استمر الزحف حتى دخل المهاجمون جدة فمكة فاستقبلهم غالب فيها بعد ان فرت حامية النجديين الى الطائف وكان عبد الله بن سعود قد انحاز في هذه الاثناء الى الخرمة شرقي الطائف (2) ورابط بجيوشه فيها وترك الجيش المصري يواصل زحفه في مدن الحجاز.
ومضى الزاحفون الى الطائف فاشتبكوا مع النجديين ومن والاهم من القبائل في وقائع كثيرة يطول سردها ، وكان عثمان المضائفي على رأس المدافعين عن الطائف كما كان الشريف غالب على رأس الزاحفين وقد انحاز اليه كثير من القبائل في أطراف الطائف الى بلاد زهران وغامد بعد أن تخلوا عن موالاة النجديين وثبت مع النجديين كثير من القبائل في جنوب الحجاز.
وفي هذه الوقائع قبض الشريف غالب على صهره عثمان المضائفي قائد الجيش النجدي فأرسله وأمير المدينة علي بن مضيان الى مصر مأسورين ومنها أرسلا الى تركيا فقتلا فيها.
وانتهت اخبار الانتصارات الى مصر فأقيمت الزينات خمسة أيام وندب محمد علي باشا الى الاستانة من يبلغ السلطان ذلك فدخل المندوب في احتفال كبير وهو يحمل بين يديه مفاتيح رمزية ليشير بذلك الى أنها مفاتيح مكة والمدينة والطائف.
وعلى أثر ذلك نوجه محمد علي باشا من مصر الى مكة فاستقبله غالب فيها استقبالا عظيما وأنزله في دار بالشامية كان يقال له بيت با ناعمه أو بيت العادة وأنزل ولده طوسون في بيت كان يقال له بيت السقاط أمام باب السيد علي نائب الحرم اذ ذاك وهو في الشامية أيضا بجوار المدرسة العزيزية (3).
وعلم الشريف غالب أن السلطان التركية باتت لا تميل اليه بعد خدمته للسعوديين وان الجيش المصري الذي استعان به على احلاء السعوديين أصبح يعمل في الخفاء للقبض عليه فأخذ حذره من ذلك وحاول ان يتحصن ضد المصريين مدة اقامتهم لئلا يقع في قبضتهم ولكن ذلك لم يغنه فتيلا.
وشعر محمد علي باشا بصعوبة تحقيق أمر القبض على غالب وهو في مكة بين جنده وعتاده ومن يواليه من الاهلين والقبائل فاستعان بتدبير رجل كان يطوفه اسمه أحمد تركي فدبر الأمر على أن يخرج طوسون الى جدة مغاضبا لابيه ليسعى بينهما غالب في الصلح ومن ثم يعود طوسون نزولا على حكم غالب الى مكة وينزل في داره فلا بد من ان يذهب غالب اليه ليصحبه الى ابيه فاذا اختلى الشخصان يدخل بعض الضباط ويقبضوا على غالب.
وقد جرى تدبير ذلك باحكام وبه فبض على غالب ثم ما لبث ان زاره أحمد تركي ليطمئنه بالنتيجة وليقول له ليس في الأمر الا ان تقابل الخليفة في تركيا ثم تعود الى امارتك ثم يقترح عليه أن يكتب الى كبار ابنائه يستدعيهم اليه ليولي أحدهم مكانه الى أن يعود فتجوز الحيلة ويكتب الى أبنائه يستدعيهم فلا يكادون يتجاوزون الباب حتى يقبض عليهم وبذلك يأمن المصريون شر فتنتهم واستثارة الموالين لنصرة أبيهم.
وقد رحل غالب وأولاده الى مصر فاستقبلوا فيها استقبالا رسميا ثم حازوهم في احد القصور تحت حراسة من يراقبهم وبعد أن ظلوا عدة شهور صدر الأمر بترحيلهم الى تركيا فأقاموا في سلانيك الى وفاة غالب عام ١٢٣١ (4).
يحي بن سرور :
وبخروج غالب وأولاده من مكة وقع الاختيار على أخيه يحي بن سرور فنودي به أميرا على الحجاز في حفل رسمي على جرى العادة وذلك في أواخر ذي القعدة عام ١٢٢٨.
الترتيب الاداري :
وأجرى محمد علي باشا على اثر تنصيب يحي على امارة مكة بعض تعديلات ادارية فجعل شؤون البادية الى الشريف شنبر بن مبارك المنعمي (5) كما جعل شؤون الدفاع الى حامية تركية مصرية يرأسها موظف من جيشه وأضاف اليه شؤون الأمن فكان «محافظ» ورئيس الدفاع وجعل المطوف أحمد تركي مستشارا للمحافظ المذكور كما جعل مقر ديوانه في القصر الذي شيده محمد علي باشا أمام باب علي وقد سمي أخيرا قبل هدمه بيت باناجه وبذلك اجتمعت عدة سلطات في مكة لعدة أشخاص.
استئناف القتال في نجد :
واستأنف محمد علي باشا زحفه على النجديين على اثر فراغه من الحج عام ١٢٢٨ فحدثت مناوشات عظيمة بين الجيشين كان النصر فيها سجالا.
وأهل عام ١٢٢٩ والقتال لا يزال مستمرا بين الجيشين في الجنوب نحو القنفذة والشرق نحو الطائف وما حولها.
وفاة الامام :
وتوفي الامام سعود في هذه الاثناء في جمادي الاول عام ١٢٢٩ فتولى الامر بعده ابنه عبد الله بن سعود وكانت المناوشات لا تزال مستمرة بين الطرفين (6).
وظل محمد علي باشا على رأس جنده في هذه الحرب طوال عام ١٢٢٩ وظلت الامدادات تتواتر عليه من مصر طول مدة الحرب وقد قاست مكة أثناء ذلك كثيرا من الشدائد والضيق وقلة الأرزاق ثم فتح للتجار باب الاستيراد من مصر على مصراعيه فاستورد التجار أصناف الغلال وعاد الرخاء الى ما كان.
وأهل عام ١٢٣٠ والقتال على أشده في عدة مواقع من بلاد العرب بقيادة محمد علي باشا وفي شهر جمادي الثاني عاد محمد علي من ميادينه الى مكة فنظر في بعض ترتيباتها وأعاد المرتبات من الغلال التي كانت تصرف لفقراء مكة بعد أن أجرى تعديلات كثيرة في دفاترها ثم بلغه خبر بعض القلاقل في مصر فرأى ضرورة سفره اليها فترك ابنه طوسون على قيادة الجيوش المحاربة وعاد الى مصر.
واستمر طوسون يحارب إلى شهر شعبان ثم تنادى الفريقان للصلح واجتمع مندوبوهما لوضع شروطه وبذلك عاد طوسون باشا الى مصر في ذي القعدة من العام ١٢٣١ (7).
ويقول ابن بشر صاحب عنوان المجد أن فكرة الصلح كانت صادرة من محمد علي باشا الى طوسون وان السعوديين لم يعارضوا في قبولها (8).
القتال مرة اخرى :
وفي عام ١٢٣٢ بدأ الخلاف يستأنف سيرته بين محمد علي باشا والسعوديين ويذكر صاحب عنوان المجد في أسباب ذلك أن رجالا من أهل القصيم والبوادي ركبوا الى مصر وزخرفوا القول لصاحبها فتلقى قولهم بالقبول (9) وشرع يجهز عساكره الى نجد بقيادة ابنه ابراهيم باشا وكان طوسون قد توفى على أثر عودته من مكة.
وسار ابراهيم باشا في جيوشه الى المدينة فنزلها ثم تقدم الى الحناكية (10) فاجتمع اليه الكثير من قبائل حرب ومطير وعتيبة وغيرهم.
التسليم وقتل الامام :
وهكذا استأنف سيره ثم ما لبث أن استنفر عبد الله بن سعود قبائله في الدرعية وسار بها في جمادي الأولى عام ١٢٣٢ نحو الحناكية ولما اتصل القتال بين الجيشين كاد عبد الله بن سعود أن يظفر الا أن الترك ثبتوا واستطاعوا أن ينتزعوا النصر لأنفسهم فهزم السعوديين واختلطت جموعهم فتعقبهم الترك من بلد إلى آخر حتى احتلوا عنيزة ثم الوشم ثم شقراء حتى انتهوا الى ضرمى حيث اشتد فيها الحصار وعم الكرب وقد دخلها الغزاة عنوة.
يقول ابن بشر ومع هذا قتلوا أهلها في الأسواق ، وكانوا يأتون الى أهل البيت والعصابة المجتمعة فيعلنونهم الأمان ثم يجردونهم من سلاحهم ويقتلونهم وينهبون جميع ما عندهم ثم سار الغزاة الى الدرعية فوصلوها في أوائل جمادي الأولى سنة ١٢٣٣ وبدأوا يحاصرونها.
يقول ابن بشر (11) أن أناسا من أهالي نجد ورؤساء البوادي ممن نبتت لحومهم وأقاربهم ومن عطايا آل سعود ساعدوا الترك في غزوهم على أمل أن ينالوا منهم مثل ما كانوا ينالون من آل سعود.
ويصف ابن بشر بعض المواقع في الدرعية فيقول : ان بعض من حضر قال له لو حلفت بالطلاق أنى لم أطأ من الموضع الفلاني الى الموضع الفلاني ـ في الدرعية ـ الا على رجل مقتول لم احنث (12) ولما اشتد الأمر على الدرعية خرج بعض الأعيان على رأسهم عبد الله بن عبد العزيز بن محمد بن سعود وكبير آل الشيخ علي بن محمد ابن عبد الوهاب يطلبون الصلح فأبوا أن يصالحوهم الا على أهل السيف أو يحضر الامام عبد الله بن سعود وكان الامام قد انحاز للقصر ونصب المدافع استعدادا للقتال ووزع كثيرا من الأموال لكن أنصاره ما لبثوا أن تفرقوا عنه هاربين بما أخذوا منه فتقدم بطلب الآمان فأمره بالخروج فخرج اليهم وبذلك سلمت الدرعية ونقل الامام الى حيث رحلوه الى تركيا وقد قتل فيها (13).
وبتسليم الدرعية كثرت وشايات الاهالي في علمائهم وقضاتهم وأعيانهم عند قائد الجيش فاستمر القتل فيهم فقضى على بعضهم وهو وقوف أمام المدافع والبنادق وعز القاضي أحمد بن رشيد بالضرب والعذاب ثم قلعت جميع اسنانه (14).
وجاءت الأوامر من مصر بهدم الدرعية وحرقها فأخلوا السكان منها وأضرموا فيها النار حتى أصبحت في خبر كان (15)
وهكذا يقسو المسلمون على بعضهم باسم الدين ولا ترحم طوائفهم الطوائف الاخرى التي تخالفهم أو تعاديهم أو تضعف لهم ولو فقهوا تعاليم دينهم الصحيحة لعلموا أنه أرحب أفقا مما يظنون.
وقبض ابراهيم باشا على كثير من آل السعود وآل الشيخ فرحلهم بعائلاتهم الى مصر حيث ظلوا مدة طويلة رهن الحراسة.
وظل ابراهيم باشا حول الدرعية عدة أشهر لتوطيد الاحوال ثم انتقل الى الحجاز حيث ظل فيها الى نهاية عام ١٢٣٤ ثم عاد الى مصر وبذلك عاد أمر الحجاز ونجد الى العثمانيين ومنح محمد علي باشا حق الاشراف عليهما كما منح ابراهيم باشا لقب والي مكة وهي ولاية شرف فيما نعلم.
الاضطراب في مكة :
وظل الأمر في مكة بضع سنوات ثم ما لبث أن عاد الاضطراب بين بيوت الأشراف ولعل الاضطراب في هذه المرة كان سببه توزيع السلطة بين أمير البلاد وأشخاص غيره كانت اوضاعهم الرسمية تخول لهم مشاركته في النفوذ.
وقد قدمنا ان ترتيبات محمد علي باشا الادارية بحكم اشرافه الممنوح من العثمانيين اقتضت تعيين رئيس للحامية ثم أضيفت اليه وظيفة «محافظ» مكة ليشرف على شؤون الامن فيها وبذلك تم له من النفوذ ما يضاهي نفوذ الأمير ان لم يزد عليه.
وثمة شخصية ثالثة هي رئاسة العربان التي ولاها محمد علي باشا أحد الأشراف «شنبر بن مبارك» وأعطاه من الصلاحية بالنسبة لعموم القبائل ما لا يقل عن صلاحية أمير البلاد.
واذا علمنا ان شنبرا كان موضع ثقة محمد علي باشا وان الصلة بينه وبين رئيس الحامية بمكة كانت على اتم ما تكون من الصفاء والود بدا لنا ان كفتي الميزان لم تكن متعادلة لأن احدى الجهات كان فيها امير البلاد فقط بينما اجتمع في الجهة الثانية قوة الجيش وامارة العربان في آن واحد.
ومن الطبيعي ان يحتك النقيضان وأن تصطدم الآراء فيأبى أمير البلاد الا أن يكون صاحب القول بحكم امارته ويأبى أصحاب القوة الا أن يملوا ارادتهم فينشب النزاع وتتفاقم المشاكل.
ولعل محمد علي باشا كان معذورا عندما وزع المسؤوليات ولم يركزها في مصدر واحد ، لعله شعر أن الأمراء من الأشراف لا يقيمون أمور البلاد على النحو الذي يريده لها ولكن لا بد من وجودهم في دست الامارة لأن البلاد ألفت طاعتهم وتقديس بيوتهم فأراد أن يجمع بين المكرمتين ، تقليد الامارة لأصحابها وتزويد البلاد بقوة اخرى تتولى استقرار الأحوال وتشرف على مرافقها فجاءت ترتيباته بغير الغاية المطلوبة لأن الاختصاصات ما لبثت أن اختلطت على أصحابها وراح كل فريق يدعي أحقيته فيما يرى ويأمر.
قتل شنبر :
وعانت البلاد من جراء هذا الارتباك كثيرا بضع سنوات ثم ما لبث أن تفاقم الشر في ٢٢ شعبان عام ١٢٤٢ لأن الشريف يحي بعد أن صبر طويلا على مشاركة غيره له في الحكم رأى أنه لا بد من وضع حد حاسم للأمر فعمد الى أمير العربان الشريف شنبر وهو يصلي المغرب عند باب الصفا فطعنه بسكين في خاصرته ولم يتركه حتى قضى.
وضج الناس في المسجد وعم الفزع وانتهى الخبر الى رئيس الحامية صديق المقتول فاستشاط غضبا وأمر جنده بالاستعداد للهجوم على قصر الأمير يحي والقاء القبض عليه فتحصن الأمير في بيته واستعد للدفاع وكادت الفتنة تقع لو لا أن أخر حدوثها توسط الشيخ محمد الشيبي وقد طلب الى يحي أن ينكرالقتل وينسبه الى أحد عبيده فأبى وأصر على القول بأن القتل لم يقع الا بيده وانتهت الوساطة بأن يغادر الشريف يحي بن سرور مكة الى مصر من طريق البر وقد غادرها وأصبحت البلاد بذلك تحت حكم رئيس الحامية (16).
___________
(١) خلاصة الكلام ٢٩٥. وكان ابن مضيان أحد شيوخ قبيلة حرب. (ع).
(2) عنوان المجد ج ١ ص ١٥٩.
(3) خلاصة الكلام ٢٩٦. (ع) : وآل غالب اليوم سكان المثنان من الطائف.
(4) خلاصة الكلام للسيد أحمد زيني دحلان ٢٩٨ وما بعدها ، (ع). وقد أخذوا يزوجون غير الأشراف فاتقبن بذلك العرف الشريفي بعدم تزويج غير الشريف.
(5) خلاصة الكلام ٣٠٠ وما بعدها.
(6) خلاصة الكلام للسيد احمد ريني دحلان ٢٩٨ وما بعدها.
(7 و 8) عنوان المجد ج١ ص ٨٣.
(9) سابق ج١ ص ١٨٥.
(10) الحناكية شرقي المدينة على (١٠٠) كيل في الطريق الى نجد.
(11) ج ١ ص ١٩٧
(12 و 13) ج ١ ص ٢٠٦ وما بعدها
(14) عنوان المجد ج ١ ص ٢٠٨
(15) عنوان المجد ٢١٣ ويذكر بيركربتيس مؤلف كتاب ابراهيم باشا ص ٤٠ ان ابراهيم باشا استدعى ٥٠٠ من رجال الدين في الدرعية ليناقشوا علماء الأزهر الذين صحبهم في حملته وان النقاش دام ثلاثة أيام دون ان ينتهي الى شيء.
(16) افادة الأنام للشيخ عبد الله غازي «مخطوط»
الاكثر قراءة في مكة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة