عودة مكة الى ذوي زيد
المؤلف:
احمد السباعي
المصدر:
تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع
الجزء والصفحة:
ج2، ص 443- 449
20-11-2020
1557
عودة الحكم الى ذوي زيد ـ أحمد بن زيد :
وفي هذه الأثناء كان الشريف احمد بن زيد موجودا في تركيا لأنه استوطنها على اثر فراره يوم العيد من منى بصحبة اخيه سعيد بن زيد كما مر معنا سنة ١٠٨٣ فرأى الخليفة ان يعهد اليه بالامارة ليحل محل سعيد بن بركات فصدر مرسومه بذلك وقد قيل ان الشريف أحمد عرضت عليه أثناء اقامته في استامبول ولاية طرسوس كما عرضت عليه امارة اخرى بجهة «الروملي» فلم يقبل واحدة منهما وقال ان تفضلتم بولاية بلادنا والا فاني باق تحت انظار السلطنة الا ان السلطنة ما لبثت ان اضطرته الى قبول ولاية كرك كلية فظل فيها نحوا من سنة ثم عاد الى الاستانة وظل بها الى ان تم اختياره لامارة مكة في عام ١٠٩٥ (١).
وقيل ان السلطان عندما قابل الشريف احمد يوم تقليده الامر صافحه بغاية الاجلال وهو يكرر اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد .. ثم قال له يا شريف أحمد ان الحجاز خراب واريدك لتصلحه (2) وهكذا عاد الحكم الى ذوي زيد بعد ان غادرهم اثني عشرة سنة.
وتوجه الشريف احمد على اثر هذا الى الشام ليصحب الحج الشامي.
وانتهت الاخبار الى مكة بقدوم الشريف احمد فاسرع الشريف سعيد الى استحضار الشريف مساعد بن زيد وقال له في مجمع من كبار الاشراف ان عمك الشريف احمد في طريقه الى مكة ليتولى امرها بدلا مني وسأغادر مكة بناء على ذلك بعد ان استودعك أهلي ليظلوا في صيانتك حتى يتم ترحيلهم فقبل مساعد ذلك.
وفي صبيحة الليلة التي سافر فيها الشريف سعيد انعقد مجلس في المسجد خلف مقام الحنفي حضره سائر الاشراف ووالي جدة والقاضي والمفتي والعلماء ووجوه الناس وقرروا اقامة «مساعد» في الامارة وكالة عن عمه الى ان يصل عمه مكة .
ووصل الشريف احمد الى مكة في ٢ ذي الحجة ١٠٩٥ ودخلها في موكب حافل وجلس للتهنئة على عادتهم في ذلك ومدحه الشعراء الذين مدحوا من قبله وسيمد حون من بعده.
وما لبث احمد ان نشر لواء العدل فاستقر الناس بعد اضطرابهم وأمنت الطرق (3).
حادثة الشيخ القلعي :
وفي هذا العهد جرت الحادثة المشهورة بحادثة القلعي وتتلخص في ان المصلين بالمسجد الحرام ظلوا في فجر يوم ١٥ ربيع الثاني عام ١٠٩٧ ينتظرون حضور الامام المختص بالصلاة وهو الشيخ تاج الدين القلعي فأبطأ فتقدم للصلاة بالناس احد الحاضرين من المجاورين.
وكان والي جدة وهو شيخ الحرم لذلك العهد أحمد باشا مع المصلين فلما علم بابطاء الشيخ القلعي غضب لذلك واستدعاه الى مدرسة الداودية وأمر بضربه على رجله.
فلما علم الأئمة بما نال زميلهم اشتد سخطهم واتصلوا فورا بامير البلاد أحمد بن زيد وطلبوا اعفاءهم من الامامة جميعا أو ترد كرامتهم اليهم بتأديب أحمد باشا.
فطلب الامير اليهم ان يتقدموا الى مفتي البلاد الشيخ عبد الله عتاقي زاده باستفتاء رسمي في ذلك ليوقع بامضائه على ما يقضي به الشرع فلما تقدموا به وقع المفتي بوجوب تعزيز من اهان اهل العلم.
فكتب الأمير باحالة الافتاء الى القاضي الشرعي فاستحضر القاضي الباشا وحكم عليه بالتعزيز الا ان الباشا استرضى الشيخ القلعي وصحبه الى بيته وطيب نفسه فتنازل عن دعواه.
وأسرها الباشا للمفتي فلم تمض مدة حتى تقدمت شكوى الى الباشا بصفته شيخ الحرم بان المفتي احدث لبيته مجرى «قصبة» في جدار المسجد فانتدب من يشرف على ما أحدث فقرر المشرفون ان «القصبة» غير محدثة فلم يقنع حتى اطلع عليها. وقد قيل انه لم يجد شيئا محدثا ولكنه رغم ذلك استحصر المفتي وسبه وضربه حتى ادماه وداسه برجله فذهب المفتي الى الشريف يشكو ما حدث وذهب الباشا ملتجئا ببيت القاضي «وهو من الاتراك في العادة» فأرسل الشريف الى القاضي يطلب حجز الباشا حتى يقضي الشرع فيه وضج الاهالي في مكة وتألبوا جماعات حول بيت القاضي واخذ بعضهم يحصب النوافذ بحصباء الحرم.
رأى الباشا أن يلتجىء بعد هذا بالشريف احمد امير البلاد فأصلح الامر بعض الاصلاح واسترضى المفتي مؤقتا ثم كتب الى الخليفة في تركيا فجاء الامر بعزل احمد باشا عن ولاية جدة ومشيخة الحرم (4).
اجلاء النصارى عن جدة :
وفي هذا العهد أصدر شيخ الحرم والي جدة أمره بان لا يبقى في جدة غير مسلم وشدد في تعقبهم فغادر جدة غير المسلمين عن آخرهم ولم يبق منهم الا من اعلن اسلامه (5).
وغزا الشريف أحمد القبائل العاصية في شرق البلاد فطوعها ثم انتقل الى الشمال حتى انتهى الى المدينة ثم عاد الى مكة فدخلها في هلال ذي الحجة محرما فطاف وسعى بالليل ثم خرج الى الزاهر فبات ليلته ليدخل مكة في الصباح في موكبه الرسمي على جري عادتهم.
وفي اواخر ربيع الثاني عام ١٠٩٩ مرض الشريف احمد وفي ١٢ جمادي الاولى ١٠٩٩ توفي الى رحمة الله عن عمر يناهز ٧٤ سنة وكانت ولايته هذه أربع سنوات الا ثلاثة أيام.
ازالة النواتىء :
وفي هذا العهد امر احمد باشا نائب الشرع بلكات العسكر الانكشارية في عام ١٠٩٨ ان يمروا من باب الصفا الى المروة ليزيلوا النواتىء والظلل ثم ركب في اثرهم فدخل الى سويقة والشامية وأمر بازالة نواتىء الدكاكين فيها (6).
سعيد بن سعد :
وكان ابن اخيه سعيد بن سعد بن زيد يخصه بمحبته ويعتمده في كثير من اعماله وربما امره بالجلوس في منصته بديوان الامارة فلما توفي العم اجتمع كبار العسكر وبعض الاشراف والاعيان لدى قاضي الشرع واتفقوا على تنصيب سعيد وقد نصبوه وكتبوا بذلك الى مقر الخلافة في تركيا.
وكان الشريف احمد بن غالب ـ من ذوي بركات ـ يقيم في هذه الاثناء في ينبع فكتب الى صاحب مصر وهو من الاتراك يبذل ما لا يقدره الدحلان (7) بمائة كيس ويطلب اليه العمل على توليته مكة ووهبه غير ذلك مالا كان مجتمعا في مصر لفقراء مكة يبلغ نحو ٧٥ ألف قرش!! فكتب صاحب مصر الى والي جدة بموافقته على تنصيب الشريف أحمد فامتثل والي جدة ونادى بذلك في جدة واتصلت الاخبار بالشريف سعيد في مكة فأبى ان يسلم وقال ان والي مصر لا يحكم الا مصر وصعيدها وان دون مكة السيف او يصدر الينا الامر من السلطان.
وتحرك عسكر جدة بصحبة الشريف احمد بن غالب متوجهين الى مكة فلما انتهى الى النوارية (8) وكان ذلك في اواخر رمضان عام ١٠٩٩ كتب الى الشريف سعيد يطلب اليه مغادرة البلاد فلم يمتثل وفي غرة شوال تقدم العسكر الى مكان العمرة عند مسجد عائشة فشعر الشريف بدنو الخطر ورأى بعض انصاره يتخلون عنه فغادر البلاد عن طريق الطائف.
احمد بن غالب :
ودخل الشريف احمد بن غالب مكة في ثاني شوال ١٠٩٩ في موكب حافل وهنأه المهنئون وامتدحه الشعراء على جري العادة.
وفي شهر ذي القعدة وصل مرسوم سلطاني يتضمن أن والي مصر كتب الى الخليفة بان الاشراف متفقون على تنصيب احمد بن غالب وان الدولة توافق على تأييده فقرىء المرسوم في الحطيم وزينت مكة ثلاثة ايام.
ومن أعمال احمد انه اعلن للتجار والاغنياء ان يقدموا زكاتهم الى دار الامارة لتتولى صرفها (8).
وما اهل عام ١١٠١ حتى كان الخلاف قد نشب بين الشريف أحمد وكثير من الاشراف فأعلن ذوو زيد عصيانهم وتوجهوا الى ينبع فنادوا فيها بامارة محسن ابن الحسين بن زيد واعلن جماعة من ذوي عبد الله ـ العبادلة ـ العصيان وتوجهوا الى القنفذة فاحتلوها وقطعوا الطريق الى اليمن ثم اعلن العصيان ذوو حارث ثم اعلنه غيرهم من الاشراف وقد اجتمع هؤلاء بأحد أولاد مبارك بن شنبر واعتصموا بالحسينية على كيلو مترات من مكة (9).
وبذلك عمت الفوضى واضطرب الامن واشتد الكرب وما اهل رجب حتى كانت الاخبار قد وافت الى مكة بان العصاة في ينبع والطائف ينادون بأمارة محسن بن الحسين بن زيد وأن والي جدة نادى به في اسواق جدة وان الاشراف يجتمعون في الزاهر (10) حيث يوافيهم عسكر جدة لهجوم مكة فأمر الشريف احمد بنصب المدافع في الشبيكة والمسفلة والمعلاة في كل جهة مدفعان ثم اخرج بعض بني عمه في جماعة من عسكره اليمنيين وبعض الاشراف الى جرول لملاقاة اعدائه في بيت الزاهر وندب بعض المقاتلة للدفاع من جهة المسفلة والمعلاة وبقي في بيته ينتظر النتائج.
وندب الشريف محسن بعض الاشراف لمقابلة قاضي الشرع في مكة فلما قابلوه عرضوا عليه صورة مرسوم بتعيين الشريف محسن وقالوا انه صورة طبق الاصل وطلبوا تسجيله فامتنع القاضي حتى يحضر الاصل فثاروا به وضربوه واشتبك اتباع الفريقين في المسجد وفي جوار المحكمة بباب الزيادة وهوجمت بعض بيوت الاعيان والموظفين.
وفي اثناء الاضطرابات ارسل الشريف محسن برسالة خاصة الى الشريف احمد قبل الامير على اثرها ان يغادر مكة فغادرها في ٢٢ رجب عام ١١٠١ بعد ان حكمها سنة كاملة وتسعة وعشرين يوما (11).
وفي التذييل على شفاء الغرام للعلامة الفاسي (12) ما يخالف هذا فيقول : ان ذوي زيد تقدموا الى مكة من الطائف فاحتلوا جزءها الاعلى عنوة وأقاموا به يناجزون خصمهم نحو ٢٠ يوما حتى استطاعوا اجلاء أحمد بن غالب عنها.
والتجأ أحمد بامام اليمن وحاوله ليساعده على استرداد الحكم في مكة فلميقبل ثم ما لبث أن طيب خاطره وولاه حكم بلاد عسير وكانت تابعة لحكم اليمن ثم اضاف إليه بعض الامارات وقد ظل في حكمه نحو ٤ سنوات (13).
_______________
(١) خلاصة الكلام للسيد الدحلان ١٠٤
(٢) منائح الكرم للسنجاري «مخطوط»
(3) منائح الكرم للسنجاري «مخطوط»
(4) خلاصة الكلام للسيد أحمد زيني دحلان ١٠٨
(5) افادة الانام للشيخ عبد الله غازى «مخطوط»
(6) منائح الكرم للسنجاري «مخطوط»
(7) خلاصة الكلام ١١٠
(8) هي بطن سرف بين التنعيم ووادي فاطمة
(9) منائح الكرم للسنجاري «مخطوط»
(10) هو وادي فخ ونسميه الشهداء أو الزاهر.
(11) خلائة الكلام للسيد دلاحن.
(12) تذييل الشيخ عبد الستار الصديقي ٣٠٧.
(13) المخلاف السليماني ٢ / ٤٠٤.
الاكثر قراءة في مكة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة