x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين

اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة

العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات

الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور

العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون

احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام

مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة

التاريخ الاسلامي

السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام

الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان

علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)

الدولة الاموية

الدولة الاموية *

الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد

الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية

الدولة العباسية

الدولة العباسية *

خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل

خلفاء بني العباس المرحلة الثانية

عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله

عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله

عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية

التاريخ الحديث والمعاصر

التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا

تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر

تاريخ الامريكتين

الحالة السياسية لمكة في العهد العثماني الأول

المؤلف:  احمد السباعي

المصدر:  تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع

الجزء والصفحة:  ج2، ص 514- 524

23-11-2020

1259

النواحي العامة في عهد العثمانيين الاول

 

الحالة السياسية :

تقدم بنا ان جنود العثمانيين الفاتحة ما كادت تنتهي الى مصر حتى كتب قائدها الى الشريف بركات امير مكة يعرض عليه الموافقة على اقرار امارته في مكة اذا وافق شريف مكة من جانبه على الدعاء للعثمانيين وأن بركات ما لبث ان قبل وبذلك بدأت علاقة مكة بالعثمانيين.

وبذلك ظل الاشراف من اصحاب البيت المالك في مكة يتعاقبون حكمها على جري عادتهم أميرا بعد أمير .. كان الامير يصل الى دست امارته بالوراثة او التغلب فلا يكاد يجلس في منصبه حتى يكتب الى الخليفة العثماني بنبأ ذلك. ليتلقى الموافقة في صورة مرسوم يقرأ في المسجد على ملأ من أصحاب الحل والعقد في مكة في موكب حافل وطقوس مرسومة.

وظلت بقية المدن في الحجاز تابعة في حكمها لامارة مكة يباشر شؤونها أحد المنتمين للامير في مكة يشاركهم في السلطة في بعض البلاد كالمدينة وينبع وجدة موظف تركي كان الاتراك يندبونه ليمثل سلطتهم فيها.

وكان يرابط في جدة صنجق عسكري تتبعه فرقة عسكرية كاملة حلت محل الجيش الجركسي المهزوم ويقيم الى جانبه فيها موظف تابع للامارة في مكة يتولى حكم الاهالي يسمونه وزير جدة.

وقد اضافوا الى صنجق جدة وظيفة المشيخة على الحرمين ليستطيع ان يباشر شؤون التعميرات في مكة وان يشرف من كثب على ادارة الاعمال فيها كما فعل الشراكسة قبلهم. وكان صنجق جدة يتلقى اوامره من العاصمة التركية مباشرة في بعض الاحيان ويتلقاها في احيان اخرى من طريق الوالي التركي في مصر وكان بحكم منصبه يساعد على عزل الامير المعزول من الاشراف في مكة ويحضر تولية المنصوب فيها ويقدم له الخلعة الخاصة بذلك.

كما ان الوالي التركي في مصر كان له الحق في تقديم مقترحاته في شأن ولاة مكة وذلك لان سلاطين آل عثمان كانوا يثقون بهم ويعتدون بآرائهم لقربهم من محيط الحجاز وبعد عاصمة العثمانيين عنه.

وقد ظلت مكة معفاة من مرابطة العثمانيين فيها ما يقرب من قرنين ثم تغير الامر لأننا نجد فيما قدمنا من حوادث ان فرقا من الانكشارية اخذت ترابط في مكة حوالي القرن الثاني عشر ويظهر اثرها في احداث البلاد يرأسها سردار يتلقى اوامره من صنجق جدة.

ولم يكن للعثمانيين في مكة في اكثر سني هذا العهد موظفون من الاتراك يتولون شيئا من شؤون الحكم الا ما كان من امر القاضي والمحتسب وكانت وظيفة الاخير تضاف في اكثر الاحيان الى (صنجق جدة شيخ الحرم) اما وظيفة الافتاء فكان يتولاها علماء من مكة بترشيح من الامير وتأييد السلطنة العثمانية وسنأتي في الفصل الخاص بذلك على اسماء البيوتات من مكة التي كانت تتولى مركز الافتاء فيها.

وقد ظل صنجق جدة بالرغم من اشرافه على شؤون الحرمين مقيما بحكم منصبه في جدة ولم ينتقل الى مكة الا في العهد العثماني الثاني.

وبالرغم من اقامته في جدة فان سلطته شرعت تتوسع على مدى السنين الى ان اتيحت له مراقبة تنفيذ جميع اوامر السلطنة كما اتيح له في بعض الاحيان التي يتولى امر مكة فيها شريف مسالم او ضعيف ان يحد من نفوذ ذلك الامير ويسيطر باشرافه على مقدرات البلاد.

أما أصحاب الشخصيات القوية من الاشراف فكانوا يتجاهلون سلطته كما يتجاهلون في بعض الاحيان اوامر الخلافة العثمانية نفسها.

وكانت واردات البلاد من الحجاج والمكوس من نصيب الامراء في مكة يستولون عليها ويجعلون بعضها سهاما توزع على اقرباء بيت الامارة وقد ظل ذلك شأنهم في سنوات طويلة من اوائل الفتح العثماني الى ان استطاع قانصوه الوالي التركي في جدة ان يستغل ضعف الامير مسعود في مكة عام ١٠٤٠ كما تقدم بنا وان يضع يده على جميع الواردات ليضمها الى خزانة الدولة العثمانية.

ولم يدم ذلك طويلا لاننا نجد الشريف زيدا رأس الامراء من ذوي زيد ما لبث ان تولى الحكم ونشط للمطالبة بالواردات ومع هذا لم يظفر الا ما يعادل نصفها وبقي النصف الاخر تتسلمه خزائن العثمانيين التي استحدثت في جدة لقاء عناية العثمانيين بشؤون الحج وعمارة الحرمين. وقد حاول بعد ذلك الوالي العثماني في عهد مسعود بن سعيد ان يماطل في استحقاقه من واردات جدة فمضى مسعود بجيشه الى جدة فاحتلها وطرد الوالي التركي ثم كتب بذلك الى الخلافة فارسلت واليا غيره وأمرته بصرف استحقاق الامير.

وباستحداث الخزانة التركية في جدة واستحواذها على نصيبها من الواردات في عام ١٠٤٠ وما بعدها اخذ الحكم العثماني يوطد لنفسه في مكة اكثر مما كان وشرع يزداد عدد الموظفين الذين يتولون مناصب المال ثم شؤون البريد ونظارة السوق واعمال الاوقاف وغيرها وما وافى العهد العثماني الاول على نهايته حوالي عام ١٢١٧ حتى كانت مكة قد الحقت نهائيا بالعجلة التركية واصبحت ولاية تابعة لها في جميع مرافقها السياسية والاجتماعية.

ولا أجرأ على لوم العثمانيين فيما فعلوا فالناس في كل زمان هم الناس في آمالهم الطامحة وأنانيتهم الجامحة وغرامهم بالاستئثار فاي لوم يستحقه العثمانيون اذا فعلوا في سبيل مصالحهم ما فعله ويفعله كل قوي أقلته الأرض.

الذنب في رأي كان ذنب أصحاب البلاد الذين ساعدوا بتخاذلهم وتأخرهم على اغراء العثمانيين بامتلاكهم فبعد ان كانت علاقة اجدادهم السياسية لا تتعدى الدعاء وتأييد الامارة وحماية الثغر في جدة استطاعوا بسبب تنافسهم على مقعد الحكم ان يمهدوا لصديقهم القوي طريق التدخل في مقدرات بلادهم الى آخر بند فيها.

على انني لا اريد ان ابعد في هذا اللوم كثيرا لان فلسفة الذنوب والجرائم لا تقرني على ارتجال الاحكام دون ان اتدبر ما يحيطها من ظروف وأمعن فيما يلابسها من مهيآت.

فأصحاب مكة الذين أعنيهم وهم امراؤها من الاشراف قضوا حياتهم فيها متنابذين متناجزين لا يكاد يغمد سيف من سيوفهم حتى تشرع في وجه صاحبه سيوف ولا يكاد يظفر بالغلبة بينهم ثائر حتى يناجزه ثوار جدد يثيرونها عليه حربا عوانا.

 

هؤلاء الاشراف هل كانوا مذنبين؟

الواقع انهم كانوا كذلك ولم يكونوا. كانوا مذنبين بتعسفهم في فهم الحقائق وتعصبهم لما يرونه حقا وافراط كل فريق منهم في التعصب الى حد العناد الذي يؤدي الى تقطيع الارحام وامتشاق السيوف واثارة الحروب.

ولقد قاست مكة في سبيل عنادهم هذا الويلات والشدائد والموت والجوع ما يعجز الوصف عنه ويكل القلم ، طول أحقاب عديدة كما قاسوا هم انفسهم من جرائه ما يعز معه الصبر.

وأمعن بعضهم في العناد حتى سام اخوانه من العذاب ما لا يطاق وأباح لأنصاره في غامد وزهران أن يهتكوا اعراض مناوئيه في البلاد وفعل غيره أبشع من ذلك.

كل هذه الويلات يعتبرها العرف ذنوبا الا أن الفلسفة لا تلبث ان تتشبث بالظروف الملابسة لتتعرف مدى ما تنطق به.

هؤلاء الاشراف توارثوا الحكم من اجدادهم في وضع مرتبك لا تنظمه قاعدة مسنونة ولا يقيده عهد شامل مكتوب ولا يستقيم الامر لحكومة ملكية على وجه الارض ما لم تنظم لولاية العهد فيها قواعد ثابتة لا يشوبها خلل ولا يتخللها ارتباك والا كانت تلك الشوائب مدعاة للاضطراب والفتن واثارة الحروب.

ولسنا في حاجة الى التدليل على هذا فان تاريخ الحروب الاهلية في كافة الامم على وجه الارض يدلنا بأفصح بيان على أن معظم وقائعها الصاخبة كانت تدور حول محور واحد هو الخلاف على وراثة العهد وذهاب كل من المتطاحنين الى الدعوى بأحقيته دون غيره في الولاية واصراره على نيل هذا الحق مهما كلفه الثمن من دماء وأموال وليس من يشك في ان ولاية العهد لو نظمت في جميع تلك الحكومات تنظيما دقيقا وافيا لاستغنى العالم عن ثلاثة ارباع الحروب العظيمة في التاريخ.

وفي هذا ما يؤيد نظريتنا في ان الانسان في كل ازمنة التاريخ ـ بل وبصرف النظر عن جميع الاعتبارات ـ هو الانسان المجبول على الطمع والأنانية وحب الاستئثار لا يستثنى من ذلك الا نبي معصوم او شخص موهوب ، وهما أقلية في التاريخ نادرة.

بذلك وجد الاشراف أنفسهم قد احيطوا بملابسات قاسية فهذا يرى أحقيته في الامارة بحكم وراثته وذلك يدعيها لأن والد مناوئه كان مغتصبا قبل اليوم فما يمنعه ان يسترد ما غصبه جيل سابق حتى اذا حكم السيف لأحدهما قام من أعقاب المغلوب من يرى أن الدين لا يضيع ما قام له مطالب! فيندفع الى الفتنة او يقوم غيره ليحيى ذكر جد من الاسرة مدعيا بانه الوريث الشرعي له دون غيره وهكذا يتعدد الحق بتعدد وجهات النظر فتبدأ المشادة وتتطور الى عناد فتغلي الدماء فوارة محمومة فيطيش العقل فلا يبصر أمامه الا هدفه المنشود، واذا استثير العناد واستعرت فورة الدماء اندفع الانسان في غياهب الحياة الى أوخم العواقب.

كانت امارة مكة قد انحدرت الى بركات عندما اتصل العثمانيون بمكة عام ٩٢٣ وتوارثها أبناؤه حتى آلت الى عبد الله بن حسن بن نمي الذي تنازل عنها لابنه في عام ١٠٤١ واختار ابن اخيه زيد بن محسن ليشاركه في ادارة البلاد اعتمادا على حصافته وحسن تجاربه فما لبثت هذه الثقة ان جرت الى مشاكل بين ذوي زيد وبني عمومتهم من ذوي بركات وتركتهم يتنازعون أحقيتها ويذيقون البلاد من حروبهم ما يذيقون.

ولقد استفاد الأشراف من هذا النزاع لرجولتهم شيئا كثيرا فكان الرجل منهم ينشأ مقاتلا بطبيعته بكل ما في المقاتل من شجاعة ورجولة وشهامة.

وأساءت اخلاق المقاتل فيهم الى البلاد اساءة لم تتعوضها الى اليوم ولن تتعوضها الا بعد حقبة من الزمن ذلك ان المقاتل فيهم كان عندما يظفر بالغلبة على هذا البلد ويمتلك مقدراته لا ينصرف ذهنه الا الى الكيفية التي يستطيع ان يحافظ بها على دست الامارة من عدوان خصومه لهذا فهو لا يعنى بشيء عنايته بادخال المال في خزائنه بأوسع ما يمكنه الادخار وشراء القبائل وشيوخها واصحاب الكلمة فيها من الاشراف الموالين بأفداح ما يلزم من الاثمان يضاف الى هذا نفقات التحصين والتسليح وبناء المخابىء والتفنن فيها.

لهذا كان الحاكم فيهم لا يجد في اموال البلاد ما يسع مرافقها العامة ولا يجد في اوقاته من الفرص ما يساعد على التفكير في شؤونها الحيوية ، انه في دست امارته في مركز المقاتل الذي لم يدعمه نظام مقرر ولم تحصنه قاعدة ثابتة فأية طاقة فكرية تحتمل البحث في غير شؤون التثبت والتحصين.

اما العثمانيون فلعل اقصى ما كان يهمهم في هذا البلد ان يدعو خطيبها باسمهم عندما كانت علاقتهم في اول امرها محدودة ببعض الالتزامات اما بعد ان تدرجوا في سبيل الاستيلاء عليه بمرور السنين وبعد ان ضموه الى بقية الولايات التابعة لهم فانهم لم يفترضوه اقليما يدر العسل ليعنوا

بخلاياه ويهتموا بمرافق النحل فيه بل تخيلوه مستودعا يرابط فيه المتواكلون والمتعطلون والزاهدون من متقشفي الآفاق فما يمنعهم ان يصرفوا عنه الاذهان وبحسبهم الانتساب المشرف والتبعية في الجملة.

والاهم من هذا ان اصحاب الحل في هذا البلد من الاشراف جماعة لا تلين قناتهم للمستعمر الذي يتغلغل في ثناياهم ويتصل برعاياهم فيهيء منها ما يريد ، ان دون ذلك أهوالا تكلف العثمانيين في رجالهم وأموالهم الباهظ الذي لا ترجى نتائجه فما يمنع العثمانيين أن يلتجئوا الى أيسر السبيلين فيقبلوا ما يصفو لهم من الطاعة لقاء دريهمات يسخون بها لجيرة البيت كما يسخو الثري بنصيب من زكاته على المعتكفين في المساجد من الفقراء.

لذلك قنع العثمانيون في هذا البلد بشرف الانتساب والتبعية في الجملة واعتبروا اصحابه مجموعة متواكلة اعتكفت بجوار الحرم لتطوف الحجاج وتخدم الزوار وتدعو للخليفة السخي وبذلك تركوا اشرافهم يدبرون شؤونه بالشكل الذي يريدون ويقاتلون عليه بالسلاح الذى يشاؤون ، وظلت الدولة في مقامها بدار السلطنة تتلقى اخبار الكوارث والفتن فلا تؤيد ولا تعارض بل تعد مراسمها بالتولية والعزل وكأنما كانت تجعل مكان الأسماء خاليا لتملأه في الوقت المناسب بالأسماء الجديدة من الأشراف الذين ظفروا بالغلبة والتفوق.

وانها سياسة اضرت بالبلاد بقدر ما نفعتها لان كرباج الاتراك الذي ألهب ظهور الرعايا العثمانيين في البلاد المجاورة لم يجد سبيله الى ظهور الاهالي في هذا البلد وأنى يجد السبيل وفي حكام البلد من الاشراف من لا تكسر الكرابيج شأفته.

وقد نرى العثمانيين في عهد متأخر ينتصرون في أحيان قليلة لبعض الأشراف على بعض ويصدرون اوامرهم بعزل البعض وتولية الاخرين وقد يشفعون اوامرهم بقوة عسكرية تصاحب امير الحج الشامي او المصري لتنفيذ اوامر الخليفة الا أن أمر الخليفة لا يخرج في مجموعه عن عن السياسة العامة المقررة فالامارة لا تنقل بالعزل الا الى قريب من المعزول : أخيه أو أبيه أو فرد من بني عمومته وهي في بعض الاحيان تنقل ثم تعود بالتغلب فلا يملك الخليفة الا ان يبرم ما نقضه أمس أو ينقض ما كان قد ابرم ، ذلك لأن علاقته السياسية لا تبيح له التغلغل الا بقدر ، ولا تتيح له التولية او العزل الا في حدود لا تتعدى نطاق بيوت الاشراف الحاكمة.

وكانت قوة جدة التركية ثم قوة مكة فيما بعد لا يزيد عددها في اكثر الاحيان عن ستة «بلوكات» وكان رؤساؤهم اذا وقعوا في مشاكل ادارية لعب السيف بينهم وبين الاشراف كما لو كانوا اناسا عاديين لا تميزهم شارة الخلافة وقد يتم الظفر لهذا الجند فينادون بسقوط الامير وتولية قريب من بيته وقد يهزمون فيشردون في البوادي حتى تنتهي اخبارهم الى دار السلطنة فيندبون غيرهم ويوصونهم بالسكينة والهدوء.

وكان للأمير جند خاص به قوامه عدد من مرتزقة اليمن وبعض البدو من اطراف مكة يضاف اليهم احيانا بعض المرتزقة من مجاوري المغاربة والحضارم والافغانيين وكان يصل تعداد الجند الى بضعة آلاف سوى العبيد الذين يصل تعدادهم أحيانا الى ما يزيد عن الالف.

واذا دعا داعي الحرب اعتمد الامير الى جانب جنده في الدفاع على بعض الموالين له من القبائل شرقي مكة وغربها وجنوبها وبذل لهم من امواله ما يرضيهم ، ويعتمد الى جانب ذلك على السوقة من المواطنين في احياء مكة بعد ان يجمعهم من طريق مشايخهم في الحارات.

وكان رجال السوقة في مكة ويسمونهم «اولاد الحارة» يمتازون بجزء كبير من الحمية والجرأة وذلك بحكم نشأتهم في بيئة معرضة للفتن والقلاقل وحاجتهم الى الذود عن بيوتهم في أثنائها بينما يمتاز رجل القبيلة بالخفة واحكام الهدف بحكم نشأته في الجبال السامقة وحاجته الى سرعة العدو وتسديد الرمي ، أما العبيد فشأنهم اعلى من ذلك لأنهم يدافعون عن نفوذهم وسلطانهم في البلد وهما رهينان ببقاء سيدهم في دست الامارة.

ومن قواعد الاشراف النبيلة أن الشريف المغلوب لا يخشى الغائلة على اهله اذا اجلى عن مكة وفي استطاعته أن يكل امرهم الى من يختاره من كبار الاشراف ليظلوا في سربهم تحميهم القاعدة حتى يستدعيهم رب العائلة الى حيث أراد او يعود اليهم ظافرا بامارته المنزوعة.

وكانت حروف الاشراف قبيل هذا العهد قوامها السيف والخيل والعصا ثم اضيف الرصاص في اوائل هذا العهد ثم ما لبثوا أن استعملوا المدافع وكانوا كثيرا ما يتخذون من بيوتهم حصونا ومن نوافذهم متاريس ومن شوارع مكة ميادين لقتالهم فكان أصحاب الحوانيت عرضة للنهب والسلب في كل مناسبة كما كان أصحاب البيوت لا يأمنون على اموالهم فيها اثناء الحروب وكثيرا ما اتخذوا من عرصات المسجد وأروقته ميادين لقتالهم خصوصا في فتنتهم مع الترك ذلك لأن بيوتهم كانت تحاذي المسجد من بعض جوانبه فيضطر الخصوم لقاتلتهم من الجوانب التي تحاذي المسجد من أضلاعه الأخرى وقد يحتدم القتال فيتصل بالمسجد.

وكانت مكة لا تتمتع باستقرار حتى تفاجئها حركات ثورية جديدة لان اشرافها كما اسلفنا يحتكمون في خلافهم على الامارة الى سيوفهم فتتعرض البلاد في اكثر سنيها الى فتن شعواء وقد تتجدد الفتن في العام الواحد لاكثر من مرة.

أما مواسم الحج فيها فكثيرا ما كانت تتعرض لهذه الفتن ويتعرض الوافدون اليها لأهوال لا تطاق ولعل للدولة العثمانية أكبر الأثر في اثارة الفتن أيام المواسم لان اوامر عزلها اذا استطاعت العزل ترسلها الى مكة صحبة الحاج الشامي وتكل اليه امضاءها بقوته العسكرية فيمضيها في أوقات الموسم

وفي اواخر العهد الذي ندرسه ـ حوالي القرن الحادي عشر والثاني عشر الهجري ـ كانت اوامر الخليفة ترسل من طريق الوالي في مصر ليبلغها الى الامير في مكة او ينفذها بقوة من عسكره المرابطين في مصر ولهذا وهم بعضهم عندما جسب ان مكة كانت تتبع الوالي في مصر والواقع أن امراء مكة كانت علاقتهم بالولاة في مصر علاقة العميل بالوسيط الذي يثق فيه الخليفة ويقدر عنصره التركي.

ولا يستطيع الباحث اذا اراد أن يحصي ظروف الاستقرار والاطمئنان في مكة طيلة هذا العهد الذي نؤرخه أن ينتهي الى نتائج سارة لأن مكة بقيت معرضة لسلسلة من الفتن يعز حصرها وتعدادها ولعلها لم تهدأ ولم يقر لها قرار في غضون ذلك نحو ثلاثة قرون الا مددا قصيرة متفاوتة لم يزد مداها في اطول الاوقات عن عشر سنين اذا استثنينا العهد الذي كان يحكمه بركات وابنه أبو نمى الثانى وحفيده حسن وهو عهد لا تزيد مدته عن ٨٠ سنة.

 

 

 شعار المرجع الالكتروني للمعلوماتية




البريد الألكتروني :
info@almerja.com
الدعم الفني :
9647733339172+